كلما لاح في الافق حل لمشكلة او قضية رئيسية في منطقتنا عادت الاوضاع واكدت ان منطقتنا لن تكون من المناطق التي تنعم بالاستقرار السياسي والانساني في السنوات العشر القادمة. فهناك عدة متغيرات وتناقضات ستكون لب التأثير والتغير في منطقة الشرق الاوسط. أحد اهم هذه المتغيرات ستقع على جبهة الصراع العربي الاسرائيلي، والآن الايراني الاسرائيلي، بكل ابعاده الانسانية والحقوقية والامنية.
ان مسيرة السلام العربية الاسرائيلية التي اوحت بأفاق حل سلمي للقضية الفلسطينية وصلت لطريق مسدود حتى الان، وهي تكاد تصل للحظة خاصة في حجم إنسدادها. فهناك في الافق مخاض فلسطيني جديد في ظل احاديث عديدة عن حرب اقليمية جديدة قد تبدأها اسرائيل مع ايران او مع حزب الله. ستترك هذه الاحتمالات عند وقوعها اكبر الاثر والتأثير على منطقتنا. ان الابعاد الاستراتيجية لوقوع مواجهات بين إسرائيل من جهة، و ايران وسوريا وحزب الله وحماس من جهة اخرى، ستكون كبيرة. ستعيد احداث كهذه، خاصة اذا ما تبلورت بين الفسطينيين انتفاضة جديدة، الصراع العربي الاسرائيلي الى اساسياته الاولى.
لكن اليمين الاسرائيلي من جهة اخرى في ورطة كبيرة، اذ يعيش مع وهم الاستمرار في فكرة صهيونية تأخذ الارض من اصحابها. فإسرائيل مستمرة في تهويد القدس، وفي اخذ اراضي جديدة ومنازل جديدة من الفلسطينيين. وبينما ينفي نتنياهو عن الفلسطينيين حق العودة الى اراضي اخرجوا منها بالقوة منذ سنوات ومنذ عقود، الا انه يسمح لحكومته بأخذ اراض ومنازل عربية جديدة بالقوة. بين منطق الحقوق الفلسطيني ومنطق الاستيلاء الاسرائيلي تتشكل مواجهات المرحلة القادمة. لقد دفع اليمين الاسرائيلي بالفلسطينيين للحائط، وهذا يعني حتمية الانفجار الذي نرى بدايات له في احداث القدس وبلعين ومناطق اخرى في الضفة الغربية وغزة. الواضح في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ان انسداد السبل واستمرار الاحتلال والاستيطان يدفع نحو المواجهة. الاوضاع اليوم تسير بقوة نحو هذا الاحتمال.
وفي ظل تراكم عناصر الانفجار يزداد الموقف الامريكي ضعفا. فهناك عوامل كونية واقليمية وامريكية واقتصادية وسياسية تساهم في التراجع الامريكي الذي نشهده كونيا واقليميا. ان الوعد الامريكي الذي تبلور مع انتخاب الرئيس اوباما تراجع بصورة كبيرة وترك وراءه خيبة امل تبدو الان اكبر من تلك التي حملها الناس تجاه ادارة بوش. فالادارة الامريكية تقود قوة امريكية عالمية في طريقها للانسحاب من نقاط ساخنة في منطقتنا وفي طريقها لمزيد من التنافس والتدافع الهادئ مع دول مثل الصين وروسيا. وبنفس الوقت الذي تشعر الولايات المتحدة بعدم مقدرتها التحكم بمفاتيح العالم واضطراباته، فهي ايضا تخضع للمنطق اليميني الاسرائيلي في تفسيرها لاوضاع المنطقة. فمن خلال الكونغرس الامريكي ودور القوى المؤيدة لاسرائيل فيه يبدو ان ادارة اوباما ستكون غير قادرة على التحرك باستقلالية. وهذا بطبيعة الحال يجعل القوة الامريكية في معادلة صعبة مما يساهم في الجمود وفي افاق الانفجار.
وبينما يخيم شبح حرب اقليمية على المنطقة، فالاوضاع الاقتصادية في المنطقة لم تتحسن هي الاخرى مما قد يجعل اثار اي حرب اقليمية اكبر من سابقاتها. ففي دول شتى في العالم العربي تواجه فئات شعبية الكثير من الضغط الاقتصادي والشعور بالغبن امام الدولة والتعسف في القوانين وسواد الفساد. لهذا، فأن وقعت حرب اقليمية ستجد لها صدى داخلي في دول عربية عديدة، وسيكون هذا مسماراً جديداً في واقع النظام العربي الرسمي كما عرفناه طوال العقود السابقة. الاوضاع الداخلية تتداخل، والمنطقة العربية تعيش وضعا معقدا في ظل افاق الحرب والانتفاضة الجديدة. .
ان منطقتنا تمر كل عدة سنوات بأزمة كبيرة. منذ عام كانت حرب غزة، وقبل ذلك حرب جنوب لبنان بين اسرائيل وحزب الله، وقبل ذلك حروب العراق وافغانستان المستمرة ليومنا هذا، وقبل ذلك الانتفاضة الفلسطينية، وقبل ذلك الحادي عشر من سبتمبر وقبل ذلك الغزو العراقي للكويت. في المدى المنظور تتزاد احتمالات وقوع مفاجئة كبيرة تعيد ترتيب الاوراق واصطفاف القوى. ليس واضحا شكل النتيجة ومداها ولكن الواضح ان منطقتنا لن تستقر او تهدأ في ظل استيلاء اسرائيل على اراضي عربية وفلسطينية وفي ظل سياسة تهجير واقتلاع وفي ظل ضعف عام في الوضع العربي امام صراع القوى: اسرائيل وايران وتركيا وقوى سياسية وشعبية في جنوب لبنان والاراضي المحتلة.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت