فيما كان رئيس مجلس الأمة الكويتي الأسبق جاسم الخرافي يعلن في أبريل الماضي ترشيح نفسه لانتخابات مجلس الأمة، كانت الساحة السياسية الكويتية تشتعل سياسيا على خلفية قيام السلطات الأمنية الكويتية باعتقال عدد من السياسيين والنواب السابقين، من ضمنهم السياسي والنقابي خالد الطاحوس الذي رشح نفسه للانتخابات بعد أن أمضى أكثر من أسبوع قيد الاعتقال والتحقيق على خلفية تصريحات أطلقها ضد قوات الأمن الكويتية. ووُجهت إلى الطاحوس تهما أمن دولة عدة. وقد اعترضت عدة نقابات سياسية ومدنية على عملية الاعتقال، من ضمنها الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان. ويقول مراقبون في الكويت أن اعتقال الطاحوس يعود في الدرجة الأولى إلى نقده الشديد للنظام السياسي في الكويت ومعارضته إجراءات الحكومة الكويتية ضد الانتخابات الفرعية – الداخلية – للقبائل. وقد اعتبرت النيابة العامة ما تفوه به الطاحوس “تحريضا” على العصيان ودفعا للمواجهة بين القبائل والسلطات الأمنية في سعيها لتطبيق قانون تجريم الانتخابات الفرعية.
ويزعم بعض المراقبين في الكويت أن قضية الطاحوس وغيره ممن تم اعتقالهم، ومن ضمنهم النائب السابق ضيف الله بورمية والنائب في المجلس البلدي خليفة الخرافي، أكبر من أن توضع في إطار نقد النظام السياسي، إذ يعتقد هؤلاء بأن الاعتقال يهدف إلى التضييق على من ينتقد رموزا سياسيين في الأسرة الحاكمة (أسرة آل الصباح)، وأن الهدف من طرح قضيته هو طرح تفسير جديد لحرية الرأي والتعبير في إطار ما جاء في الدستور الكويتي مما يدعم في المحصلة وجهة نظر الحكومة. ويقول الكاتب الليبرالي عبداللطيف الدعيج في صحيفة القبس: “نعم لدينا تصريحات انتخابية قاسية وطرح لا يتسم بالموضوعية، ولا يعتمد على المنطق. لكن يبقى كل هذا في حدود التعبير عن الرأي، وفي نطاق القانون، وإن خرج عن تقاليد المهادنة والمجاملة”. وكان جاسم الخرافي أشار إلى ذلك في إعلان ترشحه بالقول بأن “الحوار (في الكويت) وصل مستوى لا يمكن القبول به”، مضيفا بأن “جزءا من الممارسات البرلمانية والحكومية لم يكن منسجما مع روح الدستور وأهداف نظامنا الديموقراطي”. ورغم وصف السفيرة الأمريكية في الكويت ديبورا جونز الديموقراطية الكويتية بأنها “فريدة من نوعها في المنطقة”، لكنها اعتبرتها أثناء حوار من خلال طاولة مستديرة الشهر الماضي بأنها “نشطة ومعقدة”، مؤكدة أن بلادها تدعم هذه الديموقراطية “عند النظر لما يمكن أن يكون البديل”.
ويشير الدعيج إلى الأسباب الحقيقية لأزمة الديموقراطية في الكويت وإلى “مصادر التأزيم الحقيقية، وليس إلى ردود الأفعال ونتائج السياسات والقرارات الخرقاء”. وفي إشارة إلى عمليات الاعتقال التي تمت ضد المرشحين يقول بأنه “في الإمكان الآن التعرف على الطرف الأكثر إساءة للأجواء الديموقراطية، والأكثر طعنا في شرعيتها من خلال رصد هذا العنف الحكومي، والانفلات غير العادي في مجابهة المرشحين والمواطنين”. ويضيف: “إذا كان المرشحون أو بعضهم قد خرجوا عن المنطق أو حادوا عن جادة الصواب، فإن الحكومة بأكملها قد فقدت عقلها، وأخذت تتصرف بجنون في مواجهة لغط الأصوات ولغو الكلام. مجلس الوزراء يتحدث عن الالتزام بالقانون والاحتكام إلى الدستور، ولكنه يضع تعريفات وتفسيرات حكومية خاصة به في تحديد الحرية، وفي تحليل أو تحريم ما يتناوله أصحاب الفكر والرأي”.
