قابلتها هذا الإسبوع. شابة جميلة فى أوائل العشرينات من عمرها فيها الجمال المصرى الهادى، مبرمجة كومبيوتر محجبة وترتدى طبقات متعددة من الملابس لكى تخفى جمالها وأنوثتها، وفى نفس الوقت تحرص على تناسق ألوان وجمال ملابسها وتحبك تلك الملابس بشكل يبرز جمالها لأنه من الصعب أن تنسى أنها أنثى!! والدها صديق عزيز متفتح على العالم وكان من حين لآخر يشتكي لى من تزمت أولاده، وفهمهم الخطأ لتعاليم الدين.
وخرجنا إلى أحد الأسواق لأن إبنة صديقى رغبت فى شراء تليفون موبايل من ماركة معينة وموديل معين لصديقة لها فى القاهرة، ووجدت بالفعل التليفون وكان لونه بنفسجياً، فرفضت إبنة صديقى شراء اللون البنفسجى، فسألها والدها: ولم لا؟ اللون البنفسجى جميل ويناسب البنات. ففوجئ صديقى بإبنته تقول له: إن صديقتها لن تقبل تليفون ذو لون بنفسجى لأنها:”ملتزمة”. فلم يفهم صديقى فى البداية ما قالته إبنته، ففسرت له إبنته أن صديقتها “ملتزمة” دينيا ولن تقبل تليفون بنفسجى!! فلم أتمالك نفسى وسألتها ولماذا تستخدم صديقتك تليفون موبايل من أساسه لا بنفسجى و لا أسود ومنيل!! أخبرينى عن نص دينى يحرم الموبايل البنفسجى؟
وكنا نلتقى على العشاء فى ليلة عيد الأم ، وقال صديقى أن خطيب المسجد هاجم الإحتفال بعيد الأم على أساس أنه تشبه بالكفار!! وسألت إبنة صديقى هل كلمت والدتك لتهنئتها بعيد الأم؟ فقالت لى بدون إقتناع :أيوه كلمتها!! ولما أخبرتها أن عيد الأم فى 21 مارس بدأ فى مصر بعد أن دعا إليه الصحفى المصرى الكبير مصطفى أمين فى نهاية الخمسينيات. فقالت لي ولكنه فى الأساس عيد أمريكى، فقلت لها: فى أمريكا يحتفلون بعيد الأم فى الأحد الثانى من شهر مايو. فلم تبدُ أنها إهتمت بإجابتى، ثم بدأت فى الهجوم على عيد الحب، ولم يسلم من نقدها الإحتفال بالمولد النبوى الشريف وبالكريسماس مرورا بنقد الليلة الكبيرة (الإحتفال بمولد السيدة زينب ومولد سيدنا الحسين وهي من المناسبات المصرية العريقة من أيام الحكم الفاطمى).
وأخذت أناقش صديقى عما حدث لهذا الجيل وكيف أنه أكثر تطرفا من جيل آبائه بل جيل أجداده. وتذكرت صديقتى التى حكت لى وهى تبكى عن إبنها والذى قال لها: أن ربنا سوف يعاقبها بأن يصيبها بسرطان الثدى لأنها ترتدي فستانا مكشوفا وهى فى طريقها لحضور حفل زفاف!!
وأرسل لى صديق كليب فيديو من برنامج للمذيع اللامع عمرو أديب يجرى حوارا تليفزيونيا مع فتاتين مصريتين يرتديان النقاب، ولما سأل عمرو أحداهما عن سبب إرتداء النقاب رغم عدم وجود أى نص يفرض النقاب، فقالت أنها توافق على أن النقاب ليس فرضا ولكن إفرض أنه بعد مماتى إكتشفت فى الآخرة أن النقاب كان فرضا!! فلن أستطيع أن أعود إلى الحياة لإرتداء النقاب، لذلك قررت أن آخذ بالأحوط.
ولم أتمالك نفسى من الضحك عندما سمعت ذلك لأنه ذكرنى بالنكتة القديمة أيام إرتداء الطرابيش فى مصر. وكان إرتداء الطرابيش يعتبر مقدسا فى مصر فى معظم النصف الأول من القرن العشرين، وكان تقليدا لم يسلم منه حتى تلاميذ المرحلة الإبتدائية والذين كانوا يرتدون البنطلون الشورت ويضعون فوق رؤوسهم طربوشا أحمرا قانيا يبلغ إرتفاعه نصف إرتفاع قاماتهم القصيرة، وإن كان لعبد الناصر فضل واحد يذكر له فيجب أن نذكر له بالخير أنه حرر المصريين من لبس الطربوش!
ما علينا فتقول تلك النكتة: أن شخصا تاه فى الصحراء فشاهد عن بعد شخصا عاريا من أى ملابس ويرتدى طربوشا فوق رأسه فلما إقترب منه دار بينهما الحوار التالى:
– مش عيب عليك يا راجل تمشسى عريان كده؟
– الدنيا حر قوى وإحنا فى الصحراء وما فيش حد بيمر من هنا.
– طيب ولابس طربوش ليه؟
– مش يمكن حد يمر !!
…
فالواضح أيها السادة أننا أمام أناس يخترعون دينا جديدا:
يتكلمون عن إرضاع زميلة العمل لزميلها ويتناسون الكلام عن حب العمل و إتقانه.
يتكلمون عن جواز الزواج من الأطفال وزواج المتعة والمسيار ويتناسون الكلام عن مصير ملايين العوانس من البنات المتعلمات وغير المتعلمات.
يتكلمون عن أنه لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ويتجاهلون الجرائم اليومية التى تحدث فى دارفور لمسلمين من أصول أفريقية.
يحدثوننا عن صحة حديث الذبابة، ويتناسون أن النظافة من الإيمان.
يأمرون بمنع بيع الورود الحمراء فى عيد الحب حتى يستطيعوا نشر ثقافة الكراهية.
يقولون إياكم ومحدثات الأمور، لأن كل محدثة بدعة، وكل ضلالة فى النار، ويقولون هذا ويستخدمون كل محدثات الأمور التى إخترعها الكفار إبتداء من الميكروفون والذى يوصل أصواتهم الكريهة إلى شبابنا وبناتنا ونهاية بالموبايل والذين ينهون به صفقاتهم المالية.
يحدثوننا عن القائد العظيم صلاح الدين الأيوبى ويتناسون أنه كان كرديا لكى يتعاموا عن قتل عشرات الأفراد من الأكراد فى الأسبوع الماضى والذين كانوا يشاركون فى مأتم.
يكلموننا عن نبذ الدين للعنف ويتناسون إستنكار (مجرد إستنكار) الجريمة الإرهابية التى حدثت فى باكستان يوم الجمعة الماضى عندما فجر نفسه إرهابى نفسه فى صحن المسجد أثناء صلاة الجمعة فقتل العشرات.
إذا كان هذا يسمى دينا، فماذا يكون الكفر!!
samybehiri@aol.com
كاتب مصري- الولايات المتحدة
إيلاف
أيها السادة: إنهم يخترعون دينا جديدا!!
مقال رائع بخفته وعمقه في آن. تثير اعجابي صراحتك وجرأتك.
كل التوفيق والمحبة..