ما أرى في مجتمعنا، وما رأيته عبر عقود من السنين.. فيه الكثير مما يُحزن؛ وما أتوق إليه هو أن يتغيـّر الوضعُ، و أن يتحسن.
بعضُ ما سياتي في هذا المقال مُزمنٌ، و بعضه مُحْدَث نتيجة طفرات النعمة الحديثة؛ و كلاهما متزايد و يحسن التوقف عنده و التناصح حوله. حاولت هنا الاقتصار على الموضوعات “الاجتماعية” بعامة و ما كان للتربية فيه النصيب الأوفر بخاصة. ستأتي هذه المقالة في16 بنداً، كما هو مُبين في العناوين الفرعية أدناه ..لتمثل مجموعة أولى مما عندي.
نحن لا نقرأ: نحن شعبٌ في عمومنا لا نقرأ الا النزر اليسير، و أقل القليل .. (عدا ربما عن الكرة (حتى أن عدداً من دور الصحافة و النشر دأب على التجاوب مع ذلك التوجه .. وذلك بتخصيص صفحات وصفحات في الجرايد؛ بل و برزت أعداد من الصحف و المجلات ومطبوعات الرياضة بأنواعها. وبالطيع لا بأس في ذلك.. خاصة اذا كان ذلك -ضمن- القراءة العامة اليومية..و إذا لم تفتصر القراءات الكروية فقط عن فريق معين مفضل او لاعب معين..)
ورغم حرص كثيرٍ ممن يـُعدّون “سيرتهم الذاتية” على ذكر “القراءة” كأول ما يُسرد من “هوايات” او “مهارات”، إلا اننا نجد ان ذلك هو مجرد تقليد وتعَوّد في نمط إعداد السير الذاتية! فإننا نجد في واقع االحال، وكواحد من مؤشرات قلة القراءة..هي قلة التأليف و النشر اصلاً؛ فلقد تواتر ذكر عدد الكتب التي تنشرها دولة اسبانيا وحدها.. بما يتقارن مع اكثر من مجموع ما ينشر في الدول العربية برمتها! و هلـُمّ جرا.
اطفالنا مغيبون: نجد أننا نكثّرهم ونكاثرهم، فتتناقص بالضرورة موارد الوقت و الجهد والمادة. ثم يمضي ويمعن بعضنا في اكثارهم. بينما المعدل السوي لصالحهم (آباءاً و أطفالاً..و مجتمعاً..) هو حوالي اثنين.
كذلك، وفي المقابل، نجد ان “الوقت اننوعي” مع اطفالنا يتضاءل الى ما يقرب التلاشي. وحتى حينما يتسنى لبعضنا الالتقاء بهم، هب اثناء وجبة الغدا، فإن فـُرَص و مجالاتِ التحادث النوعي والتفاعل الودودي مع كلٍ منهم ربما تراوحُ بين القليل و النادر.. خصوصاً في بيوت العوائل المكثرة للأطفال.
“الوقت النوعي”، بين الأبوين و اطفالهما، هو اساس تكوين العلاقة الحميمة بينهما، وعبر الأجيال؛ و فيه فرصة لتفقد الأحوال العامة..و الشخصية؛ و لتأصيل المودة. وهذا الوقت النوعي يمكن ان يأتي في شكل جزء من ساعة او حتى بضع دقائق.. طالما جاء في شكل “نوعي” فعلاً، وبشكلٍ مركَّزٍ و منتظمٍ و حميم.. بعيداً عن المعتاد من التركيز على التوجيهات والأوامر والزواجر.
ومع تكرار التغيب و الغياب..ربما يتم تـَجيير فرص التحادث و التفاعل إلى الشـّغالة / المساعدة. فيكون الأطفال في نوع من اليـُتم، او كما قال شوقي:–
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هـَمِّ الحياة و خـَلـّفاه ذليلا
إنّ اليتـيم هـو الـذي تلقى لــه أُماً تخـلت او أباً مشغـولا!
ومع تغيبنا عن اطفالنا، وتركهم إمّا في احتضان وصحبة الشغالات داخل المنزل، او في احضان رفاق السوء في خارجه، فيتبع ذلك ما يتبع من ضياع سلوكي و صحي و شخصي.
و بالنسبة للضياع ..خاصة خارج المنزل، فلعل من المناسب النظر فيما اعلنت عنه إدارة الجمارك العامة عندنا (18من يوليو، 2010م/6 من شعبان1431هـ) عن القبض على17مليون قطعة من المخدرات خلال الشهور الستة السابقة لذلك التاريخ ..منذ بدء ذلك العام (بي بي سي/عربي، نشرة اخبار 5م). فهل لنا أن نسأل: يا ترى إلى من كان مجرمو التهريب وغاسلو الأموال، الى مَن كانوا متوجهين ببضاعتهم هذه.. و هل هم غير اطفالنا؟.. مراهقينا.. شبابنا و شاباتنا؟!
مناهجنا مزحومة.. ومفككة: اتذكرُ منذ عقود كثرة تبادل الأهالي التعليق على “مشكلة المناهج”.. وعادة ما كان في بالهم كثرتها؛ وأنها عبر السنين طفِقت تزداد. بل صِرنا نسمعُ بين حين و آخر رغبات بعض المسؤولين في ادخال مادة كذا او تلك.. زيادة عن الجدول الدراسي الأسبوعي القائم.
