ماذا يعني ان يصدر حكم “المحارب” على خمسة من متظاهري يوم عاشوراء في ايران؟ ولماذا الاعلان عن اعتقال عدد من الاجانب يحملون معدات تستخدم في التصوير بتهمة التحريض على اعمال الشغب؟ ولماذا يلجأ النظام الايراني الى مثل هذه الاجراءات بعد ان استخدم بعضا مما في جعبته من وسائل القمع بين الاعتقال والسجن والقتل والقمع؟ اسئلة تدفع لقراءة الحدث الايراني من زاوية تتعلق بازمة النظام الديني في ايران وعجزه عن السيطرة على الامور بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل والمشكوك في صحتها التي جرت في الثاني عشر من شهر يونيو/ حزيران العام الفائت 2009.
بغض النظر عن هؤلاء “المحاربين”، وهل هم على علم بفعل “المحاربة” الذي قاموا به واثره على “بيضة الاسلام”، وهل هم على دراية بان نهايتهم ستكون الموت إعداماً بسبب معاداتهم لله ورسوله ولأولي الامر، الا ان الثابت الوحيد في هذه القضية ان النظام الايراني وصل الى مرحلة كثيرة الحرج على صعيد التأكيد على هويته، وان الهدف من هذه الاحكام يذهب باتجاهين:
الاول، اعادة التذكير بالطبيعية الدينية لسلطته، وانه هو المالك الوحيد لكل الشعائر الدينية، وهو الذي يحدد طبيعة المتديّن والفاسق و”المحارب” بناء على قراءته للسلطة؛
الثاني، محاولة اخافة وارعاب الساحة الشعبية ومن ورائها الحركة الاعتراضية التي لا تقتصر على التيار الاصلاحي المتبلور حديثا بتيار الخضر، بل تشمل كثيرا من الشرائح السياسية والشعبية بمشاربها المتنوعة، الدينية والعلمانية والقومية والليبرالية.
وفي الذاكرة، عندما شعر النظام الايراني عشية الانتخابات الرئاسية عام 1997 بان الامور ذاهبة باتجاه لا يصب في صالح مرشحه “علي اكبر ناطق نوري”، المنافس لمرشح الحركة الاصلاحية الناهضة “محمد خاتمي”، لجأت اجهزة النظام الى ترتيب احتفالية صاخبة شارك فيها شباب وفتيات غير ملتزمين بالآداب والحجاب الاسلاميين، وذلك عصر يوم عاشوراء من ذلك العام، تحت عنوان “مناصري خاتمي”، وذلك بهدف استثارة المشاعر الدينية الشعبية ضد خاتمي والجماعات الداعمة له، والايحاء بان وصول هذا الرجل سيشكل خطرا على معتقدات وشعائر الجماعة الايرانية الشيعية، وبالتالي ضرب اسس النظام الاسلامي.
وامام عجز النظام في تلك الايام عن مواجهة المد الاصلاحي الذي تحوّل الى ارادة شعبية، فقد اضطر الى التسليم والاعتراف بالامر الواقع وتمرير رئاسة خاتمي، لكن من دون التخلي عن مواجهته بكل ما يملك من وسائل، والعمل على افشال المشروع الاصلاحي والتخطيط لاستعادة المواقع التي خسرها في مراكز القرار، ان كان في رئاسة الجمهورية او البرلمان.
ولم يترك التيار المحافظ، الذي لم يتبق له من مراكز القرار سوى السلطة القضائية ومجلس صيانة الدستور، أي وسيلة او ذريعة لتوجيه ضرباته للتيار الاصلاحي، من اعتقالات واقفال للصحف، واستغلال أي مناسبة لاتهام القيادات الاصلاحية والتيار الذي تمثله، بالارتباط بالخارج وتلقي الدعم من القوى الاجنبية التي تريد شرا بالثورة والنظام. وقد تحول أي كلام عن الاصلاحيين يصدر عن أي من المسؤولين الاجانب او المجتمع الدولي الى مادة لاتهام هؤلاء بالعمالة للخارج والتآمر على الثورة والنظام، الامر الذي اثار شكوك القيادات الاصلاحية برغبة القوى العالمية، خاصة الولايات المتحدة الامريكية بعودة وسيطرة التيار المحافظ على مقاليد السلطة على حساب الاصلاحيين، ما دفع بعض هؤلاء الى رفض أي دعم اعلامي يقدمه البيت الابيض للحركة الاصلاحية.
وقد تحولت هذه التصريحات، خاصة تصريحات الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش الى نقمة على الاصلاحيين، ومع كل تصريح كان يصدر عن البيت الابيض كانت طهران وكل ايران تشهد موجة من الاعتقالات في صفوف الاصلاحيين على خلفية هذه التصريحات.
واضافة الى استخدام التهم الجاهزة بالعمالة للخارج التي لجأ اليها النظام، فقد استطاع خلق هوة بين الشارع الشعبي والقيادة الاصلاحية، كانت اولى نتائجها العزوف عن المشاركة في عمليات الاقتراع، وخروج البلديات من قبضة الاصلاحيين وتاليا اعادة السيطرة على البرلمان باقل نسبة من المشاركة الشعبية، وآخرها ايصال محمود احمدي نجاد المغمور سياسيا الى رئاسة الجمهورية على حساب الشيخ هاشمي رفسنجاني عام 2005 وما رافقها من وضوح في عملية تجيير الاصوات والتلاعب بها.
بعد وصول احمدي نجاد الى الرئاسة، تراجعت مسألة التوظيف السياسي للدين والشعائر الدينية وحتى اتهامات التواصل مع الغرب في مواجهة الاصلاحيين، بعد ان قام احمدي نجاد كسر المحرمات الثورية والدينية ووجه رسالته الشهيرة مباشرة الى الرئيس الامريكي، وهي رسالة نالت موافقة مرشد النظام وكان الهدف منها تذكير المجتمع الدولي، وخاصة واشنطن، بموقع مركز القرار في النظام الايراني، وانه من غير الممكن ان يقوم احد في ايران بفتح او اتخاذ أي قرار يتعلق بالعلاقة مع واشنطن او القوى الغربية ما لم ينل هذا القرار موافقة وبركة مرشد النظام.
واذا ما كان النظام الايراني استطاع تمرير استحقاق رئاسة الجمهورية عام 2005 ، والبرلمان عامي 2004 و2008، من دون ان يواجه معارضة حقيقية في الداخل، غير ان تراكم الاخطاء والتراجع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتضييق على الحريات السياسية والاجتماعية والفردية والاعلامية والطلابية في المرحلة التي جرى فيها توحيد السلطة في يد التيار المحافظ، ساهمت في دفع المجتمع الايراني لاعادة حساباته والتخفيف من حدة تحميله للتيار الاصلاحي مسؤولية الفشل او العجز عن تحقيق الوعود التي اطلقها. وبالتالي حرضت كل شرائح المجتمع لاتخاذ قرار بالتغيير والوقوف بوجه النظام الذي بات لا يعطي للعملية الديمقراطية أي اعتبار او قيمة ويسير باتجاه انتاج حكومة دينية ذات بعد غيبي تتحكم بمصير البلاد ومصائر المواطنين.
راهن النظام الايراني على تراجع نسبة المشاركة الشعبية في عمليات الاقتراع ما يمنحه هامشا للمناورة في اخراج النتيجة التي يريدها من صناديق الاقتراع، واذا ما اجبر امام امكانية حدوث طارئ ما فانه على استعداد للتدخل وفرض ما يريده.
وامام التحدي الذي ظهر مع نية خاتمي باعادة ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية الاخيرة والمؤشرات الواضحة على استعادة خاتمي والتيار الاصلاحي لمواقعهما الشعبية، واجه النظام خطرا حقيقيا يتمثل بامكانية خروج السلطة التنفيذية من قبضته مرة جديدة، فسارع الى تمهيد الارضية المناسبة للتلاعب بنتائج الانتخابات مهما كانت اتجاهاتها. فبدأ الحديث مبكرا عن خارطة توزيع الاصوات واثقالها وحصة احمدي نجاد منها، أي عن 33 % من الاصوات في الارياف والقرى النائية، 22 % في المدن الصغيرة، وتقاسمه للاصوات مع المرشحين الاخرين في المدن الكبرى مع افضلية لمرشح النظام على الاخرين.
ابتعاد خاتمي عن المنافسة لصالح مير حسين موسوي، اسقط في يد النظام الذي كان يحبذ بقاء خاتمي الذي حصل على 20 و22 مليون صوت في انتخابات 97 و2001، وخسر النظام او التيار المحافظ فرصة الحاق الهزيمة به في صناديق الاقتراع.
التيار المحافظ اراد من مشاركة خاتمي والحاق الهزيمة به، تحقيق هدفين: الاول هزيمة زعيم التيار الاصلاحي والرئيس الذي حصل على اعلى نسبة اصوات في تاريخ الثورة وبالتالي اسقاط مشروعيته في قيادة المعارضة. والثاني ان تلحق به الهزيمة امام رئيس اشكالي وبنسبة اصوات تفوق ما حصل عليه خاتمي في أي من الدورتين الرئاسيتين.
التيار الاصلاحي حافظ على قيادته بانسحاب خاتمي والدفع بموسوي الى الواجهة، لعدة اعتبارات اهمها التاريخ الطويل من الصراع غير المنظور بين موسوي رئيس الوزراء السابق وخامنئي رئيس الجمهورية، وكذلك تفريغ أي انتصار قد يفرضه التيار المحافظ لمرشح من أي معنى حتى ولو جيرت له كل اصوات الذين يحق لهم الاقتراع، أي 46 مليون صوت.
وعلى الرغم من ان التيار الاصلاحي خلف خاتمي وموسوي وكروبي لم يسقط من حساباته امكانية ان يلجأ النظام للتلاعب بالنتائج، غير ان المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات ادخلت في نفوس الاصلاحيين امكانية الانتصار او فرض تغيير، خاصة وان رفع نسبة المشاركة الشعبية ستتيح لهذا التيار ارباك المعادلة التي يلعب النظام على تركيبها.
نسبة المشاركة المرتفعة في الانتخابات والتي وصلت حد 85%، دفعت النظام للكشف عن الورقة المخفية في لعبته، واضطرته لفرض النتيجة التي يريدها وبالرقم الذي يريده، فاعلن بان الفائز بالانتخابات هو محمود احمدي نجاد وبمجموع اصوات تجاوز 24 مليون صوت.
وتحديد الرقم بـ 24 مليون، كان له هدفان، الاول القول ان النظام ومرشحه يحظى بشعبية واسعة، والثاني ولعله اهم من الاول وهو اقرب لنفس خامنئي من غيره، وهو القول بان مرشح خامنئي حصل على نسبة اصوات تفوق النسبة التي حصل عليها خاتمي، وبالتالي فان النظام الديني ومرشده مازالا يتمتعان بشعبية واسعة لدى الايرانيين.
مع اعلان النتائج انفجر الشارع الايراني اعتراضا، وطالب باسترداد صوته المسلوب وعزل مرشح السلطة وتعيين مرشحه الفائز، والاحداث التي تلت ورافقت هذه التظاهرات لا تخفى على احد، وصولا الى يوم عاشوراء وما رافقها من حمام دم.
حاول النظام تحميل الضحية مسؤولية اراقة دمه، وعلى الرغم من تحذير قيادة الحركة الخضراء من امكانية لجوء النظام الى لعبة مكشوفة باستخدام الاساءة لمراسم الحزن العاشورائي، كما فعل في موضوع حرق صورة الخميني قبلها، لتوجيه ضربة للمتظاهرين والحركة الخضراء واتهامها بالعداء للدين والشعائر الدينية، وبالتالي محاولة اسقاط النظام الاسلامي والقضاء على الدين وممثليه الالهيين. وكانت التهمة جاهزة : التعاون مع القوى الاجنبية للانقلاب الناعم والمخملي على الثورة والنظام الاسلاميين، وان من يقوم بهذا الامر هو معاد ومحارب لله ولرسوله يجب اعدامه.
ويعمد النظام لتسويغ هذه النظرية للحديث عن الاطر والاساليب الاساسية التي تلجأ لها امريكا واوروبا بهدف اجتذاب شرائح خاصة من المجتمع، خاصة في السنوات الاخيرة من خلال مشاريع تقترحها مؤسسات ومنظمات تابعة لهذه الدول تحت عناوين مثل ” علاقات عامة، علاقات علمية واعلامية وغير ذلك ” تستهدف شريحة المتخصصين والفنانين والاساتذة والناشطين السياسيين والاعلاميين، وبالتالي توظيفها في اطار الحرب الناعمة داخل المجتمع.
