قالت مصادر صحفية أن عدداً كبيراً من الأمراء السعوديين المؤثّرين كانوا في لندن خلال الأسبوع المنصرم، في إيحاء بأن الأمر لا يتعلّق بقمة العشرين وحدها بل باعتبارات سعودية “داخلية”. ولوحظ خلال الأيام التي تلت قرار تعيين الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس الوزراء أن تعليقات عدد من الصحف السعودية ركّزت على مزايا وزير الداخلية السعودية، وبينها “إنفتاحه” وانسجامه مع سياسات الملك عبدالله. ولوحظ، بصورة خاصة، المقال الذي نشره الأمير تركي الفيصل في “الشرق الأوسط” بعنوان “إنه عمّي نايف بن عبد العزيز” الذي ختمه بعبارة: “وأقول بملء الفم للصديق قبل العدو: “إنه الرجل المناسب في المكان المناسب”.
وتوحي هذه “الحملة” الصحفية بأن قرار تعيين الأمير نايف نائباً ثانياً يمهّد فعلاً لتعيينه ولياً للعهد، وإلا فما الغاية منها؟ خصوصاً أن صور وزير الدفاع، الأمير سلطان بن عبد العزيز، التي نشرتها “الشرق الأوسط” ولم تنشرها “الحياة” (ونعيد نشرها أدناه)، لم تضع حدّاً للتكهّنات في منطقة الخليج حول وضعه الصحي الحقيقي.
بالمقابل، لم تصدر تعليقات سعودية، رسمية أو صحفية، حول البيان الذي أصدره الأمير طلال بن عبد العزيز وطالب فيه الديوان الملكي بتوضيح أن تعيين الأمير نايف لا يعني أنه سيصبح ولياً للعهد (الدراسة التالية بقلم سيمون هندرسون تزعم أن الملك عبدالله ربما كان مؤيداً لبيان الأمير طلال!). وفي الوقت نفسه، تحدّثت مصادر ديبلوماسية وصحفية عن تململ أوساط سعودية عديدة، بما فيها الوسط الصحفي، من قرار ترقية الأمير نايف الذي تعتبره مناوئاً للإصلاحات الجارية وقريباً جداً من المؤسسة الدينية المحافظة.
وجهة النظر التالية كتبها باحث أميركي في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، أي أنها وجهة نظر أميركية وتستند إلى معلومات قد تكون متوفّرة في واشنطن. ينشرها “الشفّاف” لاطلاع قرائه. مع ملاحظة أن الغموض الذي يحيط بعملية إنتقال السلطة في السعودية قد لا يزيد عن الغموض الذي يحيط بانتقال السلطة في البلدان العربية الرئيسية (لبنان حالة خاصة)، ونذكر منها مصر وسوريا واليمن والجزائر وليبيا والسودان!
*
شقاق في الصحراء: الأمير نايف يحاول الفوز بالعرش السعودي
في 27 آذار/مارس، أصدرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية بياناً موجزاً ومفاجئاً أعلنت فيه تعيين وزير الداخلية الأمير نايف نائباً ثانياً لرئيس الوزراء. وأدى هذا التطور المثير للفضول إلى انتشار تكهنات واسعة النطاق بأن الأمير نايف المحافظ، سيصبح ولياً للعهد عند وفاة حامل المنصب الحالى — الأمير سلطان [بن عبد العزيز] الذي يعاني من مرض عضال. ومع ذلك، ففي اليوم التالي، أصدر أحد كبار الأمراء الليبراليين المعروفين، الأمير طلال، بياناً شكك فيه في هذا الأفتراض. [ومع ذلك] إذا أصبح الأمير نايف ملكاً في النهاية، فمن المرجح أن تتوقف الخطوات المترددة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية باتجاه الإصلاح، كما أن علاقات واشنطن مع الرياض – ذات الأهمية الحاسمة في مجال الطاقة، والشؤون المالية، والسياسات الإقليمية – ستكون على الأرجح أكثر اضطراباً من العلاقات مع عاهل السعودية الحالي، الملك عبد الله.