ومن اسباب اكتظاظ المناهج حالياً تجزؤ بعض المواد.. مثل مادة اللغة العربية، الى عدة مواد.. تصل الى خمسة.. بدلاً من تكاملها وتجميعها؛ و كذلك موضوعات الدين.. فنجدها في عدة “مواد”.. بدلاً من تجميعها في تكامل متماسك.
فإذا ما تم التكامل الكـَمي و النوعي، فإننا سنجد تخفيضاً لتضخم مجموع المواد من حوالي 17مادة الى 10مواد فقط –مع التركيز على الشمولية والتعزيز و الترابط و التكامل. في المناهج– وفي طرائق و وسائل وجدولة تدريس تلك المواد.
زيفُ درجات “نجاح” اطفالنا: مضينا عبر السنين في تفاقم و تعاظم توقعاتنا (أطفالاً و أهالٍ) في طموح متزايد لارتفاع درجات التحصيل العالى في نتائج الاختبارات في المدارس و المعاهد و الجامعات. واصبح في حكم النادر رؤية علامات مثل “مقبول/60” او حتى “جيد/70” (ناهيك ذكر تقديرِ “راسب”، و كأنّ في ملايين طلابنا و طالباتنا من لا يحقق، و من لا يمكن ان يستحق، ذلك المستوى.)
و بذا نجد أنْ صار من المعتاد رؤية كفة ميزان “التقدير الدراسي” مائلة كلَ الميل (او ما يسمى في علم الاحصاء بالانحراف المائل (أو الانحراف الشـَّزري!). و بذا تجد النتائج عامرة بـ”جيد جدا”..و الكثير من “ممتاز” ..مع القليل من “جيد”..(و كأنَّ الآخير ليس هو النمط و الوسط الوسيط، و كأنه ليس موقع السواد الأعظم من الناس.)
كما نجد ان كثيراً من المدرسين و المدرسات..لضغوط أو أخرى.. للمجاملة أحياناً أو حفاظاً على الوظيفة في احيان اخرى.. فنجد انهم فقدوا بوصلة التقييم و التقويم..و تخلوا عن معايير مثل “المنحنى” الطبيعى (في شكل الجرس الإحصائي لتعداد و إخراج نتائج الاختبارات، ..حيث تأتي شريحة “الممتازين” في حدود 5% في جانب، و بمقابلها فئة الضعاف –نعم و فئة “الراسبين”– في الجانب الآخر؛ ثم حوالي 60% في الوسط ممثلاً للمتوسطين و “الجيدين”..مع كون ذلك يمثلُ القلب(و الغالبية)،..محفوفاً بجناحي “الجيد جدا”ً من جهة؛ و “المقبول” في الجهة الأخرى، ..بنسبة في حدود حوالي 15% لكل منهما.)
و نتيجة لكل لتضخم علامات التقويم، فإننا نجد في نهاية كل فصل دراسي ..و خاصة عند نهاية المرحلة الثانوية، نجد من يتباهي بمستوى تحصيله (أو تحصيل ابنه) الدراسي، و أنه جاء بين 93 و 97%..أو مثل هذا من التباهي الزائد. ثم يشتكي و يتساءل(باخلاص): كيف لم يتم قبوله في هذه الكلية او في تلك! و بتحاشينا النظام الرسمي العالمي الموضوعي العلمي للتقييم والتقويم؛ فيتلاقى عندنا-للأسف- تعاظمُ الخيال مع الاحباط و الاحتباط.
فوضى المزواجيات..و انفلات التناسل: يلاحظ، منذ سنين عديدة، كثرة السكان عندنا، ليس فقط مقارنة بمعدلات النمو السكاني في الدول المتقدمة..بل و مع المعدلات “العالمية” بعامة.. بل، وهو الأهم، مقارنةً بالموارد البيئية والزراعية و البقع المحدودة القابلة فعلاً للتواجد السكاني، ناهيك عن ضآلة مختلف المرافق الترفيهية والمطلوبة للحياة “النوعية”..مثل صيانة الطرق السليمة و الطرقات الجميلة، و الحدائق العامة، و الفصول الدراسية المتخمة، و مواقف السيارات، و مواعيد العيادات الطبية، و أسِرّة و حجرات المشفيات.
ومع كل هذا، وبخاصة بعد تتالي الطفرات النفطية، فإننا نلاحظ التوجه العام للأسف الشديد عندنا فيما يشبه التسابق في كثرة الزواجات و ترادفها، و اصبحنا مبدعين في اختراع انواع و انواع من الزواجات و المزواجيات (تجمع عندي ما وصل الى 10 أنواع، بدءاً بالمسيار و المسفار و المصياف…)، مما يساهم بوضوح بمعدلات عالية في تفاقم المشكلة السكانية التي هي اصلاً متخمة. (معدل النمو السكاني في الدول المتقدمة: 0.8%؛ و في العالم بعامة: 2.5.%؛ أما عندنا فيبلغ و يزيد عن 3.5%!).
و كان البنك الدولي في تقرير له في بداية سبعينات القرن الماضي و مع خطة التنمية السعودية الأولى، قد قرع جرسَ الانذار و نبّه الى ارتفاع نسبة النمو السكاني تلك. و لكن، و مع تدفق انتاج النفط و خاصة مع تدفق ريعه المتزايد (من دولار واحد و ثلث للبرميل في أوائل سبعينات القرن العشرين ..الى 18 في اواخر ثمانيناته، و لفترة معينة -قبيل حوالي السنة- وصل الى 170، ثم عاد يراوح الـ70 مؤخراً).. فلقد دخلنا في سبات عميق، و طفقنا نواصل الافتراض(الضعيف جداً) بأن “الفلوس” تحل كل شيء. و لم تفعل. و لن.
وفيما يخص التزاوج، فتجد عندنا ان ليس من النادر تكراره و تعدده؛ و بالطبيعة يؤدي ذلك التكرار الى كثرة “التظريب” / التناسل المفرط، و ينتج عن ذلك..بالطبيعة.. انتماءُ 8 أو 10 او حتى 12 طفلاً لكل “أب”، مما لا يسهل معه احياناً حتى تذكره اسمائهم! ..ناهيك تتبع الوضع الشخصي او النفسي عند هذا الطفل او ذاك؛ او تحسس وضعه الصحي عن كثب؛ او النتائج الدراسية لهذا او هذه او ذاك او تلك.
قـنبلة سكانية: في الثلث الأخير من القرن الماضي، دأبَ عددُ كبيرٌ من الكـُتاب و الباحثين الجادين على الاهتمام بالبيئة و مستقبل الانسانية ..في السعي الحثيث في محاولة ايقاف -أو الحد من- التدهور الكبير في الموارد الطبيعية في الكرة الأرضية، و في تنبيههم الى دور الانسان في ذلك، بما فيه المساهمة الدائبة في جرح غلاف الأوزون و أثره الفادح على كوكبنا المسكون.
فكان من الكتب العديدة المنشورة ما سمي بـ”الانفجار السكاني”، و منها ما كان عنوانه “النمو الصفري للسكان”(حيث الزوجان ينتجان طفلين يخلفانهما)؛ ، بل و أيضا: كتاب “القنبلة السكانية”؛ و غيرها من العناوين والمنشورات والدراسات الرصينة. و في المقابل، طفقنا عبر السنين نسمع من و عن عدد غير قليل من الزميلات و الزملاء من مواطنينا.. و هم يعبـّرون عن عدم الحاجة الى النظر الى وضعنا السكاني على أنه “مشكلة”، ..مشيرين بأن وضعنا “غير” ..و ان لنا “خصوصيتنا”؛ ..و ما أغربها من لفظة!
وخلال “نقاشهم”، نجدهم يشيرون الى “سعة رقعة بلادنا”، ووفرة “المال”، و كأنهم ينسون -أو يتناسون- ..أن المسألة ليست مسألة مال؛ بل أن المسألة هي ذات زوايا و شعب تنموية لا يقوى عليها المال..حتى و لو توافر ..و حتى لو تم صرفه بشفافية و رشد! و يتناسون، كذلك، أن رقعة الارض الصالحة اصلاً للعيش الكريم او السكنى البشرية- هي رقيعات محدودة و انها تتضاءل باضطراد يوماً بعد يوم ..بسبب التصحّرِ الدائم و زحفِ الرمال الداهم. (في الأردن، مثلاً، رغم تعدد مصادر المياه و نهر الأردن و اليرموك الخ، فإن الرقعة الزراعية لا تصل مساحتها حتى الى الـ10% (..9.8%، 2010م)؛ و ليس بلد النيل و “هِبتُه”، مصر؛ و ليس بلد “النيلين” -السودان- عن ذلك الواقع الحزين ببعيد!
و مع ضآلة رقعة الأراضي الزراعية او حتى الصالحة للسكنى، فإننا نجد ..مصاحباً لذلك.. تفاقم الازدحام السكاني، نتيجة لقلة تنظيم الأسرة!؛ فنجد ان مصر، مثلاً، تنتج ما يقارب المليون(900000 نسمة)سنوياً؛ و 500000 نسمة في سورياًُ.. كل سنة!
وغني عن حتى الإشارة الى شُح المياه، أهم و اساس مقومات الحياة؛ و إذا اخذنا حتى دولنا الأكثر ثراءاً فإننا نجد معاناة كبرى في توفير المياه في صراع مستميت مع الطبيعة حتى اضطررنا الى تحلية مياه البحر..و ذلك بإقامة محطات بعد أخرى على طول السواحل. و مع ذلك سيبقى شحُ المياه مشكلة قائمة ..دائمة.
في المقابل، يقوم المجادلون (بالكلام عن “توافر السعة و المال”،…) و بتناسي شكاواهم انفسهم و تعبيرهم بحرقة عن: مشكلة القبول في الجامعات، و تكدّس صفوف التعليم العام لتصل حوالي الـ50 او حتى الـ60 طالباً في الصف الدراسي الواحد؛ بل و حتى بفتح بعض المدارس في دوامين في اليوم الواحد..في محاولة لتلبية حاجات الاعداد الضخمة من السكان؛ ثم ..أيضاً.. شكاوى نفس أولئك المجادلين- من تباعد مواعيد مقابلة الطبيب، أو من طيلة فترة الحصول على قرض عقاري، او من طول فترة الانتظار حتى لحجز قاعة لعقد حفل زفاف..التي قد تصل الى اكثر من ستة شهور. (حسب تعداد 2010م، وصل الحجم السكاني في المملكة: 27.136.977 نسمة!)
إن البطالة أصلها “التظريب” / كثرةالتناسل: (لفظة “التظريب”..في لهجة اهل مكة تشير الى الانفلات في التناسل.) إن المعدل العادي للنمو السكاني في الدول المتقدمة هو حوالي 0.8%، و المعدل العام في العالم يحوم حول 2.50%، بينما عندنا يصل الى 3.50% او يفوق تلك النسبة. و هناك قاعدة عند الباحثين الجادين المختصين في مجالات القضايا السكانية و أزمات الاسكان و التنمية الاجتماعية والتلوث البيئي، فيقولون بقاعدة مؤكدة عبر العصور، مؤداها ان هناك علاقة عكسية بين النمو المضطرد للسكان، من جهة، و بين مدى نمو الموارد. و بعبارة اخرى، فهي علاقة ثابتة سالبة: كلما تكاثر السكان، كلما تضاءل توافر الموارد. كما يحسنُ تذكر النظرية الشهيرة للعالـِم “مالثوس” عن هذا: يأتي نمو الموارد الأساسية الطبيعية البيئية بنسبة زيادة حسابيٍة بسيطة –مثلاً: 4+4=8.. بينما يأتي تزايد نمو السكان بنسبة مضاعفة/ هندسية (4ْْ×4=16).
فهل يكون من المستغرب ان تتنامى نسبة “البطالة”، التي هي يالضرورة نتيجة حتمية للأعداد الغفيرة للمتخرجين، و قبلها خلفيتها في الأعداد المكتظة الناتجة عن التناسل المفرط! و تشير الأرقام الى ان حوالي 25% عندنا “عاطلون”،و جـُلُّ البقية “مَدينون”.
فكيف لأسرة من 8 أو 10 أطفال ان تصل بهم الى خط نهاية الدراسة الثانوية.. رغم التساهل في الدرجات و التقويم.. ناهيك أن تصل بهم الى خطوة القبول في الجامعة(ثم التخرج منها)؛ ثم كيف لنا -أيضاً- توقــّع أن يحصل كل من اولئك الثمانية او العشرة.. او ربما حتى اكثر من ذلك..كيف لهم جميعاً حصول كل منهم على أي وظيفة، ..ناهيك ما يتطامح اليه عندنا من “مستوى” و”مردود مالي”، وايضاً قرب مكاني؟؟
قد يكون من عالي موفـّقية الأسرة اذا تم فعلاً تخرّج ثلاثة من كامل أولئك العشرة؛ ثم قد يكون من حسن طالعها إن تم توظيف واحد من الثلاثة. أمـّا ان نمضي في توقع أن نـُنجب ما لا يُحصى، ثم ..أيضا..ً نتوقع توظيف كل ما نـُنجب ..فهو اقرب الى الجناية التي عبـّر عنها شاعرنا أبوالعلاء المُعرّي:
هـذا جـناهُ ابي عـليّ
و ما جـَنيتُ على أحد!
في بيتنا “دَغل”..عُنف: نقول في لهجة أهل مكة فلان “دِغِل”، بمعنى: قاسي، فظ، غليط القلب (أصلها من الأدغال). نجد أن العنف يتفشى عندنا؛ و يقوم كثير من الرجال في بيوتنا بما يسمى بالعنف الأسري.) و “العنف” هنا لا يقتصر على العنف “الجسدي”؛ بل يشمل انواعاً متعددة، المباشر منها و اللفظي، بل و النفسي.. قد لا يسْـلم منه الأقربون (الأولاد، الزوجة و لا غيرُهم (الموظفون، المستخدمون)؛ و قد يأتي العنف بأنواعه ..بشكل مباشر؛ و قد يأتي في شكل “سلبي” ..بأسلوب ما يسمى بالـ”صهينة”..او السكوت القاهر. (اصبح هناك يومٌ أممي مسمى بإسمه: 26 من شهر يونية في كل عامً.)
كيف لرجل ان يضرب امرأة! .. ناهيك زوجته، شريكة حياته، أمَ عياله! في حال ضرب الزوج زوجته، فإن من اشد العجب التحول “الدراماتيكي” في “العلاقة الزوجية” بين ما كان -خلال مرحلة الخطوبة و ما قبل “الزفاف”- ثم ما بعد. و قد يصل التحوّل الى نحو الـ180درجة. فقد تبدو العلاقة قبل الزفاف/ الزواج “رومانتيكية/رومانسية”، مغموسة في العسل، ملفوفة بالورود؛ ..لكن سرعان ما يتحول نفس الرجل، و يصبح قائداً عاماً، و”سيد البيت” الخ، فيبدأ الزجر و النهر و الأوامر و النواهي؛ ويتحول الزوج من خاطب، عريس..الى: آمر، حاكم، ناه!
(ومن العجيب ان يمسي عريسُنا مصدراً سلطوياًً لتصنيف المسموح و المحظور، او حتى للخروج من البيت او البقاء.. بعد أن كان أسلوبه –قبل قوله “قبلت نكاحها”– في غاية الدبلوماسبة و التبادلية و التعادلية، و في أسلوب من التعامل باللطف و المجاملة و المرونة و التعبير بمختلف انواع الدماثة والحبور و الابتسام و الافتتان.. بعيداً عن السيطرة و التسلط والعنفوان.)
و من العنف المنزلي ما يأتي في حالات مثل “العظل”، مثل عندما يسوم الأب ابنته بالعذاب (ابنته المعبرة برأيها حيال من تريد و من لا تريد التزوج به). في مثال قريب، قام أبٌ بعظل ابنته و هي في عشرينياتها، ثم واصل موقفه و عنفوانه نحوها حتى وصلت سن الثلاثين؛ ثم تمادى بعد ان تعدت الأربعين..و استمر والدها في سلوكه تجاه ابنته تلك بأنواع القسوة. و مرت سـِني الاساءة ..فقط لأنها رفضت التزوّج ممن اختاره و فرضه هو ..و لأنها رغبت الزواج ممن أرادته هي!
