المفكر الإيراني البارز يتحدث عن تنازع القوى وقلق خامنئي من الاصلاحيين.. و«الحلقة الضيقة» حول المرشد الأعلى التي تتخذ القرارات
منال لطفي
قبل عامين قال المفكر الإيراني البارز حجة الإسلام محسن كديور لـ«الشرق الأوسط» إن الولي الفقيه المقبل لإيران لن يكون من قم.. بل من طهران. ومن يتابع التطورات في إيران اليوم يلحظ أن موزاين القوى تتحول من قم الى طهران بسرعة كبيرة. فكل موارد القوى (اقتصاد-سياسة- أمن) باتت في طهران، فيما فقدت قم ورجال الدين فيها الكثير من نفوذهم التقليدي. البعض يرى هذا تطورا سلبيا، والبعض يراه تطورا ايجابيا. والبعض الآخر لا يعرف بالضبط تأثير هذه التحولات على مستقبل إيران، ومن هؤلاء محسن كديور، الذي يقول في حوار جديد أجرته معه «الشرق الأوسط» أخيرا إن إيران لديها اليوم بازار جديد، غير البازار التقليدي في طهران، لكن هذا البازار لا يعلم أحد عنه الكثير، وهو عبارة عن رجال أعمال يملكون المال لكنهم لا يملكون العقل وهذا ما يجعلهم خطرين، بحسب قوله. كما يتحدث عن ثلاثة قوى من المحافظين تحكم إيران اليوم، هم المحافظون الجدد، ممثلون في تيار علي لاريجاني رئيس البرلمان ومحمد قليباف عمدة طهران. والمحافظون التقليديون ويمثلهم البازار. والمحافظون الراديكاليون ويمثلهم الحرس الثوري. ويتذكر كديور انه قبل نحو 30 عاما عندما كان آية الله الخميني في باريس، جاءت صحافية من صحيفة «الفيجارو» الفرنسية تسأله: «ما الذي تعنيه بالجمهورية الاسلامية وما هي طبيعة هذه الجمهورية في إيران.. فقد سمعنا عن جمهوريات إسلامية في ليبيا وباكستان وموريتانيا لكن أيا منهم ليست جمهورية ديمقراطية»؟ فرد عليها آية الله الخميني: «الجمهورية الإيرانية تماما مثل أي جمهورية أخرى». فسألته الصحافية: «أرجوك.. هل يمكن أن توضح أكثر»؟ فرد عليها الخميني: «دولة جمهورية مثل الجمهورية الفرنسية». ويتابع كديور: «كان هذا الحوار منذ 30 عاما، فقد كان في عام 1979.. وصدقنا ما قاله الخميني». وهنا نص الحوار:
* هل هناك تنازع بين القوى التي تحكم إيران اليوم؟ ـ نعم.. لكن تدريجيا ومع الزمن بات حيز السلطة يضيق أكثر فأكثر. بات مقصورا على المرشد الأعلى والمؤمنين بولاية الفقيه، وبالتالي صار هناك عرف وليس قانونا مكتوبا وهو أنه إذا أراد شخص أن يعمل في السياسة فعليه أن يؤمن بولاية الفقيه، إذا لم تكن مؤمنا، لا يمكنك المشاركة لا في البرلمان ولا في الرئاسة ولا في المجالس المحلية أو كحاكم لأي منطقة. هذا يعني أن السياسة في إيران مشروطة، وهذا الشرط هو الايمان بالولي الفقيه. تدريجيا المواطنون الايرانيون ابتعدوا عن السياسة. أعتقد أن تنازع القوى الآن انتقل من حيز السياسة إلى حيز الاقتصاد وحيز الاجتماع وحيز الثقافة وهذا سيكون له تأثير كبير على مستقبل إيران. فاليوم الشباب الإيراني يعيشون حياتهم بطريقة مختلفة تماما عن السيناريو الذي تتصوره الحكومة، فهم لا يؤمنون بأيدولوجيتهم، ولا أفكارهم، يؤمنون فقط بما يعتقدونه، وهذا مختلف جدا عما ينقل في التلفزيون أو يقوله المرشد الأعلى.
* ما هو برأيك مستقبل الاصلاحيين في إيران وحظوظهم في انتخابات الرئاسة في يونيو المقبل؟ ـ وضع الاصلاحيين في انتخابات الرئاسة سيكون أفضل في اعتقادي من وضعهم في انتخابات البرلمان العام الماضي، لانه في البرلمان يمكن تصفية العديد من الاصلاحيين، لكن في الرئاسة، الوضع مختلف، فأسماء الاصلاحيين معروفة جدا ولا يمكن استبعادهم بسهولة. أحدهم هو مهدي كروبي الذي كان رئيسا للبرلمان لمدة 8 سنوات خلال ولاية محمد خاتمي. وطبعا خاتمي نفسه. وعلى الرغم من أن البعضاأنتقد سياسات خاتمي الناعمة إزاء المحافظين، إلا أن خاتمي شخص جيد، وأعتقد أنه لا أحد يمكن أن ينافسه على الرئاسة، لا بين الاصلاحيين ولا بين المحافظين. والسيد خامنئي يعرف هذا. لكن المشكلة أن خاتمي اذا انتخب مجددا، فإنه قد لا يكون قادرا على تأدية عمله بطريقة أفضل مما كان عليه الأمر خلال الثماني سنوات التي كان فيها رئيسا. فالمشكلة في إيران ليست مشكلة أداء الرئيس، لدينا مشكلة في الدستور الإيراني وأعتقد أن خاتمي لا يستطيع حلها ( يقصد القيود على أداء الرئيس من مؤسسات غير منتخبة مثل مجلس صيانة الدستور ومجلس الأوصياء). كذلك كروبي لا يستطيع حل هذه المشاكل، ففي انتخابات البرلمان الماضي احتل حزبه مرتبة متأخرة وسط الأحزاب الاصلاحية.
* هل ما زال البازار قادرا على التأثير سياسيا؟ ـ لدينا بازار جديد (يضحك) في إيران. البازار التقليدي دعم المحافظين التقليديين، أي طبقة رجال الدين. أما كوادر الإعمار والبناء (حزب براغماتي أسسه هاشمي رفسنجاني نهاية الثمانينيات من القرن الماضي) فيدعمه التكنوقراطيون والمهندسون وليس البازار التقليدي وهم أغني من البازار التقليدي. لكن هناك ايضا بازار جديد في إيران وهؤلاء مجموعات من رجال الأعمال القريبين من الحكومة، وهم حريصون على متابعة كل مجريات الأمور، يريدون الحصول على المعلومات ويريدون الحفاظ على ثرواتهم، وهؤلاء أغنى من التكنوقراط، وليسوا معروفين أو مشهورين لكنهم أثرياء جدا. غير أنهم ايضا لا يتمتعون بالخبرة الكافية، وهذا يجعلهم خطرين. فهم لديهم المال لكن ليس لديهم العقل.
* هل هؤلاء هم القوة التي تدعم أحمدي نجاد؟ ـ ربما بعضهم.. لكن أحمدي نجاد ليس قويا جدا كما يعتقد البعض، هو مجرد جندي في جيش المرشد الأعلى. هذه النخبة الاقتصادية قريبة أكثر من مركز صنع السياسة في إيران. ليس لدينا معلومات كافية عنهم لكننا نعرف أنهم اقوياء جدا، وهم في إيران، الكثير منهم له خلفية عسكرية، أي عمل في المؤسسات العسكرية قبل أن يتجه للمال والأعمال. بعضهم كان يعمل في دول الخليج وعادوا إلى إيران بأموال هائلة.
* هل ولاء هؤلاء للمرشد الأعلى وولاية الفقيه؟ ـ ليس لدى معلومات كافية حولهم، أعرف فقط بعضهم، وهم أغنياء جدا وتدريجيا بدأوا يبتعدون عن الساحة السياسية. وهم أقوياء جدا بسبب علاقاتهم وخلفياتهم والمعلومات التي يعرفونها، كذلك هم إذا أرادوا فعل شئ، فإن لديهم القدرة. بإختصار هذه النخبة الجديدة أقوى من البازار التقليدي ومن الحكومة. فالبازار التقليدي يؤيد المحافظين التقليديين ورجال الدين في قم. اما التكنوقراط فبعضهم يؤيد الاصلاحيين، وبعضهم الآخر يؤيد المحافظين الجدد. أما النخبة الجديدة فأعتقد أنه سيكون لها دور في مستقبل إيران لكن للأسف ليس دورا جيدا في اعتقادي. انا لست متفائلا بدورهم لاأهم لا يتمتعون بالخبرة اللازمة، أو المعرفة، لكن يجب أن ننتظر ونرى.
