اللهجة الودّية جداً التي تحدّث بها النائب سليمان فرنجية، الملقّب بـ”الزغير”، في مقر البطريركية الصيفي في “الديمان”، تعبّر، في ما يبدو، عن موقف “سوري” جديد من البطريركية المارونية، أي عن موقف يتميّز عن مواقف ميشال عون وحزب الله العنيفة من البطريركية! هذا من جهة. كما تعبّر عن “طموحات” سليمان زغير “الرئاسية”، ليس الآن على غرار ميشال عون، بل في مستقبل “دستوري” قادم!
ويعني ما سبق أن “غنج” سليمان بك بالنسبة لموضوع المصالحة مع قائد القوات اللبنانية “سمير جعجع” قد لا يدوم طويلاً، خصوصاً أن النظام السوري قد لا يكون ضدّ مصالحة فرنجية-جعجع بل وقد يشجعّها!! وهذا في حين لا يفوت المراقب أن نائب زغرتا يتميّز بوضوح عن حليفه (“السابق”) الجنرال ميشال عون، ويبدو متضامناً مع الرئيس ميشال سليمان.
وهذه كلها “علامات” تطوّر ملحوظ في المواقف السورية، قد يكون على صلة بالتصريحات المنسوبة لسعد الحريري في جريدة “الشرق الأوسط”.
“الشفاف”
*
وطنية – 13/9/2010 استقبل البطريرك الماروني الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير في الصرح البطريركي الصيفي في الديمان، رئيس تيار “المردة” النائب سليمان فرنجية يرافقه الخوري اسطفان فرنجية. واستقبله على باب الصرح المطران فرنسيس البيسري والمونسنيور فؤاد بربور، ثم انتقل الى صالون الصرح الكبير حيث كان في استقباله البطريرك صفير والى جانبه رئيس الرابطة المارونية جوزف طربيه وأعضاء الرابطة، في حضور المطران سمير مظلوم.
وفي الصالون الكبير كانت مداخلة لطربيه قال فيها “إن البطريرك صفير هو لجميع اللبنانيين وللموارنة بصورة خاصة”، مشددا على “ان البطريركية تمثل مرجعية روحية ووطنية تحقق بثوابتها الالتفاف حولها، ولم تكن يوما إلا للجميع على قدم المساواة”. وأضاف: “إن للموارنة دورا فاعلا وأساسيا على الصعيد الوطني ماضيا وراهنا ومستقبلا، ولا ضمان للمستقبل إلا بحسن الخيارات، وأحسنها العمل بروح التضامن والوحدة على المسلمات مع الابقاء على حرية العمل السياسي وتنافسه المشروع”.
وختم طربيه آملا “أن يشكل لقاء اليوم خطوة ايجابية على طريق تعميق الخيارات الحسنة لدى الموارنة بانعكاساتها الطيبة على المستوى الوطني العام”.
وشكر صفير وفرنجية لرئيس الرابطة مداخلته، وأبديا “التفهم الكامل لمضمونها”، آملين “ترجمته عمليا”.
بعد ذلك انتقل الجميع الى شرفة جناح البطريرك الخاص حيث استكمل الحديث الى مائدة الغداء، فلبى الجميع دعوة البطريرك صفير اليه.
فرنجية
بعد الغداء، زار الجميع الكنيسة ثم كانت استراحة في صالون الاستقبال في الطبقة الأرضية. وأدلى فرنجية بتصريح قال فيه: “ان البطريرك صفير لا يدعونا بل يستدعينا. نحن في أكبر منطقة مارونية في لبنان وأكبر مدينة مارونية، وأنا أمثلها. في السياسة نحن وسيدنا اختلفنا، لكننا لم نتخل يوما عن مرجعية بكركي الروحية، لذلك كانت أول كلمة قلناها: يا سيدنا تستدعينا ولا تدعونا. وهذا الصرح هو صرحنا وسيدنا البطريرك مرجعيتنا الاولى والاخيرة، لذلك أتينا ولم يكن الامر بالنسبة الينا أمرا غريبا. أما مقاطعة سيدنا فكانت سياسية. من هنا كان هناك حوار صريح بالسياسة، في حضور رئيس اعضاء الرابطة المارونية والمطارنة والخوري اسطفان فرنجية، وكان سيدنا متفهما لموقفنا السياسي وما قلناه، ونحن استمعنا الى غبطته وهذه بداية طريق جديد مع بكركي في السياسة”.
وقال: “نحن لسنا بعيدين، ولكننا في حاجة الى من يسمعنا، ولقد أبدينا رأينا صراحة، والبطريرك كان مصغيا ومتفهما، والجميع مقتنعون بأن ما من أحد ضد سيادة لبنان واستقلاله. لكل طريقه وأسلوبه واقتناعه في هذا الموضوع، وعندما نحقق أي مكاسب في السياسة نضعها في تصرف بكركي لأنها الام والاب للطائفة، وأتصور ان سيدنا أتاح لنا الفرصة لكي نعطي رأينا، وهذا ما كنا نتمناه منذ وقت طويل”.
سئل: هل تناولتم موضوع المصالحة المسيحية – المسيحية؟ وهل من خطوات جديدة عبر الرابطة على هذا الصعيد؟
أجاب: “تحدثنا في هذا الموضوع، وقد طرحه الاستاذ جوزف طربيه، وكان لنا موقف مفاده أن الموارنة والمسيحيين لن يزولوا اذا لم يجلس سمير جعجع وسليمان فرنجية. يمكننا إيجاد مئة صيغة مسيحية لتوحيد استراتيجية مسيحية معينة، وكل شيء يحصل في وقته ولا يجب الوقوف عند هذه النقطة فقط، فالجنرال عون والدكتور جعجع جلسا مرات عدة، وبقي الخلاف السياسي. المشكلة هي في الخلاف السياسي، أما الخلاف الشخصي فنقول انه انتهى، ولكن القول ان الموارنة لا يتوحدون الا اذا جلس جعجع وفرنجية هو تضليل للمسيحيين”.
