ان الذكرى ٤٧ لاقرار الدستور في الكويت تستحق التساؤلات والتأكيدات الصادرة عن المفكرين والسياسيين بضرورة التمسك به وبتطبيقه. فدستور الكويت منذ اقراره عام ١٩٦٢ تعامل مع احتياجات المجتمع في مجال الحرية والتعليم وفي مجال التنيمة والانتخابات والديمقراطية وسيادة الشعب وذلك لان الذين وضعوه تمتعوا بالانفتاح الفكري والسياسي. الدستور في جوهره وثيقة عبرت عن الاجماع الوطني في الكويت ومفاده أن السيادة للشعب بينما صلاحيات الامير وطريقة اختياره واضحة صريحة وتقع في ذرية الشيخ مبارك الصباح. لقد اعطى الدستور للناس والافراد حقوقهم الانسانية، وانطلق اساسا من ان الشريعة الاسلامية هي مصدر من عدة مصادر للتشريع، وانها ليست المصدر الوحيد للتشريع. في هذا اعطى الدستور للمشرع الكويتي حقه في ان يجتهد بانفتاح بما يخدم مصلحة الناس والافراد وفق الظروف والمتطلبات والمتغيرات.
ان الحديث عن تعديل الدستور او وتعطيله، والذي يثار بين الحين والاخر، ليس مفيدا على الاطلاق خاصة في ظل اجواء الانقسام السياسي. ففي الاجواء الراهنة لا يمكن للدستور ان يعدل او يجمد بصورة إيجابية. لهذا فالافضل ان نبقى على الدستور كما هو الان. بل ان المطلوب هو تطبيق روح الدستور الذي يؤسس للحريات، والحقوق، ويؤسس للمساواة والعدالة بين الناس ويحمي التوازن بين الدين والدولة وبين الاسلام والمستجدات وبين دور الاسرة الحاكمة وبين السيادة للشعب.
ان الانفتاح والتطورات الهائلة التي وقعت في الكويت في الستينات والسبعينات من القرن العشرين تمت في ظل الدستور نفسه الذي تتم الان في عهده مجموعة من التراجعات والقوانين المنافية للدستور. اذ تواجه الكويت أزمة تعكس فوضى الاولويات في مجلس الامة والحكومة. ففي ظل غياب الاولويات وعدم وضوحها يصعب التعرف علي احتياجات السكان والافراد الحقيقية والوهمية، وفي ظل غياب الاولويات يسود الانقسام على كل جملة وفقرة في الدستور ، كما وتتحول القوانين لمجال إختلاف. لهذا فالمشكلة الاساسية ليست في النصوص اكانت دستورية ام دينية بل انها في الناس وتفسيراتهم للدستور وطرق تعاملهم مع بعضهم البعض والقضايا التي يعتبرونها اولويات وطبيعة القوانين التي يسعون لاقرارها.
وعلى سبيل المثال في ذكرى الدستور ٤٧ يعرض معرض الكتاب العربي كتبه في الكويت. لكن هذه المرة يقع هذا المعرض في ظل رقابة اكبرمن اي وقت مضى، بل ان اصحاب دور النشر قاموا من جانبهم باستثناء مئات الكتب لمعرفتهم انها لن تكون مسموحة بالاساس، هذا يضاف الى مئات الكتب التي تم منعها. ان الرقابة على السينما والرقابة على المطبوعات جميعها انواع من الرقابة متنافية بالكامل مع روح نصوص الدستور.
ثم نتساءل عن تعديل الدستور. فهل يعدل الدستور لصالح مزيد من الرقابة، ام لصالح تحويل البلاد الى إمارة سلفية كما هو حاصل في الباكستان وافغانستان ودول اخرى؟ . وما الفائدة من هذا التحول الذي سيقاوم من قبل المجتمع بصفته تدخل في الاسرة والناس والحقوق الشخصية التي يكفلها الدستور؟ ان الدستور يؤكد بأن كل تعديل يجب ان يكون لصالح مزيد من الديمقراطية، فما هي الاطر الجديدة التي سيسمح بها التعديل؟
ان روح الدستور تعطي الفرد حقوقه، والقارئ كتبه، والمرأة دورها، والديانات الاخرى في الكويت طقوسها وحقوقها والليبراليين والاسلاميين والسنة والشيعة التزاماتهم. لكن الدولة في التطبيق لم تلتزم الحياد، لهذا فصلت الطلاب عن الطالبات في الجامعات مسايرة لوجهة نظر احادية، ومنعت الحفلات الخاصة والعامة بحجة ان ذلك منافيا للاداب العامة وصولا لعقوبات بالسجن، والان يجري الحديث عن اللباس المحتشم للسيدات في مواقع السباحة بكل ما يشير ذلك للتدخل بالحقوق الفردية والشخصية للاخرين.
ولكن لكل فئة في المجتمع تصوراتها الخاصة للحرية والاختلاط والسباحة والسفر والحياة والمرأة والحقوق وطرق الاحتفال. ولا يحق لفئة ان تفرض تصوراتها على فئة اخرى. فمنذ متى يتشابه الناس. فاختيار البحر والسباحة حق لمن يريده، لكن هذا منع في مسابح الكويت العامة الا اذا كان زي السباحة يغطي كل الجسد للمرأة، لهذا انتفت مظاهر السباحة الطبيعية في كل مكان الا في النوادي التابعة لفنادق الخمس نجوم. ويحق لكل فرد ان يختار الجامعة المختلطة ام غير مختلطة في كل دول العالم، لكن الوضع في الكويت الان اصبح احاديا بحيث ان الجامعات اصبحت جميعها غير مختلطة. ويحق للفرد في ٩٩ بالمائة من دول العالم ان يختار الاحتفال والغناء الموسيقى والابتهاج والفن والابداع والقراءة، لكن حتى هذا حدد بصورة تعسفية مما جعل الكويت الراهنة مختلفة عن الكويت التي عرفتها الاجيال السابق في الستينات والسبعينات. الا يتناقض هذا مع الدستور؟
عوضا من طرح تعديل الدستور ربما علينا مراجعة القوانين في الكويت التي تتعارض والحقوق الدستورية للمواطن. هذا مشروع يستحق جهد البرلمانيين وجهد القياديين في الدولة، وذلك لانه يمس حقوق الناس ويؤثر في مناخ البلاد. ان القيام بمراجعة القوانين المنافية للدستور يؤسس لتطبيق الدستور في شقه الحقوقي وفي شقه الانساني الخاص بالحريات، مما يساهم في تنمية الديمقراطية الكويتيه التي تقف اليوم على مفترق طرق. كم من قانون في الكويت عليه الان شبهة دستورية لتناقضه مع الحقوق الشخصية للناس ولتناقضه مع الدستور ومع الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها البلاد؟
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت