ماذا لو خرجت القيادة الإيرانية المتشددة من المواجهات الحالية في الداخل أكثر تعزيزاً وجرأة؟ إذا كان الأمر كذلك، سوف تعود القضية النووية من جديد وتفرض نفسها على سلم الأحداث مقرونة بنبرة انتقامية. وتشير ثلاث مباريات حربية (ألعاب محاكاة للأزمات الحقيقية) جرت في الآونة الأخيرة وركزت على موضوع الأسلحة النووية الإيرانية بأن احتمالات وقف تقدم النظام الحاكم نحو تطوير أسلحة نووية لا تبشر بالخير.
لقد ركزت «المباريات» على استطلاع استراتيجيات مختلفة لمنع التهديد النووي الإيراني من أن يصبح حقيقة. وقد أدارت هذه «المباريات» مراكز أبحاث غربية تحظى باحترام كبير؛ ولكن للأسف، كانت النتائج سلبية بشكل موحد. وبالنظر لكونها «مباريات» جدية شارك فيها أناس رزينين، سيكون من الحكمة بمكان أن يقوم المسؤولون — الذين يتعاملون مع المشكلة النووية كمسألة سياسة حقيقية — بالنظر إلى الآثار المترتبة عليها.
الغرض والمنفعة من المباريات الحربية
تمثل «المباريات» أدوات تخطيط أستراتيجي؛ وقد أثبتت فائدتها بشكل خاص في حالات الصراع الدولي. وتبدأ مباراة الحرب بسيناريو محدد يتطور عن طريق سلسلة من الإجراءات التي ترمي للوصول إلى وضع أو نتيجة نهائية. ويحاكي الأفراد أو الفرق المشتركة في «المباريات» قرارات رئيسية تتخذ من قبل زعماء وطنيين في بيئة يتم فيها لعب الأدوار [السياسية]. وفي الوقت نفسه، يعمل فريق موضوعي مستقل كحكم، حيث يضع التصور الأولي ويفصل في «المباراة» في “أشواط” متعاقبة. ولا تعبّر النتيجة عن تنبؤ مستقبلي ولكن عن حصيلة معقولة، بل وربما مرجحة، يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة في مجال التخطيط والتنبؤ.
تشكل المباريات الحربية بديل للتقييمات الورقية النموذجية الشائعة بين الخبراء المتخصصين، والتي تعبر خصائصها الفريدة عن بعض المزايا وتنقل معلومات ذات قيمة كبيرة. يمكن أن تكون «المباريات» فعالة للغاية في محاكاتها للطبيعة الديناميكية والتنافسية للأوضاع القائمة في عالمنا الحقيقي. كما أنها تكرر عدم اليقين (المتمثل بسوء الفهم، وسوء الإتصالات، والتصورات الخاطئة، وسوء التمثيل) الذي يميز الحالات الفعلية. بالإضافة إلى ذلك، كثيراً ما تؤدي الطبيعة المقنعة والمستوعبة للمباريات الحربية، إلى لحظات موحية بالنسبة للمشاركين. وبصورة إجمالية، قد تكون عملية اختبار الأستراتيجيات والقرارات المعقدة التي تجري في بيئة يشارك فيها الإنسان في «مباريات» تنافسية، أفضل ما يمكننا فعله وأقرب إلى العالم الحقيقي.
هناك بعض المحاذير التي يجب أن تؤخذ بنظر الإعتبار. يستند هذا المقال على تقارير وبيانات محدودة تتعلق بثلاث «مباريات»، وقد تكون عناصر معينة غائبة خلال لعب أي من «المباريات». ومع ذلك، هناك فائدة من استخلاص بعض الإستنتاجات من المعلومات المتوافرة نظراً للطبيعة المهمة والملحة للقضية النووية الإيرانية.
«المباريات» المتعلقة بإيران
في كانون الأول/ديسمبر 2009، أجرى خبراء من جامعة هارفارد، وجامعة تل أبيب، ومؤسسة بروكينغز ثلاث مباريات حربية منفصلة لتحليل مختلف السيناريوهات الإيرانية النووية. وقد تم تنظيم اللاعبين في كل مؤسسة من هذه المؤسسات في فرق تمثل الدول الرئيسية وقادتها؛ كما اختير المشاركون فيها من خليط من صناع القرار المدنيين والعسكريين السابقين، ومن الخبراء الإقليميين في المواضيع ذات الصلة (على سبيل المثال، من الأكاديميين والمحللين والصحفيين).
