وجدي ضاهر- الشفاف – خاص
كان واضحا استياء النائب سمير فرنجية من طريقة إدارة قوى الرابع عشر من آذار للمعركة الانتخابية ، خصوصا في قضاء زغرتا، حيث دائرته الانتخابية، وهو لم يخف هذا الاستياء، واعلن في حديث صحفي ان هذه الادارة هي عشائرية وتختصر المنافسة الانتخابية بين عشائر بعيدا عن الاهداف السياسية لحملة قوى الرابع عشر من آذار للانتخابات المقبلة.
مبعث استياء النائب فرنجية ، طريقة تصرف حلفائه المفترضين في زغرتا المرشح ميشال معوض وزميله النائب جواد بولس، حيث استبق معوض اي اتفاق على تشكيل لوائح موحدة ومتفق عليها من قبل قوى الرابع عشر من آذار واعلن لائحة تضمه الى النائب جواد بولس ويوسف الدويهي من دون التشاور مع النائب سمير فرنجيه اولا، وقوى الرابع عشر من آذار ثانيا. ولم يتوان معوض عن القول ان النائب سمير فرنجيه ضرورة وقيمة وطنية ولكن الضرورات الانتخابية حالت دون ان يتشاور معه على تشكيل اللائحة!
النائب فرنجيه بما هو معروف عنه، ومن سيرته السياسية يسعى منذ عقود الى إخراج قضاء زغرتا والمدينة، من سياق التجاذبات العشائرية وإحلال السياسة بدلا منها. وفي يقينه ان زغرتا دفعت الكثير من خيرة ابنائها ومن جميع العائلات على حد سواء في هذا الصراع المستمر منذ عقود الذي أخذ اشكال الصراع الدموي احيانا، وأدى في حالات محددة الى حصر العائلات في كانتوناتها الضيقة داخل مدينة صغيرة وحالت النزاعات العشائرية دون انتقال اي فرد من اي عائلة الى حي من احياء العائلات الاخرى. هذا، فضلا عن احداث مزيارة وصولا الى الاستتباع الذي اصاب زغرتا للهيمنة السورية، هذا الاستتباع الذي اشرف عليه عمه الرئيس الراحل سليمان فرنجيه ومن بعده نجله روبير ومن ثم الوزير والنائب السابق سليمان فرنجيه الذي لم يترك مناسبة إلا وأشاد متباهيا بعلاقته الشخصية بآل الاسد في سوريا ، وهي علاقة ورثها عن جده الرئيس السابق سليمان فرنجيه وقطعها عمه روبير عندما اصبح في عداد المؤيدين للعماد عون، ما اقتضى إزاحته عن قيادة تيار المرده في ما يشبه انقلاب، قاده الوزير والنائب السابق سليمان فرنجيه، بدعم كامل وتوجيه من سوريا، وعقد لواء زعامة آل فرنجية في زغرتا وعموم الشمال له. فكان وزير الثوابت في جميع حكومات الوصاية السورية وزيرا معارضا من داخل الحكومة واقام جمهورية عصية على القرارات الحكومية في اي وزارة شغلها، يصول فيها محاسيبه والازلام، ولم يقو عليه حتى رئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري، يوم كان “وزير خارجية سوريا”، فكان فرنجية رئيس جمهورية الظل، ورئيس حكومة الظل من خلال تبعيته لسوريا وتنفيذه لسياستها من دون نقاش وعن قناعة تامة.
هذه التبعيه لم يكن آل معوض ببعيدين عنها وان حاولوا تمييز تبعيتهم عن تبعية آل فرنجية لان الآخرين شكلوا مليشيا ونفوذا طال اقضية الشمال المسيحي، واستفاد فرنجية من الهيمنة السورية واصبح زعيم كتلة نيابية كان آل معوض في عدادها.
وعلى الرغم من اغتيال الرئيس رينه معوض، فقد حافظت ارملته النائب نائله معوض على مكانة العائلة السياسية الى حين ان يشتد عود نجلها ميشال، ليكمل من بعدها. ومن دون إغفال لدور عائلة معوض والخدمات التي كان الرئيس الراحل يقدمها لافراد العائلة، وشد عصبهم حول زعامته، وما قامت به النائب معوض من بعده، من توسيع إطار خدمات العائلة الى الاقضية الشمالية الاخرى، حين كانت الانتخابات تجري على اساس المحافظات لا الاقضية، فإنه كان صعبا على معوض ان تنجح في انتخابات عهود الوصاية السورية وان تتولى مناصب وزارية، في معزل عن ارادة سلطة الهيمنة. والكل في لبنان وخارجه يعرف ان سلطات الوصاية، كانت تتدخل لتعيين حجاب المدارس وعناصر الشرطة وتبديل احكام القضاء، فكيف الامر بمقعد نيابي او وزاري!
كما ان آل معوض شكلوا ضرورة سورية في مرحلة ما للتعمية على تفاصيل اغتيال الرئيس معوض من جهة، وللحفاظ على التوازن العشائري داخل زغرتا من جهة ثانية، وهي لعبة اتقنها السوريون في لبنان، على قاعدة كل شيء ضده من جنسه. فبعد ان خيب ظنهم الرئيس السابق سليمان فرنجيه في مؤتمر مسيحي، ايام الرئيس السابق امين الجميل، حيث سأل الرئيس السابق الرئيس الجميل باستغراب عن السبب الذي دفعه الى الغاء اتفاق السابع عشر من ايار مع اسرائيل من دون ان يقبض اي ثمن من سوريا، لحساب المسيحيين او لحساب لبنان، وكان ان ابلغ الجميل القيادة السورية بسؤال فرنجيه. وكانت الحصيلة اشتباكات في قضاء الكورة بين الحزب السوري القومي من جهة، وعناصر ميليشيا المردة من جهة ثانية، عمد خلالها الحزب القومي الى قصف جوار اهدن، المقر الصيفي لابناء زغرتا عموما بالمدفعية تحت اعين الجيش السوري المنتشر في القضاء. ولم تنته الا باعادة الرئيس فرنجية الى بيت الطاعة السوري وتدخل الجيش السوري لاحقا لوقف الاشتباكات وحفظ مصالح آل فرنجية في الكورة. وبعد ان تحول روبير فرنجيه الى العونية بدايات تولي العماد عون رئاسة الحكومةالانتقالية، فكان وجود آل معوض ضرورة سورية للحفاظ على التوازنات داخل زغرتا، خصوصا ان الوزير والنائب السابق سليمان فرنجيه كان لا يزال طري العود، يوم انقلب على عمه. ولم تكن سوريا لتغامر بإخلاء الساحة لشاب لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر. هنا لم يكن آل معوض بعيدين عن سلطات الوصاية ما أمن للنائب والوزيرة معوض مقعدها النيابي طوال عهود الهيمنة.
ولكن هذا الود بين الحليفين اللدودين بسلطة الوصاية السورية، آل فرنجية ومعوض لم يكن ليدوم طويلا. فمع انتخاب الرئيس رينيه معوض رئيسا للجمهورية يوم كان الرئيس السابق سليمان فرنجيه مرشحا، كان آل فرنجية منشغلين في خلافاتهم وتصفية التركة بين روبير وابن شقيقه سليمان وحيرة الجد بين الابن والحفيد ساد الاستياء العارم عائلة فرنجيه، لان احدا من ابناء معوض اصبح رئيسا للجمهورية، وهذا ما كان سيحد من نفوذهم داخل زغرتا وخارجها. خصوصا ان الرئيس السابق رينه معوض كان دمث الاخلاق وصلبا في مواقفه يهادن ولا يتراجع، وهو من مدرسة وطنية يحن اليها اللبنانيون، مدرسة الرئيس الراحل فؤاد شهاب (الشهابية)، وكان لديه برنامج حكم وطني لا يستبعد احدا حتى العماد عون الذي كان يحتل قصر الرئاسة حينها.
الود لم يعمر بين الحليفين الخصمين وكان ان رشح الوزير فرنجيه على لائحته احد ابناء عائلة معوض النائب السابق الدكتور قيصر معوض، وفاز معه على لائحته، كما فازت النائب نائله معوض، في ما اعتبره آل معوض اول إخلال بالتركيبة العشائرية للبلدة. فلطالما تم احترام هذا الاتفاق غير المكتوب بين العائلات، ولكن وصول النائب السابق الدكتور قيصر معوض الى المجلس النيابي كان الاسفين الاول في هذا الاتفاق الذي تكرس فراقا انتخابيا في الدورتين الاخيرتين والحالية.
النائب سمير فرنجية لم يكن متفرجا على ما يدور في البلدة فهو كان في صلب الاحداث السياسية، ولكن من منظور وطني عام. فهو كان في صلب الحركة الوطنية اللبنانية التي اسسها الشهيد كمال جنبلاط، وهو مؤسس ومطلق العديد من الحركات الثقافية والسياسية الوطنية الجامعة، واحد ابرز دعاة تشكيل كتلة تاريخية تصون البلاد وتعلي الشأن الوطني على المصالح الحزبية والمناطقية الضيقة. وهو اول الداعين للحوار الذي يخترق الطوائف ، واسس المؤتمر الدائم للحوار اللبناني، وسعى ويسعى من خلال نشاطه السياسي الى إحداث خرق في البنى العشائرية في زغرتا، بعيدا عن المنافسة التقليدية بين آل معوض وفرنجية والدويهي والاستقطابات التي تنشأ عن هذه النزاعات للعائلات الصغرى الاخرى، التي تسمي في زغرتا بعائلات اللفيف. ونجح النائب فرنجيه حينا وأخفق احيانا اخرى بسبب الضغوط التي كانت تمارسها سلطات الوصاية السورية،واتباعها، التي كانت تناصب النائب فرنجيه العداء علنا وتلاحق انصاره وتفجر سياراتهم وتهددهم بالقتل. كما ان بيت عمه الرئيس فرنجيه وجدوا فيه منازعا على زعامتهم، فلم يدخروا جهدا هم بدورهم في محاربته. ومع ذلك استطاع النائب فرنجية ان يشكل حالة سياسية لبنانية وشمالية من خلال مطبوعات ودوريات نشرها ومن خلال المؤتمر الدائم للحوار اللبناني. وكان تركيزه ينصب دائما على ربط اكبر شريحة من اللبنانيين عموما والشماليين خصوصا في نشاط سياسي وطني، يقف في وجه سلطة الوصاية السورية اولا، نحو استعادة السيادة اللبنانية. ويشهد للنائب فرنجيه انه لم يلتق اي مسؤول سوري من اي رتبة كان طوال عقود من هيمنة سوريا على لبنان، كما انه احد ابرز المساهمين والناشطين في اعداد اتفاق الطائف، واحد ابرز الذين عملوا على ترجمة نداء المطارنة الموارنة عام 2000، والذي يشار اليه على انه مطلق شرارة ثورة الارز، من خلال لقاء قرنة شهوان الذي اعاد للمسيحيين دورهم الوطني الجامع فضلا عن دوره التحضيري والمواكب والمتابع لثورة الارز.
كان طبيعيا ان يترشح النائب فرنجيه للانتخابات السابقة ولم يكن مستغربا ان يفوز في هذه الانتخابات ولكن ما كان شكل صدمة له هو الارقام التي حاز عليها في دائرته حيث عمل حلفاؤه وفي مقدمهم النائب نائله معوض على تشطيب اسمه وإظهاره بمظهر فاقد الشرعية الشعبية في دائرته، وتاليا استتباع عائلة فرنجية لعائلة معوض. وهذا ما اعطى منافسه النائب والوزير السابق سليمان فرنجيه صدقية لدى ابناء العائلة، الذين يرفضون الاستتباع ، بعد ان كانت لهم اليد الطولى في الهيمنة على الشمال المسيحي وزغرتا. كما ان النائب سمير فرنجيه رفض الانسياق مع النائب نائله معوض ونجلها ميشال في ممارسة الكيدية السياسية بحق معارضيهم من موظفي القطاع العام في الشمال، وحيث طالت ايديهم. كما انه رفض الانجرار وراء توظيف الازلام والمحاسيب على اختلافهم. وهذا ما يؤخذ على آدائه كنائب، إلا أنه لا يخجل من التصريح علنا جهارا ان النائب ليس معقب معاملات وليس مكتب توظيف فضلا عن ان الظروف التي مرت وتمر بها البلاد خلال السنوات السابقة لم تكن حتى اقرب الى الطبيعية منها الى ظروف مأساوية لم تسمح لا لفرنجيه ولا لسواه من النواب بممارسة دورهم التشريعي.
وفي يقين النائب فرنجيه ان الانتخابات المقبلة يجب ان تشكل حلقة تستكمل فيها ثورة الارز مسيرتها لا مناسبة لتكريس غلبة آل معوض على آل فرنجية. وبالتالي امام الهم الوطني العام المتمثل باستعادة الدولة اولا، وحل المشاكل الاخرى التي تعترض سبل قيامها، فإن حصر الهم الانتخابي في زغرتا بمن يكون زعيما على البلدة والثأر من سيطرة فرنجيه التاريخية خصوصا على ابواب قيام المحكمة الدولية وما يحكى من غير تأكيد عن ان الوزير السابق سليمان فرنجيه قد يمثل امام المحكمة اقله لسماع شهادته كوزير للداخلية يوم اغتيل الرئيس الحريري، فهذا الامر في يقين النائب سمير فرنجيه يجب ان لا يشكل مناسبة الغائية تستغل من قبل ميشال معوض. وان زعيم زغرتا سواء كان سليمان فرنجيه ام ميشال معوض هو تفصيل صغير لا يرتقي الى مستوى الهم الوطني..