حملة “الإستصراح” و”التهليل” التي تبعت الإشتباك بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي قبل 4 أيام حالت دون طرح عدد من التساؤلات حول ما حدث على الحدود، بدءاً من التوقيت. وأهم هذه التساؤلات هو أن الحادث كاد يشعل حرباً واسعة النطاق، كما حدث في تموز 2006 التي انتهت باعتراف أمين عام حزب الله أنه “لو كان يعلم” أن إسرائيل سترد بشنّ حرب لما كان أقدم على خطف جنديين إسرائيليين. وهذا عدا أن لبنان بدا، لأول مرة، في حالة تصادم مع “اليونيفيل” ومع دول أوروبا والولايات المتحدة
هل يجوز “التشكيك” بالموقف اللبناني الرسمي ضد “العدو الإسرائيلي”؟ نعم يجوز، لأن شعب لبنان (وليس شعب إيران) هو الذي سيدفع الثمن الباهظ في حال نشوب حرب جديدة؟ أما “الوطنجية” الذين تم “استصراحهم” للإدلاء ببيانات تأييد حماسية، فإن أحداً منهم لم يُصدِر بيان “تنديد” أو حتى “عَتَب” حينما امتنع نظام الأسد عن الردّ على تحليق مقاتلات إسرائيلية فوق قصره! ولم نسمع أحداً منهم يعترض لأن نظام الأسد لم يردّ حينما توغّلت قوة إسرائيلية في عمق شمال سوريا وقامت بتدمير منشأة تزعم إسرائيل أنها منشأة نووية! نظام “الممانعة” لم يكتفِ بعدم الردّ على توغّل إسرائيلي داخل أرض سورية “غير متحفّظ عليها” بل وتكتّم على العملية الإسرائيلية!
“إذا كان في المسألة أن أحداً محرج في أمر ما، أو فيلم معيّن في ظرف ما”!
وقد تطرّق الأمين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي في مقابلة مع جريدة “الشرق الأوسط” في عددها الصادر اليوم الجمعة، إلى الإشتباك الذي وقع يوم الثلاثاء بين الجيشين اللبناني والإسرائيلي بتعليق يتضمّن الكثير من التشكيك. وقال الطفيلي:
“سأل الطفيلي إذا ما كان قرار التصدي للقوة الإسرائيلية في جنوب لبنان “هو قرار طارئ أخذ في جو سياسي فقط وفي لحظة معينة آنية، أو إذا كان ذلك قد حصل ضمن سياسة عامة” معتبرا أنه “إذا ما كان ذلك ضمن سياسة عامة، وهذا ما يجب أن يكون وما يجب أن نبني عليه، فهذا ما يجعلنا نؤيده وندعمه ونطالب جميع الناس في لبنان أن يكونوا على خطه، أما إذا كان في المسألة أن أحدا محرج في أمر ما، أو فيلم معين في ظرف ما فنأسف أن تكون الدماء والحدود والأوطان والإسلام والقبلة هي في معرض التجارة والربح والخسارة”.
وبموازاة هذا الكلام الصريح للشيخ الطفيلي الذي آسف أن تكون “الدماء والحدود والأوطان.. في معرض التجارة..”، فقد طرحت أوساط في 14 آذار عدداً من التساؤلات حول ما الإشتباك الحدودي الذي يُفتَرَض أنه وقع “بالصدفة” قبل ساعات من خطاب أمين عام حزب الله الأخير الذي وجد في ما حدث مخرجاً من “التصعيد” الذي لم يكن قادراً عليه بعد 3 أيام من القمة السودية-السورية-اللبنانية في بيروت.
والنقاط التي تطرحها أوساط في 14 آذار هي التالية:
أولاً- أن
الجيش اللبناني اشتبك مع الجيش الإسرائيلي الذي كان متواجداً داخل “الخط التّقني”. و”الخط التّقني” هو من الجهة الإسرائيلية لـ”الخط الأزرق الدولي” أي جنوب الخط الأزرق. و”يبدأ” ما يُسمّى “الخط التّقني” جنوبي الخط الأزرق ويضم أراضي تتسع في نقطة وتضيق في أخرى، وبعض هذه الأراضي يعتبرها لبنان لبنانيّة وهي التي سمّاها بيان قيادة الجيش “المناطق المتحفظ عنها لبنانياً” .. وينتهي “الخط التقني” عند أسلاك شائكة ـ دائماً في الجهة الإسرائيلية ـ كانت إسرائيل وضعتها قبل ترسيم الأمم المتحدة للخطّ الأزرق الذي هو بتعريف الأمم المتحدة “خط انسحاب الجيش الإسرائيلي” من جنوب لبنان عام 2000.
إذاً الحادثة حصلت جنوب الخط الأزرق الذي أكّد لبنان احترامه له والتزامه به بالرغم من تحفظاته.
و”قواعد الإشتباك” المعمول بها حتى الآن والمعروفة تقضي بأن على اسرائيل ـ التي يقع “الخط التقني” لجهتها ـ عندما تريد جرف أو إزالة شيء، في “المناطق المتحفظ عنها لبنانياً” أن تبلّغ “اليونيفيل” بذلك، والتنفيذ يحصل بمرافقة من جانب “اليونيفيل”.
علماً بأن
والطلب اللبناني المقدّم إلى الأمم المتحدة بأن يكون الجرف أو الإزالة مهمّة حصرية لـ”اليونيفيل” لم يؤخذ به حتّى الآن.
هذا كله يعني إنّ الجيش “تسرّع” في الإشتباك “داخل” الخط التقني “وخلف” الخط الأزرق، و”تجاوزاً” لقواعد الإشتباك.. والقرار 1701. وكان واضحاً أن هنالك إختلافاً بين بيانات الجيش اللبناني وبيانات “اليونيفيل” حول هذا الموضوع.
وبناءً عليه:
أ لماذا تسرّع الجيش في اللجوء إلى “القتال”؟ لماذا لم يترك لـ”اليونيفيل” فرصة المعالجة وقد وافق في اليوم التالي على ما اعترض عليه في اليوم السابق؟ ما المصلحة في التصادم السياسي مع “اليونيفيل” والأمم المتحدة؟ ما “الحكمة” في الدفع باتجاه تصعيد حالة العداء لـ”اليونيفيل” بإظهارها منحازة إلى إسرائيل فيما هي تلتزم بالخط الأزرق؟
ألم تندلع حرب تموز 2006 من “الخط التقني” نفسه عندما خطف “حزب الله” جنديين إسرائيليين داخل هذا الخط؟
ثمّ أليس هناك وعيّ بأنّ الظروف الإقليمية المتوترة قد تنفجر حرباً إقليميّة تكون شرارتها من لبنان أو تنعكس آثارها على لبنان؟.
ماذا استفاد لبنان من الإشتباك:
جتى الآن حصدنا أضراراً سياسية: المشكلة مع “اليونيفيل”، الخلاف مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الموقف الأميركي ـ الأوروبي.
وفي النهاية، فإنه يلفت النظر تعليق ممثل المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية في الحرس الثوري علي سعيدي بأن “لبنان اليوم إضافة إلى فلسطين والعراق، يمثلون خط المواجهة الأمامي لإيران ضد أعدائها.”
وهذا، تحديداً، ما لا يريده اللبنانيون! اللبنانيون لا يريدون الحرب: لا الحرب الإسرائيلية على إيران ولبنان، ولا حرب حزب الله على إسرائيل بناءً على أوامر حاكم إيران!