منذ فورة النفط وعوائده العالية تعرضت منطقة الخليج الفارسي علي جانبها الشرقي المسكون باقوام عربية وتحكمها نظم قبلية او أسر مالكة لطوفان من هجرة العمالة من كل بقاع العالم. فلسفة الوجود في هذه المجتمعات ان الغريب ضعيف ولو كان قوى والغريب أعمى ولو كان بصير بعكس بلاد اخري شرقا وغربا حيث الغربة تحمل معان اخري بل ان القوة هي ما يمكن امتلاكه بسهولة فيها مهما كان ضعف الوافد عليها.
ارتبط وجود العمالة الخليجية بفكرة الكفيل . فالكفالة والعبودية وجهان لعملة واحدة، الكفالة ومصادرة حقوق الانسان والبشر وجهان لنفس العملة، الكفالة والارهاب شئ واحد. الكفالة هي السرقة بشرعية وقانونية.
في مجتمعات الغرب حيث الحريات متعاظمة بكل انواعها فان تاريخها قام علي منطق واضح وصريح هو العبودية او القنانة او البروليتاريا حسب تاريخ تطور هياكل الانتاج علي الترتيب من النظام العبودي الي الاقطاعي الي الراسمالي. وظل الملاك يزدادون ثراءا لكن مكاسب قوي العمل كانت ايضا تزداد تعاظما اما بالتحرير من عبودية الملكية للفرد الي الاسر في نطاق الارض والزراعة الي الاستمرار بيع قوة العمل طبقا للسعر الاعلي في سوق راسمالي مفتوح تتعدد في ارباب العمل ويحق فيه السفر والانتقال واعادة اختيار جهة العمل بما فيه رفضه والتظاهر ضده ومحاكمته ايضا.
ولان الجانب الغربي من الخليج الفارسي لم يعرف اطلاقا هذه العلاقات الانتاجية بتعدد انماطها حيث كان الصيد البحري او رعي الاغنام او السلب والنهب علي طريقة الغزوات الاسلامية ، وكلها تجري علي خلفية ثقافية اساسها البداوة والقبلية فان ثورة النفط التي فجرتها تكنلوجيا الغرب الراسمالي ادت الي انقلاب في الموازيين الديموغرافية لهذه المنطقة برمتها. يمكن تصنيفها في قوي عمل وافده قادرة علي البناء والاعمار والانتاج وتقديم الخدمات واهل بلاد لا يعرفون سوي انماط بدائية من التعييش علي المتاح من ثروة واما تجارة في سلع باقي الشعوب المنتجة او نهبا وسلبا من الغريب او المجاور بطريقة الغزو او رعي ما هو متاح من قطعان يمكن لها ان تدر عائدا من اللبن واللحم.
تحت هذه العقلية ضغط الغرب الراسمالي ومنظمات حقوق الانسان ومؤسسلات العمل المدني لالغاء تشريع الكفيل حيث تظل قوة العمل في اسر الكفيل حتي يقرر هو التخلص منها بضمان السيطرة عليه بعدم السفر او التعاقد مع اي من ارباب العمل الاخري. فرغم وجود عقد او ربما غيابه بين الطرفين فالعرف السائد والمعمول به كان هو نظام الكفالة الممتد منذ القدم مع اهل البلاد العرب وهو الامر الذي بينا شروطه وتفاصيل ظهوره في مثل هذه المجتمعات في مقالات سابقة علي هذا الموقع.
مؤخرا قامت البحرين بالغاء هذا النظام في تشريعاتها القانونية لكن تبدو المشكلة اعمق من مجرد شطب عرف وتشريع قانون فالعرف هو اصلا مصدر كثيرا من القوانين. لهذا فمعارضة التعديلات تبدو قوية وخاصة في بلاد اكثر تشددا ولا تعرف التنوع وارث البداوة بها اكثر رسوخا. افضل ما في البحرين ان بها تنوعا من الشيعة والسنة وباقي طوائف الاسلام مما يدفع بمحاولة ايجاد صيغة قانونية تضمن بقاء الجميع في سلام اجتماعي. وربما هذا هو السبب في انها كانت البادئة في الغاء نظام الكفيل لا لسبب سوي ان الصراع بين قوي العمل وملاك هياكل الانتاج ليست اقل ضراوة من الصراعات الديني بل ربما تكون هي الاصل لو اننا نظرنا الي الامور بعيون منفتحة وليس بعقول عفنة مغيبة في نصوص الاديان بكل ما فيها من مظالم طبقية واجتماعية وجنسية واعلاء بشر علي بشر بظلم فادح. فتاريخ الصراعات من اجل المساواه والتي سميت فتنة منذ زمن الخلافة مرورا بالاموي والعباسي والفاطمي والمملوكي والعثماني، كلها تبدو دينية لكن حقيقتها انها طبقية اجتماعية كتب عنها كثيرون امثال برهان الدين دلو في كتابه ” مساهمة في اعادة كتابة التاريخ الاسلامي” و كلود كاهن في كتابه ” تاريخ الشعوب الاسلامية” وما ذكره هشام جعيط في كتابه المرجع ” الفتنة” وكثيرين آخرين من مفكري روسيا ومستشرقيها ومن المصريين د. زبيده عطا وأخريات من الاكادميين المهتمين بفضح تاريخ العرب المغلف بسلوفان ديني زائف. بل ان طه حسين نفسه تماس مع هذه المنطقة الشائكة في كتبه وخاصة الفتنة الكبري.
الغاء الكفيل هو خطوة علي طريق الديموقراطية في هذه البلاد التي تكره الديموقراطية والعلمانية والليبرالية والاشتراكية في آن واحد. انه كوكتيل العذاب الذي لا بد من تتجرعه تلك المجتمعات حتي الثمالة لتكون اكثر اقترابا وتصالحا مع العالم المتحضر. فرغم ان غياب العقل هو آفة البشرية الا ان الوصول بالعقل السياسي والقانوني الي حد الثمالة بهذا الكوكتيل في بيئة انسانية افضل من الغياب في مستنقع ديني لا يوفر شيئا سوي العبودية لمن في الارض ومن في السماء علي السواء.
elbadry1944@gmail.com
* القاهرة
“الكفيل” من سوءات العرب
.
علي — dad@yahoo.com
متى تكفون ايها الشعوبين المستعربين عن نفث احقادكم. كان بامكانك معالجة الموضوع دون الزج بحقدك الذي هو قاتلك, للعلم حملة الشهادات العليا بالخليج أكثر ممن هم في بلدك فتأمل