فازت حركة حماس في آخر انتخابات تشريعية فلسطينية في العام 2005. وقامت بانقلابها منذ أكثر من ثلاث سنوات مبررة تصفيتها لحركة فتح والسلطة الفلسطينية السابقة بطرحها مشروعا لمحاربة الفساد، والارتقاء بأوضاع الفلسطينيين المعيشية، وعلى أساس من برنامجها المقاوم وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، كما تدعّي.
فهل استطاعت تلك الحركة الوفاء بوعودها، وهل تمكنت من أن تكون نقيضا لمنافسيها في السلطة الفلسطينية السابقة؟ ومن الذي يستطيع مساءلة حكومة غزة عندما تعجز عن تحقيق برنامجها الذي طرحته؟ كل تلك الأسئلة وغيرها لا بد أن تستوقفنا ونحن نحاول تلمس حصاد الحركة على أرض الواقع.
وبعيدا عن ضجيج الشعارات البراقة التي ترفعها حكومة غزة الحمساوية، وبعيدا عن قدرة بعض قيادييها على إلهاب المشاعر وإثارة الغرائز البدائية في أوساط جمهورها، فإننا سنحاول معرفة أهلية من تسلموا مقاليد السلطة لمعرفة أين صارت تلك الوعود وما الذي تحقق منها.
أكدت مختلف الدراسات الصادرة من القطاع عن تردي جميع أوجه الحياة الاقتصادية في القطاع، وخصوصا بعد أن جرّت حكومة حماس القطاع كله لحرب غير متكافئة مع إسرائيل حصدت فيها أرواح أكثر من 1400 شخصا، وخمسة آلاف جريح ومعاق، ودمرت أكثر من عشرين ألف وحدة سكنية ،وخسائر قدرت بأربع مليارت دولار طالت مختلف المنشآت الاقتصادية سواء منها الزراعية أو الصناعية ودون تحقيق أية انجازات سياسية على الأرض. وهي لم تستطع حتى الآن إزالة آثار هذه الحرب التدميرية التي تتضح معالمها في انهيار كامل البنية التحتية، وانهيار كافة الخدمات الأخرى.
مقارنة لا بد منها: في الوقت الذي تشهد فيه مدن وقرى الضفة الغربية نموا متزايدا من خلال اهتمام حكومتها بإعادة الإعمار وبناء المؤسسات في كافة مناحي الحياة الفلسطينية، لا نجد في غزة ما يوازي ما يحصل في الضفة، بل على العكس من هذا تماما. فقد بينت دراسة قام بها مركز الإحصاء الفلسطيني أن هناك تحسنا في الأداء الاقتصادي على كافة الأصعدة والمستويات. وقد رصد مركز الإحصاء الفلسطيني في دراسة مقارنة له بين سنتي 2009 وبين 2008 شملت مختلف قطاعات الحياة في الضفة الغربية سواء منها الزراعية أو التجارية والصناعية، إضافة إلى الكثير من التطورات والمشروعات الهامة على صعيد تحسين حال البنى التحتية. ولاحظت الدراسة تقدما لا يستهان به في القطاعات الصناعية والزراعية وأعمال الإنشاءات والإعمار. كما أشارت الدراسة إلى انخفاض ملحوظ في نسبة البطالة. في الوقت الذي تشير فيه كافة الدراسات الصادرة عن غزة إلى تراجع ملحوظ على هذه المستويات.
والدراسة الأهم في هذا المجال، قدمت معلومات وإحصائيات عن تراجع نسبة مساهمة القطاع في الاقتصاد الوطني من 35% إلى 10% من مجمل النشاط الاقتصادي الفلسطيني. كما أشارت إلى حقيقة الواقع الصناعي والتجاري فأظهرت حال استفحال التجارة غير الشرعية الواردة من الأنفاق بنتائجها المدمرة التي كان أخطر مظاهرها تلك المتعلقة بنمو فئات طفيلية جديدة تنهش في لحم الاقتصاد الفلسطيني، وتمارس بدورها فسادا غير مسبوق. وأدت إلى نزوح كبير في أوساط رجال الأعمال والمستثمرين وتدهورت حال الزراعة التي كانت تشكل ما نسبته 70% من إجمالي الصادرات الزراعية للأراضي الفلسطينية، وصارت المنتوجات الزراعية بالكاد تكفي السوق المحلية عدا عن توقف وتعطيل 95% من المنشآت الصناعية عن العمل. كما سجلت نسبة البطالة أعلى معدل لها وتجاوزت نسبة 50%. كما انخفضت حركة الواردات بنسبة 75%، عدا النقص الحاد في الوقود والكهرباء والأسمنت والحديد الخ إالخ..
