في يوم الجمعة بتاريخ ٢٠\٣\٢٠٠٩ وفي جريدة “الإندپندنت” البريطانية مقالتان عن جرائم الجيش الإسرائيلي فى غزة.
عنوان المقال على الصفحة الرئيسية وبالخط العريض “الأسرار الإسرائيلية القذرة في غزة”، تحت العنوان مباشرة وكذلك بخط عريض “متمرسون في الجيش يكشفون كيف اطلقوا النار على عائلات فلسطينية بريئة وكيف دمروا منازلهم ومزارعهم” وبجانب المقالة صور كبيرة لجندي إسرائيلي مصوبا بندقيته .
المقالة تكشف للعالم القارئ عن جرائم إسرائيل وتروي تفاصيل المقابلات مع جنود أسرائيليين تكلموا وبحرية عن الممارسات التي امروا أن يقوموا بها ضد عزل ابرياء.
في المقالة وصف لجنود قتلوا نساء واطفالاً تحت اوامر عسكرية مباشرة، وقناصة صوبوا بنادقهم الى الأطفال عمدا وشدوا على الزناد.
عن جنود امهلوا العجز وكبار السن خمسة دقائق فقط لإخلاء المنزل او الحي ثم قصفوا بلا رحمة.
لست من المؤمنين بنظريات المؤامرة ولم اكن كذلكيوما. كنت اسمع كثيرا عن هذا الغرب المنحاز العنصري الذي يريد افناء كل ما هو فلسطيني او اسلامي او عربي الخ.
لكن هذه المقالة تظهر لي حقيقة هامة الا وهي ان العالم في مجمعه محكمة، والعدالة فيها ليست عمياء- فالعدالة لم تكن يوما عمياء في اي محكمة من المحاكم وفي الأثر عن الرسول انه عبر ان خشيته ان يحكم لصالح شخص ما لمجرد انه احسن عرض مسألته وان كان هو المخطئ.
ان العدالة في هذا العالم ليست عمياء البتة، والعدالة غالبا ما لا تتأتى لطالب حق لا يسعى الي حقه. جميل ان يعاد الحق الى صاحبه لمجرد العدالة البحتة ولنصرة المظلوم لخدمة هدف العدالة الأسمى، لكن الواقع شئ و الفضيلة البحتة شئ آخر.
العالم الغربي ليس منحازا في نظري حبا في إسرائيل حبا أعمى، انما لأن الدولة العبرية لعبت اوراقها ولا تزال تلعبها بمهارة وحنكة بينما نحن نتلعثم في كل خطوة.
ان المثل الشعبي يقول ’لا يضيع حق وراءه مطالب’. لعل من الأفضل ان تضاف كلمة عاقل او واع لتلك العبارة لأن المطالبة وحدها لا تكفي.
لأعود الى صلب الموضوع، لقد عشت حرب غزه هنا في بريطانيا وشاهدت ممثلين عن إسرائيل يتحدثون عن المأساء بإنسانية كبيرة ويتحدثون عن الخطوات “العملانية” التي تتخذها اسرائيل للحد من الخسائر البشرية المدنية. هناك خطوات مدروسة ومعدة سلفا لتعبئة الرأي العام الدولي مدعومة بحركة دبلوماسية كبيرة. شاهدت كذلك ممثلين او مسؤولين عرباً يحاولون نصرة الفلسطينيين انما بكثير من العاطفة قليلة الفاعلية. هذه الحرب لا تدار بالمشاعر ولا بالعواطف، هذه الحرب تدار بالفكر والسياسة. ان اكبر الإنتصارات الممكنة انتصارات سياسية و لسياسة تحتاج الى الصبر و الحنكة والعمل الموجه، وهو أكثر ما نحتاجه.
بعد خروج هذا الإسرار الى العلن قامت اسرائيل بحملة مضادة سياسية و إعلامية مفادها التحقيق في هذه الإدعاءآت لعقاب من يستحق العقاب ولتخليص الجيش الإسرائيلي من هذه العينات الفاسدة للحفاظ على المبادئ العليا للجيش الذي يحترم معاهدات جنيف وغيرها.
اسرائيل فيها ديمقراطية وفيها عدالة داخلية، ومن مواطنيها من يقف معارضا لتدخلاتها وتعاملها مع الفسطينيين عارضوا الحرب على غزة في ذروتها. هؤلاء الناس يحيون في اسرائيل ويعيشون فيها مكفول لهم فيها حرية التعبيير، مكفول لهم فيها حق العمل السياسي في سبيل معتقداتهم، هؤلاء الناس لم يعتقلوا بسبب إضعاف الشعور القومي او إهانة السلطة او النقص من هيبة النظام الى آخر تلك المعزوفة.
لكي ينتصر اصحاب الحق في هذه القضية يجب ان يفهموا اللعبة العالمية السياسية وتدار القضية على اساس ذلك.
سبب كتابة هذه المقالة لمن يسأل عدة نقاط:
الأولى: اسرائيل تقوم بمراجعة داخلية بسبب قوى المعارضة للحرب مع الفلسطينيين وبسبب الضغط الذي تمارسه الهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان سواء كانت محلية او عالمية .
متى نقوم نحن بمراجعتنا الداخلية الخاصة بنا؟ متى نراجع أسلوب تعاملنا مع الشعوب العربية، افرادا و جماعات، معارضة كانت او موالية؟
الثانية: متى نفهم ان المعارضة ليس هدفها اضعاف النظام او الإخلال بالإمن العام او الإنتقاص من هيبة الدولة بل الإعلاء من شأن الدولة و تقويتها داخليا ضد المخاطر الخارجية؟ متى نفهم ان المعارضة لا تتوقف في حرب او سلم لأنها تكشف مكامن الضعف في الدولة والخلل لتعمل الزمرة الحاكمة على سد الفجوة والثغرات. المعارضة والسلطة كلمتان مكملتان لبعضهما البعض وان كان الظاهر يبدو غير ذالك سياسيا.
ثالثا: ليتنا نضرب الحديد وهو ساخن ونقوم بعمل دبلوماسى حق تستخدم فيه هذه الإعترافات ضد الدولة الإسرائيلية، عمل تندمج فيه الخبرات العربية من قانون دولي ودبلوماسية وعلاقات عامة وإعلام في نصرة الفلسطينيين .
ان العدو داخليا أشد تحصينا من جميع دولنا العربية لذا فهذه الإعترافات تنشرها جرائد اسرائيل دون ان يكون هناك ردع تعسفي من قبل السلطة، دون ان يتهم الناشرون بالخيانة، إضعاف الشعور القومي او غير ذلك.
هذه الإعترافات في صالحنا ، ليتنا نستعملها مرة واحدة كما يليق بقضية خذلناها منذ ٦٠ عاما.
doctor.nassar@googlemail.com
* كاتب لبناني