بعد جرعة المعنويات الزائدة التي حققتها قوى 14 آذار يوم 14 شباط عندما نجحت في استقطاب جمهورها من جديد تستعد هذه القوى للملمة أنفاسها والانطلاق بزخم جديد في سبيل استكمال مشروع العبور الى الدولة التي وضعت اسسه لحظة انطلاق شرارة ثورة الارز في العام 2005. وفي سياق منفصل يشهد لبنان تسابق محموم على اطلاق التهديدات المتبادلة بين اسرائيل من جهة وحزب الله من جهة ثانية في ظلّ اشتباك سياسي هادىء بين فريقي الشرعية والسلاح تحكمه التوازنات الدقيقة اقليمياً ومحلياً. القيادي في تيار المستقبل وعضوالامانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق مصطفى علوش تحدث الى “الشفاف” عن المرحلة التي ستلي 14 شباط 2010.
رياض طوق (الشفاف- بيروت)
س: هل أن نجاح ذكرى 14 شباط أعاد التوازن بين فريقي 14 و 8 آذار من جديد لا سيما بعد الكلام عن نهاية 14 آذار؟
ج: نحن قلنا منذ اليوم الاول على انطلاقة انتفاضة الاستقلال ان حركة 14 آذار هي حركة شعبية وحركة عفوية. فالى جانب جمهور 14
آذار، هناك قيادات 14 آذار والامانة العامة للرابع عشر من آذار. وهذه المؤسسات الثلاثة هي مترابطة ولكنها مستقلة في نفس الوقت. ولكن الحركة الشعبية هي الاساس في هذا التجمع، وهي تعتبر نفسها المؤتمنة على المبادىء التي انطلقت منها ثورة الارز وعلى الانجازات التي حققتها الحركة الاستقلالية من اخراج الجيش السوري الى تحقيق المحكمة الدولية الى النجاح بالانتخابات النيابية وغيرها من الاستحقاقت المفصلية. وهذا ما يؤكد على الصمود المستمر في وجه حملات الترهيب التي مارسها الطرف الآخر اقليمياً ومحلياً. لذلك كانت المراهنة على خفوت هذه الحركة بسبب انخفاض التأييد لها من قبل الرأي العام، ولكن التجمع الاخير اثبت فشل هذا الرهان وأثبت ان هذه الحركة السياسية تتألف من رأي عام يستوعب هذه المتغيرات ومقتنع بأن ما تقوم به القيادة هو جزء من المحاولات للحفاظ على مكتسبات الحركة الاستقلالية. لذلك نحن نعتبر أن تلبية النداء من قبل المواطنين يوم 14 شباط كان للتأكيد على الاستمرار ولمطالبة قيادة 14 آذار بالصمود وعدم التخلي عن المبادىء الاساسية.
س: كيف سيستثمر هذا الانتصار، هل سيعيد التوازن بين الشرعية والسلاح أم ستستخدمونه لانتزاع تعيينات ادارية وانتخابات بلدية فقط؟
ج: هناك اعادة توازن بين الفريقين، لأنه ثبت من خلال هذا التجمع أن الانسحابات من قوى 14 آذار التي تلت الانتخابات النيابية لا يغير المعادلة الحقيقية في توازن القوى السياسية داخل البلاد. ولكننا لن ندخل هذا التجمع في بزار المساومات لأن مشروعنا الاساسي هو العبور الى الدولة وهذا المشروع لا يتم من خلال المساومة على المواقع الادارية، كما أنه لا يكون من خلال التسليم بالامر الواقع الذي يملي علينا ابقاء سلاح خارج اطار الدولة والشرعية. فالهدف الاساسي هو التأكيد على ان هناك دعماً شعبياً حقيقياً لتحقيق المطالب الاساسية التي بنيت عليها الحركة الاستقلالية ولتجديد العمل على انجاز مشروع العبور الى الدولة. وأنا شخصياً أعتبر أن الاولوية هو وضع كل السلاح تحت امرة الدولة اللبنانية.
