في 29 تموز/يوليو المنصرم، أصدرت “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” [في العراق]، النتائج المؤقتة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في كردستان-العراق في الشهر الماضي. وقد كشفت نتائج الانتخابات — الكتلة السياسية الراسخة من الناحية التقليدية فقدت الأغلبية لحزب مؤسس حديثاً – [وجود] ‘فتحة‘ [لحدوث تغيير في نظام] “حكومة إقليم كردستان”. وبالتالي، خطا الإقليم خطوة بعيداً عن “ديمقراطية مسيّرة” بصورة كاملة وفي اتجاه نظام سياسي أكثر مرونة ولا يمكن التنبؤ به.
الرصيد البرلماني
في الانتخابات للجمعية الوطنية لـ ”حكومة إقليم كردستان” التي تتألف من 111 مقعداً، فازت القائمة “الكردستانية” — كتلة مؤلفة من “الحزب الديموقراطي الكردستاني” و “الاتحاد الوطني الكردستاني” — بأغلبية 57 في المائة من الأصوات وحصلت على ما بين ستين وثلاثة وستين مقعداً. ويعتبر نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح – أحد زعماء القائمة “الكردستانية” والسياسي من قبل “الاتحاد الوطني الكردستاني” – المرشح الأكثر حظاً ليكون رئيساً لوزراء “حكومة إقليم كردستان”. وجاءت قائمة غوران (“التغيير”) المُشكّلة حديثاً في المرتبة الثانية، بحصولها على 24 في المائة من الأصوات، وعلى ما بين سبعة وعشرين وثلاثين مقعداً. وحصلت قائمة “الخدمات والإصلاح”، وهي كتلة مؤلفة من الجماعات الإسلامية والإشتراكية، على 13 في المائة من الأصوات ونحو أربعة عشر إلى سبعة عشر مقعداً. وقد خُصص أحد عشر مقعداً في البرلمان للأقليات.
وبالرغم من وجود ثلاث محافظات [تحت سيطرة] ”حكومة إقليم كردستان” — أربيل ودهوك والسليمانية – تم خوض الانتخابات كدائرة انتخابية واحدة. كما اعتمدت الانتخابات نظام القائمة المغلقة، [حيث يسمح فيها] للناخب اختيار أحزاب بدلاً من مرشحين بصورة فردية. وتساعد هذه الآلية، التي لم تستخدم في العراق في انتخابات المحافظات في كانون الثاني/يناير 2009، على إخفاء الرصيد الحقيقي لموازين الشعبية بين الأحزاب والمرشحين. ويشكل نظام القائمة المغلقة سمة هامة للسيادة السياسية المشتركة التي يحتفظ بها [كل من] “الحزب الديموقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”، الحزبان اللذان يسعيان تجنب منافسة مباشرة بينهما حول السيطرة على محافظات ومناطق فردية في “حكومة إقليم كردستان”.
ومع ذلك، لا يمكن أن يخفي هذا النظام الانتخابي، واقع الأمر بأن الحالة الديموقراطية في كردستان العراق قد اتخذت خطوة أبعد من مجرد [كونها] “ديمقراطية مدارة” (عندما فاز الطرفان الرئيسيان، على سبيل المثال، على 93 في المائة من المقاعد في عام 2005، وتقاسما تلك المقاعد بالتساوي فيما بينهما). ومن المحتمل أن يستمر “الحزب الديموقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” بالسيطرة على حصة الأسد [من المقاعد]، لكنهما لم يعودا قادران على إقرار التشريعات في البرلمان دون معارضة.
وفي [الوقت الذي يوجد فيه] نظام سياسي قائم على تشجيع الحفاظ على روح الوحدة الوطنية، بإمكان برلمان “حكومة إقليم كردستان”، بدء رؤية نقاش حقيقي وإبرام صفقات أصيلة في نظام متعدد الأحزاب. وقد استحوذت قائمة “التغيير”، بزعامة نوشيروان مصطفى، [أحد] مؤسسي “الاتحاد الوطني الكردستاني”، على نصيب غير مسبوق من الأصوات، باعتمادها على رغبة حقيقية في [حدوث] تغيير سياسي (بالإضافة إلى شعبية نوشيروان وامتلاكه مؤسسة إعلامية)، وذلك لحشد أعداد كبيرة من الناخبين الشبان والطبقة المتوسطة. وقد تقوم فصائل من “الاتحاد الوطني الكردستاني” و”الحزب الديموقراطي الكردستاني” بالانفصال عن هذه الأحزاب في الوقت المناسب، إما ككتل [سياسية] تضم برلمانيين خلال الولاية الحالية أو كناخبين في الانتخابات المقبلة. وعلى هذا النحو، يوجد حالياً على الأقل احتمال قيام نظام سياسي قائم على أحزاب أكثر مرونة.
ضعف “الاتحاد الوطني الكردستاني”
لسنوات عديدة، تستعر أزمة قيادة في “الاتحاد الوطني الكردستاني”، تسارعها بذلك وجود تقارير عن اضمحلال صحة الرئيس العراقي جلال طالباني، الذي يتزعم “الاتحاد الوطني الكردستاني” لفترة تقارب أربعة وثلاثين عاماً. لقد كانت قيادة “هذا الحزب”، الذي يستمد تأييده من مراكز الطلاب [والدوائر] السياسية في السليمانية، عرضة للتحديات بصورة دائمية. وعلى عكس القبلية و [نظام] الأسرة الحاكمة التي يمارسها – إلى حد كبير – “الحزب الديموقراطي الكردستاني”، فإن ”الاتحاد الوطني الكردستاني” هو منظمة سياسية من المحتمل أن تختار قيادتها من بين عدد من الخيارات. فقد تراوحت [الافتراضات] عن خلفاء جلال الطالباني المحتملين بدءاً بالمحاربين القدماء مثل نوشيروان وكوسرت رسول وانتهاءاً بالمجددين مثل برهم صالح أو نجل جلال الطالباني، قباد، ممثل “حكومة إقليم كردستان” في واشنطن العاصمة. هذا وقد تم إلغاء [التاريخ] المقرر في عام 2008 لتسليم منصب رئيس وزراء “حكومة إقليم كردستان” من “الحزب الديموقراطي الكردستاني” إلى “الاتحاد الوطني الكردستاني”، بسبب عدم تمكن الأخير – إلى حد كبير – من التوصل إلى اتفاق داخلي على مرشح.
ويبدو أن “حزب طالباني” قد فقد نسبة كبيرة من الأصوات إلى حزب “التغيير” في السليمانية، حيث شهدت الانتخابات وقوع اشتباكات مسلحة متقطعة والحصول على حصة الأسد من مزاعم التلاعب [التي وصل عددها إلى] 651. وقد وافق ”الحزب الديموقراطي الكردستاني” و”الاتحاد الوطني الكردستاني” قبل الانتخابات، على خصم أي مقاعد تفوز بها قائمة “التغيير” من حصة المقاعد المخصصة لحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” ضمن القائمة “الكردستانية”، حيث أدرك كلا الحزبين الرياديين بأن قائمة “التغيير” قد انفصلت عن “الاتحاد الوطني الكردستاني”، ومن شأنها أن تستحوذ [في النهاية على مقاعد] من قاعدة تصويت [مؤيدي] “الاتحاد”. وعلى نفس القدر من الأهمية، لم يعد بمقدور ”الحزب الديموقراطي الكردستاني” تقبل حصة متساوية من المقاعد التي فاز بها في شراكته مع “الاتحاد الوطني الكردستاني”، بسبب إمكانية قيام تحالف مستقبلي بين قائمة “التغيير” و”الاتحاد الوطني الكردستاني”.
وبالرغم من أن التقسيم الدقيق لمقاعد القائمة “الكردستانية” لم يعرف بعد، ليس من المرجح أن يتم التقسيم بصورة متساوية، وربما يكون لمصلحة “الحزب الديموقراطي الكردستاني” بنسبة اثنين إلى واحد. إن “الحزب الديموقراطي الكردستاني” في وضع دقيق، لأنه حتى لو كان التقسيم غير متساو، من المرجح أن يحصل ”هذا الحزب” على أقل من أغلبية برلمانية خاصة به تتكون من ستة وخمسين مقعداً، مما سيتطلب قيامه بحشد الدعم من “الاتحاد الوطني الكردستاني” أو من أحزاب صغيرة، أو الحد من أهمية البرلمان كذراع تشريعية.
الرئاسة
لقد أعيد انتخاب زعيم “الحزب الديموقراطي الكردستاني” مسعود البارزاني كرئيساً لـ “إقليم كردستان” [بعد حصوله على] 70 في المائة من الأصوات. [وتبقى] المسألة الرئيسية المعلقة – والتي لها الآن أهمية خاصة، نظراً لعدم ضمان سيطرة “الحزب الديموقراطي الكردستاني” على البرلمان – هي كيف سيمكن تحديد سلطات رئاسة “إقليم كردستان” حسب مسودة الدستور. ففي شكلها الحالي، تتيح مسودة دستور “حكومة إقليم كردستان” للرئيس حل المجلس التشريعي لـ “حكومة الإقليم”، وجعل الرئيس القائد العام لـ “حرس إقليم كردستان” (حوالي ستة وأربعين ألفاً من ميليشيات “البشمركة” التي تحتفظ بها “حكومة إقليم كردستان”)، وتخول الرئيس التصديق على تشريعات واستعمال حق النقض (الفيتو) ضدها، وتُمكّن الرئيس فصل وزراء وإصدار مراسيم تحمل قوة القانون.
لقد باءت محاولتان لتمرير مسودة الدستور بالفشل. ففي 24 حزيران/يونيو الماضي، صدق البرلمان على المسودة ولكن كانت هناك شكوك حول شرعية تلك الجلسة الخاصة، حيث عُقدت بعد مرور عشرين يوماً على انتهاء المدة القانونية لمجلس النواب. وقد عرقلت “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” عملية إقرار [مسودة الدستور] التي كان مخططاً لها أن تجري في استفتاء شعبي (بالتزامن مع الانتخابات في 25 تموز/يوليو). وسيحتاج وضع دستور جديد وجود مستوى عال جداً من التأييد له لكي يكون ذو مصداقية. هذا، وقد أوضحت قائمة “التغيير” بأنها تؤيد قيام نظام برلماني للحكم، وليس رئاسي. وإذا ما تم دعم ذلك من قبل نواب من “الاتحاد الوطني الكردستاني” (وخاصة من قبل برهم صالح، إذا ما أصبح رئيساً للوزراء)، فربما بإمكان السلطة التشريعية، رفْض منح ما يكفي من الأصوات لمسودة [المشروع] لكي يتم فرض إعادة النظر في سلطات رئيس الجمهورية. وقد يكون هذا أول اختبار لميزان القوى الجديد.
العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان
من المرجح أن تمثل الفترة التي تلي الانتخابات الوطنية العراقية في كانون الثاني/يناير 2010، فرصة لإبرام صفقة بين الحكومة الاتحادية و”حكومة إقليم كردستان”، ومن المحتمل أن تكون ”حكومة الإقليم” شريكاً مستعداً للتفاوض. و “سيجلب” الأكراد 50 مقعداً أو أكثر إلى الـ 275 مقعداً في البرلمان الوطني العراقي، ومن المحتمل أن يصبحون إحدى أكبر التكتلات. وسيحاول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وغيره من [السياسيين] المحتملين الذين “سيلاحقون” الأكراد [لضمهم إلى إئتلافهم]، التودد إليهم بصورة جماعية أو منفردة، وربما سيسعون إلى استهواء قائمة “التغيير” و/أو “الاتحاد الوطني الكردستاني” [للإنضمام] كأعضاء في “حكومة وحدة وطنية”. وقد تكون الفترة التي تلي الانتخابات الوطنية جاهزة للتحرك [وبحث] المسائل العالقة بين [الحكومة] الاتحادية و”حكومة إقليم كردستان”. إن زيارة المالكي إلى كردستان العراق في 2 آب/أغسطس — الأولى منذ أن أصبح رئيساً للوزراء — هي دليل آخر على أن السياسيين الذين “يلاحقون” [الأكراد]، حريصون على إبرام صفقات مع الكتل الكردية.
وتجلب نتائج الانتخابات مؤشرات متباينة بشأن قدرة “حكومة إقليم كردستان” على اغتنام الفرصة والدخول في مساومات سياسية جديدة عند تشكيل الحكومة الوطنية في أوائل عام 2010. وفي حين ما يزال رئيس “إقليم كردستان” مسعود البارزاني مسؤولاً [عن إدارة الإقليم]، وربما يستمر في نهجه [المتمثل باتباع سياسة] المواجهة تجاه بغداد، من شأن تعيين برهم صالح رئيساً للوزراء أن يعزز فهم “حكومة إقليم كردستان” للحكومة الإتحادية ويساعد على زيادة نفوذها داخل الحكومة الاتحادية. وسوف يستمع القادة الأكراد في جميع الأراضي المتنازع عليها، إلى رسالة تأتي من أربيل تكون أكثر توازناً وتحث على توخي الحذر فضلاً عن الصمود.
الآثار المترتبة على السياسة العامة
ينبغي على الولايات المتحدة الاعتراف بالإتفتاح الجزئي للنظام السياسي لـ ”حكومة إقليم كردستان” ولكن يجب أن تبقى يقظة في مراقبة سياسات الإقليم. ولكي تحافظ على التواصل مع “حكومة إقليم كردستان”، لدى الولايات المتحدة حافزان. [الحافز الأول هو أن] التقارب بين بغداد و”حكومة إقليم كردستان” يشكل أحد الأعمدة الهامة لاستراتيجية الولايات المتحدة في العراق، كما تبين من زيارة وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس وقائد القوة المتعددة الجنسيات في العراق الجنرال راي أوديرنو إلى أربيل في 28 تموز/يوليو المنصرم. وعلى نفس القدر من الأهمية، إن الديمقراطية في كردستان-العراق هي في حد ذاتها تستحق الدعم، لأن من شأن النظام البرلماني أن يضع “حكومة إقليم كردستان” في الفئة العليا من الديمقراطيات في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، فإن النظام الرئاسي القوي الذي ورد في مسودة الدستور سيكون أكثر بقليل من دكتاتورية بقفاز مخملي.
ويمكن لإدارة أوباما استخدام صوتها – الذي لا يزال الأعلى من بين جميع شركاء “حكومة إقليم كردستان” في الخارج — لدعم برلمان “حكومة إقليم كردستان” القادم ورئيس الوزراء [الجديد]. كما تحتاج الأحزاب السياسية في “حكومة الإقليم”، وكذلك السياسيين مثل برهم صالح، إلى دعم الولايات المتحدة الصريح إذا أُريد للديمقراطية البرلمانية أن تنمو في كردستان-العراق. وبالرغم من كل الأخطاء السياسية لـ “حكومة إقليم كردستان”، فإن البرلمانيين الأكراد المنتخبين من قبل الشعب هم [الممثلين الشرعيين و] المسؤولين أمام الناخبين أكثر من رئاسة “حكومة الإقليم”، التي هي سباق منفرد بدون منافس. يتعين على برلمان “حكومة إقليم كردستان” أن يعرقل أي دستور “يمد أياديه بعيداً” فيما يتعلق [بإثارة] مطالب إقليمية أو يقوض الخطوات الواقعية جداً نحو الديمقراطية الحقيقية التي أنجزتها “حكومة إقليم كردستان” من خلال الانتخابات الأخيرة.
مايكل نايتس هو زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومقره في بوسطن، متخصص في الشؤون العسكرية والأمنية المتعلقة بالعراق وإيران ودول الخليج.