دخل تشكيل الحكومة العراقية المرتقبة فصلا جديدا من التأزيم عبر باب اتفاق تقاسم السلطة الذي تم التوصل اليه برعاية كردية اميركية، بعد ان انقلب رئيس الوزراء المكلف نوري المالكي والرئيس العراقي جلال طالباني على الاتفاق وأنكراه في المجلس النيابي.
الاتفاق نص على ان تتزامن خطوات دستورية عدة في المجلس التشريعي العراقي تفضي في نهايتها الى تكليف نوري المالكي تشكيل حكومة شراكة وطنية والتجديد للرئيس جلال طالباني في منصب رئيس الجمهورية، فضلا عن إنتخاب رئيس جديد للمجلس التشريعي من كتلة “العراقية” بزعامة أياد علاوي، وتعديل الدستور بما يضيف صلاحيات تنفيذية وتعديلات على مهمة “المجلس الوطني للسياسات العليا” على أن يترأسه زعيم قائمة العراقية “أياد علاوي”.
وما حصل في البرلمان العراقي هو إجتزاء الاتفاق بما أمّـن تكليف المالكي تشكيل الحكومة وإعادة إنتخاب الطالباني رئيسا للجمهورية العراقية وانتخاب أسامة النجيفي، وهو احد زعماء “السنة” من قائمة “العراقية” رئيسا للبرلمان، من دون طرح موضوع التعديلات المفترضة على قانون “المجلس الوطني للسياسات العليا”، ما يعني عمليا تعرّض علاوي لعملية غش جاءت نتيجة الضغوط الايرانية لتنفيذ جزء من الاتفاق وتأمين مخرج دستوري للرئاسات الثلاث ووضع علاوي امام الامر الواقع: إما القبول يالامر الواقع الجديد، وترؤس “المجلس الوطني للسياسات العليا” من دون صلاحيات تنفيذية، وإما البقاء خارج السلطة التنفيذية.
مراقبون مطلعون على تفاصيل الوضع السياسي العراقي اعتبروا ان الانقلاب الذي جرى في البرلمان العراقي يمثل، فعليا، إخراج الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من العراق وإعادة إنتاج سلطة سياسية تنفيذية واسعة الصلاحيات بشروط طهران.
أعضاء في كلتة “دولة القانون” التي يرأسها المالكي نفوا الانقلاب على الاتفاق مشيرين الى ان المالكي لا يستطيع التخلي عن صلاحيات الحكومة لـ”المجلس الوطني للسياسات العليا” من دون الرجوع الى البرلمان، وهذا الامر يتطلب دراسة متأنية للمواد المطلوب تعديلها وإقرارها في البرلمان قبل ان تصبح نافذة.
وفي حقيقة الامر، تشير المعلومات الى ان المالكي أعطى وعودا للعراقية والاكراد والاميركيين لا يبدو انه يمتلك القدرة على تنفيذها خصوصا انها تعتبر مكتسبات للطائفة الشيعية، ابرزها وقف العمل بـ”قانون إجتثاث البعث”، ما يعني عمليا السماح بالنشاط السياسي للبعثيين من دون ضوابط قانونية او سياسية الامر الذي رفضه آية الله العظمى علي السيستاني رفضا قاطعا. فضلا عن وضع القيادات الامنية وخصوصا قيادة امن بغداد والقيادة العليا للجيش والقوات المسلحة بإشراف “المجلس الوطني للسياسات العليا”، عدا أن تقاسم الوزارات يعتمد قاعدة ان منصب رئاسة الحكومة يوازي وزارتين سياديتين واربع وزارت خدماتية.
وفي حال تم تنفيذ الاتفاق المشار اليه تصبح الشيعية السياسية في العراق موازية لحصة الاكراد في حين ان السلطة الفعلية تكون في يد رئيس الوزراء الاسبق أياد علاوي وحلفائه، بعد ان يحصل علاوي وقائمته على وزارتين سياديتين واربع وزارات خدمات، إضافة الى حصة الاكراد من الوزارات السيادية ووزارات الخدمات ما يعني عمليا ان المالكي حصل، عبر الاتفاق، على منصب رئيس حكومة بصلاحيات منقوصة أخذها منه علاوي ويتقاسم وزارات يخرج الشيعة من السيادية والخدماتية، فضلا عن السماح بعودة البعثيين الى النشاط السياسي.
ولهذه الاسباب كان لا بد من انقلاب ينفذه رئيس الوزراء المكلف نوري المالكي بالاتفاق مع الرئيس العراقي جلال طالباني واستخدام مظلة الاتفاق لتمرير انتخاب الرئيسين وتكليف المالكي تشكيل الحكومة.
علاوي، الذي خرج من جلسة البرلمان وهو يستشيط غيظا، قال في وقت لاحق ان الاتفاق ولد ميتا. ورئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني، الذي رعى الاتفاق، وقَبِلَ بالمالكي على مضض على ان يتنازل المالكي عن جزء لا يستهان به من صلاحياته لـ”علاوي”، يستشعر هو الآخر الخديعة فضلا عن الاميركيين الذين هم ايضا رعاة الاتفاق يستشعرون الانقلاب والخديعة. وحدها طهران اعلنت انتصارها بتمرير الانقلاب على الاتراك والاميركيين وعلاوي والاكراد.
مصادر عراقية سياسية اعلنت ان علاوي ابلغ الوسطاء الاميركيين انه ليس استعداد ليكون “رفيق حريري” آخر في نسخة عراقية، كما انه ابلغ حليفه الدكتور عادل عبد المهدي ضرورة ان لا يستشهد.
وأضافت ان علاوي نفى ما أثير عن نوايا إنقلابية لدى السنّة، وتحديدا رئيس المجلس النيابي العراقي اسامة النجيفي، إلا أنه ترك الحرية للسنّة ودفعهم للمشاركة في العملية السياسية وان لا ينخرطوا في الاعتكاف او المعارضة ما يؤدي الى استمرار تهميشهم وعزلهم.
ويبقى التساؤل الاساس هل يستطيع المالكي تشكيل حكومة اغلبية ومن لون واحد بعد ان تجاوز مسألة صلاحيات “المجلس الوطني للسياسات العيا”، وهي من الشروط الرئيسية لمشاركة علاوي في السلطة؟