في كل أبجديات الفكر السياسي المعاصر، لم تكن البلاد التي تعاني من أنظمة استثنائية، ذات مشهد سياسي واضح المعالم، فكل شيء له وجه سري، رغم وضوحه وبريقه، وهذه الأبجديات بالمطلق لا ترفض السياسة التي تحاول الوصول إلى غاياتها عبر الحوار مع أنظمة ذا حضور شمولي. ولكن الخلاف دوما يكون على النسبي من الأمور، ومن حق أي فصيل معارض أن يتخذ تكتيكا تبعا لرؤاه البرنامجية والسياسية مفاده” تعليق معارضته لنظام استثنائي” مناسبة هذه المقدمة السريعة هو ما يدور الآن داخل جبهة الخلاص الوطني المعارضة في سورية. وبعد أن اتخذ الإخوان المسلمون سياسة جديدة سميت” تعليق نشاطهم المعارض ضد السلطة في دمشق” وما تبع هذا الموقف من حوارات ونقاشات، الملفت في الموضوع هو إصرار الإخوان المسلمين على اعتبار أنفسهم حتى اللحظة جزء أصيلا في جبهة الخلاص، وتجمع إعلان دمشق.
كنت في مقالة سابقة قد نقدت هذا الموقف من خلال الطريقة التي تم فيها تسويق هذا الخطاب بخطاب آخر، لا يقل عن هذا التعليق للنشاط ضبابية، وتمويها. ولكن الآن بعد النقاشات والحوارات كما ذكرنا، نجد أن الإخوان المسلمين الآن. قفزوا في الفراغ مرة أخرى عندما أعلن المراقب العام للجماعة في مقابلته الأخيرة مع قدس برس” أن موقف الإخوان منسجم مع موقف جماهير الأمة “ويصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية (..) وفي مصلحة وطننا وشعبنا وجماعتنا، ومصلحة المعارضة السورية أجمع” وبالتالي هم كانوا في صف الأمة الإسلامية، وبالتالي أي موقف مخالف لهم هو موقف يخدم أعداء الأمة الإسلامية!
قبل أن نمضي في التواصل مع الأصدقاء في الجماعة، لا بد أن نقف وقفة سريعة مع أحوال المعارضة السورية في هذه اللحظة بالذات، جبهة الخلاص لازالت تعاني من غياب فعل مؤسساتي سواء على المستوى القيادي، أم على المستوى القاعدي. الحزبية الضيقة و الشخصانية لا زالت تحكم عمل الجبهة في بعض الأحيان. والنقطة الإيجابية ربما أنها تعمل أو تحاول إنجاز عمل معارض ما. أما إعلان دمشق وبعد خبر قرب إطلاق محطته الفضائية الكرامة، والتي نتمنى لها النجاح والتوفيق، وشكر كل الجهود التي بذلت وستبذل من أجل أن يرى هذا العمل النور. الإعلان في حالة من الجمود، ومن التشتت الخطابي. وهذا كله مفسر ولكنه غير مبرر أبدا، دون أن نتحدث عما يسببه القمع والتضييق المرعب على الحريات من قبل الأجهزة الأمنية، من تعثر لأي عمل معارض أو حتى دفعه باتجاه الفشل وعدم القدرة على التواصل بين نخب الفعل المعارض والشعب في سورية. بعد ذلك لابد من القول أن الإخوان المسلمين هم جماعة أصيلة في المعارضة وستبقى، ولا أحد يستطيع منحها هذه الشرعية أو عدم منحها. ولكن من حقنا عليها، ومن واجبنا أيضا أن نرى أن الإخوان المسلمين وقعوا في مطب الخطاب الشمولي، وهو أنهم في مواقفهم هذه إنما يعبرون عن روح الأمة، كما يتحدثوا دوما. وهذا لا يتناسب أبدا مع متطلبات العمل المعارض. لنلاحظ أيضا أن النظام في دمشق يعتبر أن مواقفه تعبير عن روح الأمة، وكثير أيضا من بقايا المعارضة الشمولية أو ذات الأيديولوجيات الشمولية. إن روح الأمة ومواقف الأمة هي تعبير عن مصالح متعددة الأهداف والوسائل، كذلك حال المعارضة في أية أمة كانت.
أين كانت روح الأمة عندما وصل الجنود الإسرائيليين إلى غرفة نوم الراحل ياسر عرفات في رام الله، واجتاحوا كل مدن الضفة والقطاع، ألم تكن القضية الفلسطينية حينها تمثل القضية المركزية بالنسبة لإخوان سورية؟ تعليق الفعل المعارض هو مصلحة سياسية حزبية بالدرجة الأولى، والمحرك الأساسي للخطاب السياسي. وهذا يقتضي أن نرى أو أن يرى معنا الأصدقاء في الجماعة نسبية المواقف والتكتيكات السياسية، تماما كما هو مطلوب من كافة فصائل المعارضة، وعندما نرى نسبية مواقفنا نستطيع أن نعبر عن مصالحنا وحقيقة مواقفنا دون خجل أو إحراج من تبعات شمولية، وخطابات ذات بعد تقديسي ديني!
