النقاب كرمز لخضوع المرأة وتبعيّتها، والنقاب كرمز لـ”الدين” (أي دين) الذي يريد أن “يفرِض” حضوره اليومي في المجتمع الأوروبي ليس مقبولاً من أغلبية المواطنين الأوروبيين. ذلك هو مغزى النتائج التي يتوصّل إليها إستطلاع الرأي الذي أجراه “معهد بيو”. الإستطلاع لا يسأل المواطن الأوروبي عن رأيه في الإسلام، بل يسأله عن رأيه في مسألة محددة هي ارتداء النقاب في “المجال العام” المشترك بين جميع الناس.
وهذا يعني، ضمناً، أن الإستطلاع يسأل الأوروبي إذا كان يقبل بوجود “غيتوات” إسلامية يمارس فيها الرجل سيطرته على المرأة، واحتقاره لها، وسط أوروبا الليبرالية والعلمانية، أوروبا المساواة التامة بين المرأة والرجل.
ما هو موقف المسلمين الأوروبيين من مسألة إرتداء النقاب في أوروبا؟ بل ما هو موقف المسلمين العرب، في بلادهم، من النقاب في أوروبا؟ مؤسف أن استطلاع “بيو” لم يطرح السؤال عليهم، فربما كان تبيّن أن نسبة كبيرة من مسلمي أوروبا ومن مسلمي البلاد العربية تعارض النقاب.
عملياً، فمن أصل ملايين المسلمين في أوروبا، فإن عدد المنقّبات لا يتجاوز بضع مئات. أي أن النساء والرجال المسلمين في أوروبا “صوّتوا” بسلوكهم اليومي ضد النقاب!
لكن مسألة “الحجاب” و”النقاب” تطرح إشكالاً أكبر بكثير في المنطقة العربية والإسلامية: فهل مجرّد صدفة أن تطرح الأحزاب الشمولية والفاشية مثل “حماس و”حزب الله” و”الإخوان المسلمين” شعار “حجابك أغلى من دمي”؟ الأحزاب المعادية لفكرة “القانون” و”الديمقراطية” و”المساواة بين الرجل والمرأة” و”عدم التمييز بين الناس حسب أديانهم” تعتبر فرض الحجاب على البشر “أغلى” من دماء البشر؟
ما هي قيمة الإنسان لدى أصحاب هذه المذاهب الفاشية؟
المعركة ضد الحجاب والنقاب هي نفسها النضال ضد الإستبداد. ونحن لا نأتي بجديد. فهذا ما اكتشفه المصلح المصري “ولي الدين يكن” في أواخر القرن التاسع عشر حينما نشر كتاباته ضد استعباد المرأة وضد استبداد السلطان عبد الحميد التركي.
(صورة المقال: منقّبات ومحجّبات أمام لوحة “فينوس” للإيطالي بوتيتشيلي (1445-1510)
“
الشفّاف
”
*
أفاد إستطلاع رأي أجراه “معهد بيو” الأميركي بين 7 أبريل و8 مايو أن 82 بالمئة من الفرنسيين يؤيدون فرض حظر على ارتداء النقاب في الأماكن العامة، بما فيها المدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية، في حين عارضه 17 بالمئة فقط.
وخلص الإستطلاع أن فرض حظر مشابه سيحظى بتأييد أغلبية المواطنين في ألمانيا (71 بالمئة)، وبريطانيا (62 بالمئة)، وإسبانيا (59 بالمئة).
وبالعكس، يعارض 65 بالمئة من الأميركيين فرض حظر على النقاب، ولا يؤيد الحظر سوى 28 بالمئة.
ويلاحظ “معهد بيو” أن دعاة الحظر أقوياء بصورة خاصة بين المواطنين الذي تتجاوز أعمارهم 55 سنة في البلدان الأوروبية الأربعة التي شملها إستقصاء الرأي، وكذلك في الولايات المتحدة. ففي فرنسا، تبلغ نسبة دعاة الحظر في هذه الفئة العمرية 91 بالمئة، مقارنة بنسبة 81 بالمئة في فئة 35 إلى 54 عاما، و72 بالمئة لدى الذين تقل أعمارهم عن 35 بالمئة.
وفي إسبانيا، أيّد فرض الحظر 70 بالمئة من الذين تزيد أعمارهم على 55 سنة، في حين انخفض التأييد إلى 55 بالمئة بين الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و54 سنة. ولكن فئة 18-34 سنة انقسمت بالتساوي تقريباً بين 49 بالمئة يؤيدون حظر النقاب و47 بالمئة ضد الحظر.
وللمقارنة، فإن 35 بالمئة من الأميركيين الذين تزيد أعمارهم على 55 سنة يؤيدون الحظر، في حين يقتصر تأييده على 28 بالمئة بين فئة 35-54 سنة، وعلى 22 بالمئة بين الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة.
لا فرق بين النساء والرجال
ويلاحظ أن نسبة المؤيدين والمعارضين كانت هي نفسها بين الرجال والنساء في البلدان الأوروبية الأربعة وفي الولايات المتحدة. كما لوحظ أن الموقف من النقاب لا يتأثر كثيراً بالخلفية التعليمية وبمستوى مداخيل الذين تم استطلاع رأيهم. باستثناء إسبانيا، حيث كان مؤيدو الحظر 51 بالمئة بين الفئات الشعبية مقابل 62 بالمئة بين الطبقات الوسطى و68 بالمئة بين الفئات الميسورة.
وبين اليمين واليسار
من حيث التوزيع الإيديولوجي، يلاحظ أن ناخبي اليمين في فرنسا وبريطانيا وألمانيا أكثر تأييداً، بنسبة صغيرة، لفرض حظر على النقاب في الأماكن العامة.
ومع ذلك، فإن الأغلبية الفرنسية المؤيدة للحظر تشمل 75 بالمئة من ناخبي اليسار.
وفي إسبانيا أيّد الحظر 59 بالمئة من ناخبي اليمين و57 بالمئة من ناخبي اليسار. كما أن الفوارق السياسية بين اليمين واليسار لم تؤثر في موقف الأميركيين.