ماذا نفعل مع الافكار والتعبيرات التي ترفض حرية الاخرين وتصطدم بحقوقهم وتقدمهم ثم تطرح فكرا معاديا للتحديث الذي يعتمد اساسا على الانسان ومركزيته وحريته؟ هل يحق للفكر المعادي للحياة ان يتواجد الى جانب الفكر الذي يؤمن بحق الاخرين؟ وهل هذه المعادلة عادلة بين الذين يريدون ان يعيشوا في مكان اخر غير الحياة وبين الذين يريدون ان يعيشوا التجربة الانسانية بابداعاتها؟ هل هذا التناقض بين الدنيا والاخرة حقيقي ام مفتعل بسبب سوء تفسير الاسلام في هذه المرحلة؟ من الباكستان الى افغانستان ومن السعودية الى القاهرة والمغرب ينتشر الفكر السلفي كثقافة عامة للمجتمع محدثا دويا كبيرا، واثرا كبيرا. اذ تنتشر السلفية في مجتمعات عربية واسلامية تعيش فشلا في علاقاتها بالعصر، وتعيش ازمة بطالة كبيرة. اذ يكفي ان ندلل بأن المليار ونصف مسلم لم يحقق منهم سوى حفنة صغيرة جائزة بمستوى جائزة نوبل في العلوم وغيرها اما الخمسة عشر مليون يهودي في العالم فقد نجحوا في حصد معظم جوائز نوبل. في العالم العربي والاسلامي سقط الابداع وسقطت الجدية الانتاجية وسقط المرح والفرح والانسانية في خضم ثقافة لا ترى في ذلك ضرورة او غاية او اهمية. لقد انسحبنا نحن المسلمين من العصر بينما غيرنا يزداد ارتباطا بالعصر واسهاما في اعمار الارض. ان ما يقع خاصة في الباكستان وافغانستان اكبر دليل على المصير الذي ستلاقيه جميع البلاد العربية ابان سيرها في طريق السلفية.
فهل نحن بحاجة لديكتاتورية جديدة كما فعل اتاتورك وغيره بهدف تغير حال المسلمين وفرض واقع جديد يقوم على الانتاج؟. ان الاجابة على هذا السؤال قد تأخذنا بأكثر من اتجاه. الاتجاه الاول هو اتجاه الحجر والمنع، وهذا اتجاه جربته البشرية على مدى قرون طوال ولم تصل لنتيجة لانه ساهم في تعميق قيم التشدد والكراهية عوضا عن نشر قيم التسامح. اذكر هنا مثلين: تركيا الحديثة في ظل اتاتورك ومصر الحديثة في ظل عبد الناصر. كلاهما اعتمد سياسة المنع والقمع. لكن هذه السياسة لم تستطيع منع فكر يريده الناس. فالمنع بكل انواعه والرقابة بكل اشكالها تؤدي لعكس النتيجة. لقد سقط الاتحاد السوفياتي رغم كثرة الرقابة والمنع، كما برزت افكار الاخوان المسلمين وقبلهم تيارات اخرى وبعدهم تيارات جديدة رغم غياب مناخ الحرية في بلادنا العربية .
لكن الاتجاه الاخر الذي اومن به شخصيا يجب ان يقوم اساسا على الحوار. لكن ذلك لن يكون ممكنا بلا التصدي لمنع الاختلاط واطروحات الفصل بين الرجال والنساء في التعليم وفي الحياة، واطروحات عزل المرأة وتهميشها. وهذا يتطلب ايضا تفعيل دور الثقافة والمثقفين و تشجيع القراءة والثقافة العالمية وفتح المكتبات العامة وبناء مراكز ترعى الابداع والتفاعل والرياضة، ان الفكر السلفي يسير الى الامام بلا اية مقدرة من الجانب الاخر على المواجهة وممارسة ما يؤمن به. في هذا هناك خلل كبير في المعادلة نجدها على مدار العام عبر التلفزة والبرامج ومن خلال القوانين التي تسنها الدول والتي تسير باتجاه لجم الحريات الشخصية والسياسية بنفس الوقت.