وبالتالي ليس مطلوب من الإخوان تبرير موقفهم بتخوين مباشر أو غير مباشر لكل من خالفهم الرأي، ولم ينظر لعيني طفلة في غزة. هذا تراجع خطير في خطاب الإخوان السوريين. فمواقف إعلان دمشق وجبهة الخلاص من العدوان الهمجي على غزة كانت أكثر من واضحة، ولا تحتمل المزايدة اللفظية أبدا لأنها مواقف ذات لغة نسبية ولا تدعي أنها تمثل روح الأمة. نسبية عندما تدخل إلى تفاصيل الحدث وتتحدث عن فساد في السلطة الفلسطينية، وتخطأ موقف حماس في رؤيتها لطبيعة الصراع في المنطقة. يجب ألا يكون أحدا وفق منظارنا النسبي فوق النقد، مهما كان موقعه. السلطة فاسدة وحماس استولت على سلطة دنيوية بقوة السلاح وقتلت من قتلت من الفلسطينيين. إسرائيل لاشيء جديد عندها. مشروع يعتمد اللاسلام لغة، والعسكرة صورة لمجتمع بات الآن متعصبا أكثر من أي وقت مضى ونتائج الانتخابات الإسرائيلية توضح هذا الأمر، وقد كتبنا كما كتب غيرنا الكثير عن هذا المشروع الإسرائيلي. مجتمع يميني بامتياز والبقية معروفة. والأمر الأكثر استغرابا هو أن الجميع يتحدث في الغرب والشرق من أن إستراتيجية إسرائيلية واضحة هي من لعبت وتلعب دورا في فك عزلة النظام في دمشق، ومن زاوية مصالحه له الحق كنظام يريد مصلحته القيام بما تمليه عليه هذه المصلحة. والفارق بينه وبين المعارضة أمر بسيط هو أنه يتعامل مع الحدث بسياسة ونسبية. لسنا هنا بوارد المدح والذم، بل نحن بوارد محاولة ما نراه يشكل قراءة متواضعة لسياسة السلطة في دمشق، فاتحة باب التفاوض مع إسرائيل عبر تركيا، وليست بعيدة عما يمكننا تسميته مقاومة إطلاق الصواريخ عبر حماس وتوريد السلاح للمخيمات ولحزب الله في لبنان. هذه اللوحة واضحة للمعارضة ولكن عندما تتخذ المواقف تتخذ بناء على رؤى ومواقف فكرية وسياسية تتخللها مصالح سياسية وحزبية وأحيانا شخصية. بناء عليه ليس خطأ أن يتراجع الإخوان المسلمين عن موقفهم أو يستمروا به، ولكن دون أن يؤسسوا هذا الموقف على اتهام بقية فصائل المعارضة على أنها لم تأخذ مصالح الأمة وروحها بعين الاعتبار.
فليسمحوا لنا. فلا أخوان مصر ولا إخوان الأردن ولا إيران هي من تحدد مصالح الأمة. مع ذلك لم نجد أن أبواب المعارضة مغلقة أمام الإخوان المسلمين، وهذا أيضا نجده في موقف جبهة الخلاص وإعلان دمشق. ليس من باب التخرصات إن قلنا أن المضي في خطاب روح الأمة، ومصالح الأمة لتبرير الانتقال من معسكر إلى آخر، ربما يفضي في نهاية المطاف إلى أن المعارضة تقف في المعسكر المقابل لمعسكر الإخوان السوريين. وهذا لا يريده أحد في المعارضة السورية، وإن كان هنالك من يرغب بذلك اعتمادا على رؤيته لمتطلبات العلاقة مع المجتمع الغربي، لأنها رؤية قاصرة على فهم آحادي ومستعجل للسياسة الغربية حيال سورية، التي لم تقدم رؤية واضحة حتى اللحظة من رؤيتها لطبيعة الواقع السياسي في سورية، وكيفية عودة الشعب السوري، ليمارس حياته كبقية شعوب الأرض، ولازالت تتعاطى مع الهم السوري، بشكل عام انطلاقا من الرؤية الإسرائيلية. وهذا ما نلاحظه من خلال كثرة المسؤولين الغربيين الذي يتقاطرون على دمشق من أجل تحريك مسار التفاوض السوري- الإسرائيلي، ودون أي أفق إسرائيلي واضح.
الحوار مع النظام لا يؤسس على اتهام المعارضةمنذ فتره قرأت مقالة للسيد غسان المفلح يبرر فيها بشكل أو باَخر تعاونه مع السيد خدام في البث التلفزيوني (الخدّامي) زنوبيا ويتمنى على قوى معارضه أخرى مشاركته ذلك، طبعاًَ من الممكن لي أنا الموجود بالمهجر أن أفسر ذلك “ولو مستغرباًَ ” من منطلق حاجه المعارضه للمِّ الشمل وتوحيد الكلمه لتحقيق أهدافها. السؤال الاَن اللذي يطرح نفسه، على أي أهداف؟ لقد رأيت مقاطع من مقابلات أجراها السيد غسان المفلح مع خدام، خدام وما أدراك ما خدام! الشخص لم يتغير ولم يغير موقفاًَ من مواقفه السابقه وخاصة تلك التي تتعلق بتوزيع شهادات حسن سلوك أو… قراءة المزيد ..
الحوار مع النظام لا يؤسس على اتهام المعارضةالإخوان المسلمين ساهموا وما زالوا في استقرار الإستبداد، والتسهيل على القمع في سوريا، ذلك بشكل مقصود أو غير مقصود، على مقولة (إن كان يعلم فهي مصيبة وإن كان لا يعلم فالمصيبة أعظم). مجرد وجود حزب أو تنظيم تحت راية دينية فئويه يؤدي بشكل حتمي إلى العداء والقطيعه مع المكونات الأخرى في الوطن السوري، هذا دون الخوض بخصائص الدين الإسلامي الإستبدادي، الدموي، والإقصائي. أمّا الذريعه التي يروِّجها الإخوان بإحتكار تمثيل السنه وبالتالي تمثيل الأغلبيه،فإنها ترتد عليهم أولاًَ وثانياًَ على القوى المناديه بإقامة وطن ديمقراطي مؤسساتي حرّ أساسه حقّ المواطنه، يتمتع فيه الأفراد بنفس الحقوق… قراءة المزيد ..