تدهور حقوق الزوجة بُعيد بدء “الزواج”: يبدو ان لطبيعة الرومانسية الغادقة قبل قول “قبلتُ نكاحها” ما يغيّب بعض حقوق المراة؛ ومن ذلك ما يحق شرعاً للزوجة الاحتفاظ به في عقد الزواج (ضمن حقوق يمكن النص عليها بتوافقهما بوضوح في فقرات العقد، ضمن بنوده.) من ذلك: حق الزوجة في “العصمة”، (او حق المشاركة في ذلك الحق) إن كان ذلك مما تريده هي قبل توقيعها عقد الموافقة على الاقتران بمن جاء “يطلب يدها” -و ذلك ضمن “شروطها” في “عقد النكاح”، و العقد شريعة المتعاقدين؛ أو على الأقل في توافقها مع الزوج/ أو حتى تواجدها و حضورها عند وقوع الطلاق ..بدلاّ من أن يصار الى كونه من حق الرجل حصراً!
و أثناء عقد النكاح- قد تحُول حالة الرومانسية و التشاغف و أيضا الحياء (بمعنى الخجل) ..من امتناع المرأة من ان تنبس و لا بشق شفة، و بذا تفوِّت على نفسها حتى و لو شيئاً من خط الرجعة -أو الخيرة. و بذا تفقد الزوجة حقاً كان من حقوقها، و تمرر فرصة كانت مواتية، ستفقدها حال التوقيع بالموافقة المفتوحة (او غير المقيدة/او غيرالمشروطة).. أثناء صياغة صك “النكاح”.
و أضحى واضحاً في مجتمعنا تواترُ الإشارة الى ارتفاع نسبة الطلاق عندنا.. فالأرقام المتداولة تتراوح بين 60 و 70%..و هذه مصيبة! و من اسباب ذلك: الزواج المبكر، بما في ذلك زوج القاصرات؛ و قلة الوعي و التوعية عن الحياة الزوجية؛ و قلة التثقيف التعاشري؛ و دفع نسبة من البنات اللاتي تعثرن في الدراسة بالمرحلة الدراسية الثانوية و المتوسطة للتوجه الى الزواج؛ و كذلك مَيل عددٍ من الرجال عندنا الى تعدد الزيجات..بالتوازي او بالتتالي. وفي كل هذا و ذاك..أذى كبير!
مع ما تبدأ الزوجة في فقده من حقوق، فالزوج يأخذ في التوسع في نطاق سلطته و يتمادى في تسلطه؛ و من ذلك، في حال حدوث الطلاق؛ فقد يقوم الزوج -بكل سهولة- بـ”بمنع” الأم حتى من رؤية اولادها اذا غادرت بيته الى بيت والدها. و ربما قام بحزمة أخرى من عناصر المنع و العنف تجاهها.
كما و يبدو أن عند كثير من رجالنا نظرة متأثرة بتقديم الزوج “المهر” و كأنه عقد شراء! وعلى كلٍ، فإن حفل عقد اتفاقية الزواج يسمى عندنا “مِلكة”، هكذا! بما ينمّ عن الاملاك و التملـّك و التمليك. و في اللغة الدارجة تستعمل لفظة “مِملـِك” مكان “مأذون شرعي”.
(من باب الفضول، و شيء من الدعابة، فقد قمتُ بحِسبة بسيطة لـقيمة مهرٍ بمستوى، مثلاً، 30000 ريالاً -و هو المبلغ الذي فهمت من بعض المعارف في فئة الطبقة المتوسطة حالياً أنه المعدل المتداول– ثم قمت بقسمة ذلك المبلغ على 40سنة، و هي فترة افتراضية قِستـُها على حوالي سن الستين و التقاعد..فوجدتُ ان نصيبَ كل يوم هو ريال و 40هللة، او ما يقارب أجرة مكالمة جوال! (سأتوقف عن مزيد من التعليق ..و سأترك القارئ ليحسب حساباته!)
و نادراً ما تقوم المرأة/ الزوجة عندنا من البوح بما تتعرض له من عنف منزلي. و لكن حدث و أن كان استثناء اصبح نموذجاً للزوجات المعتدى عليهن. لقد كان ذلك الحدث الذي كسر القاعدة قبل نحو 7سنوات حينما قامت الاعلامية رانيا الباز بالكشف على الأقل عن فعلات العنف التي اعتدى بها عليها زوجها ثم اودعها شبه جثة على رصيف المشفى. و كانت جرأة نادرة من رانيا ..لكنها اصبحت حدثاً مفصلياً و تأريخياً في مجتمعنا.
علينا ان نـُعـلّم اولادنا محبة الحيوان: أطفالنا في حاجة ماسة الى الاعتناء بالحيوانات، خاصة الأليف منهم، و الرأفة بهم، و التدرب على تكوين و لو شيء من المسئولية في مقتبل حياتهم و نعومة اظفارهم ..و ذلك بتربية الحيوانات الأليفة أيّا كان نوعها.. مما يناسب الطفل و عائلته، و مما يمكن. و يحسن بنا ..نحن الآباء..ألاّ نتأفف او نستنكف ذلك- ربما بحجة عدم توافر الوقت، او حتى بالتعذر بالمكان، او سعة البال.
