الخنازير ما زالت موجودة، ولكنها تختبئ في الباحات الخلفية للمنزل. ثلاثون من صغار الخنازير السوداء اللون تركض وتبحث عما تأكله في الطين الأسود. الرائحة لا تُحتمل، ولكنها تنبعث من الحيّ كله. ويضحك “يعقوب نبيل” قائلاً أنها تنبعث “حتى من أولادي”، وهو يؤشر إلى أطفال صغار يتراكضون بأحذيتهم البلاستيكية بين صغار الخنازير.
في باحة كل مبنى من مباني المنطقة التي تخال أنها توشك على السقوط نجد نفس القطعان الصغيرة من الخنازير. وهذه القطعان هي مصدر رزق عائلة “نبيل” المؤلّفة من 10 أشخاص. ولكن المبنى الذي زرناه يضم 6 عائلات، وبالتالي فهنالك 6 باحات خلفية و6 قطعان من الخنازير. ويقول سكّان حي “منشية ناصر” هذا، الذي يقع في “جبل المقطّم” بشرق القاهرة، أن 60 الف خنزير يعيشون فيها ويتغذّون من قاذورات القاهرة. ولكن، من يعرف العدد الحقيقي في هذه الأزقة المتداخلة التي شُيِّدت فيها، قبل 30 سنة، منازل ترابية بصورة غير قانونية؟
من المؤكد أن الشرطة لا تعرف العدد. ولا الجيش. ولا الحكومة، التي أصدرت مرسوماً بذبح الخنازير، والتي اغتنمت فرصة وباء الخنازير التي تهدّد مصر- مع أنه لم تحصل أية إصابة فيها بعد- للهجوم على مواقع تربية الخنازير القذرة جداً، والتي يقطنها الأقباط بالدرجة الأولى، ولمكافحة هذا الحيوان المنبوذ في بلد يمثّل المسلمون 80 بالمئة من سكانه.
وكانت 3 شاحنات محملة برجال الشرطة قد وصلت إلى مدخل الحيّ يوم الأحد في محاولة لإلقاء القبض على الخنازير واقتيادها إلى المسلخ. ولكن رجال الشرطة قوبلوا بوابل من الحجارة وبمتاريس أقامها سكان الحي. وأطلقت الشرطة قنابل مسيلة للدموع، وطلقات مطاطية، واعتقلت 10 شبّان، ولكنها عادت أدراجها. والأرجح أنها لن تعيد الكرّة. فقد نزل مربّو الخنازير بأعداد كبيرة للتصدي لأية محاولة جديدة تقوم بها الشرطة. ويقول “كرم الساعي” بصوت متهدج، وهو يرينا سيارته التي حطّمت الشرطة زجاجها: “عليهم أن يمرّوا على جثثنا لكي يأخذوا القطعان”. وقد نقل سكان الحي القطعان إلى أعلى التلة، حيث سيتعذّر على الشرطة أن تدخل الأزقة وباحات المنازل الخلفية إلا إذا قرّرت أن تخوض معركة حقيقية.
فالواقع أن عشرات الألوف من الخنازير التي تعيش في هذه المحلة هي، بالدرجة الأولى، مصدر رزق لا غنى عنه. ويقول “يعقوب نبيل”: “في الرابعة من صباح كل يوم، أذهب لجمع الزبالة من الأحياء السياحية” المحاذية للنيل. وهكذا يقوم “الزبّالون” بجمع عشرات الأطنان من القمامة، بحيث يشكلون رديفاً لفرق النظافة الحكومية التي تعجز عن تأدية مهمتها كاملة في مدينة تضم 15 مليون نسمة.
ومنذ عودة الرجال، وأمام كل منزل في “منشية ناصر”، تنهمك الأسر من الصباح وحتى المساء، في فرز القمامة. وما يؤكل، يُعطى للخنازير، التي تُباع بعد ذلك بسعر 200 جنيه (30 أورو) للذبّاحين الأقباط. أما الباقي، من أكواب بلاستيكية وأزرار وقطع معدنية وبراغي فيُباع في سوق الجمعة المجاور. إن من الصحيح أن الناطق بلسان وزارة الصحة، “عبد الرحمن شاهين”، قد اعترف بأن السلطات اغتنمت فرصة إنفلونزا الخنازير لتسوية مشكلة تربية الخنازير بدون رقابة في مصر. ولكن مربّي الخنازير يواجهون الوزارة بواقع لا مفرّ منه: “بدون الخنازير، فسنتوقّف عن جمع الزبالة. فماذا يمكنهم أن يفعلوا بدوننا؟”
وإذ لا تراودهم أية شكوك في أن خنازيرهم بصحّة جيدة وأنهم يقومون بعمل إجتماعي نافع، فإن “يعقوب نبيل” و”كرم الساعي” وغيره لا يجدون سوى تفسير واحد لما يحلّ بهم: “إنه إضطهاد متعمّد للأقباط. فهم لا يتأخرون عن الإساءة لنا كلما أتيحت لهم الفرصة”!
