الشفاف – وجدي ضاهر
قراصنة الصومال شاغلو الدنيا ووسائل الاعلام هذه الايام الجميع يتسقط اخبارهم في لعبة القط والفأر في المحيط الهندي وخليج عدن وعلى طول الشاطئ الصومالي في مساحة تتجاوز المليون ومئة الف ميل بحري مربع.
عبر العصور انتشرت قصص القراصنة وتم تصنيفهم بالمتمردين الاوائل ، حيث عملوا على ابتكار وسائل مختلفة لنشاطاتهم في البحار فحين تتوفر لهم سفينة يجتمعون ويختارون قبطانا ويتخذون قراراتهم بالاجماع من دون اكراه ويتقاسمون المغانم بالتساوي، وهذا ما كان عليه الحال في القرن الثامن عشر.
حتى ان القراصنة عملوا على تحرير “العبيد” الذين كانت تقلهم السفن الملكية البريطانية وتعاملوا معهم بمساواة واعطوا انفسهم هالة الابطال الرومانسيين.
ولعل اشهر القراصنة في العصور الغابرة “وليم سكوت” الذي القي القبض عليه وتم شنقه في ساوث كارولينا. سكوت قال على حبل المشنقة انه ارغم على ممارسة القرصنة ليعيش.
هل هذه حال القراصنة في الصومال؟
في العام 1991 انهارت الحكومة الصومالية وغرقت البلاد البالغ تعداد سكانها تسعة ملايين نسمة في الفوضى مما جعلها فريسة اطماع القوى الغربية فوجدت الفرصة سانحة لنهب الموارد الغذائية خصوصا الثروة البحرية للبلاد كما عملت على جعل شواطئها مكبا لنفاياتها النووية.
بعد ان تداعت الحكومة الصومالية، ازدحم الخط البحري بالسفن الاوروبية المتجهة الى الشواطئ الصومالية المحملة منها خصوصا ببراميل النفايات النووية والتي عملت على التخلص من حمولتها قبالة الشواطئ الصومالية.
وهنا بدأت معاناة سكان الشاطئ الصومالي حين بدأت عوارض الامراض تظهر عليهم خصوصا ضيق التنفس والاجنة المشوهة.
وبعد ان ضربت موجات المد تسونامي المحيط الهندي في العام 2005 قذفت الامواج مئات البراميل الى الشاطئ وبدأت اعراض الاصابة بالاشعاعات النووية بالظهور وتوفي من بينهم اكثر من ثلاثمئة شخص.
المبعوث الاممي الى صومال احمدو ولد عبدالله قال ان احدا ما تخلص من نفاياته النووية قبالة الشاطئ وان هناك معادن صلبة تم التخلص منها ايضا مثل الكادميوم والزئبق معظمها مصدره المصانع والمستشفيات الاوروبية التي يبدو انها سلمتها للمافيا الايطالية للتخلص منها بابخس الاثمان.
ويضيف ولد عبدالله ان اوروبا لم تتخذ اي مبادرة حتى الآن للتعويض على المتضررين كما انها لم تقم باي مبادرة للحؤول دون تكرار هذا الامر.
وفي الوقت نفسه عملت سفن اوروبية اخرى على انتهاك الثروة السمكية الصومالية ودمرت هذه الثروة من خلال الاستثمار المفرط فيها وتشير الارقام الى ان اكثر من ثلاثة ملايين دولار من سمك التونا والمحار البحرية والقريدس والكركند تتم سرقتها سنويا بواسطن سفن صيد غير شرعية مما تسبب بتعريض الصيادين المحليين للمجاعة.
محمد حسين صياد من مدينة ماركا التي تقع على بعد مئة كيلومتر جنوب العاصمة مقديشو قال لوكالة رويتر انه ما لم تتم اتخاذ تدابير سريعة فلن يبقى اي شئ على طول الشاطئ لنقتات به ”
من خلال هذا المفهوم تحرك القراصنة في الصومال حيث عمل الصيادون على ركوب سفنهم محاولين الحفاظ على لقمة عيشهم واطلقوا على انفسهم تسمية “حرس الشواطئ” وحصلوا على تعاطف السكان ودعمهم حيث تشير احصاءات “ووردنيوز” الى ان سبعين في المئة من السكان يدعمون القراصنة بوصفهم ” ابطال وطنيين”
ولكن هذا لا يمنع ادانة اختطاف البشر والاحتفاظ بهم كرهائن فهناك من بين هؤلاء الصيادين عصابات مسلحة عملت على اختطاف سفن تابعة لبرنامج الغذاء العالمي تحمل مساعدات انسانية.