فالمطلوب، لصالح مستقبل اطفالنا السوي شخصياً و نفسياً و عائلياًً و اجتماعياً و بيئياً، أن نشجّع اطفالنا على اقتناء حيوان اليف معين، و تدريبهم على العناية به. ففي ذلك فرصة سانحة للطفل لافراز شحنات المحبة الكامنة في جوانحه، و تنميتها، مما سيرجع (عليه هو) من تحقيق رصيد من السعادة بذاته..و من ثمّ ما ينتظر من “انتقال أثر التدريب” من عنده الى ما و من حوله..فينعكس ذلك محبةً و رأفة اثناء تعامله مع اخوانه و اقاربه و جيرانه، و ايضاً مع مخدوميه؛ ثم في دوائر متواسعة في بيئته المباشرة و العالمية ..طيلة حياته.
دوامنا اليومي يجافي الواقعية: كانت هناك محاولة قصيرة بدأت في رجب/ شعبان 1394هـ/ 1974م،).. بأن يكون الدوام اليومي على شقين.. بحيث تتخلله فترة الغدا في منتصف النهار..ثم العودة للعمل من بعد الفترة الفاصلة تلك..حتى قرب المساء. لكن سرعان ما تم التخلي عن ذلك “الدوام”، و تم تنفيذ دوام العمل خلال ايام الأسبوع (بخمسة ايام، من السبت الى نهاية الأربعاء..مع تمديد (الجُمَيْعة /عطلة نهاية الاسبوع. الخميس و الجمعة (بعد ان كانت فقط الجمعة). و تم اعتماد البرنامج اليومي الحالي (7:30ص-2:30ظ).
هذا الدوام اليومي يبدو غير واقعي و غير محقق للانتاجية المرجوة، بسبب عادة كثير من الناس السهر متأخرين، و ما ينتج عنه من استيقاظهم إما متأخرين أو توجههم –شبه يقاظىَ- الى نطاق مكاتب العمل. فهو يفترض تناول الناس افطارهم مبكرين و خروجهم الى العمل (الساعة 7ص؟) ليبدءوا “الدوام” في الساعة 7:30. و هذا ربما يتحقق فعلا فقط عند حراس الأمن، أو المباشرين/ الفراشين و صغار الموظفين. ربما!
و ثمة لا واقعية اخرى مبطنة، هو ان الموظف (..لنتخيل موظفاً وصل فعلاً الى مكتبه في نطاق العمل في الساعة7:30م) ..أنه سيظل في غير حاجة الى اي طعام حتى نهاية الدوام طيلة 7ساعات متواصلة. و يكاد لا يوجد في اي وزارة او مصلحة حكومية ما هو في حكم (الكافيتيريات) او قاعات الاستراحة (إلا ربما لصلاة الظهر)؛ و لذا نجد انتشار “البوفيهات”..بمعنى الأكشاك لبيع السندويتشات والعصيرات الخ بقرب الوزارت و المصالح، ثم يجري الاعتماد على تسخير “فرّاشي”/ مراسلي المكاتب، خاصة لكبار الموظفين او متوسطيهم. اما الآخرون، فيقومون بتحقيق المهمة بأنفسهم، مع ما يستهلك ذلك من وقت؛ و كل من الفئتين يواصل الاحتساء شبه المتواصل للشاي وأمثاله طيلة “الدوام”.
وعند العودة للبيت و تناول وجبة “الغدا”، نجد الموظف يلتهم الأكل و المشروب! ثم نجده يتوجه مباشرة الى “تعسيلة” من النوم خلال فترة ما تبقى من “القيلولة”، بما يساهم كل ذلك مشاكل صحية متعددة..تتمثل في تفاقم مشاكل الهضم و تنامي ظاهرة البدانة عندنا.
قلة الحركة عندنا: قــُعود في قعود: نقول ضمن اقوالنا و امثالنا..”في الحركة بركة”، و لكننا نتوقف عن تلك المقولة..و نبقى في الغالب الأعم..قعوداً في قعود. يأتي نمط حياتنا في جلوس شبه خامل، و معه اعتماد شبه كامل على المستخدَمين والمستخدَمات لنقل او لتقديم –أو حتى تقريب– كل شيئ. و صارت حركاتنا معتمدة على المصاعد في أبنية العمل و عمائر السكن، حتى حينما تكون الشقة او المكتب في الدور الأول او الثاني!؛ بل و حتى في المجمعات التجاري (حتى ليكاد ينسى الواحد منا أن فيها سلالم/ درج عادية.)
و هل من تعليق على الجلسات الطوال أمام التلفاز.. حيث يأتي الاهتمام بـ”الرياضة” في شكل مشاهدتها، و حين تكون رياضتنا مركـّزة في تحريك اصابعنا بالضغط على ازارير اختيار المحطات؛ و خلال المتواصل و المتنافس من البرامج! اما رياضة المشي..فهي تخصّ الأقليلة، و ربما كانت عند المتأثرين بما شاهدوا ممارسة المشي في الخارج ..أو ربما لمن وصل بهم الحال ان قام طبيبهم بإنذارهم!
اليس من المؤسف أن يتنشر عندنا عدد من امراض دأبنا على تسميتها مؤخراً بأمراض “العصر” (و كأنّ العصر و الزمان هما الملومان، و كأن لا دخل لنا فيها و لا شأن! لقد انتشر بيننا العديد من الأمراض، مثل (..و لكم السلامة): السكري، و السمنة والبدانة، و الكـُلِسترول، و هشاشة العظام، والضغط، و اختلال الغدد، و معاناة المعدة و الأمعاء بما في ذلك القولون. بل و حتى مرض الرعشة/ الزايمر. و في تصوري ان بالامكان توفير نسبة كبيرة من المصروفات العائلية، و حتى من ميزانية وزارة الصحة، و مما انتشر مؤخراً من تكاليف التأمين ..لو اننا توجهنا الى الوقاية اكثر من العلاج؛ و لو حرصنا على تغيير و تحسين نموذج و اسلوب حياتنا اليومية.