ويظهر كل واحد منهم الصليب الصغير المنقوش في باطن مفصل يده، والصليب المعلّق في عنقه، والصليب على أبواب المنازل، وكلها رموز لجيب مسيحي في بلد مسلم. وقد لاحظ سكان الحي كلهم أن قرار ذبح الخنازير اتخذ في يوم 28 أبريل، بعد أن هاجم أحد نائب عن “الإخوان المسلمين” في البرلمان الآثار “اللعينة” للخنازير. فالأقباط هم الأبرز بين قلة من المصريين لا تتقيد بحظر الخنزير في الأطعمة.
في نهاية فترة بعد الظهر، ومع تصاعد غليان المشاعر بين الناس، فإن الكاهن القبطي يسعى لتهدئة الخواطر. وقد طلب “الأب سمعان”، بثوبه الأسود الطويل ولحيته البيضاء، من الرجال الأكثر حماسة للقتال أن يصعدوا إلى الكنيسة في أعلى التلة. وقد صعدنا معهم وسط روائح الخنازير المقزّرة وأمام النساء اللواتي لم يتوقّفن عن فرز الزبالة في الشارع. وتحاذي الكنيسة ديراً للرهبان محفوراً في الصخر، على غرار الكنائس الأرثوذكسية في اليونان. ويوجد في الصخور نفسها مدرّج كبير تعلو داخله أصوات مربّي الخنازير. ويخطب الكاهن قائلا: “ما فعلتموه هذا الصباح، هذه الحجارة، وهذه الزجاجات، كانت خطأ. الآن، الشرطة ستعود، وستكون الأمور أسوأ من قبل”. ويرد الرجال صارخين: “إنهم يسرقون لقمة عيشنا!” ويرد الكاهن قائلاً أن “حياة البشر أهم من حياة الحيوانات”، ويسعى لإقناع الرجال بأن عليهم أن يقبلوا بالتخلي عن الخنازير مقابل التعويض الحكومي الذي أعلنت جريدة “الأهرام” عنه، وهو 100 جنيه (14 أورو) للخنزير الذكر و250 جنيه (35 أورو) للأنثى. ولكن جهوده ذهبت سدى.
خارج الحي، وقرب الطريق السريع، في مسلخ “البساطين”، وهو الوحيد حيث تُذبَح الخنازير، فإن الأبواب مقفلة بانتظار عودة الهدوء. وبعد أن كانت حكومة مصر تعتقد أنها قادرة على حلّ مشكلة ذبح الخنازير خلال أسبوعين، فإنها الآن تدرك أنه يلزمها ستة آشهر على الأقل.
مراسل لوموند”: Raphaëlle Bacqué
فيلم Channel Four عن “الزبّالين”
الفضلات يا سادةكما عوّدونا تأتي قراراتهم كردود أفعال عصبية عشوائية…تسرّع السيد رئيس مجلس الشعب في تهديد الحكومة في حركة مسرحية مفضوحة لارضاء المتعصبين الذين يعتبرون الخنزير حيوان نجس ويأبون على غيرهم تربيته!…والأقباط لا يعمل أي مسئول لهم أي اعتبار خاصة لو كانوا من الفقراء فيكفيهم كرم الأكثرية التي تحتملهم و تسمح لهم بالحياة…إذن فالقرار سريع وحاسم ! الأبشع هو ما يكتبه المثقفون (!) على الشبكة العنكبوتية…فهو إلى جانب التعصب الديني البشع يدل على الجهل الشديد بأبسط مبادئ العلم.. ألا يدري المستنكرون والساخطون والناقمون على مربيّ الخنازير أن كل ما يأكلون من خضر وفاكهة تحتاج لتسميد الأرض وأن أفضل تلك المواد… قراءة المزيد ..