أضاف: “علينا الاتفاق على ثوابت واحدة مسيحية، وفي المقابل، يمكننا أن نجلس معا ولا نتفق. الثوابت هي الاهم. وقبل أي مركز نريده، فلتوضع كل المراكز أمام بكركي، ولنبين ماذا تعني وما هي خدماتها لنختار ما نريد. قد يكون عندنا النصف في التعيينات ولكنه غير سيادي، وغيرنا عنده النصف الافضل. لنر المراكز الاساسية والمراكز الاخرى وبعدها نختار، وهذا ليس عليه اي خلاف عند الموارنة. إذا اتفقنا على هذا الموضوع فنطالب بأمور اساسية. اما اذا وجدنا مركزا، ولغاية في نفس يعقوب، نقول ان الشيعة اخذوا مركز الامن العام وتقوم القيامة عليهم فماذا نكون نفعل؟ نكون نقيم القيامة على الشيعة في الوقت الذي نخسر فيه مراكز اخرى. يجب ان يكون عندنا مشروع كامل متكامل للتعيينات الادارية، وعلى أساسه نعرف ماذا نريد وماذا نطلب”.
سئل: هل وجهت دعوة لصاحب الغبطة لزيارة قضاء زغرتا؟
أجاب: “إن البطريرك صفير يحدد اليوم الذي يرغب فيه زيارة المنطقة، ونحن نكون في استقباله وزغرتا رعيته، وانا لم أشكل ولن أشكل أي إحراج لغبطته بدعوته لزيارة زغرتا، لأنها ستعتبر دعوة سياسية. غبطته يحدد النهار ونحن واجبنا ان نستقبله”.
سئل: هل بحثتم في قضية شهود الزور؟
اجاب: “لا، إطلاقا”.
وردا على سؤال عن الانتقادات التي وجهها النائب العماد ميشال عون الى رئيس الجمهورية، قال فرنجية: “الجنرال عون حليفنا وهو أخ وصديق، ونحن نواب في الكتلة نفسها وملتزمون سياسة واحدة، لكننا لسنا صورة طبق الاصل. نحن مع رئيس الجمهورية في مرحلة طبيعية، ولن أنتقده، والجنرال عون له اسبابه لانتقاده. هناك علاقة بيننا وبين رئيس الجمهورية، واذا كان من انتقادات في السياسة فإنني أذهب الى القصر وأبلغه بها”.
وعن الوضع السياسي العام، اعتبر فرنجية “ان الوضع دقيق وعلينا ان نتصرف جميعا كرجال دولة. التصعيد الحاصل في السياسة لا اعرف الى اي مدى سيخدمنا جميعا. والاهم أننا في النهاية سنجلس معا لإيجاد تسوية بين الجميع. والسؤال: متى وكيف؟. لكننا نرى جميعا أننا في النهاية سنتوصل الى تسوية”.
ومن زوار الديمان الرئيس العام للرهبانية المريمية المارونية الاباتي سمعان بو عبده والرئيس السابق لاتحاد بلديات قضاء بشري الشيخ نوفل الشدراوي.
وأفاد مندوب “الوكالة الوطنية للاعلام” في الديمان، عن استئناف تحرك الرابطة المارونية بوتيرة أشد زخما لمقاربة موضوع المصالحات المطلوبة. وتعمل الرابطة وفق آلية تحظى برعاية البطريرك صفير وبالتنسيق مع مختلف الاحزاب والهيئات المسيحية.
طربيه
وقال طربيه بعد اللقاء: “نحن نقوم منذ مدة بمساع للتقريب بين وجهات النظر حتى تبقى المرجعيات المسيحية تحت سقف بكركي، وهذا ما برز اليوم بصورة واضحة في زيارة النائب فرنجية لغبطة البطريرك. لسنا في مجال الكلام على تموضع سياسي جديد للبطريرك او للنائب فرنجية، انما نعتبر ان بكركي هي السقف الذي يتواصل تحته الزعماء الموارنة. واتصور ان ما سمعناه من جميع الحاضرين كان جيدا، وخصوصا من النائب فرنجية، مما يساعد على خفض التوتر في المشهد السياسي في لبنان، فكيف اذا كان الامر ضمن اطار الطائفة الواحدة والبيت الواحد؟ كفى لبنان توترا وجدلا لا يؤدي الى أي جدوى، واجتماعنا اليوم كان ضمن هذا التوجه”.
وعن خطوات الرابطة اللاحقة، وهل هناك مصالحات، قال طربيه: “ما حصل اليوم ليس مصالحة بين البطريرك وفرنجية، بل كانت مصارحة، والوزير فرنجية يعتبر أنه نقص في التواصل، وكان إصرار منا على عدم انقطاع هذا التواصل”.
وأكد انه “ليس المطلوب وضع المسيحيين في جبهة سياسية واحدة، وهذا ليس مفيدا، انما نريد ان يكون التعامل السياسي بين كل الأفرقاء وضمن اطار الاحترام والقواعد الديموقراطية والحضارية، بحيث لا يجري تخوين أو استفزاز أو تشنج، وهذا ما نسعى اليه”.