جرئ ومثير للجدل
المعروف عن الأمير نايف، الذي يسيطر على جهاز الأمن الداخلي للمملكة الشديد الضخامة، بأنه يتكلم بمنتهى الصراحة. كما أن أشهر ما اقترحه هو أن جهاز المخابرات الإسرائيلي، الموساد، كان وراء هجمات 11 أيلول/سبتمبر على الولايات المتحدة، حيث أن خمسة عشر من الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديين. وفي وقت لاحق اقترح بأنه ينبغي أخذ بصمات الأميركيين الذين يزورون السعودية مثل الزوار الذين يأتون إلى الولايات المتحدة. وفي الأسبوع الماضي، وبعد شهر من إعلان الملك عبد الله عن سلسلة من التعديلات الإصلاحية بما فيها تعيين أول سيدة تشغل منصب نائب وزير، قال الأمير نايف علناً بأنه لا يرى ضرورة لإجراء انتخابات أو وجود نساء كأعضاء في البرلمان [مجلس الشورى]. (يتكون مجلس الشورى في المملكة العربية السعودية من الرجال فقط، يعينون جميعهم من قبل الملك. وفي عام 2005، أجريت اقتراعات محدودة في بعض المجالس البلدية، [وهي الأخرى كانت] للرجال فقط).
دور النائب الثاني لرئيس الوزراء
في النظام السعودي، الملك هو أيضاً رئيس الوزراء، وخليفته المرشح ولي العهد، هو نائب رئيس الوزراء. وفي عام 1968، [أعلن] الملك فيصل عن إنشاء منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء عندما لم يكن ولي العهد في ذلك الوقت، الأمير خالد، مهتم بالحكم. وقد أعطى الملك فيصل الدور آنذاك للأمير فهد، وبذلك عينه الملك فعلياً ولياً للعهد في حالة انتظار. وعندما اغتيل الملك فيصل في عام 1975 على يد أحد أبناء أخيه، تم إشغال ثلاثة مناصب حسب الترتيب — خالد – فهد – عبد الله. وعند وفاة خالد في عام 1982، اصبحت الثلاثية القيادية فهد – عبدالله – سلطان. وقد تعطل السير في هذا النمط بعد وفاة الملك فهد في عام 2005، عندما لم يقم الملك عبد الله – وبصورة مقصودة – بترشيح الأمير نايف، وهو أكثر المرشحين للفوز باللقب، ليكون النائب الثاني لرئيس الوزراء؛ [ومنذ ذلك الحين] لم يعد هناك وجود لهذا المنصب. لقد كان السؤال الرئيسي بين المراقبين للشؤون السعودية في السنوات القليلة الماضية: “من هو الرجل الثالث؟” والآن تمت الإجابة على هذا السؤال: إنه الأمير نايف.
“هيئة البيعة” إلى أين؟
إن ما حدث في الماضي، مع ذلك، لم يعد دلالة واضحة على ما سيحدث في المستقبل. ففي عام 2006، أصدر العاهل السعودي الملك عبد الله [أمراً ملكياً] بإنشاء “هيئة البيعة” المكونة من أخوته غير الإشقاء (أبناء مؤسس المملكة الملك عبد العزيز، المعروف أيضاً باسم ابن سعود) والابناء الرئيسيين للأخوة الذين لقوا حتفهم أو كانوا عاجزين. لقد كان الدور المعلن “للهيئة” هو المساعدة في تعيين ولياً للعهد بعد وفاة الملك عبد الله واعتلاء الأمير سلطان عرش الملوكية. كما توفر “الهيئة” آلية لتعيين عاهل جديد إذا أصبح الملك عاجزاً. وينظر إلى [تشكيل] “الهيئة” بصورة غير رسمية، بأنها محاولة من جانب الملك عبد الله لقطع الطريق أمام المطالبة بالعرش من قبل ما يسمى بسلالة “فصيل آل السديري”، وهي أكبر مجموعة من الأخوة الأشقاء بين أبناء ابن سعود، والتي تشمل الأمراء سلطان ونايف وسلمان (حاكم الرياض)، وحتى وفاته، فهد بن عبد العزيز. ومن غير الواضح ما إذا كان بإمكان “الهيئة” التي لم تجتمع قط، أن توقف الطموح الظاهر للأمير نايف أو ستقوم بذلك.
