يعكف زعيم المختارة وليد جنبلاط على رسم المعالم السياسية لموقع الدروز من الناحية الجيو- سياسية في المرحلة الراهنة الحبلى بالتطورات الكبرى والتحديات المصيرية على مستوى لبنان والمنطقة· لكن المهمة لا تبدو سهلة امامه بالمقدار الذي كان يتوقعه، وهو أمر ليس بمستغرب، اذ ان الزعيم الدرزي الذي تقدم الصفوف الامامية في معركة اخراج القوات السورية من لبنان وما بات يعرف لاحقا بـ>إنتفاضة الاستقلال> أو < ثورة الارز> قد ذهب بعيداً جداً في المواجهة السياسية، مما يجعل طريق < العودة < صعبة ووعرة ومكلفة، لا بل محفوفة بالمخاطر المتعددة· لكن سلوك الرجل يؤكد انه ماضٍ في قرار <العودة>· غير ان السؤال المطروح هو: العودة الى أين؟ وعلى أي أسس وحسابات؟
قد تكون <الواقعية السياسية> التي يتحلى بها وليد جنبلاط صادمة لكثيرين من الأقربين الى الأبعدين· وهي واقعية مارسها الى حدها الاقصى يوم أُلبس عباءة الارث السياسي للمختارة ومسؤولية الجماعة وحمايتها، اذ زار دمشق في اربعين والده وصافح اليد المتهم صاحبها انها وراء عملية الاغتيال· ولعل ما ينقله باتريك سيل في كتابه <الاسد- الصراع على الشرق الاوسط> عن تلك المرحلة خير معبر عن واقعية جنبلاط الذي اعتبر يومها <انه كان عليه أن يختار بين سوريا واسرائيل والبحر الازرق العميق ( أي الضياع) وبرغم شكوكه في كون سوريا ضالعة في اغتيال أبيه، فقد اختار سوريا، ومع ذلك فقد كان من المقلق نفسيا له أن يحييه الاسد بقوله < كم تشبه أباك!>·
واقعية سياسية·· أم؟
واذا كانت تحولات جنبلاط الراهنة المرتكزة على مفهوم < الواقعية السياسية> هي مسألة لا تتعلق بالعواطف ولا بالمبادىء والقيم، بل بمصالح> الجماعة <المباشرة وغير المباشرة والآنية وغير الآنية والشخصية وغير الشخصية، فلا بد تاليا ان تكون منطلقة من قراءة دقيقة ومعطيات متماسكة والاّ آلت الى نتائج عكسية· ويرى كثيرون ان سياسة <جلد الذات> و<الانهزامية المفرطة> و<الخطوات المتسرعة والمتسارعة> التي ينتهجها الزعيم الدرزي، رغم محاولات التفهم الذي أبداها حلفاء الامس له، ليست بالامرالذي يسهل استيعابه، بدءاً من جموع الرأي العام لقوى الرابع عشر من آذار، والتي آثر <البيك> الخروج من فلكها، ووصولا الى <الجمهور الدرزي> الموزع بين من يحمل الراية الحمراء ومن يدور في فلك ليبرالي أرحب ومن ينتمي الى بوتقة الملتزمين دينياً·
وهوعبّر أكثر من مرة أن فئات واسعة من الجمهور الدرزي تحديدا لم تهضم تحولاته السياسية، وأولها كيفية تعاطيه مع أحداث السابع من أيار ومعالجة تداعياتها· لكن المقلق في حقيقة الامر ان جنبلاط لا يبدو مدركاً للمزاج العام في الجبل، فهو يحاول تجاهل الآثار النفسية والاجتماعية التي تركتها محاولة <حزب الله> اجتياح أبناء الجبل الذين توحدوا في مواجهة الاعتداء على قراهم ومنازلهم وكراماتهم· ولعل العودة الى قراءة متأنية في هوية الشهداء الذين سقطوا في المعارك ولاسيما في الشويفات في الحادي عشر من أيار، من شأنها أن تظهر بشكل جلي أن <اجتياح <حزب الله> لم يؤل الى مواجهة مع الحزب الجنبلاطي وزعيمه- كما أراد لها السيد حسن نصرالله ان تكون، بل مع أبناء الجبل، ولاسيما الدروز بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية· ذلك ان الذين تصدوا بكل بساطة لم يكونوا فقط أولئك المنتمين الى الحزب الجنبلاطي بل الدروز عموماً·