تكمن قضية الطاحوس في ارتباط تصريحاته بأحداث عنف وقعت في الانتخابات البرلمانية الماضية عام 2008 مما ألقت بظلالها على ما تفوّه به. فقد قامت قوات الأمن الكويتية العام الماضي باستخدام العنف ضد أبناء القبائل لمنعهم من تنظيم الانتخابات الفرعية. ويُعتقد بأن الحكومة رأت في تصريحات الطاحوس دعوة لعدم الالتزام بالقانون ومقدمة لتكرار المواجهات العنيفة. لكن الواقع على الأرض اختلف هذا العام حيث استدعت السلطات بعض المشاركين في الانتخابات الفرعية القبلية من دون أن تدخل معهم في مواجهات عنيفة على الأرض. وكان أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد عبر أثناء اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء الكويتي في شهر مارس عن “استيائه وأسفه إزاء ما تشهده الساحة السياسية من مظاهر الشحن وإثارة الفتن والنزعات الفئوية البغيضة في إطار حملات الاستعداد لانتخابات مجلس الأمة”. وقالت صحف كويتية أن قضية الطاحوس كانت محوراً مهما في اجتماع أمير الكويت مع مجلس الوزراء “حيث طلب الأمير أن يأخذ القانون مجراه على هذا الصعيد، وأنه لن يسمح لأي كائن كان بالمساس بالوحدة الوطنية أو السعي لتفريق المواطنين”. كما جرى الطلب من وزير الداخلية الكويتي بالحزم في مكافحة الانتخابات الفرعية.
وفي سياق كلمة وجهها للكويتيين بعد مرسومه بحل مجلس الأمة في مارس الماضي أشار أمير الكويت إلى أن “بعض الممارسات على الساحة البرلمانية صارت تهدد استقرار البلاد وقامت بتشويه وجه الحرية والديموقراطية”. وتعتبر مسألة استمرار البرلمان الجديد وعدم حله مجددا من قبل الأمير، التحدي الأبرز أمام المواطن الكويتي في ظل حديث الشارع السياسي الكويتي عن تراجع اهتمامات الناخب الكويتي للمشاركة في الانتخابات، بسبب استمرار حالة التأزيم بين الحكومة والبرلمان والتصريحات الصادرة عن نواب سابقين بأن الأمير قد يحل المجلس حلا غير دستوري ويعلق العمل بالدستور وبالحياة النيابية إذا استمرت الخلافات بين الحكومة والبرلمان. ويشدد السياسي الكويتي المخضرم أحمد الخطيب – وكان يعتبر أحد رموز التيار القومي العروبي، وتحول بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990 إلى التوجه السياسي الليبرالي – في محاضرة له الشهر الماضي على “خطورة عزوف الناخبين في الكويت عن التصويت في الانتخابات المقبلة”، متسائلا: إذا كان النظام الديموقراطي على شكله الحالي لم يرض طموح السلطة الحاكمة في الكويت “فما البديل؟”. ويضيف بأن “المؤامرات على الانقلاب على الدستور ]الكويتي[ ليست وليدة اليوم، وإنما قديمة، إلا أنهم ]السلطة الحاكمة[ يريدون هذه الأيام أن يكفر الشعب بمجلس الأمة الذي خذلهم في تحسين أوضاعهم المعيشية، والهدف من هذا كله هو إنهاء الحياة الديموقراطية”.
يزعم أكثر من مراقب في الكويت أن نظام الدوائر الخمس المعمول به في الانتخابات – وهو نظام جديد للتصويت حل في انتخابات العام الماضي محل النظام القديم القائم على الدوائر الـ25 – لم يؤد إلى انتخاب برلمان غير منقسم وبعيد عن الخلاف الشديد مع الحكومة، مثلما أراد مؤيدو نظام الدوائر الخمس. والنتيجة هي استمرار الشلل السياسي والاقتصادي في البلاد. وقد قاد هذا الوضع إلى التساؤل بشأن ثمن الديموقراطية. وقد أرجع المرشح والقيادي في تيار المنبر الديموقراطي عبدالله النيباري أسباب نبرة العزوف عن الانتخابات الحالية إلى النظام الانتخابي بالدوائر الخمس “الذي عزز الطائفية والقبلية” وساهم في استمرار حالة التأزيم بين الحكومة والبرلمان. وقال النيباري، الذي كان مؤيدا لنظام الدوائر الخمس أثناء حملة لإقراره عام 2006، في محاضرة انتخابية: “نظام الدوائر الخمس أنعش تقاليد الانتخاب على أساس القبلية أو الطائفية، وظاهرها تصفيات انتخابية لكن تأثيرها ضار على النسيج الاجتماعي، وهو تنافس شخصيات، وتستخدم فيها أدوات كثيرة ليس لها علاقة بالرأي أو الممارسة”. وألمح إلى أن استخدام تعابير الطائفية والقبلية على تعبير المواطنة “يؤدي إلى تهميش قطاع كبير من المواطنين”.
في ظل هذه النظرة التشاؤمية، تبدو الحظوظ المرتفعة للمرأة للوصول إلى البرلمان هي الجانب الوحيد المشرق في الانتخابات وفي ديموقراطية الكويت “الفريدة”، خاصة حظوظ الوزيرة السابقة ودكتورة العلوم السياسية في جامعة الكويت معصومة المبارك ودكتورة الفلسفة وعضو التحالف الوطني الديموقراطي أسيل العوضي.
ssultann@hotmail.com
كاتب كويتي
الديموقراطية الكويتية “الفريدة”
عقبال الشاذين جنسيا كي تكتمل الدمقرطية هه هه هه