أما على الصعيد السياسي، فقد قسمت حركة “حماس” الوطن الصغير إلى قسمين متناحرين. كما أضعفت القدرة السياسية للفلسطينيين وأعطت ذريعة لإسرائيل لا للتشدد فحسب، بل لطرح مطلب الاعتراف بيهودية الدولة كرد على “أسلمة” دويلة غزة.
أما على صعيد الحريات فحدث ولا حرج. وإذا كان القول أن وضع الحريات السياسية في الضفة الغربية لم يرقَ حتى الآن إلى المستوى المطلوب وهو غير مرض عموما ويحتاج إلى إصلاحات كبيرة، فإن حال القطاع من هذه الناحية هو في الحضيض. وهو يسير باستمرار من سيء إلى أسوأ، سواءً من حيث الاعتداءات المتكررة على الحريات السياسية أو حتى الحريات الاجتماعية والفردية. فالاعتداء على المنظمات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني، كما الاعتداء على مختلف المنظمات الفلسطينية، كما تبين المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، يكاد يكون سلوكا شبه يومي. كما أن حملات الاعتقال والتعذيب والموت تحت التعذيب، صارت من الأمور المألوفة في سجون حكومة “حماس”، هذا عدا عن الاعتداء على حرية الأقلية المسيحية وحرية عباداتها، وحرية المرأة من خلال فرض زي معين وموحد على النساء. والحوادث في هذا الصدد أكثر من أن تُعد أو تُحصى.
لقد تسببت حركة حماس بمجيئها إلى السلطة بتلك الطريقة الدموية بفرض حصار قاس على القطاع أدى إلى عزلته عن العالم كليا. لقد استفادت حركة حماس أعضاء وحكومة من حالة الحصار تلك وأثرت على حساب قوت الناس وكرامتهم، ونمت حالة مأسوية هي أصعب وأقسى من أي فساد. والأدهى من كل هذا وذاك أنها أفقدت الغزيين جزءا عزيزا من أنفتهم واعتزازهم بكرامتهم،عندما حوّلت القسم الأكبر منهم إلى متسولين ينتظرون عطف وصدقات إيران ومن لف لفها.
بقى أن نقول أن برنامج حركة حماس الموعود للمقاومة قد طوي هو الآخر بعد الحرب الأخيرة على القطاع. فصارت حكومتها تعتقل كل من يطلق النار باتجاه الإسرائيليين، لا بل صارت تتهم كل من يحاول ذلك بشتى التهم ولا تتردد في الزج به في سجونها وتعريضه لأقسى أنواع التعذيب. وأكثر من ذلك فإن حكومة الحركة صارت ترسل الإشارات والرسائل إلى القوى الدولية، باستعدادها للتخلي عن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وقبولها بدولة فلسطينية في حدود عام 1976.
وباختصار لم يتبق من وعود حماس ومشروعها شيء يمكننا القول أن الحركة نجحت في المحافظة عليه، أو أن تكون نقيضا لمن ادّعت فسادهم وتخاذلهم. هذا هو حصاد حكومة حماس في قطاع غزة. فمن ذا الذي يجرؤ على محاسبتها ووضع حد لما خلقته من مآس؟؟
nadiamuch@hotmail.com
كاتبة وصحافية فلسطينية مقيمة في فيينا
أكثر من 3 سنوات على حكم حركة “حماس”، ما هو الحصاد؟
Abu Anas — a.dawood@ofc.com.sa
هناك خطأ ظاهر في إسم كاتبة المقال،فالإسم السصحيح هو بنيامين نادبا محمود عباس نتينياهو عيلبوني.
ماذا تتوقعين من قطاع كتب عليه أن يشقى بسبب إصراره على الحرية، وأن يتم حصاره من البحر والبر والجو. هل تتوقعين لمن قطع عنه التنفس أن يعيش حياة رغيدة؟ إتقي الله ولا تزاودي إن كنت فلسطينية حقا، ولا تلوغي في دماء أقاربك وعشيرتك. كوني صادقة مع نفسك أولا ولا تنسي أن لك وقفة أمام الملك الجبار.