تفتقد الهيئتان، الشرعية والتنفيذية، في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، منذ العام 2004، الى اي شرعية قانونية تبرر استمرارهما على رأس هذه المؤسسة الرسمية التي نشأت في العام 1969. والمجلس، الذي لم ينتخب رئيسا له منذ وفاة الامام الراحل الشيخ محمد مهدي شمس في مثل هذه الايام قبل عشر سنوات (كانون الثاني 2001)، لم يشهد انتخابات لهيئتيه رغم مرور 7 سنوات على نهاية ولايتيهما الممددتين مرات عدة منذ مطلع الثمانينات من القرن الماضي، علما انه جرى انتخابهما في العام 1975.
ولم يبادر مجلس النواب، حتى اليوم، الى اتخاذ اي اجراء قانوني على هذا الصعيد، سواء لجهة الدفع نحو اجراء العملية الانتخابية او اتخاذ قرار بالتمديد للوضع القائم. فيستمر الحال على ما هو عليه اليوم في ظل تساؤلات حول الاسباب التي تحول دون ذلك، علما ان المسؤولية تقع على عاتق “حزب الله وحركة “أمل” في استمرار هذا الخلل القانوني، باعتبارهما الجهتين اللتين تقرران في هذا الشأن داخل مجلس النواب وفي هيئتي المجلس الشيعي، بسبب حجم تمثيلهما الذي لا ينافسهما احد عليه.
في هذا السياق يرجح عضو رسمي في المجلس الشيعي أن لا مصلحة، على ما يبدو، للطرفين، في اعادة ترتيب الوضع القانوني والمؤسساتي لهذه المؤسسة، فيما يسعى كل منهما الى محاولة الحفاظ او السيطرة، تحت عنوان التحالف بينهما، على ما يمكن ان يعزز الحضور الخاص داخلها لكل منهما.
ويتابع المصدر: “مع انكفاء استقلالية المؤسسة وخصوصيتها الى حدود اختفائها تقريبا، تحول المجلس الى هيئة هدفها القاء البيانات الصادرة باسمه، والتي يجري اعدادها وصياغتها من قبل مندوبي أمل وحزب الله، وغالبا ما تمر من دون اي تعديل، الا في بعض الاحيان التي يعترض فيها نائب الرئيس الشيخ عبد الامير قبلان”.
ويشير المصدر الى محاولة قام بها الرئيس نبيه بري من اجل ترتيب انتخاب رئيس للمجلس ونائبي الرئيس والهيئتين، الا انه فوجىء بموقف “حزب الله” الذي ابدى اهتماما غير مسبوق بالمشاركة في اختيار الرئيس ونائب الرئيس وغيرهما، ما جعل الرئيس بري ينكفىء بعدما تبين له ان بقاء الوضع القائم هو افضل من ان يدخل في صفقة لا تؤمن له شروطا افضل.
واذا كان البعض يعتبر ان نائب رئيس المجلس الشيخ عبد الامير قبلان هو الاقرب الى الرئيس نبيه بري منه الى حزب الله، فان هناك من يقول ان هذا الواقع بدأ يتغير منذ سنوات، ومع تطور نفوذ “حزب الله” في المؤسسة، الى جانب الإهتمام الإيراني بها من خلال الدعم المالي لبعض الشخصيات المفصلية فيها، الى تراجع النفوذ السوري، واللامبالاة او العجز الذي ينتاب جهات مستقلة في المجلس. هكذا باتت الصورة تتغير لصالح “حزب الله”، الذي نجح، بحسب المصدر، في جذب الكثيرين نحوه، ممن كانوا محسوبين على الرئيس بري او على حركته “أمل”.
ازاء ذلك كله ثمة ما يشبه الاجماع على أنّ مؤسسة المجلس الشيعي تعيش حاليا مرحلة لم تشهدها في تاريخها، لجهة تضعضعها، وانحسار دورها وحضورها الخاص. واذا كان البعض يحيل ذلك الى تراجع في الحالة الصحية للشيخ عبد الامير قبلان وتمنعه من ممارسة نشاطاته بشكل طبيعي، فإن الثابت ان المؤسسة افتقدت دورها وتحولت الى منبر لبيانات تصدر بين الحين والآخر ليس اكثر، من دون ان يظهر فيها ما يشير الى اهتمام يتجاوز بعض المهمات الروتينية، التي تندرج في سياق المصالح الضيقة لأفراد ليس أكثر.
هذا التراجع والانكفاء جعلا المجلس الشيعي امام خيار المزيد من الانحدار، والهامشية، او توصل الرئيس بري وحزب الله الى صيغة تعيد تنظيم اوضاعه، وهو ما يبدو مستبعدا، في ظل عدم رغبة الطرفين بدعم مرجعية شيعية لا يريان حاجة لوجودها خارج التحكم الكامل.
وأمام عجز الرئيس بري عن اعادة ادراجها ضمن شروطه السياسية، تبدو فرص سيطرة “حزب الله” على المجلس أقوى من السابق. هذا ما يؤكده المصدر نفسه الذي يعتقد ان الحزب، كحزب ديني وشيعي في بلد مثل لبنان، لا يمكن ان يتهاون في شأن السيطرة على هذه المؤسسة الدينية والشيعية الرسمية.
ويختم: “هذا ما هو قائم اليوم وسيتضح اكثر في الاشهر المقبلة”!!
تحلو للمصدر عينه المقارنة بين بكركي، مقر البطركية المارونية، وبين حارة حريك، حيث مقرّ المجلس الشيعي، فحين تذكر المنطقة، يتذكر المستعمون “حزب الله”. والبطركية، كما يعرف اللبنانيون، والعالم كلّه، تقود المسيحيين وخياراتهم، فيما يبدو المجلس الشيعي ملحقا وتابعا وهامشيا.
هكذا يمكن فهم مستقبل المجلس، في الحارة، بعيدا عن أيّ استقلالية.
“صدى البلد”
إقرأ أيضاً:
فساد في المجلس الشيعي؟: وثيقة إصلاحية تتهم نصرالله وبرّي بتغطية “مزرعة آل قبلان”!