“مباراة الحرب في جامعة هارفارد”. تم تنظيمها من قبل “مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية” في “كلية كنيدي للدراسات الحكومية” في جامعة هارفارد، واستطلعت هذه «المباراة» الكيفية التي يمكن أن تتطور إليها المواجهة حول برنامج إيران النووي في السنة القادمة. وقد تضمنت النتائج التي تمت الإفادة عنها ما يلي:
• الولايات المتحدة لا تستطيع الحصول على أي دعم يذكر لفرض عقوبات.
• روسيا والصين — اللتان ستكونان لاعبتان رئيسيتان إذا ما نجحت العقوبات — قامتا بإجراء مفاوضات سرية مع إيران.
• العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تدهورت بصورة كبيرة خلال هذه «المباراة»، وأدت إلى وقوع أزمة دبلوماسية عميقة.
• إيران رأت نفسها في موقف قوي ولعبت وفقاً لذلك.
• إيران برزت في وضع أفضل في نهاية «المباراة» مما كانت عليه في بدايتها. وفي كانون الأول/ديسمبر 2010، كانت قد ضاعفت من إمداداتها من اليورانيوم المنخفض التخصيب وشرعت في عملية التسليح.
ووفقاً لمشارك واحد، “لم تشعر إيران قط بأنها مهددة بصورة خطيرة” وباستطاعتها “الفوز” بسهولة في «المباراة». وفي الواقع، ربما يصف معظم المراقبين نتيجة هذه «المباراة» بأنها انتصار لإيران وهزيمة للولايات المتحدة وإسرائيل.
“مباراة الحرب في جامعة تل أبيب”. تم تنظيم هذه المحاكاة من قبل “معهد دراسات الأمن القومي”، في جامعة تل أبيب واستطلعت هذه «المباراة» المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران والردود الإسرائيلية المحتملة. وقد تضمنت النتائج التي تمت الإفادة عنها ما يلي:
• إيران اتخذت موقفاً قوياً في هذه «المباراة» مستندة على هدف واضح: الحصول على أسلحة نووية.
• إسرائيل والولايات المتحدة افتقرتا إلى أهداف واستراتيجيات واضحة للتعامل مع برنامج إيران النووي.
• الإيرانيون رأوا أن الولايات المتحدة ضعيفة ومترددة ولكنهم اعتبروا موقفهم قوياً.
• إسرائيل اعتبرت غير مفيدة لمساعدة الولايات المتحدة.
• في نهاية «المباراة»، واصلت إيران برنامجها النووي، ولم يتم إقناعها أو ردعها.
“مباراة الحرب في مؤسسة بروكينغز”. تم تنظيمها من قبل “مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط” في مؤسسة بروكينغز في واشنطن العاصمة، حيث استطلعت هذه «المباراة» الكيفية التي يمكن أن تستجيب فيها إسرائيل وإيران والولايات المتحدة لقيام إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. وقد تضمنت النتائج التي تمت الإفادة عنها ما يلي:
• الولايات المتحدة لم تكن راضية من إسرائيل بسبب الهجوم.
• الولايات المتحدة حاولت إجراء محادثات مع إيران بصورة جازمة لكنها سعت أيضاً إلى إجراء مفاوضات مباشرة.
• الولايات المتحدة حاولت أن تبقى خارج الصراع.
• رد الفعل الأمريكي كان محدوداً ودفاعياً.
• إيران فسرت سلوك الولايات المتحدة بأنه ضعيفاً، واصبحت أكثر جرأة بسبب هذا التصور.
أهمية «المباريات» المتعددة
استناداً إلى المعلومات المتاحة، يظهر أن «المباريات» كانت حسنة الإداء – حيث أضافت إلى الأفكار التي تم الحصول عليها من خلال الأساليب التحليلية القياسية، ويبدو أن إجراء المزيد من مثل هذه «المباريات» أمر مستحسن. ويمكن أن تكون أياً منها مجدية بمفردها، ولكنها إذا أُخذت مجتمعة فستكون ذات قيمة أكبر. وقد أسفر قيام هذه «المباريات» باستخدام مواضيع وأدوات مماثلة، عن بعض من نفس النتائج السلبية:
• الولايات المتحدة لم تحصل على تعاون مفيد من بلدان أخرى.
• العقوبات لا يبدو أنها قادرة على النجاح.
• الولايات المتحدة لم تكن مستعدة لاستخدام القوة العسكرية أو دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية حتى بعد فشل التدابير الأخرى.
• العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تدهورت بشكل كبير.
• إيران واصلت سعيها لإمتلاك قدرات نووية.
