حكومة “الإمتاع والمؤانسة” ليست كأي حكومة لبنانية سابقة، فهي تحوي في جنباتها وزراء حين يُسألون عن توجه الحكومة لتطبيق قرارات المحكمة الخاصة بلبنان فيجيبون عن زيادة عدد شرطيي تنظيم السير، وفيها المفوهين الذين يلتقطون اللغة العربية ويمسحون بها الأرض فيصرخ سيبويه من قبره “ألا فانقذوني”، أما آخر “إمتاعات” هذه الحكومة فقد أتت مع الزيارة التي قام بها وزير الإعلام في “حكومة حزب الله وحلفائه” وليد الداعوق، إلى مكتب الرئيس سليم الحص في عائشة بكار.
فالوزير الداعوق نسي أنه وزير للإعلام في الحكومة وبدلاً من القيام بتحضير بيان يقرأ عنه ما يريد قوله بما أن لغته العربية لم يكتمل نضوجها، فقد تحدث مباشرة إلى الإعلاميين مطيحاً بكل آداب اللغة العربية، مع أنه كما يرد في التعريف عنه محام ويعمل في المهنة، أي أنه على القليلة كان بإمكانه أن يستفيد من القضاة اللبنانيين خلال ممارسته لمهنته.
المهم أن الوزير الداعوق، جعل اللبنانيين الذي استمعوا إلى بيانه يترحمون على اللغة العربية الرائعة التي تمتع بها وزراء سابقون للإعلام، فأقله لم يكن بينهم من يستعمل أمام شاشات التلفزة جملة فيها “عملت جولة أفق التحديات اللي عمبتصير بالمرحلة اللاحقة اللي نحن رح نواجهها”، فالوزراء السابقين على عهد حكومة “حزب الله وحلفائه” مثل الوزير طارق متري والوزير غازي العريضي مشهود لهم بالكفاءة اللغوية التي يحتاجها وزير الإعلام في أي حكومة.
ولكن وبما أن الحكومة الحالية التي أتت بعد انقلاب “صباح القمصان السود” تحوي قلة من الأكفاء، وفيها قلة ممن هم الرجل المناسب في المكان المناسب، فليس مستغرباً أن يختاروا من يمثل العاصمة بيروت في الحكومة ممن ليس عمله متابعة الإعلام والإعلاميين، إلا إذا كان معاليه سيعمل على ملاحقة الصحافيين ومحاكمتهم، بما أن الفارق اللغوي بينه وبينهم أعرض من الطريق بين بيروت والمربع الأمني في بئر العبد.
وفي الاستكمالات “الممتعة” التي وضعها الوزير الداعوق خلال حديثه جملة جميلة جداً، فالمفترض به أن يكون وزير كل لبنان، لا وزير العائلة الفلانية – مع الاحترام والتقدير لكل العائلات اللبنانية وتحديداً عائلتي الحص والداعوق – فإن وزير الإعلام أراد مع الرئيس الحص “تأكيد متانة العلاقات بين توحيد الصف بين اللبنانيين جميعاً وأهل بيروت خاصة لاسيما بين آل الداعوق وآل الحص بما فيهم علاقات قربى بين بعضهم”.
إذاً وزير إعلامنا “المفوّه” وبعد زيارته الرئيس الحص الذي يعتبر قيمة تاريخية للبنان مع كل الإختلاف في السياسة، حوّل هذه الزيارة إلى توحيد الصف العائلي وقد يكون قصده هنا تعداد الزواجات والمصاهرات بين العائلتين، أو قصده مثلاً شدّ العصب البيروتي الأصيل في مواجهة التمدد المناطقي إلى العاصمة.
أما فكرة الرجل المناسب في المكان المناسب والتي مرّت في معرض حديثه والتي تبعت تأكيده أن “الحكومة بعد نيلها الثقة رح تجي تشتغل دون أي انتقام فيما يتعلق بالتعيينات وبدون أي تشفي” فهي تناسب تعيينه في منصبه ممثلاً عن أبناء العاصمة. ليتبعها بقصة “الثروة النفطية اللي هلق (حالياً) منحصل عليها في لبنان” متناسياً في “البعد الإستراتيجي” أن لبنان ولحد اليوم ليس بلداً نفطياً قبل أن تقوم الشركات العالمية بإنتاج هذه المادة.
إنها حكومة الإنقلاب على كل شيء، وكما نرى فمن أعطى إشارة الانطلاق لتأليفها في دمشق وبئر العبد، لم يرد أن يضع وزيراً للإعلام يعمل بما هو اختصاصه، والسبب بالتأكيد حصول حلفاء “حزب الله” على مقاعد كان يمكن للوزير الداعوق أن يعطي فيها أكثر مثل وزارة العدل وغيرها، ولكن بما أنه ممنوع على العاصمة أن يكون لها وزارة سيادية في هذه الحكومة، فليس مستغرباً أن يكون معالي الوزير بعيداً عن وزارة قد يستطيع أن يصنع بها معجزات وخصوصاً أن ختم حديثه بتأكيده الحرص على المحكمة الخاصة بلبنان وإحقاق الحق والعدالة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
omar_harkous@hotmail.com
كاتب لبناني