صيامنا..نيام، و أفلام، و التهام: يمر رمضانٌ بعد رمضان، و يشمل سلوك الناس فيه عادة فئتين: فئة من الناس تتحول عندهم فترة النهار إلى فترة نوم و ذلك بعد مواصلة الليلة السابقة مباشرة بمتواصل السهر في الليلة السابقة، و قضائها على مختلف ما يجمع بين انواع و كميات الطعام.. بتواصل تقريباً منذ الافطار؛ و بعد المرور بـ “كرنفال” ليلي متمركز حول الكثير و الكثير من الافلام و المسلسلات التلفازية، بما فيها البرامج الأدائية الاستعراضية.. بما يشمل “فوازير” رمضان.. التي تولتها عبر السنين الفنانات الاستعراضيات الشهيرات مثل نيللي و لبلبة و شريهان و غيرهن خلال حقبة ما بعد بدء البث التلفازي و خلال العقود الأربعة الماضية.
و تتنافس دور السينما و مؤسسات البرامج الترفيهية (و الثقافية، و لو من نوعية “كيف تكسب المليون” او غيرها.. في ملء فترة ما بين مدفعَي الافطار و مدفع السحور. بل و تجد أن مـُعدّي العديد من البرامج الترفيهية والمسلسلاتية يقومون بالاعلان مبكراً، قبل رمضان بشهور، عن استعداداتهم لبرامج و أفلام و مسلسلات و مسابقات و استعراضات لشهر رمضان! و لا يتحرج اولئك المُعدّون والمخرجون من الاشارة بوضوح الى “موسم” المسلسلات و الافلام السنوي في رمضان. و صار التواعد و التوقع متوافقاً بينهم و بين الجمهور المنتظر بفارغ الصبر..و ينعكس ذلك في شعبية عارمة.
و في رمضان، شهر “الصيام و القيام”، تكثر و تتكاثر انواع و كميات الطعام و المشروبات! ..و ما يحضّر من المأكولات التي اكتنزت لحماً و طـُـبـِّقَتْ دسماً، و مغرقة في السعرات الحرارية. فنجد ان المؤسسات الخاصة والعامة تتنافس في توريد بواخر و بواخر من المواشي و مختلف انواع الحبوب، و بقية عناصر المأكل و المشرب. يتم التركيز خلال رمضان على الوجبات بوصفات الطبخ المكتظة بالدهون و الحلويات، فياتي –مثلاً- طبقُ “الهريسة” (تنطق في اللهجة الخليجية بـ”الهريس”) طبقاً يومياً في انحاء الخليج؛ و هو طبق معتمد اساساً على حبوب القمح المطبوخة ممزوجة باللحم المهروس..و خاصة الدسم منه (الضاني)؛ و يؤكل في الخليج مالحاً، بينما في مدن الحجاز يوكل مُحلى برشّ السكر عليه، و رش السمن عليه ايضاًّ! ثم هناك أنواع الكربوهايدرات.. خاصة ما ينتشر بوضوح اكثر في شهر رمضان، مثل الكنافة و المعجنات.
فتمضي ليالي رمضان بين الأكل و الشرب شبه المتواصل، و ممعه الجلوس شبه المتعاطل، و الخمول شبه المتواكل. و هناك ما اعتاد عليه معظم منطقة الخليج من تناول (وجبة) “الغـَبقـَة”.. و تكون عادة بعد الافطار بحوالي اربع ساعات او قبل منتصف الليل..بما يسبق السحور. ثم الشرابات المكتنزة للكثير من السكريات و السعرات..مثل ما اضحى مشهوراً باسم شراب التوت (و هي تسمية زور ..فيما عدا لونه و طعمه المُصَّنع؛ و صار ذلك الشراب يأتي في اكثر من مسمى، منها ماركة عتيدة تنتج منذ اكثر من قرن-منذ1908م- في بريطانيا.)
بعد كل هذا و ذاك، هل من استغراب إزاء اكتظاط المشافي و المراكز الصحية و العيادات الطبية بأنواع من “المرضى” المشتكين من الآلام المعوية وغيرها!؟ خذ مثلا تفاقم مرض السكري، نتيجة السمنة،الخ عندنا، حتى ان فضيلة المفتي أباح عدم الصيام لمن عرف عنهم معاناتهم من مرض السكري و مضاعفاته..تصل نسبتهم الى (ثلث) سكان البلاد! فأليس من الأفضل إن نحن تـَوقــّينا ما هو (بامكاننا) توقينه و تحاشينا مواطن الأذى؟!
حاجتنا الى المزيد من الذوق: مما يحتاجه اجيالنا الحرص على احترام الآخرين..بما في ذلك رعاية البيئة بعامة. فيحسن الكف –فوراً- عن القذف بالقاذورات في الطرقات..و منها طرقات المرور..بعلبة مرة او ب(كرتون) مناديل في مرة).
و مما يلزمنا التأكيد على ما يدخل ضمن قانون الذوق العام المتمثل في الوقوف المنضبط في الطابور، مثلا؛ و مسك الباب بعد ولوجه ولو لثانية لمن يأتي خلفنا.. أو من يَهُم بالولوج بعدنا؛ و اتباع اصول السلامة أثناء حركة مرور السيارات (مثل عدم التعدي و التخطي، و ايضاً تحاشي “التلصيق” (في الدول المتقدمة، تـُصرف قسيمة مخالفة للمـُلصِّقين (إف.تي.سي).
