التقى البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير في مقر اقامته في المدرسة المارونية في روما مندوبي وسائل الاعلام الذين يتابعون انعقاد السينودس الخاص بمسيحيي الشرق الاوسط في حاضرة الفاتيكان في حضور المعتمد البطريركي لدى الكرسي الرسولي المونسينيور طوني جبران.
في بداية اللقاء، عرض القيم البطريركي في روما الخوري جوزف صفير محطات من تاريخ المدرسة المارونية التي تعود الى اوائل علاقات الكرسي الرسولي والكنيسة المارونية سنة 1215 في عهد البطريرك أرميا العمشيتي، ومرحلة توقفها خلال الحرب العالمية الثانية، وإعادة انطلاقها سنة 2000.
ثم دار الحوار التالي مع البطريرك الذي يعرف جيّداً أصول “البلاغة” العربية، وهي أسلوب “ما قل ودلّ”:
سئل: ما هي برأيكم أسباب الدعوة الى السينودوس؟
أجاب:”أسباب الدعوة الى السينودس رؤية ابناء الكنائس في الشرق، على وجه الاجمال، ينزحون عن الشرق ويذهبون الى بلدان الغرب، طمعا بالراحة والاستقرار”.
سئل: ما هي المشاكل التي يواجهها الوجود المسيحي في منطقة الشرق الاوسط؟ أجاب:”المشاكل كثيرة، قلة عدد
المسيحيين الذي يتناقص يوما بعد يوم، وتعاظم التعصب لدى باقي الطوائف غير المسيحية، على الرغم من أن هناك بين المسلمين من يرغبون رغبة صادقة في التعايش مع المسيحيين”.
سئل: هل هو انعدام الاستقرار السياسي وضيق مساحة الحريات العامة والدينية بصورة خاصة عن أنظمة بلدان المنطقة؟
أجاب:” هناك حقيقة لا يمكن إنكارها وهي عدم الاستقرار السياسي، وهذا يستتبع تضييق مساحة الحريات العامة وبصورة خاصة الحرية الدينية، وهذا ما نشاهده في معظم بلدان الشرق الاوسط”.
سئل: هل تعزز هجرة المسيحيين تنامي الحركات الاصولية؟
أجاب:”أجل ان الاصولية تضيق ذرعا بالاديان وبالحرية الدينية، ولا تتورع عن الحد من الحرية الدينية. ولذلك ان هجرة المسيحيين تتكثف وتتكاثر”.
سئل: هل يؤثر الصراع العربي – الاسرائيلي الذي يبقي منطقة الشرق الاوسط غير مستقرة، سلبا على الوجود المسيحي في المنطقة؟
أجاب:” اجل ان هذا الصراع العربي – الاسرائيلي له انعكاساته السلبية على المنطقة كلها. وهو له تأثيره السلبي على الوجود المسيحي. وهذا ظاهر لا يحتاج الى برهان”.
سئل: هل يعزز انعدام فرص التنمية الشاملة والتقهقر الاقتصادي وانعدام فرص العمل هجرة المسيحيين؟
أجاب:” ان فقدان فرص العمل هي أقصى ما يمنى به انسان في بلده، فيضطر الى مغادرته بحثا عن عمل في سواه من البلدان”.
سئل: هل يتقدم الحوار المسيحي – الاسلامي ويعطي اسهامات فعلية ملموسة في تعزيز الاستقار الاجتماعي الذي يطمئن المسيحيين، ويحد بالتالي من هجرتهم؟
أجاب:”ان الحوار الاسلامي – المسيحي ضروري، وان تقدم ببطء، وهو اذا تعزز، عزز الاستقرار الاجتماعي في لبنان”.
سئل: هل تعمل الكنيسة وتشجع قيام قيادات سياسية شابة محل القيادات التي تورطت في لعبة الدم وفي الادارة الفاسدة للشؤون العامة؟
أجاب:” الكنيسة تعمل ما بوسعها عن طريق تثقيف الضمائر، وتنهى عن العنف، وتشجع قيام قيادات شابة، وتشجب لعبة الدم والفساد في الادارة”.
سئل: هل تسهم الابرشيات الاغترابية في تعميق ارتباط المنتشرين بأوطانهم الشرقية الاولى، وفي تشجيع عودتهم اليها؟
أجاب:” ان الكنيسة بمن لها من كهنة خاصة تبذل ما بوسعها لكي تربط المغتربين بأوطانهم المشرقية، وهي ترغب في عودتهم اليها، ولكن الوضع رهن بالوضع الاقتصادي والعيش الكريم”.