الرؤى الداخلية
قدمت «المباريات» أفكاراً عدة لمعرفة سبب كون المشكلة النووية الإيرانية عويصة للغاية، والكيفية التي يمكن أن تتطور إليها في الأجلين القريب والمتوسط. لقد “فازت” إيران في «المباريات»، على الأقل جزئياً، لأنه كانت لديها يد قوية، واستراتيجية متماسكة، وأهداف اضحة، وقيادة حازمة. وفي المقابل، واجهت طهران مجموعة من المعارضين، كانوا منقسمين بشأن الأهداف والأستراتيجيات وأظهروا قيادة غير متأكدة من نفسها، إن لم تكن متذبذبة. ومن بين أولئك المعارضين، لم تكن أية دولة مستعدة لاستخدام القوة العسكرية باستثناء إسرائيل، في حين بدت الولايات المتحدة وهي تلعب دوراً ضعيفاً في جميع عمليات المحاكات الثلاث.
وقد أشارت «المباريات» أيضاً بأنه كلما تصاعدت حدة القضية النووية، كان هناك احتمال بأن يشكل التعامل مع إسرائيل تحدياً كبيراً بالنسبة للولايات المتحدة حيث سيكون مماثلاً للتعامل مع إيران، على الأقل في بعض الأحوال. وقد تباينت تصورات التهديد، والأهداف، والأستراتيجيات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجاه التقدم الإيراني نحو إنتاج أسلحة نووية. وتحاشت الولايات المتحدة الدخول في عمل عسكري لتجنب المخاطر المصاحبة لذلك، في حين كانت إسرائيل على استعداد أكبر لاتخاذ المخاطر لتجنب، أو على الأقل لتأجيل، التهديد النووي. وأشار لعب «المبارايات» بأنه من المرجح أن تقع أزمة بين إسرائيل والولايات المتحدة في نهاية المطاف.
الإستنتاجات
تتمتع جميع «المباريات» الثلاث بنصيب من الحقيقة: فهي مقبولة، وذات مصداقية، ومتسقة، وتعزز التحليلات الأخرى التي تشير إلى عدم نجاح الدبلوماسية والعقوبات. ويؤدي هذا إلى استنتاجات معينة.
أولاً، يجب على الولايات المتحدة أن “تلعب” في الأشهر المقبلة بشكل مختلف عن الطريقة التي “لعبها” المشاركون الذين مثلونها في هذه المحاكيات. ويبدو أن السياسة الأمريكية الحالية قد فشلت في كل «مباراة»، تاركة الوضع أكثر سوءاً في عدة أبعاد: لم تكن إيران عابئة ولم تتراجع (وحتى قد تعززت بصورة أكثر)، ودخلت العلاقات مع إسرائيل في أزمة، وانعدم الدعم الدولي. وتبعاً لذلك، يجب على الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وضع تصور [معين] وتطوير مبادرات جديدة تكون أكثر قوة (على سبيل المثال، دعم قوي لتغيير النظام).
ثانياً، يجب على الولايات المتحدة وضع خطة للقيام بعمل عسكري، سواء لوحدها، أو بالتعاون مع آخرين، أو في أعقاب الغارات الجوية الإسرائيلية التي قد تُشن من جانب واحد. ينبغي أن يكون كل من الجيش والجمهور مستعداً للنتائج المترتبة عن هذه السيناريوهات. كما يجب أن تجري هذه الاستعدادات مع وجود الفهم الكامل بأن الخيار العسكري هو بديل عملي — وربما قد يكون أيضاً مسار العمل المطلوب في نهاية المطاف.
ثالثاً، من المرجح أن تكون نتائج هذه «المباريات» مقلقة لإسرائيل، حيث تشير بأنه ينبغي على قادتها أن يكونوا مستعدين لإعداد أنفسهم لاتخاذ الخطوات الدبلوماسية والعسكرية بدون أي مساعدة من طرف ثاني. إن اتخاذ قرار حول شن ضربة جوية يمكن أن يكون الأكثر مصيرياً منذ تأسيس الدولة. وتحتاج إسرائيل إلى إعداد قواتها العسكرية ليس فقط للقيام بغارة أو عملية [منفردة]، ولكن أيضاً لحرب موسعة على جبهات متعددة وعميقة داخل الوطن. وبالمثل، يجب على السكان المدنيين أن يحضروا أنفسهم للإضطرابات والخسائر التي ستترتب عن صراع كهذا. ويظهر أن إسرائيل تتحرك بالفعل في هذا الإتجاه، كما أن المضي في هذا المسار يبدو حكيماً في ضوء نتائج «مباريات» الحرب. الوقت ينفد.
جيفري وايت هو زميل لشؤون الدفاع في معهد واشنطن، متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية لبلاد الشام والعراق وإيران. لورينغ وايت عملت لفترة طويلة في مجالات النمذجة الرياضية والتحليل العلمي للبيانات في القطاعين الخاص والعام، حيث تخصصت في تقييم المعلومات في حالة عالية من عدم اليقين.