ان اهم ما تسعى اليه السلفية هو وضع الحجر على المجتمع بدءا من منع اختلاط الرجال بالنساء. بل يمكن اعتبار الفصل بمثابة الخطيئة الاولى والاصلية في تدمير المجتمعات وقتل روح الابداع والحياة والمرح فيها، فهذا واضح في جميع المجتمعات التي تعتمد الفصل بما فيها الباكستان والسعودية وافغانستان. في هذا قتل للانسانية بين الناس والغاء للفرحة بينهم والمودة بين الافراد والاقرباء وضمن الاسرة وخارج الاسرة.
ويتأسس على هذه الخطيئة الاولي منع التعليم المشترك والتدخل في الحريات الشخصية و فرض الحجاب على المرأة والتفرقة ضد الاقليات الدينية بما فيها الاسلامية. وهذا غير ممكن في التطبيق الا اذا سارت الدول في طريق السلفية كما هو حاصل في عدد كبير من الدول الاسلامية والعربية. هذا الفكر الذي يمارس الوصاية على المجتمع والناس والجماعات والافراد هو الفكر الذي يسود العالم الاسلامي اليوم . لقد اصبح العالم الاسلامي السني سلفيا للعظم. في هذا نجحت السلفية في توجيه هزيمة كبرىِ للدول العربية وللتنوير العربي. فأبان السنوات القليلة الماضية حتى الازهر الوسطي وشيوخه فقد دوره ووقعت في قياداته اختراقات سلفية اساسية. كما وفقدت المراكز الدينية التقليدية الاسلامية موقفها لصالح السلفية. هناك موجة سلفية في الازهر واخرى سلفية في كل موقع ديني اسلامي سني حتى في صفوف الاخوان المسلمين وقادتهم.
لقد قامت المدرسة السائدة في الاسلام عبر تاريخه المديد على مبادئ مختلفة عن تلك التي تطرحها السلفية اليوم. فقد انطلقت المدرسة التقليدية اساسا من تحمل الفرد لمسؤولياته، وقامت على مبدأ عدم وجود وصاية على الاخرين وسلوكياتهم واراءهم ، وقامت مبادئ الاسلام ايضا على تفسير النص الاسلامي والاحاديث الشريفة بما يتلاءم مع احتياجات ومصالح الناس بكل ما يفرض هذا من اقلمة وتعديل وتأويل وتفسير ومرحلية. بل انطلق التفسير الاسلامي من ان نصوص القران يجب ان تطبق بمرونة وبتصرف وبدرجات مختلفة وفق احتياجات مختلفة وذلك لضمان عقلانية العلاقة بين الدين والناس. هذا ما حصل في معظم التعبيرات الدينية السابقة في الفكر السني و هو الاساس لفكر محمد عبدو الاصلاحي في القرن العشرين.
لكن السلفية على ما يبدو استندت على مدرسة مختلفة، وانطلقت من عصور سابقة ايضا سادت ابانها المواجهة مع غزاة اجانب كما سادت ابانها افكار اكثر انغلاقا ورفضا للتجديد. لقد استند هذا التوجه على ابن حنبل في القرن الثامن والتاسع الميلادي من حيث التشدد ثم ابن تيمية في القرن الثالث عشر والاكثر تشددا عن كل من سبقه. ان المرحلة السلفية الراهنة تقوم اساسا علي مبدأ المنع بينما في الاسلام السائد هو السماح والاباحة وليس والمنع. في السلفية الجديدة هناك سعي مضخم للتعامل مع ظاهر النص القرآني بعيدا عن فهم اسباب النص وظروف النزول والمرحلة التاريخية وغيره من الابعاد الاجتماعية والتاريخية والاقتصادية. في السلفية حدة تضيف على الحدة التي يمر بها العالم الاسلامي.