سئل: كيف يمكن تشكيل قوى ضاغطة من الرأي العام على الحكومات لكي تتبنى مخططات التنمية والنهوض الاجتماعي؟ وهل تشجع الكنيسة تشكيل مثل هذه القوى الضاغطة؟
أجاب:” لا تعتمد الضغط، بل الاقناع في عملها وسبل الاقناع كثيرة كحاجة السكان الى غذائهم من أيسر باب، وتأمين معاشهم ومعاش اولادهم، واذا كان هذا لا يتوفر لهم في بلدهم، اضطروا الى النزوح عنه الى غيره من البلدان”.
سئل: يتميز لبنان بمناخ الحرية السياسية، والاقتصاد الحر، والتعليم الراقي، والاستشفاء المتطور، هل تسهم هذه العناصر في ترسيخ اللبنانيين عموما في ارض لبنان؟
أجاب:” هذا كله جيد جدا، غير ان اللبناني لا يمكنه ان يستفيد من هذه التسهيلات ان لم يتوفر له عمل يرضي طموحاته”.
سئل: انتم ممن لا يخافون على مصير المسيحيين بسبب قلة عددهم في المنطقة، ما هي اسباب خوفكم على المسيحيين؟ هل من خلافاتهم السياسية؟ هل من عدم شهادتهم لقيمهم الانجيلية؟
أجاب:” ان قلة عددهم مبعث خوف، ناهيكم عن خلافاتهم المستحكمة في ما بينهم، وفتورهم من شهادتهم لقيمهم الانجيلية. المسلمون المؤمنون غير الاصوليين يعتبرون الوجود المسيحي ضروريا. واذا انتفى هذا الوجود، أثبت المسلمون انهم لا يقدرون على العيش مع سواهم من الناس، وهم منتشرون في كل بلدان الشرق والغرب”.
سئل:ما هو دور المسيحيين الامثل في لبنان وسائر بلدان الشرق الاوسط؟
أجاب:”دور المسيحيين ان يكونوا مواطنين صالحين، ومثالا أعلى لسواهم من المواطنين، وان يظلوا ما ألزمهم به السيد المسيح بقوله:” انتم ملح الارض، فاذا فسد الملح لا يصلح لشيء بل يطرح خارجا ويدوسه الناس”.
سئل: كيف يمكن للموارنة متابعة الدور الريادي الذي لعبوه على الصعيدين السياسي والثقافي في لبنان والمنطقة؟
أجاب:”اذا ظلوا متمسكين بقيمهم الدينية والانسانية”.
سئل: السينودس سيدعو المسيحيين الى تعميق رسوخهم في اوطانهم في الشرق الاوسط، هل تعتقدون ان هذه الدعوة كافية لتحقيق هذا الهدف؟
أجاب: “أجل على كل شعب أن يبقى في بلد نشأته، ولكن اذا تعذر عليه العيش فيه، فيضطر الى مغادرته الى سواه من البلدان حيث يظن ان الحياة ستسهل عليه فيه”.
سئل: هل حققت المؤسسة المارونية للانتشار بعض اهدافها من خلال تحريك اهتمام المنتشرين بالوطن الام؟ أجاب:” انها تسعى، الى تحقيق اهدافها، لكنه ليس عملا سهلا، وعلى المرء ان يسعى الى الخبر جهده”.
سئل: هل تعتقدون عيش المحبة المسيحية والانفتاح على الآخر المسلم، وبناء الثقة الثابتة معه والعميقة، والانخراط اكثر في البيئة الشرقية وعدم الانغلاق، تشكل مصادر طمأنة للمسيحيين في الشرق الاوسط؟. أجاب:” لا شك في ان هذه الامور تساعد على العيش معا بطمأنينة، بعيدا عن التقوقع والتعصب”.
سئل: ما هو الخطاب الذي يوجهه السينودس الى اللبنانيين عموما والمسلمين خصوصا؟ والى سائر شعوب الشرق
الاوسط؟ أجاب: “ان الخطاب الذي يوجهه السينودس الى اللبنانيين عموما والمسلمين خصوصا وسائر الشعوب الشرق الاوسط هو السعي ، على الرغم من كل الصعوبات، الى العيش معا بتعاون وتساند ومحبة، وان مصيرهم، شاءوا أو أبوا، مشترك، يجب ان يواجهوه معا بشجاعة وإقدام”.
وردا على سؤال قال البطريرك صفير: