“الشفاف”- بيروت
الانتخابات النيابية الحامية الوطيس في لبنان هذا الأسبوع، ليست إلا جزءاً من معركة سياسية امتدت لأعوام مضت. فالظروف الداخلية اللبنانية تفجّرت يوم التمديد للرئيس اللبناني السابق اميل لحود، واعلان مجلس الأمن إصدار القرار 1559، الذي دعا إلى خروج القوى الأجنبية من لبنان (لجيش السوري)، ودعا أيضاً إلى سحب سلاح الميليشيات (حزب الله)، وما تلا ذلك من محاولة اغتيال الوزير السابق مروان حماده والأزمة السياسية التي ترافقت مع اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري في بيروت.
وصل موسم الانتخابات النيابية فاتكل المرشحون والقوائم المتنافسة على مدى الدعم الذي يلقونه من جماهيرهم، وكذلك دعم دول اقليمية وعالمية، صار الدعم الاعلامي القادم من ايران عبر تصريحات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وبعض المسؤولين الايرانيين مادة للسجال والنقاش الانتخابيين، وكذلك زيارة نائب الرئيس الأميركي جوزف بايدن إلى لبنان واعتبار قوى 8 آذار تلك الزيارة دعماً أميركياً خالصاً لقوى 14 آذار. عدا عن الدعم السوري الذي تجلى يوم 31 أيار / مايو بإلقاء المخابرات السورية القبض على مجموعة من اللبنانيين من بلدة مجدل عنجر البقاعية، حيث أفاد أهالي هؤلاء ان المخابرات السورية طالبتهم يومها بالتوجه إلى أحد قياديي قوى 8 آذار في البقاع الأوسط لطلب واسطته لاطلاق سراح أبنائهم.
إذاً، أقلام الاقتراع والصندوق الانتخابي سيتم فتحها الأحد المقبل عند السابعة صباحاً، ولكن بعض الصناديق الانتخابية ذات الحجم الكبير تم فتحها منذ بضعة أشهر، صناديق غير مرئية ولكنها تساهم في المعركة الانتخابية بشكل فعّال، وتسمح لمن يمتلك مفعول هذه المساهمات بتغيير الظروف والأوضاع، فأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله حين اعتبر ان يوم دخول قواته إلى بيروت واحتلالها ومحاولة احتلال جبل لبنان في السابع من أيار / مايو 2008، باليوم المجيد، كان يقوم من حيث لا يدري بالتصويت في الصندوق الانتخابي لقوى الرابع عشر من آذار.
وكذلك حين سمح رئىس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون بتوزيع صورة تأشيرة دخول إلى المملكة العربية السعودية للمرشحة على الدائرة الأولى في بيروت نايلة تويني مع وضع كلمة مسلمة في خانة الديانة، وظهور تويني واعلانها عن ان الموضوع هو مجرد خطأ يحصل بالعادة، حيث عرضت التأشيرة التي تحمل عليها ديانتها المسيحية، هذا الانحدار في إدارة المعركة الانتخابية الذي عملت عليه ماكينة الجنرال عون زاد عدد المؤيدين لتويني ورفع من حظوظها بالنجاح.
انه اقتراع في صناديق الخصم، وهذا ما فعله رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط حين تسرب الشريط المشهور لحديثه مع رجال الدين الدروز، فكان بالنسبة للجنرال عون ولحزب الله هدية منزّلة من السماء لم يجدوا لها مثيلاً فاستنفذوها حتى آخر قطرة منها.
هذا على الصعيد الداخلي، ولكن على الصعيد الخارجي فما يحصل هو أكبر بكثير من الداخل اللبناني.
ابن لادن وجورج بوش
في الانتخابات الأميركية للعام 2004، وجّه أسامة بن لادن إلى الشعب الأميركي رسالة أكد في نهايتها على استمرار تنظيم القاعدة في قتال الأميركيين وشن ما أسماه «العمليات الاستشهادية داخل الولايات المتحدة وخارجها». كانت الانتخابات الأميركية حامية الوطيس أيضاً ويكاد جورج بوش الابن ان يخرج من البيت الأبيض، أتت رسالة الشيخ أسامة لتصبّ كاملة في صناديق اقتراع الرئيس الجمهوري المرشح لولاية ثانية.
نجح جورج بوش الابن وعاش الشيخ أسامة شبحاً متطرفاً في مواجهة رئيس دولة متطرف. إذاً التطرف يحتاج لتطرف آخر، تطرفان ينتعشان من العداوة والقتال والحرب والتصريحات العدائية ورفض الآخر وكذلك يلتزمان في العداوة مصيراً موحداً إن أمكن.
«المؤسسة» تقترع
المؤسسة هنا هي المنظومة العسكرية والسياسية والأمنية الإسرائيلية، فهذه المنظومة المتطرفة والتي بنيت على فكرة الدفاع عن دولة إسرائيل، وعن فكرة حماية «الديموقراطية»، أثبتت طوال 61 عاماً انها من أكثر المؤسسات الحاكمة راديكالية في العالم، وتحتاج دوماً إلى عدو تقاتله طوال الوقت.
هذه المؤسسة المتطرفة تقوم ومنذ أشهر بالاقتراع في الصندوق الانتخابي لحزب الله، بقصد أو من دون، وهذا لا يعني ان حزب الله يشارك بما يقوم به الإسرائيليون. فالمسؤولون السياسيون والعسكريون والأمنيون في تل أبيب يعبّرون عن القلق في تصريحاتهم الاعلامية من فوز حزب الله في الانتخابات النيابية اللبنانية لدرجة ان هذه التصريحات «البريئة» صارت تمر بشكل يومي في الاعلام مما سمح لاعلام حزب الله في لبنان من استعمالها، لمهاجمة قوى 14 آذار، وكذلك في محاولة شدّ العصب الشيعي وجذب بعض السنة للتصويت مع لوائح قوى الثامن من آذار. فالوضع الداخلي بعد حرب تموز والانقسام السياسي والاتهامات المتبادلة وكشف شبكات الموساد الاسرائيلي، كل هذه الأمور تجعل من كلام المسؤولين الاسرائيليين، أصواتاً كثيفة تقترع لصالح حزب الله، مما يعيد التأكيد على حاجة التطرف الإسرائيلي إلى نجاح من يكون له القدرة على إخافة الجمهور الإسرائيلي، هذا من جهة.
ومن جهة ثانية، فهذه التصريحات تأتي لتزيد التفاف مناصري حزب الله من حوله، وكذلك تزيد من الشك الذي تمارسه وسائل اعلام حزب الله على قوى 14 آذار، مما يجعل من تصريحات الإسرائيليين صوتاً اضافياً في صناديق الانتخاب.
ولكن فوز حزب الله ونجاحه المطلوبين في إسرائيل لا يمكن أن يكونا لبحث عملية السلام التي لا يريدها رجال «المؤسسة» بل هو كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي ايهودا باراك إن «فوز حزب الله في هذه الانتخابات سيمنح الجيش الإسرائيلي حرية الحركة ضده، ويتيح لإسرائيل تفعيل خيارات لم تكن متاحة في السابق، في أي مواجهة مستقبلية».
معركة الصناديق المفتوحة من الآن إلى مساء يوم الأحد، ستظهر قدرة التصويت الداخلي، وكذلك قدرات المقترعين من الخارج، انه الصندوق اللبناني الذي يحمل الكثير من المفاجآت التي قد تحسم الكثير أو تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل يوم الأحد، أو في أسوأ الأحوال تعيد الوقت إلى اليوم المجيد حيث يتحول المقاومون بسلاحهم إلى الداخل، فيما لا يجدون في المقابل من يحمل سلاحاً ليقاتلهم.
oharkous@gmail.com
«المؤسسة» تقترع في صندوق «حزب الله»
أكيد انك يا سيد حرقوص ستتحول يوماً إلى صندوق انتخابي تقترع فيه قبضات المقاومين