لقد اصبح جوهر الموقف السلفي: هذه حياة فانية لا قيمة لها، اما الحياة الدائمة فهي التي تستحق الجهد وذلك في اطار اولوية النص على الحياة والناس ومصالحها واحتياجاتها وتطورها. هل اصبحت السلفية افيون العرب والمسلمين تجعلهم يعيشوا وهما كبيرا حول الاسلام بينما الفشل يعتمر حياتهم ويملئ واقعهم؟ هل اصبح النجاح الاخروي هو البديل للفشل الارضي؟ وهل يصل للاخرة من يفشل في اعمار الارض وتحقيق العدالة وبناء الانسان وتطوير الحقوق؟ هل نترك النجاح في الارض للغرب والشرق بينما ينزوي العالم الاسلامي وراء التاريخ ويقف على مسافة كبرى خلف الحضارات الاخرى؟
ورغم انتشار السلفية الا انه برزت من اوساطها فئات انتقدت التجربة وقيمتها وتجاوزتها لصالح درجات من الانفتاح والتأقلم مع العصر الحديث. هذا التغير الذي نرى بعض منه في اوساط سلفية تجاوزت الحدة تجاه الاخرين واستعدت للحوار والاستماع يمثل فرصة لتعميق الحوار واحداث تغير في التوجهات السلفية التي تتميز بدرجة عالية من التطهرية والصدق بنفس الوقت.
ان السلفية في شكلها السياسي الراهن تعبير عن امة في خطر، انها بطريقة او بأخرى دين جديد يدخل عوالم المسلمين ويهز دولهم وانظمتهم واقتصادهم واوضاعهم. لن تصل السلفية بصورتها الراهنة لشيء حقيقي لصالح المسلمين. فهي قادرة على نفي نفسها بنفسها لانها تقوم اساسا على الخوف من الاخر والاختلاف والمرأة والانفتاح والاختلاط والعالم الحديث كما انها تقوم اساسا على مبدأ الترهيب وليس الترغيب والقمع وليس الاقناع.
يبقى السؤال ماذا نفعل مع فكر هو في الاساس فكر الاقلية في الاسلام؟ ماذا نفعل مع فكر تحول الى التفسير السائد بين المسلمين عن المرأة، وعن الميراث وعن الحرية والموت والحياة؟ فهل نلوم السلفيين على نجاحهم ام نلوم المجتمعات العربية والقادة العرب والمثقفين العرب على تخليهم عن دورهم؟
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
السلفية: الى اين؟عرض الموضوع وتحليله لا غبار عليهما وشجاعة الدكتور الغبرا جديرة بالتنويه. لقد وضع النقاط على الحروف واوضح ان السلفية المعاصرة هي الداء الذي ينخر في مجتمعاتنا وهي التي تمنع البلاد العربية والمسلمة من مواكبة ركب الحضارة ومن اعادة المسلمين الى المكانة السامية التي تسنموها في العلوم في القرون الوسطى. وليسمح لي الدكتور الغبرا ان اضيف ان الملك فيصل بن عبد العزيز ملك العربية السعودية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي اسهم كثيرا في نشر الوهابية تحت اسم السلفية . وقد قام بنشاطه هذا منذ كان وليا للعهد ثم نائبا للملك (او بالاحرى ملكا دون لقب ملك) ومن ثم… قراءة المزيد ..
السلفية: الى اين؟الغدير والغدر:جلس الرسول صلى الله عليه وسلم بين سبعين من الصحابة المقربين، بما هو أكثر من أصحاب الشجرة والبيعة الكبرى في غدير خم فقال: انظروا جيدا لقد استخلفت عليا من بعدي، مثل الانتخابات الأمريكية بعدي لأربع سنين، واحذروا من الانقلابيين والمروانيين؟ وبعد دورتين انتخابيتين، يرشح ابن الرئيس وينتخب مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى الأبد إلى الأبد… ولكن الملاعين من الانقلابيين خطفوا الصولجان ونصبوا رجلا من جماعتهم.. وهكذا ضاعت الخلافة الراشدة فوجب إحياءها مرة أخرى تحت ولاية الفقيه؟ هذا هو باختصار الجدل الشيعي التاريخي حول قصة حديث الغدير المزعوم؟ وهذا هو باختصار بناء العقيدة الشيعية على حدث تاريخي.… قراءة المزيد ..