و في المقابل، يحسن التوالف التلقائي الطبيعي (والفوري) لشكر الآخرين بسلاسة و بدون تثاقل؛ و كذلك الاعتذار من الآخرين لأي زلة ..خاصة حينما تكون مسئولية ذلك على حافة الشك؛ و لا ننسى إفشاء السلم و الابتسام؛ و ممارسة ذلك كله ومثله تجاه الكل و الجميع.. بغض النظر عن الجنس او الجنسية (و دون الالتفات الى هندام الآخر ..او إذا ما كان ذلك الشخص مواطناً أم كان مقيماً.)
نشيدنا الوطني..لا يـُـنشد!: مر النشيد الوطني عندنا بمراحل ..بدءاً بكونه ربما الوحيد في العالم الذي جاء في بداياته في معزوفة موسيقية مجردة ..و استمرت كذلك لفترة طويلة..بدون كلمات. (كان قد قام جناح الموسيقى في القطاع العسكري بالمهمة، فيما نعلم بريادة الموسيقار العظيم طارق عبدالحكيم؛ ثم تقرر في اواخر القرن الماضي بأن تـُعد ابياتٌ و كلماتٌ لتواكب (النوتة) الموسيقية للسلام/ النشيد؛ و وقع الاختيار على الأستاذ الشاعر/ ابراهيم خفاجي لتأليف تلك الكلمات. و فعل.)
و لكن، بقيت الناحية التربوية و الشعور الوطني و الاعتزاز الشخصي لدى عموم المواطنين و المواطنات عند رفع العلم، و عند سماع السلام الوطني، خاصة في المناسبات العامة والاحتفالية. ألاحظ ضعف ذلك بعامة. (لكن، هناك خطوة ذكية اخذ يتبعها منظمو الحفلات و المنتديات و المؤتمرات و الندوات بأن يتم توقيت عزف “السلام” عند وصول المسؤول الذي برعايته يقام الحفل.. في مزاوجة بين دخوله و قيام الناس له، و معه السلام الذي يعزف لحظتها). لكن، للأسف، لا نسمع الحضور بمختلف فئاتهم نطقهم بالنشيد أو الغناء به؛ بل لا نلاحظ حتى تحريكاً لشفاههم بكلماته؛ فيبدو أنهم أو غالبيتهم.. لا يحفظونه!
و من الواضح، انه لم يتم تعزيز و تثبيت ذلك على شفاهم و السنتهم و ذهنهم و ذاكرتهم..و لم يتم بالتالي ..تعودهم. بينما تجد في معظم بلدان العالم، ان السلام/ النشيد الوطني ينعزف بينما يقوم الناس كلهم وقوفاً، و يشاركون بكل حماس و احترام و تلقائية في انشاده. بل إننا نجد أن عدداً من الشعوب..و منهم الأمريكان..انهم يضعون كفهم الأيمن فوق جهة قلبهم طيلة الانشاد. و يتم هناك انشاد “السلام” قبل بدء فاعايات معظم الحفلات..خاصة الرسمية منها، و عند بدء المنتديات الوطنية..و قبيل مختلف المباريات.
حاجتنا الى “البهجة”: مجتمعنا يحتاج الى الترفيه و الفرحة و السرور. ففيما عدا اماكن المأكولات ..قلما نجد، حتى في مدننا الكبيرة، اوجهاً و مجالات و ميادين و مواقع لقضائنا الوقت الجميل. فيحتاج مجتمعنا الى المسارح الثقافية الترفيهية، التمثيلية منها و الموسيقية، و الاستعراضية. و لا يحسن الاقتصار على فترات الصيف المستعرة، حين يتم حينها تهيئة برنامج هنا أو هناك..عادة في عدد محدود من الأسابيع قبيل رمضان، و كجزء من “الشـَّعبـَنة”، ثم يبقى هذا و ذاك طيّ ذكرى صيفية ..و كأنها فعلا “سحابة صيف”.
فهناك حاجة ماسة الى اماكن للترفيه الرياضي، الأدائي و ليس فقد التفرّجي كما هو حاصل في “الاستادات الكروية و نحوها.. و حصراً على مواسمها. بل هناك حاجة ماسة لأميال و أميال من مضامير المشي المهيئة خصيصاً لذلك..و في مواقع تسلم من تلوث المرور..و تضمن اساسات السلامة و متعة التنفس و النظر.
و من اوجه استجلاب البهجة تشجيع المسابقات الشبابية في عدد من المجالات:الفنية(كالفرق الموسيقية)؛ و البيئية(مثل حملات تنظيف الشواطئ و الحواري)؛ و الرياضية بأنواعها بين الأفراد و الفرق و النوادي. فعسى أن تنتشر عندنا و لو بعض الفاعليات الممتعة ذهنياً و نفسياً و اجتماعياً.. مما يحمل امثلة من البهجة.
اقترحُُ إعادة تسيير فرق الموسيقى التابعة للشرطة او للجيش بصفة منتظمة و دورية..مثلما كان قبل اكثر من نصف قرن، حينما كانت تجوب مسيرة “المزيكا” انحاء شوارع المدن الرئيسة في خط سير معروف و متعود عليه، و منتظر من الصغار و الكبار ..ينتظرونها و يستمتعون بها ..مثلما كان يحدث في عدد من مدن المملكة، منها: مدينة الطائف، و المدينة المنورة، و مكة المكرمة، مثلما ما كان..في القرن الماضي!
عميد سابق في جامعة البترول–السعودية