تحدي طلال
في 28 آذار/مارس أرسل الأمير طلال [بياناً] الى وكالة رويترز للأنباء عن طريق الفاكس، طرح فيه الموضوع بإيجاز: “أدعو الديوان الملكي لتوضيح ماذا يعني هذا الترشيح، وأن ذلك لا يعني بأنه (الأمير نايف) سيصبح ولياً للعهد”. ولم يكن هناك حتى الآن أي توضيح وليس من المتوقع أن يأتي كهذا؛ بيد تشير هذه الخطوة إلى احتمال حدوث “دراما” ذات دسائس [سياسية]. وعلى الرغم من اعتبار الأمير طلال، والد رجل الأعمال الملياردير الأمير الوليد بن طلال، شخصاً خارجاً عن المركز، إلا أنه ينظر إليه حليفاً مقرباً للملك عبد الله الذي وافق على الأرجح على [إصدار] البيان. ويسود الإعتقاد بأن الملك تعرض لضغوط من قبل الأمراء السدارى لتعيين [الأمير نايف] لكنه يريد الآن أن يقلل من أهمية هذا التعيين.
صحة ولي العهد الأمير سلطان
إن المجهول الاكبر هو ما إذا كان الأمير سلطان، الذي يتلقى حالياً العلاج الطبي لمرض السرطان في مدينة نيويورك، هو على وشك الوفاة، كما تردد على نطاق واسع. ففي الأشهر الأخيرة، أمضى الأمراء نايف وسلمان أسابيع معه في مدينة نيويورك، ولكن قبل اسبوعين، عندما راجت توقعات لأول مرة حول تعيين نايف، أعلن الأمير نايف أن شقيقه هو بحالة “ممتازة ومطمئنة للغاية”. من الواضح أن هذا [التصريح] لم يكون صحيحاً، ومن الممكن أن يفسر ذلك [بأنه جاء] الآن كسعي من قبل الأمير نايف لمنع أي [محاولة] لإستبدال الأمير سلطان لأسباب صحية في وقت سابق لأوانه، حتى يضمن الأمير نايف حصوله على منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء. لكن الخصومة القائمة بين بعض الأمراء السعوديين والتي تكاد بالكاد أن تكون مخفية، تقابَل بتصريحات علنية بالولاء لمؤسسة الدولة السعودية. يتعين على الملك عبد الله أن لا يشعر بالخوف من حدوث انقلاب من قبل الأمير نايف عند سفره [خارج البلاد] هذا الاسبوع، أولاً لمشاركته في مؤتمر القمة العربية في قطر، ومن ثم لاجتماع مجموعة الـ 20 في بريطانيا.
التحديات التي تواجهها واشنطن
كان العديد من المسؤولين الامريكيين غير سعيدين من احتمال أن يصبح الأمير سلطان ملكاً لأنهم يعتقدون بأن سمعته المتعلقة بكسب مالي شخصي عن طريق صفقات الأسلحة [التي توَسَطها]، من شأنها أن تعرض للخطر حكم أسرة آل سعود. [أما] الأمير نايف، الذي يدير ابنه محمد في الوقت الحاضر جهود مكافحة الأرهاب في السعودية والذي نال استحسان المسؤولين الغربيين لجهوده [البناءة]، فهو يَعرض تحدياً مختلفاً. كشخصية زئبقية المزاج يفتقر الأمير نايف إلى قاعدة شعبية، ولكن رغم كونه مسلماً غير متشدداً، نجح في جذب تأييد المحافظين المتدينين.