من هنا، فان التأسيس للمصالحات الداخلية التي ينادي بها جنبلاط والتي يريد معها ان يزيل أولا رواسب السابع من أيار بين الحزب التقدمي الاشتراكي و>حزب الله>، وتالياً بين الجبل والضاحية لا بد أن تنطلق اولا واخيراً من اسس ثابتة وحقائق واضحة وصريحة، كي لا تكون المصالحات الراهنة ورقية وصورية، ما دام المزاج الشعبي في الجبل على الاقل- وربما في الضاحية- غير مهيأ بعد، وما دام الخطر في رأيهم لا يزال قائما في ظل سقوط المؤسسة العسكرية في امتحان حماية آلامنين بعيدا عن أطروحات التنظير عن مخاوف من انقسام الجيش اذا تدخل· فالسؤال الذي لا يزال مطروحا بقوة مع قرار الجيش الوقوف متفرجاً: من يضمن عدم تكرار السابع من أيار جديد؟
تعريف المصالحات··
والسؤال المطروح ثانياً هو: هل تؤمن المغالاة في رفع شعارات الماضي والوقوف وراء سلاح المقاومة، مع ما يستوجبه ذلك من أطروحات مناصبة العداء لقوى سياسية أخرى كانت بالامس القريب في موقع الحليف، الحماية المرجوة للجبل في ظل موقعه الجغرافي، وفي ظل تحولات ديموغرافية طاولت قضاء عاليه، وسط ما كان يشاع عن خطة لاحكام الطوق عليه عسكريا قبل محاولة الاطباق على مناطق الشوف؟ أم ان الانتقال من ضفة الى أخرى ومن محور اقليمي الى أخر كفيل بتبديد تلك الهواجس وتحقيق الحماية؟
ففي تعريف المصالحات الداخلية انها ليست انتقالا من ضفة الى أخرى، بقدر ما هي محاولة للحوار والتحاور بحثاً عما يشكل قاسماً مشتركا يمكن التأسيس عليه· واذا كان الانسحاب من قوى الرابع عشر من آذار وبعده الاقليمي جاء في اطار الرغبة في الخروج من الاصطفافات السياسية التي شهدتها البلاد منذ العام 2005 على وقع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي باتت تنذر باستعار حرب مذهبية سنية- شيعية، فإن الالتحاق بقوى الثامن من آذار وبعده الاقليمي – والذي شكل لقاء الجاهلية مشهداً لها – لن يؤمن بدوره الوئام السياسي والمناطقي للدروز، في حال كان هذا هو الهدف الفعلي من وراء الحركة الجنبلاطية، ولاسيما ان زعيم المختارة يدرك ان نبض الشارع الشوفي لا يقتصر على الشريحة الدرزية فحسب، بل على شرائح مسيحية وسنية لم تشح تاريخيا بنظرها عن قصر المختارة حين كانت خياراته تلقى الصدى الايجابي لديها، ولكن حين تتحول المسألة الى صراع مذهبي، فقد لا تعود المعاييرالمعتمدة سابقاً في الحسابات السياسية والطائفية صالحة ودقيقة·
وفاجأ المتابعون المبالغة الاعلامية في تصوير دور التيار الوطني الحر في اتمام مصالحات الجبل، وكأن المصالحة الحقيقية لم تحصل يوم زيارة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الى الجبل في أب 2001 ، علما ان المتابعين للملف يدركون أن ملفات القرى والمصالحات قد جرى اتمامها وما تبقى لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة ، وما يعوق إقفال الملف نهائياً هو عدم توفر المال اللازم· ولعل وزير المهجرين أكرم شهيب استدرك الامر، حين قارب الملف مع النواب المسيحيين من حلفائه في اللقاء الديموقراطي ومع القوات اللبنانية ومع سيد بكركي، فأعاد لعبة الاحجام الى واقعها الطبيعي
دفتر شروط العودة
واذا كانت رحلة <العودة> الجنبلاطية تتطلب دفتر شروط سياسي، بدأ من محطة خلدة ولن ينتهي في محطة الجاهلية، مع ما تخلله من زيارة الى الضاحية وما ينتظرة من محطة في الرابية، وغيرها في بعبدات وما بعد ··· بعد بعبدات، قبل ان تصبح طريق المختارة- حارة حريك معبدة والمختارة- دمشق سالكة، فإن الخطورة تكمن في التهشيم الممنهج لصورة الزعيم الدرزي الابرز، وما يطرحه <موقفه غير المفهوم> سياسياً وشعبياً من أسئلة كبيرة ومقلقة تمتد من التساؤل عن مستوى الضغوطات التي يتعرض لها، وانْ كان بعض حسني النية او سيئيها، يتحدثون عن خوف على الحياة يتعدى شخصه ليصل الى الارث السياسي لهذا البيت· وهذا التهشيم الممنهج < لصورة الزعيم والقائد> يؤول الى حال من الاحتقان في النفوس، ويؤجج مشاعر الانكسار الذي من شأنه ان يخلق ردات فعل قد تأخذ أشكالا جديدة ضمن المجتمع الدرزي، على رغم الاعتقاد السائد بأن الدروز الذين فوضوا بغالبيتهم جنبلاط قيادة <الجماعة> ما زالوا متمسكين بتلك القيادة وإن اعترتهم نوبات من المرارة وعدم الرضى·
وهذا التفويض القديم- الجديد، الذي أمن وقوف الغالبية الساحقة وراء جنبلاط، ساهم في اخقاق سوريا وحلفائها في ضرب تماسك الجبل خلال حقبة السنوات الخمس الماضية، وفق ما ينقله أحد المفكريين الدروز المقربين من سوريا والذي يعترف ان دمشق وحلفاءها فشلوا في اختراق الجبل واحداث الفوضى داخله· وقد تحدث الامير طلال ارسلان، بعد احداث السابع من ايار، عن <سيناريو الفوضى> هذا، حين كان يخبر جالسيه في جلسة شماتة بجنبلاط، – ظنها مغلقة لكنها تسربت عبر تسجيل بهاتف خليوي لأحد الحضور- بأنه سبق للمسؤولين السوريين ان بحثوا معه في امكان خلق بلبلة واشكالات لجنبلاط في مناطق الجبل، لكنه اعترض على ان تدفع القرى الدرزية والعائلات فيها ثمنا، ووافق أن يتم تدفيع جنبلاط شخصيا الثمن· ولم يكن عاصياً على احد من المحللين في علم الكلام فهم مغزى قول ارسلان·
وكان لافتا في يوم الجاهلية قول الوزير السابق وئام وهاب ان زيارة جنبلاط الى دمشق هي في عهدة السيد حسن نصرالله· وهو ما استوقف بعض المراقبين، ذلك ان هذا الكلام قد يكون مفهوماً وطبيعياً وحتى عاديأ قبل المصالحة العربية- العربية، لكنه الان يفتح باب تساؤل جوهري: من أي بوابة يدخل جنبلاط الى دمشق؟
ميزان الجوهرجي
ورغم ان قياديين في الحزب التقدمي الاشتراكي يؤكدون أن حركة مصالحاتهم تماشي حركة المصالحات العربية- العربية، ولاسيما السعودية- السورية، والتي شكلت زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق أبرز تجلياتها، فثمة من يرى ان هذه المصالحات على المستوى العربي تاتي في سياق سياسة واضحة تهدف الى محاولة حماية الاقليم من التدخلات غير العربية فيه، عبر حضّ سوريا على التمايز السياسي عن إيران وسط مغريات سياسية واقتصادية تدعم الوضع السوري· وهذا يعني- في نظر هؤلاء- ان الذراع الايرانية العسكرية في لبنان المتمثلة بـسلاح <حزب الله> وبعده الاقليمي غيرمشمول بتلك المصالحات ومرتاب منها، مما يجعل الساحة اللبنانية مرشحة، كما غيرها من الساحات المحتوية أذرعا ايرانية، الى الاحتقان والتأزم وحتى الإنفجار، انعكاساً لمجريات الامور على خط الملف النووي الايراني·
تلك المعطيات المتعددة والمتأزمة بفعل ترابط ملفات المنطقة مع بعضها البعض، من لبنان وغزة الى اليمن والعراق، الى افغانستان وباكستان، وتأثيرها على الوضع الداخلي والعلاقات بين المكونات اللبنانية، تجعل من الاهمية بمكان السؤال، قبل اللقاء الموعود في الشويفات غداً الاحد الهادف الى معالجة رواسب السابع من أيار: الى أين يعود جنبلاط؟ وعلى أي أسس وحسابات؟
واستنادا الى أي <أدبيات>؟ وهل في قدرة الزعيم الدرزي ان يمسك بميزان <الجوهرجي> في لعبة الامم كما يحلو له ان يسميها؟
من الجاهلية الى الشويفات و··· الى أين؟: تهشيم صورة جنبلاط – الزعيم يضاعف من آثار 7 أيار ولا يلغيها
تقلبات وليد جنبلاط التحالفية والسياسية سيترتب عليه أولا ُفي هبوط من رصيده السياسي و فقدان مركزه الأول من قادة صانغي السياسة في لبنان و بسبب تقلباته السياسية هذه ستنشأ مجموعة أصولية درزية في الجبل مع أنقسامات داخلية في الحزب التقدمي الأشتراكي .ً