مناسبة هذا المقال، رسالة تلقيتها عبر بريدي الالكتروني من الصديق الأستاذ المحامي عبدالله الخليل عضو مجلس الادارة في جمعية حقوق الانسان المحظورة في سوريا، وكان عنوانها الرئيس: “خبر عاجل / توسيع قائمة الممنوعين من السفر في سوريا”، واحتوت عنوانا فرعيا: “منع سفر المحامي نجيب ددم”. ولابأس هنا الاقتباس قليلا من الرسالة المشار اليها، ومن ثم الدخول في لبّ الموضوع والمثمثل في اشكالية الجمع بين عملين، تعددت واختلفت الآراء في صوابية أو عدم صوابية ذلك الجمع.
جاء في الرسالة / الخبر ما يلي: ” بتاريخ 14/4/2009 تم منع المحامي نجيب ددم عضو المؤتمر القومي العربي وعضو مجلس ادارة جمعية حقوق الانسان في سوريا، والناشط القومي المعروف في سوريا , من مغادرة البلاد للحضور والمشاركة في أعمال وجلسات الدورة العشرين للمؤتمر القومي العربي التي يعقدها في الخرطوم في الفترة من 16- 19/4/2009 والتي تناقش حال الأمة عام 2008 والوضع العربي وما يرمز إليه مكان انعقاده من دلالات في هذه المرحلة التي تتميز بالضغوط على السودان لإضعافه وتمزيقه.”
“إن مثل هذه الممارسات تتعارض مع نصوص الدستور وحق الانسان بالسفر ولا بد من التوقف عنها , حماية لمصالح الوطن والأمة. حلب /15/4/” (انتهى الاقتباس).
اذا، الممنوع من السفر الأستاذ نجيب ددم، ومصدّر الخبر الأستاذ عبدالله الخليل، من ذوي الميول القومية وينشطان في جمعية تعنى بهموم وحقوق الانسان. ويؤكد الخبر في خاتمته على ” حق السفر ” كحق أصيل من حقوق الانسان تنتهكه السلطات السورية ولا جدال ولا خلاف معهما في ذلك.
لا يرمي هذا المقال اثارة أية زوابع حول خياراتهم القومية، وان بدا ما يشي الى ذلك في عرض المقال، فليس مقصودا، انما ربما فرض نفسه من باب التضاد الذي سيظهر مع حق الانسان الأول والجوهري وأقصد ” حق الحياة”.
مكان انعقاد المؤتمر هو السودان، حيث سيناقش (ناقش) حال الأمة عام 2008 وما يرمز (رمز) اليه مكان انعقاده من دلالات في هذه المرحلة التي تتميز بالضغوط على السودان لاضعافه وتمزيقه.
اذا واضح، لماذا كان مكان الانعقاد هو السودان، وباتت مفهومة، ما هي الدلالات التي أملت على المؤتمرين عقد مؤتمرهم، فبحسبهم أن قرار المحكمة الدولية القاء القبض على الرئيس السوداني يهدف الى اضعاف السودان وتمزيقه.
لاداع للخوض في جدل عقيم مع من يعتبر الصراع الجاري في السودان هو حول ” هوية السودان وتوجهه القومي “، ولكن مفيد جدا، القول هنا، أن اقليم دارفور، وهذا ما تؤكده دراسات وتقاريروالأكثر من ذلك والمفحم جدا، واقع الحال المزري الذي هو أصدق انباء من كل المماحكات والكلام المسبق الصنع، حيث يقول الجميع، عانى ذلك الاقليم تهميشا واضحا من قبل كل الحكومات المركزية في الخرطوم على مدار تاريخ السودان المستقل، رغم اسهامه الكبير في الدخل القومي السوداني بثرواته الحيوانية والنقدية، فمستوى التعليم والخدمات الصحية والاجتماعية يكاد لا يذكر، وحصة الاقليم من المشاريع الانمائية تكاد تنعدم. أيضا، يجب التنويه أن اقليم دارفور هو موطن لأكثر من ثلاثين مجموعة عرقية كلهم أفارقة وكلهم مسلمون.
اذا، الصراع في بيئة صحراوية قاسية، هو في الأساس على موارد محدودة، ولم يكن في أذهان المتحاربين ” هوية السودان وتوجهه القومي “، وان سيفتح ذلك باب المزاودات الشعاراتية، فالحرب دائما وعبر كل التاريخ البشري تحتاج الى ايدولوجيا لتغذيتها، وعبر تلك القوموية دخل النظام السوداني الحرب، ممهدا لمن جندهم ذراعا له من القبائل العربية الرحل المسماة ” الجنجويد ” بقصف جوي على القبائل الأخرى، وأيضا عبر تلك القوموية، لايزال الرئيس البشير يشحذ معركته، فجاءته النصرة أولا من مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في الدوحة، ومعروف هنا أسباب تضامن الزعماء العرب مع زميل لهم ولا موجب للاستفاضة ثم يأتيه المدد أيضا من ” المؤتمر القومي العربي ” حيث يتبرع خالد السفياني الأمين العام للمؤتمر حيث يقول: “ان انعقاد المؤتمر بالخرطوم يجئ تأكيدا لرفض الأمة لقرار الجنائية الدولية ووقوفها وتضامنها مع السودان”.
لاداع هنا لمناقشة ما توصل اليه المؤتمرون في ظل ضيافة زعيم عربي ان كان في السودان أو في كل المؤتمرات السابقة من الوطن العربي الكبير ربما يستثنى لبنان، وما هي التوصيات التي خرجوا بها ولكن سنسلم جدلا أن السودان مستهدف في عروبته وقوميته لننتقل الى النقطة الأساس، وهي كيفية التوفيق بين عضوية مؤتمر قومي ينعقد في ظل ضيافة زعيم عربي جاء الى الحكم عبر الانقلاب العسكري لا يقيم وزنا للقضاء في بلده.. الخ الخ وبين عضوية جمعية همها الأساس رفعة الانسان (لا نناقش حالات قليلة انما الأمثلة أكثر من أن تحصى والهرم هنا بالمقلوب).
سوق التبريرات هنا لا ينفع، ومن بدأ القتال ومن باشر بالقتل ووجود مؤامرة وان ” الجنجويد ” كانوا يتصرفون من رؤوسهم، كلها حجج تسقط، متى علمنا ان هناك قتلى بالآلاف وجرائم اغتصاب وحرق قرى بأكملها وتهجير تعدى المليون انسان. الناشط في مجال حقوق الانسان لايهمه كل تلك التبريرات، وهو أكثر الناس حرصا على احترام حياة الانسان و احترام القانون واحقاق العدالة وابراز المظالم والعمل بلا كلل أو ملل على ابراز صرخة الملتاع والمظلوم. وما جرى في دارفور وصمة عار في جبين الانسانية لن تغسلها الا بعض من عدالة واجب احقاقها.
جرائم دارفور – وهذا برسم اعتباط الجمع بين مستويين وتغليب العقائدي، القومية هنا أي العرقي لأن معظم سكان دارفور مسلمين غير عرب – موثقة من قبل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان المستقلة والصحفيين الدوليين وكلها أكدت أن الاستبداد (البشير) قام على:
– اشعال الصراع العرقي
– اعاقة وصول المساعدات الانسانية
– قصف أهداف مدنية بالطائرات
– قتل واغتصاب.
لجان ” ايجلاند ” الرئيس السابق لعمليات الاغاثة التي تقوم بها الأمم المتحدة، حذرت أن استمرار هذا السيناريو يؤدي الى فقد أرواح ما يزيد على 100000 شخص شهريا.
الزعيم المعارض حسن الترابي قال أنه في عالم السياسة ينبغي لاي وزير على سبيل المثال أن يستقيل اذا وقع خطأ ما في مجال اختصاصه متحملا المسؤولية السياسية عنه وانه ينبغي للبشير ان يتحمل المسؤولية السياسية عما يحدث في دارفور أيا كان سواء أكان تهجيرا للسكان أو حرقا للقرى أو عمليات اغتصاب تتم في اطار منهج متبع.
وقال الترابي انه لا يعتقد ان الخرطوم باشرت عمدا حملة ابادة جماعية كما تقول واشنطن وبعض النشطاء لكنها جندت البدو العرب الذين يطلق عليهم الجنجويد وهؤلاء الناس تصرفوا بتلك الطريقة.
وأضاف انهم عندما كانوا يحرقون قرية كانوا يحرقون كل الصبية ويقتلون كل الذكور وأن ذلك كان يتم بطريقة منهجية وليس في مجرد حالة او اثنتين.
أيضا، تسجل هيومن رايتس ووتش في تقرير لها نمطاً من انتهاكات حقوق الإنسان في غربيّ دارفور يمكن اعتباره سياسة “تطهير عرقي” من جانب الحكومة، أي محاولة للتخلص من طائفتين عرقيتين معينتين هما طائفتا فور ومساليت، بإقصائهما عن مناطق إقامتهما.
كذلك تسجل المنظمة المذكورة أوضاعا تسميها بالعبودية حيث يتم اختطاف النساء والفتيات وارسالهن الى الخرطوم حيث يوزعن على بيوت جنود سودانيين حيث يتعرضن للاغتصاب أو الزواج عنوة والعمل كخدم أما الرجال الذين يتم اختطافهم فيتم اجبارهم على العمل في مزارع يملكها ويديرها الجنجويد.
اعترافات الحكومة بعلاقتها مع الجنجويد
ففي 24 أبريل/نيسان 2004اعترف مصطفى عثمان إسماعيل، وزير خارجية السودان آنذاك، بأن للحكومة والجنجويد قضية مشتركة، وإن كان قد أشار ضمناً إلى أنها قضية عادلة. وقال “ربما تكون الحكومة قد غضّت الطرف عن الميليشيات، وهذا صحيح، لأن الميليشيات تحارب التمرد”. وكرر إنكار الحكومة لمشاركتها في التطهير العرقي، قائلاً إن تقدير عدد القتلى في دارفور بعدة آلاف تقدير مبالغ فيه إلى حد بعيد”. وأقول إن عدد [القتلى] لم يزد عن 600 شخص على أقصى تقدير.
وفي الخطـاب الذي وجهه الرئيـس عمر البشير إلى أهالـي كولبوس يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2003، قال إن حكومته تولي الأولوية لهزيمة تمرد جيش تحرير السودان، وقال إن “الفرسان” (يقصد بالفرسان الجنجويد) سوف يكونون من الأسلحة التي ستستخدمها، إلى جانب الجيش وأشار شيخ من قادة المجتمع المحلي إلى أسباب تفضيل الحكومة لميليشيات الجنجويد العربية على جنود جيش الحكومة أنفسهم قائلاً “إن ثقة الحكومة في الجنجويد أكبر من ثقتها في الجيش، فالجيش يضم كثيراً من أبناء طائفة مساليت. وهكذا فإن مواجهة تمرد فور ومساليت وزغاوة اقتضى من الحكومة أن تتجاوز الجيش وتنشد قوة مقاتلة من الرُّحّل بدت لها جاهزة لتنفيذ أغراضها. ( عن تقرير موثق لهيومن رايتس ووتش ).
يمكن ايراد الكثير في دحض حجج المدافعين عن الاستبداد، انما ربما نحتاج الى زمن ليس بالقصير لنتشبع بثقافة حقوق الانسان فكرا وممارسة والسبب يرجع الى تدني منسوب انتسابنا الى عالمية انسانية تضع الانسان أولا قبل القومية وقبل الدين وقبل العشيرة والطائفة واللون وأيضا التخلص من البكائيات وعقدة الدون وأن العالم كله يتآمر علينا.
في السؤال – عنوان المقال – يجوز الجمع عندما نعلي من شأن الانسان ونعتبره قيمة القيم ولا يتم ذلك الا بمقارعة الاستبداد و الخروج من سجن الايدولوجيا والنظريات البائدة.
ahmadtayar90@hotmail.com
* كاتب سوري
الدفاع عن حقوق الانسان أم الدفاع عن البشير!
عنوان المقال الأساسي هو ” عضوية المؤتمر القومي العربي والدفاع عن حقوق الانسان هل يلتقيان؟” حيث الانسجام مع المتن أكثر دقة ، انما حدث خطأ أثناء ارسالي المقال الى ” الشفاف ” الموقع الذي نحترم .
أرجو المعذرة