ولكن احد زعماء القراصنة سوغول علي قال عبر الهاتف انهم لا يعتبرون انفسهم عصابات مسلحة ولكنهم يعتبرون ان العصابات المسلحة هي تلك السفن التي تجوب شواطئ الصومال وتصطاد بطريقة غير شرعية وترمي نفايات الغرب في اعماقها”
هل يتوقع الغرب ان يتعرض شعب للممجاعة ويقف ليتفرج على شوطئه تنتهك يوميا وتنتقل الثروة السمكية الى مطاعم روما وباريس ولندن ؟
وفي موازاة ما سبق يبدو ان هناك من هو مستفيد من تضخيم اعمال القرصنة عبر الاعلام لغايات لم تتضح اهدافها، حتى الآن اقله، حسب ما يقول جون باتش الاستاذ المساعد في المدرسة الحربية الاميركية لشؤون الاستخبارات الاستراتيجية.
باتش متقاعد من البحرية الاميركية ووجهة نظره لا تمثل موقف الحكومة الاميركية وهو يعتبر ان هناك تضخيما متعمدا لمشكلة القرصنة قبالة الشواطئ الصومالية داعيا الحكومة الاميركية الى التأني في اعتماد سياسة للتعاطي مع هذا الشأن والابتعاد عن المشاعر المتعاطفة مع الرهائن وحالات الاختطاف النابعة من مشاعر انسانية لحظة وقوع حوادث مشابهة.
ويضيف باتش في مقابلة تلفزيوينة متسائل هل ارتفع عدد حالات القرصنة ام تراجع؟ فالمعلومات التي يتم تسريبها حاليا متناقضة. فعلى سبيل المثال عندما يقترب زورق صومالي في عرض البحر وخلال الليل من احدى السفن واحيانا من دون يكون الامر عمل قرصنة فهم يعتبرون ذلك حادث قرصنة فاشل ويتم تسجيله على انه عمل قرصنة!.
ويقول الخبير باتش انه غير متأكد من ان اعمال القرصنة قد زادت او انها خرجت عن نطاق السيطرة حاليا ويضيف انه مع تواجد الاساطيل والسفن الحربية في خليج عدن وهي ترافق العديد من السفن يوميا لتعبر بأمان لذلك يجب مقارنة حوادث القرصنة بالرحلات الآمنة وعندها يمكن ملاحظة ان اعمال القرصنة ما تزال متدنية جدا.
باتش يقول انه ما لم تتخذ الولايات المتحدة والعالم مبادرات للتخلص من اعمال القرصنة فهذا سيعطي العالم انطباعا بان هناك تراخ وضعف في التعاطي مع هذه المعضلة ولكنه في الوقت نفسه يقول ان هذا الانطباع سوف يكون قصير المدى ويطالب المعنيين بتوخي الدقة والتروي قبل مقاربة شأن القراصنة بالقوة العسكرية ويقول اذا كان اتخاذ القرارات يستند الى العوطف والمزاج الشعبي المفعم بالمشاعر فانها تقود الى اتخاذ قرارات خاطئة.
ويضيف ان اقتراحات القيام بضربات عسكرية للبنى التحتية للقراصنة غير مجدية لانها سوف تتسبب بمقتل مدنيين ويتساءل ما الذي ستكون عليه ردة فعل السكان والمجتمع الدولي ازاء سقوط ابرياء؟
ويقترح باتش ان تنخرط الامم المتحدة والمجتمع الدولي في مبادرة سياسية لتعزيز سيطرة الحكومة الصومالية بالتوازي مع مشاريع انمائية وحمائية للشواطئ الصومالية ولكن يقول باتش لا يبدو ان احدا ما مستعد لتحرير شيكات في هذه الثناء.
يحكى ان الاسكندر المقدوني الذي عرف بالاسكندر الكبير القى القبض على احد القراصنة في القرن الرابع قبل الميلاد.
ولما سأله الى ما ترمي من خلال سيطرتك على البحار والمحيطات اجابه القرصان بابتسامة ما الذي ترمي اليه انت من خلال اختفاظك بالارض ولكن هل لانني اقوم بالقرصنة بسفن متواضعة وانت تسيطر على الاراضي من خلال الوية جرارة اصبح انا رجل العصابات وانت الامبراطور؟