هذا الاصرار من قبل النظام على ربط هذا التحرك الشعبي الشامل والعفوي في الحياة السياسية والاجتماعية للشعب الايراني المتحفز والحيوي، يدلل على مدى الارباك والتشتت والضياع الذي تواجهه الاجهزة الامنية ومعها مؤسسات النظام السياسية والعسكرية في مواجهة التحرك الشعبي، والاصرار على ربط هذه الحركة بقوى اجنبية يشكل محاولة من النظام لتوفير الغطاء الديني والامني للممارسات القمعية والدموية.
ويعتقد النظام الايراني ان ما يطلق عليه “تيار الفتنة” يعمل من اجل الحرب الناعمة ضد النظام، وان أي تغيير او تبديل في سياسات المواجهة من قبل مسؤولي النظام ستنتهي بانهيار النظام من الداخل، وهو ما يسعى وراءه “قادة الفتنة وزعماء الاستكبار في مواجهة الجهورية الاسلامية الايرانية”.
انطلاقا من هذه الرؤية الامنية والعقائدية للنظام يمكن تفسير موجة الاعتقالات الواسعة التي بدأت منذ ستة اشهر ومازالت مستمرة للقيادات الاصلاحية وناشطين في مجالات السياسية وحقوق الانسان والصحافة والطلاب والناس العاديين بتهمة “الثورة المخملية” و”الثورة الناعمة”.
هذه الاعتقالات وعمليات القمع والقتل لم تفت من عضد الحراك الشعبي، بلا زادته اتساعا وعمقا، ما قد يدفع النظام لتوجيه الاتهام لكل طبقات المجتمع بالانتماء “للثورة المخملية والناعمة” ولن يبقى له من مناصرين سوى المقربين والمستفيدين من هذا الوضع.
لا شك ان قيادة النظام الاسلامي والمسؤولين عن عمليات القمع والقتل، سيدفعون باتجاه اقرار مشروع القانون المقدم للبرلمان الايراني بتنفيذ حكم الاعدام لمن يعتقل بتهمة ” المحارب”، وكذلك سيدفعون لتنفيذ ما تحدث عنه بعض المسؤولين الامنيين عن نية النظام اعدام خمسة من المشاركين في تظاهرات عاشوراء بتهمة ” محاربة الله ورسوله ” بسبب شربهم الخمر والتصفيق والرقص في التظاهرة الشعبية التي خرجت يوم عاشوراء.
والحديث المتصاعد عن حركة اعدامات قادمة سيقوم بها القضاء الايراني ضد بعض المتظاهرين، تأتي في الوقت الذي بدأت فيه عملية عسكرة القضاء من خلال تعيين الجنرال محمد باقر ذو القدر المقرب من خامنئي وقائد اركان قوات حرس الثورة الاسلامية مستشارا لرئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني، وهو يوحي بان الاحكام التي ستصدر من الان وصاعدا وان كانت صادرة عن قضاء مدني، الا انها في الحقيقة ستكون تنفيذا لرؤية القيادة العسكرية التي تقود البلاد وعمليات القمع، أي قضاء عسكري بلباس ديني او مدني.
واللجوء للاعدام يدل على امر من اثنين، اما ان النظام بات عاجزا عن مواجهة الحركة الاعتراضية ويريد ربطها بالعمالة لقوى اجنبية لتبرير مزيد من القمع، واما انه يريد ارهاب وارعاب الحركة الشعبية وتخويفها بالقتل “الشرعي” في حال استمرت في الخروج الى الشارع والاعتراض على النظام والهتاف بـ “الموت للديكتاتور”.
hassanfahs@hotmail.com
التحضير لموجة اعدامات جديدة في ايران: القتل الشرعي وعسكر القضاء الوجه الآخر لطبيعة المواجهة 1)) The Revolution Will Not Be Televised — Gil Scot Heron – 1970 You will not be able to stay home brother you will not be able to plug in, turn on and drop out you will not be able to lose yourself on skag and skip skip out for beer during commercials Because the revolution will not be televised The revolution will not be televised the revolution will not be brought to you by xerox in 4 parts without commercial interruption The revolution will not… قراءة المزيد ..