نظراً لإدعائها زعامة العالمين الإسلامي العربي، ودورها المتوازن في سوق النفط العالمية، يشكل قيام علاقات جيدة مع الرياض مصلحة حيوية للولايات المتحدة، وقد أخذ ذلك بنظر الإعتبار من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة. ومن المتوقع أن يوضح الملك عبد الله هذا الأسبوع، دور المملكة الحاسم في الشؤون العالمية؛ أولاً، في مؤتمر القمة العربية في الدوحة، حيث من المرجح أن [يسعى إلى] إعاقة النفوذ الإيراني في سوريا وعلى الفصائل الفلسطينية، ثم في لندن في اجتماع مجموعة الـ 20، حيث سيُطلب من المملكة العربية السعودية مرة أخرى المساعدة في دعم احتياطي صندوق النقد الدولي لمساعدة البلدان التي تأثرت بشدة بالأزمة الاقتصادية العالمية.
إن [انتهاج] إدارة حذرة في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية في الوقت الذي تجري فيه “دراما الخلافة” يشكل خطوة حيوية [نحو استمرار العلاقات الحالية بين البلدين]. فعلى الجانب الأميركي، هناك مشكلة في العثور على الموظفين المناسبين. فإدارة الرئيس أوباما لم تعين بعد مبعوثها في الرياض. وقد أُفيد بأنه قد تم عرض المنصب إلى قائد القيادة المركزية السابق الجنرال انتوني زيني كجائزة ترضية لعدم حصوله على وظيفة السفير في بغداد، لكنه رفض ذلك. وفي غضون ذلك، لا يزال الدبلوماسي المبتدئ الذي عين من قبل إادارة الرئيس بوش، فورد فيكر، في المملكة. وعلى الجانب السعودي، ثمة خطر إصابة المزيد من “اللاعبين الرئيسيين” بمرض الخرف أو الإنقضاء أو ببساطة الموت. فالملك عبد الله، الذي سيبلغ الستة وثمانين هذه العام، هو محدود القدرة من الناحية البدنية. وعندما قام بزيارة شقيقه [الأمير] مساعد في مستشفى محلي في الرياض في 29 آذار/مارس، لم يستطع الملك عبد الله عدم تذكر إحتمال حدوث وفاتِهِ الشخصي. فـ مساعد، الذي ولد في نفس السنة التي ولد فيها الملك عبد الله، هو الابن الأكبر لـ ابن سعود من بين الأبناء الذين ما يزالون على قيد الحياة (ولكن تم تجاوزه ولم يتربع على عرش الملوكية). إن الاختلاف الوحيد المتعلق بحالة الأمير سلطان البالغ من العمر خمسة وثمانين عاماً هو ما إذا كان قياس الفترة المتبقية له على قيد الحياة هي بأسابيع أو بأشهر. ويقال أنه حتى الأمير نايف (البالغ من العمر ستة وسبعين عاماً) غير سليم الصحة، حيث يعاني من سرطان الدم.
كان البعض يقول أن فهم عملية الخلافة في المملكة العربية السعودية، والتي هي غامضة في كثير من الأحيان، هو أقل أهمية من معرفة من هم المرشحين. أما الآن، فليس من الواضح كيف ستكون عملية التوريث ومن هم المرشحين على الأغلب للخلافة. علاوة على ذلك، ليس من المرجح أن يكون الأمراء المرشحين للخلافة – حسب الترتيب الرسمي – قادرين على الحكم أكثر من عام أو نحو ذلك. وإذا تم إضافة الخلافات العلنية القائمة داخل بيت آل سعود، سيزيد ذلك كثيراً من فرص عدم الاستقرار في أحد المحاور الحيوية في الشرق الأوسط.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن. كما هو مؤلف أحد نشرات المعهد الأكثر مبيعاً لعام 1994 – وهي الورقة السياسية “بعد الملك فهد: الخلافة في المملكة العربية السعودية”، والتي يجري حالياً تحديثها إلى – “بعد الملك عبد الله : الخلافة في المملكة العربية السعودية”.
(الصورة: الأمير نايف بن عبد العزيز مع إبنه الأمير محمد بن نايف، ديسمبر 2008)