بيروت- “الشفاف”
هل استنفدت الامانة العامة لقوى 14 آذار اغراضها؟
سؤال يتبادر الى ذهن المراقبين والمهتمين في الشأن السياسي اللبناني، بعد ان اصبحت بيانات الامانة العامة، عامة، شكلا ومضمونا، وسط تخوف على الدور الذي اضطلعت به الامانة في شحذ همم جمهور ثورة الارز الذي لم يخيب ظن القيادات ولا الامانة العامة منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وصولا الى الانتخابات النيابية الاخيرة.
هذا الجمهور لم يبخل يوما بتضحية من اي نوع كانت، فزحف الى ساحة الحرية برا وبحرا حاملا الرايات ويحدوه الحلم ببناء الدولة والتخلص من الهيمنة ومن زمن الوصاية.
جمهور قوى 14 آذار مصاب بالاحباط حتى النخاع الشوكي، وهو بات قاب قوسين او ادنى من فقدان الامل بلبنان اولا، وبالقيادات ثانيا، وتاليا بمستقبل لبنان.
فهذا الجمهور لم يخض الانتخابات ويكسبها لكي يرى الرئيس المكلف سعد الحريري مستفرداً ويسعى لايجاد مخارج ترضي العماد عون المهزوم في الانتخابات.
وهو لا يستسيغ ان يرى زعيم الاغلبية على طريق الرابية مرتين يوميا.
وجمهور قوى “ثورة الارز” انتفض ليرى تنفيذا لمقررات “مؤتمر البيال” الذي انبثقت عنه لجان وتوصيات لتأطير عمل قوى الرابع عشر من آذار.
وجمهور “ثورة الارز” لم يعد يستسيغ إسترضاء الزعيم الدرزي وليد جنبلاط. فإذا كان امن المجتمع الدرزي فوق كل اعتبار بالنسبة له، فبالنسبة لجمهور قوى الرابع عشر من آذار فإن أمن اللبنانيين فوق كل اعتبار. خصوصا ان هذا الجمهور دفع قافلة من الشهداء ولم يقل انه توقف عن السير قدما بتقديم مزيد من الشهداء ليخلص الوطن.
وجمهور قوى ثورة الارز يدرك تماما ان هناك من يطلب داخليا وخارجيا إقفال الامانة العامة انتقاما من كل ما انجزته في السنوات السابقة وبوصفها المحرك الجامع لجمهور عريض متنوع طائفيا وحزبيا.
ولكن هذا الجمهور يسأل ما الذي قامت به الامانة العامة لدرء هذه الاخطار المحدقة بها؟
اسئلة اخرى تترد في اذهان اللبنانيين، واولها من هو المسؤول عن الوصول الى هذه المرحلة الحرجة وطنيا لتفقد الامانة العامة دورها ويصبح زعيم الاغلبية مستفردا في طائفته، وفي تشكيل الحكومة؟ وهل هناك ما يمكن ان تقوم به الامانة او بالاصح ما الذي كان على الامانة ان تقوم به لكي لا نصل الى ما وصلنا اليه؟ وهل يعتقد قادة ثورة الارز ان الجمهور الذي لبى دعواتهم مرارا وتكرار في شهر شباط من كل سنة سوف يلبي بعد الآن اي دعوة؟ انها، حقا، اسئلة بحاجة الى اجوبة. وللاسف لا ندري من هي الجهة المخولة بالاجابة عنها!!
اذا كان صحيحا ان الثورات تأكل ابناءها، فهل انتهى دور الامانة العامة وهي تأكل ابناءها اليوم؟
المتتبع لمسار الامور منذ التحضير للانتخابات النيابية وحتى اليوم لا بد وان يلاحظ الآلية التي تم اعتمادها من اجل استبعاد ثلاثي الامانة العامة النائبين السابقين سمير فرنجية والياس عطالله ولاستفراد فارس سعيد، من اجل ابعادهم عن الندوة النيابية، ثم الحملة المنظمة التي يخوضها ضدهم بشكل خاص وضد الامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار، النائب وليد جنبلاط الذي اتهمهم بعدم الالمام باللغة العربية حينا، ودعاهم للتوقف عن التحدث عن انفجار خربة سلم حينا آخر. مع تسجيل حرص الثلاثي والامانة العامة على عدم الرد على اتهامات جنبلاط او الانزلاق الى اي مطب من مطبات الاستفزاز السياسي داخل الصف الواحد.
ومن دون اغفال ما تردده الصحافة السورية من اتهامات للامانة العامة ولقوى الرابع عشر من آذار، وموقفها الشامت من انسحاب جنبلاط واعادة تموضعه السياسي، لتعلن نهاية قوى الرابع عشر من آذار مع الاخذ في الاعتبار الترددات الداخلية لقوى الثامن من آذار التي تنتظر بدورها مراسم دفن الامانة العامة لتعلن ان المسيرة التي بدأت في الرابع عشر من آذار من العام 2005 كانت باطلة وكل ما بني عليها تاليا هو باطل وصولا الى المحكمة الدولية والانتخابات النيابية والحكومة والثلث الضامن والمعطل ووضع زعامات جميع القوى المنتسبة الى فكرة الرابع عشر من آذار في موقع المتهم او في احسن الاحوال اعادتها الى حدود طوائفهم او مذاهبهم.
ومع ذلك لا بد من نقاش الامانة العامة في جملة امور.
اولها، ان النائب وليد جنبلاط على اهمية مشاركته في نشاطات ثورة الارز وكونه احد ابرز داعميها إلا انه ليس الوحيد في هذا المسار. وان انسحابه، ايا تكن الاسباب، يسبب ارباكا في صفوف الحركة الاستقلالية ولكن لا يشل حركتها الى حد الضمور والانكفاء خصوصا وان مواقف جنبلاط كان مهد لها قبل وقت طويل من اعلانه رسميا الطلاق مع الامانة العامة.
وثانيها ان جمهور ثورة الارز ليس ملكا للامانة العامة ولا لقياداتها، خصوصا ان هذا الجمهور اثبت ان وعيه السياسي فاق وعي قياداته التي عملت على لجم جمهورها والحد من اندفاعته بدلا من تأطيره في سيرورة وطنية جامعة تستفيد من الاجماع الذي كرسته دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقافلة الشهداء.
وثالثها، إزاء المآل الذي وصلت اليه الاحوال، لا بد للامانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار ان تستنهض نفسها اولا وان تعمل على استنهاض جمهورها ثانيا، لتضع الامور في نصابها على المستويين الوطني والاقليمي.
فثورة الارز لم تكن لتأخذ مداها الوطني، والبعد والدعم الدوليين، لولا هذا الزخم الذي حمله الخطاب السياسي للمرحلة السابقة.
يسود الاعتقاد ان المطلوب من الامانة العامة الكثير وان في مقدورها القليل، ولكن الواقع ليس كما يتم تصويره لنا نحن اللبنانيين.
فمشروع ثورة الارز لم يكن في اي حال من الاحوال مشروع صدام بل ان ما ميزه كان الطابع السلمي. ومشروع ثورة الارز لم يخرج في سقفه السياسي عن الحدود الوطنية ولا تنطّح لخلق معادلات اقليمية وشرق اوسطية. وكل ما طالب به لم يتعدَّ المطالب المشروعة لأي شعب على وجه الارض – السيادة والحرية والاستقلال. وفي هذه المطالب، لم يكن اللبنانييون ليتجنّوا على احد لا داخليا ولا خارجيا.
ومن هنا فان المسؤولية الملقاة على عاتق الامانة العامة جسيمة وتتلخص في صياغة مشروعها السياسي والعمل بمقررات “مؤتمر البيال” مع الاخذ في الاعتبار المتغير المتمثل باعادة التموضع الجنبلاطي، لتنطلق معها عملية اعادة السياسة الى الحياة اللبنانية بدلا من تناتش المطالب. واذا كانت الامانة العامة عاجزة عن القيام بهذا الدور فان للبنانيين عليها حق الاطلاع.