س: صحيفة الوطن السورية قالت أن السنيورة (رئيس الحكومة السابق) وجعجع (رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية) هما وجهان لعملة واحدة. لما هذا التوصيف وما هو القصد من هذا الكلام؟
ج: الحقيقة أننا كلنا في 14 آذار عملة واحدة ولنا وجه واحد واذا قلبنا العملة وجدنا ان لنا الوجه نفسه على الجهتين لأن مواقفنا وثوابتنا تجسدت يوم انطلقة الحركة عام 2005. وهذه الثوابت تقوم على الشراكة الاسلامية- المسيحية المطلقة من شعار “لبنان أولاً” وهو شعار يستند الى منطق الحرية والسيادة والاستقلال. لذلك فان خطابات كل مكونات 14 آذار ستكون متشابهة ووجه واحد لصورة واحدة.
س: لمَ هذا التركيز والهجوم على شخص الرئيس فؤاد السنيورة والايحاء بأن هناك نهجين مختلفين لكل من السنيورة والرئيس سعد الحريري؟
ج: هذا هو المنطق الاستعماري القديم الذي يقوم على مبدأ “فرّق تسد”، والذي تجلّى عندما تمت محاولات الفصل بين الرئيس سعد الحريري وحلفائه المسيحيين، وهناك اليوم محاولة ايحاء ان هناك أجنحة أو تيارات داخل تيار المستقبل. ولكن هذه المحاولات لن تنطلي على أحد لأن ما جسده خطاب الرئيس السنيورة هو خطاب تيار المستقبل الاساسي، أما ما قاله الرئيس الحريري فهو خطاب تيار المستقبل في الحكم المبني على التسوية التي طرحت لانشاء الحكومة.
س: كيف تقرأون مواقف أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الاخيرة التي ردّ من خلالها على التهديدات الاسرائيلية؟
ج: هناك محاولة جديدة للتهدئة الداخلية وهناك نوع من الابتزاز العاطفي في مسألة الردّ على التهديدات الاسرائيلية وطرح معادلة مطار رفيق الحريري مقابل مطار بن غوريون. ولكن ما نريد أن نسمعه في أي خطاب من حزب الله في مسار الاستقرار الذي ننشده هو فكّ ارتباط حزب الله عن مصير الجمهورية الاسلامية في ايران، وبالتالي فكّ مصير لبنان عن مصير ايران وما سيحدث في ايران من فرض عقوبات أو غيرها. فنحن لم نسمع شيئاً من هذا القبيل من السيد نصرالله، وكل ما يقوله نصرالله لن يشكّل طمأنة أو نوعاً من هدوء البال لدى المواطنين بالنسبة لاستقرارهم طالما لم تتلبنن أهداف ومساعي حزب الله.
س: تقول قيادات فريق 8 آذار وحزب الله أن كل من يقول ان سلاح حزب الله يشكل ذريعة لاسرائيل للاعتداء على لبنان يكون بكلامه هذا وكأنه يعطي الذريعة لاسرائيل. ما هي صحّة هذا القول؟
ج: كل المعطيات التي تتعلق بالمنطقة تقول أن الحرب هي مواجهة ايرانية- دولية- اسرائيلية، ونحن مستعدون للمواجهة للدفاع عن أرضنا واذا كانت هذه الحرب تصب في مصلحة فلسطين والمصالح العربية المشتركة. ولكن الاساس من الناحية النظرية هو الاعلان عن ان هذا السلاح غير مرتبط بأي شكل من الاشكال بايران. فنحن لا نريد اعطاء ايّ ذريعة لاسرائيل ولا التبرير للعدوّ الاسرائيلي اية اعتداءات يقوم بها ولكن لأن هذا العدوّ هو كما هو، فما الذي يمنع وضع هذا السلاح تحت كنف الدولة اللبنانية؟ فهذا هو السلاح الذي نوجهه الى اخوتنا في حزب الله. وطالما ان الاذى الذي سيسببه الاعتداء الاسرائيلي سيطال جميع اللبنانيين، فلماذا لا يكون جميع المواطنين مشاركين في تقرير مصير لبنان وفي قرار الحرب والسلم. واذا كانت المعادلة أن تدمير لبنان هو سهل، فهذه المعادلة غير مقبولة. نحن نعتبر ان الوسائل التي تسمّى توازن الرعب والتي طرحها حزب الله طيلة السنوات الماضية لم تكن ناجحة كفاية لايقاف الاعتداء الاسرائيلي في العام 2006. ونحن نعتبر أن المعطيات الموجودة اليوم لن تستطيع انقاذ لبنان من الدمار في حال وقع الاعتداء الاسرائيلي.
س: ماذا بعد 14 شباط؟ فجمهور 14 آذار لبّى النداء مرة جديدة بالرغم من خيبات الآمال المتتالية. والسؤال اليوم هو كيف ستتصرفون حتى لا يشعر المواطنون بالخيبة مرة جديدة؟
ج: هناك صعوبة ودقة للاجابة على هذه الاسئلة. ولكن هناك محاولة لتأمين الاستقرار وهذا ما عبّر عنه الرئيس الحريري في خطابه في ساحة الشهداء ومن خلال التزامه بالنزول الى الساحة يوم 14 شباط والى لقاء البريستول. لأن الهدف الاساسي هو تأمين الاستقرار حتى تستمّر الحركة السياسية بدون اهتزازات عنيفة. واذا عدنا الى الاصطفاف الحاد السابق فهذا قد يؤدي الى اهتزاز الاستقرار الحالي. فهذا الاستقرار هو نافذة لبناء استقرار اقليمي من خلال بناء الخطّ العربي الجديد مع سوريا ولتأمين الاستقرار اللبناني الداخلي حتى لو كان جزئيّاً ومؤقتاً حتى نتمكن من بناء بعض المنجزات. لذلك هناك مساراً دقيقاً وعلى حدّ السيف بالنسبة الى حركة 14 آذار بين الاستمرار بالتعبئة السياسية وبين الاستقرار الذي ننشده. وهذا ما تسعى الامانة العامة لقوى 14 آذار لبلورته من خلال خطابها ومن خلال مؤتمرها الثالث الذي قد تعقده يوم 14 آذار من هذا العام.
س: هل ستنسف الانتخابات البلدية في ظلّ معارضة بعض قوى 8 آذار على اجراءها من دون الاصلاحات التي تبدو مستحيلة في الوقت الحاضر بالرغم من اصرار رئيسي الجمهورية والحكومة ميشال سليمان وسعد الحريري واصرار الاكثرية النيابية والوزارية على اجرائها في موعدها؟
ج: لن تنسف الانتخابات ولكن قد يتم تأجيلها. ولكن المشكلة هي كسر هيبة الحكومة والحكم ورئيس الجمهورية من خلال عدم اجراء الانتخابات البلدية في موعدها قد يؤدي الى كسر صورة النظام الديمقراطي. فنحن نعلم اننا نمر بظروف استثنائية طالت، ولكنها مبنية على توازنات محددة داخل لبنان، فمن جهة هناك الحركة الاستقلالية وصمودها من جهة، ومن جهة اخرى هناك السلاح ومن يدعمونه، ويدخل ضمن هذه التوازنات كل المعادلات في هذه الدولة.
س: ماذا عن النائب وليد جنبلاط؟ فهو أعلن انه خرج من 14 آذار ولكننا نسمع تبريرات دائمة بأنه لم يخرج كلياً ولم يذهب الى فريق 8 آذار؟ في أيّة خانة تضعون مواقف النائب جنبلاط اليوم؟
ج: لا يجب ان يكون هناك ايّ التباس، فالنائب جنبلاط اعلن انه اصبح خارج 14 آذار وهو بمواقفه السياسية أصبح عملياً جزءاً من 8 آذار. ونحن من هذا المنطلق نحترم الخصوصية التي طلبها جنبلاط حتى لو لم يكن مقتنعاً بخياراته الحالية. ولكننا نريد ابقاء شعرة معاوية بين النائب جنبلاط والرئيس سعد الحريري.