* هل انتقادات رئيس البرلمان علي لاريجاني وعمدة طهران محمد قليباف والقائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي، وكلهم من التيار المحافظ، لسياسات أحمدي نجاد دليل على تفكك يحدث وسط المحافظين؟ ـ لست متفائلا كثيرا بهذه المجموعة من المنشقين عن المحافظين. النظام الإيراني أزاح الاصلاحيين تدريجيا، وهو يحتاج الآن إلى معارضة داخلية، لكن معارضة داخلية في يد المرشد الأعلى. السيناريو مكتوب بالفعل وهم سيلعبون بهذه الطريقة. السيناريو هو منافسة بين فريقين من داخل التيار المحافظ. كان هذا هو الوضع بعينه في العقد الأخير من حكم الشاه. فقد أنشأ حزبين تابعين له كي ينافسا بعضهما البعض، أحدهما كان «حزب الشعب»، والآخر كان حزب «إيران الجديدة». كلاهما كان يلعب دورا مختلفا في المسرحية نفسها. بمعنى آخر، المحافظون في إيران اليوم أحرار طالما هم تحت ظل المرشد الأعلى، وبالتالي هم أحرار في أن ينافسوا بعضهم البعض في اطار النظام العام.
* هل يمكنهم الحفاظ على وجودهم بهذه الطريقة.. هل يمكن أن تتضارب مصالحهم يوما ما.. إنها مسرحية خطرة، أليس كذلك؟ ـ نعم.. السياسة كلها لعبة خطرة. لكن كما يعرف الجميع، هناك حدود يجب أن يلتزموا بها، وفي اطار هذه الحدود يمكن أن يلعبوا بشكل حر، وهذه الحدود يضعها المرشد الأعلى. لا مشكلة إذاً؟ (يضحك).
* ما هي علاقة الحوزة العلمية في قم بأحمدي نجاد، وهل هي أحد مصادر قوته؟
ـ أحمدي نجاد ليس مهما.. وعلى هذا الأساس ليس هناك أي تغيير في علاقة الحوزة مع الرئاسة. أحمدي نجاد ليس مهما، المهم هو المرشد الأعلى. فالوضع في قم هو كما كان عليه قبل وصول أحمدي نجاد للسلطة. ما صنعه أحمدي نجاد هو الترويج للخرافة في السياسة والثقافة الإيرانية. فقد قدم أموالا إلى مراكز تقوم بالترويج للأفكار الخرافية مثل مسجد «جانكران» في قم. فقد أشيع أن الشخص الذي يزور هذا المكان يكون مرتبطا بالامام الثاني عشر أو الإمام المهدي، ومع أن هذا الكلام ليس له أساس في الفكر الديني عند الشيعة، إلا أن البعض يؤمن بهذه الأفكار. البعض قال بعد زيارة المسجد إنه رأى الإمام المهدي في منامه أو أن الامام جاء وصلى في المسجد، وبالتالي يذهب الناس مساء كل ثلاثاء إلى مسجد «جانكران» ويصلون هناك، حتى أن زوار هذا المكان زاد عددهم على عدد زوار مقام السيدة المعصومة، (أخت الإمام الرضا). وهذه ظاهرة سلبية لأنها تعني أن الخرافة تسود مكان الدين الحقيقي. أعتقد أن دور أحمدي نجاد هو زيادة الخرافة وتقليص الفكر الديني الحقيقي.
* هل الصراع الآن بين الاصلاحيين والمحافظين يذكرك بالحال في السنوات الأولى بعد الثورة؟ ـ خلال سنوات حكمه حتى الآن أراد أحمدي نجاد أن يحي زمن الثورة، وقال شيئا مقاربا جدا لما قاله الإمام الخميني حول العودة لأصول الثورة، لكن، ولأن الزمن تغير، فقد ظهر ما قاله أحمدي نجاد مثل شئ كوميدي. فالخميني عندما قال ما قاله كان في ظرف معين وكان نفوذه بالغا، لكن بعد 30 عاما من الثورة تغير الوضع. غالبية الإيرانيين يرون أن هذه العبارات هدفها جذب أصوات الناخبين للتصويت لأحمدي نجاد لنيل ولاية ثانية في يونيو المقبل. لكن أحمدي نجاد يصدر الكثير من الجلبة، وخلف هذه الجلبة، يجب أن نعرف أن المرشد الأعلى هو الذي يدير السياسات الإيرانية. عندما يسألني الصحافيون حول أحمدى نجاد أطلب منهم أن لا يركزوا عليه، لأن كل وظيفته في الواقع هى صناعة الجلبة والضوضاء.
* لكن جلبة أحمدي نجاد تضمنت مؤخرا الهجوم على محمد خاتمي وعلى هاشمي رفسنجاني، الأول أتهم بالخيانة لأنه صافح إمراة، والثاني وصف بأنه رئيس مافيا و«مليونير الملالي».. أليست هذه الجلبة خطيرة على الاصلاحيين.. وهل كان هذا الوضع ذاته في الأعوام الأولى بعد الثورة؟ ـ أعتقد أنه في السنوات الاولي بعد الثورة لم يكن الاصلاحيين مؤثرين، بينما الآن نحن أكثر تأثيرا، ولا يمكن تكرار السنوات الأولى بعد الثورة للمرة الثانية في تاريخ إيران، وربما لهذا تتزايد الضغوط علينا.
* لكن هل صحيح أن خامنئي لا يريد عودة الاصلاحيين للحكم؟ ـ هو لا يحب الاصلاحيين، ولا يريد أن يسمح لهم بالعودة للحكم، ولديه من السلطة ما يكفي ليفعل هذا. مشكلة الاصلاحيين أن لديهم برامج عديدة، وليس لديهم برنامج واحد. إذا كان لدينا برنامج واحد لكان بإمكاننا أن نفعل الكثير. فبعض الاصلاحيين مثل خاتمي وكروبي وهاشمي رفسنجاني، رئيس مجلس الخبراء، يريدون العمل في اطار المؤسسات الرسمية، والمشاركة في السلطة، ولهذا لا يقولون الكثير من الأشياء ولا يفعلون الكثير من الأشياء أيضا، ودورهم مقيد. الكثير من الإيرانيين لا يوافقون على هذه التضييقات لكن ليس لديهم من القوة ما يكفي ليفعلوا ما يريدون. في المستقبل القريب لن يستطيع الاصلاحيون في إيران فعل شئ، خصوصا في ضوء الدستور والمرشد الأعلى. الأمر كان على الحال ذاته عندما كان خاتمي في السلطة، المرشد الأعلى يسيطر على 80% من السلطة، والـ20 % الباقية في يد باقي القوى.
* هل تعتبر رفسنجاني اصلاحيا؟ ـ إنه قريب من الاصلاحيين.
* هل أصبح مقربا من الاصلاحيين لأن المحافظين دفعوه بعيدا عن حلقاتهم الضيقة.. أي انه لم يختار أن يكون اصلاحيا بل دفع دفعا لهذا المعسكر ردا على تهميشه وسط المحافظين؟ ـ هذه هي السياسة.. السيد هاشمي رفسنجاني أكبر من المرشد الأعلى لإيران بنحو 10 سنوات، اعتقد أنه أفضل من الكثير من المحافظين، وهو قريب حاليا من الاصلاحيين، ربما هو ليس اصلاحيا لكنه قريب من الاصلاحيين. السيد كروبي مثلا لم يشارك مع الاصلاحيين، وقطع وحدة الاصلاحيين في انتخابات البرلمان على عكس رفسنجاني الذي اتحد مع الاصلاحيين. هذا يعني أن الاصلاحيين في إيران غير قادرين على تعزيز قدراتهم، بسبب تفككهم، ويجب أن ننتظر بعض الوقت، لكنني لست متفائلا كثيرا بالمستقبل القريب.
* من الخارج يبدو رفسنجاني كالرجل الثاني في منظومة الحكم في إيران، فقد تولي رئاسة الجمهورية لفترتين، والآن يرأس مجلس الخبراء، وهو الهيئة التي تختار المرشد الأعلى ولها حق فصله، لكن في الحقيقة أظهرت الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، التي خسرها رفسنجاني أمام احمدي نجاد عام 2005، ان قدرات رفسنجاني ليست بلا حدود.. هل هذا صحيح، وهل فقد رفسنجاني قدراته؟ ـ ما أعلمه، وأنا لا أعلم كل شئ وقد سمعت الكثير من الأشياء، لكنني سأقول فقط الأشياء التي أثق في صحتها. لنبدأ بالحقائق المؤكدة ومنها تزايد عائدات النفط في إيران، فقد ارتفع سعر البرميل إلى أكثر من 100 دولار بداية عام 2008، هذا جعل الحكومة الإيرانية الحالية ثرية جدا، ويعني أنها كانت أغنى حكومة تحكم إيران منذ الثورة الإيرانية عام 1979. عندما يكون لدى الحكومة كل هذا المال، فإن هذا يعني أن بإمكانها ان تفعل أي شئ. هذه هي النقطة الأولى. النقطة الثانية هي أن الاستخبارات الإيرانية قوية جدا، وهي كلها تتبع المرشد الأعلى، وكذلك الحرس الثوري (ساباه باسدران) والباسيدج (قوات التعبئة). إذاً قوات الباسدران والباسيدج والاستخبارات، اضافة إلى أموال النفط تجعل المرشد الأعلى ورجاله أقوياء. أيضا من ناحية أخرى، هؤلاء لديهم خبرة أمام الاصلاحيين. ففي زمن خاتمي، وقبله في زمن رفسنجاني، عندما كان رئيسا، أي خلال الستة عشر عاما، اكتسب السيد خامنئي خبرة كبيرة جدا، وبات اليوم يعرف كيف يتصرف حيال الاصلاحيين. وبالتالي لا أعتقد ان الاصلاحيين ضعفوا، ولكن اعتقد أن المحافظين باتوا أكثر قوة بسبب الاقتصاد والقوات العسكرية. أي إن رفسنجاني لم يضعف لكن المحافظين باتوا أكثر قوة.
* وماذا عن الحلقة الضيقة التي تحكم حاليا.. فخامنئي لا يمكن أن يحكم منفردا. فمن هم أعضاء هذه الحلقة الضيقة وهل رفسنجاني داخلها؟ ـ ليس لدى معلومات كافية حول هذه النقطة، لكنني واثق من أن أبناء خامنئي ضمن هذه الحلقة الضيقة (مجتبي خامنئي وأحمد خامنئي)، وهم أقوياء جدا. كذلك مدير مكتبه حجة الاسلام أصغر حجازي الذي كان يعمل في الاستخبارات قبل أن يعين خامنئي مرشدا أعلى لإيران وقبل ذلك كان من رجال الدين. كما ان من ضمن الحلقة الضيقة قيادات من الساباه والجيش والاستخبارات.
* هل أحمدي نجاد ضمن هذه الحلقة الضيقة؟ ـ لست واثقا. لكنني أعتقد انه ليس أكثر من منفذ أوامر بالنسبة للمرشد الأعلى.
* وماذا عن العلاقة بين رفسنجاني والمرشد الأعلى خامنئي؟ ـ ليس لدي معلومات كافية حول هذا. سمعت أشياء لكنني لست واثقا منها. كلاهما يقيم مع الآخر علاقة رسمية. يزور رفسنجاني المرشد الأعلى مرة في الأسبوع، ويظل معه نحو ساعتين، لكنني لا أعلم ماذا يبحثان.
* أليسا قريبين من بعضهما البعض الآن؟ ـ كانا صديقين قريبين من بعضهما البعض في الماضي.. لكن خامنئي هو المرشد الأعلى، كما دخلت السياسة بينهما.
* ما الذي فعلته الحركة الاصلاحية كي يكون خامنئي منزعجا منها لدرجة اقصائها من الساحة السياسية؟ ـ الاصلاحيون أرادوا أن يسيطروا على السلطة في إيران. قالوا إن السلطة يجب أن تكون مسؤولية. وكان هذا هو المبدأ الأول للاصلاحيين في إيران، السلطة يجب أن تكون مسؤولة أمام المواطنين. ونحتاج إلى مؤسسات تعكس هذه المسؤولية وتجيب على أسئلة الرأي العام. هذه المؤسسات يمكن أن تكون برلمانا قويا، وليس مثل مؤسسة البرلمان الحالية والتي هى بيد المرشد الأعلى (عن طريق تصفية المرشحين عبر مجلس الأوصياء). كان لدينا برلمان في زمن الشاه، لكن في ذلك الوقت مكتب الشاه كان يحدد من يجب أن يكون موجودا في ذلك البرلمان، وتدريجيا، كان ثلثا المجلس يحددان من قبل الشاه من دون أي منافسة حقيقية. وهذا الوضع قريب جدا للوضع الحالي. الاصلاحيون قالوا أيضا إن المرشد الأعلى يجب أن يكون مسؤولا أمام مجلس الخبراء. ومن حق مجلس الخبراء توجيه استفسارات إلى المرشد الأعلى، وعليه أن يجيب. المرشد الأعلى لا يخضع وحده للمساءلة، بل كل المؤسسات التي تتبع له. كذلك تحدث الاصلاحيون عن صحافة وتلفزيون حر لا يخضعان للرقابة. قلنا إنه في زمن الرسول والخلفاء الراشدين، كان بإلامكان انتقاد الخليفة. سيدنا عمر بن الخطاب قال للمسلمين: إذا اعوججت صححوني. ايضا في زمن سيدنا علي كان الناس تنتقده، ولم يذهب أحد للسجن. هذه أفكار الاصلاحيين. إذا الاصلاحيون خطيرون بالنسبة لخامنئي (يضحك).
* بعد الثورة كان هناك حزب حرية إيران بزعامة مهدي بازركان وإبراهيم يزدي وعزت الله سحابي وكانت لهم أفكار حول المسؤولية والمحاسبة وحرية وسائل الإعلام.. وقد تمت تنحيتهم جانبا واقصاؤهم عن الساحة السياسية، وهذا يتكرر الآن. أنتم لم تتحركوا حقيقة للأمام منذ الثورة الإيرانية قبل 30 عاما؟ ـ نعم.. أنا أؤمن بالثورة الاسلامية في إيران. وبعد 30 عاما أعتقد أنها كانت ثورة حقيقية. لكن النظام السياسي بعد الثورة، وتدريجيا ابتعد عن أهداف الثورة. في ذلك الوقت كل حزب كان لديه أعضاء في الحكومة. لم يكونوا ينتمون إلى حزب واحد أو نهج فكري واحد. الآن كل المؤسسات الحاكمة في إيران تمثل حزبا واحدا وهو تيارالمحافظين. ولأنه ليس في إيران أحزاب بالمعني الحقيقي للكلمة أفضل أن أسميها جماعة واحدة. لدينا تيارات وفصائل وسط المحافظين، وهؤلاء هم المحافظون الجدد (لاريجاني وقليباف ورضائي)، والمحافظون التقليديون (البازار) والمحافظون الراديكاليون (الحرس الثوري). لكن كلهم محافظون في النهاية. ليس هناك اصلاحيون في المؤسسات الحاكمة في إيران اليوم. الوضع كان مختلفا في زمن آية الله الخميني. مجلس الأوصياء كان بيد المحافظين، والحكومة والمؤسسة القضائية كانت بيد تيار كان يعتبر التيار الاصلاحي بمعايير اليوم، وهو التيار اليساري. اليوم ليس لدينا هذا التنوع. ربما حجة السيد خامنئي ان الاصلاحيين والمحافظين آنذاك كانوا يؤمنون بالخميني. لكن الكثير من الاصلاحيين في إيران اليوم لا يؤمنون بولاية الفقيه. وبالتالي من وجهة نظر خامنئي لا مكان لهم داخل النظام. وربما هو محق، فالجماعتان، محافظون ومعتدلون، آمنوا بالخميني. والآن الوضع مختلف.
* هل إيران اليوم وبعد 30 عاما من الثورة «جمهورية اسلامية» أم «دولة اسلامية»؟ ـ اسم «الجمهورية الاسلامية» اسم مقدس بالنسبة لنا لأنه في بداية الثورة قبل 30 عاما استخدم الخميني لأول مرة تعبير «الجمهورية الإسلامية» بدلا من «الدولة الإسلامية»، وكان ذلك مصطلحا جديدا في وقته، والفرق بين الدولة الاسلامية والجمهورية الاسلامية أن النظام الإيراني يجب أن يكون جمهوريا، بالاضافة إلي كونه اسلاميا. لكن تدريجيا، وخاصة خلال سنوات حكم أحمدي نجاد بات هو والمحافظون يستخدمون تعبير «الدولة الإسلامية»، بدلا من «الجمهورية الاسلامية» وهذا يعني أنهم يريدون أن يلغوا الجمهورية.
* هل فعلا يستخدم أحمدي نجاد تعبير الدولة الاسلامية؟ ـ نعم أحمدي نجاد يستخدم تعبير «الدولة الإسلامية» أكثر مما يستخدم تعبير «الجمهورية الإسلامية». وهذا نفس المصطلح الذي يستخدمه معلمه آية الله مصباح يزدي. مصباح يزدي قال إن «الجمهورية الاسلامية» تعبير إنتقالي في بداية الثورة قبل الوصول إلى «الدولة الاسلامية». فكما يقول يزدي، لم يكن بمقدار الخميني استخدام تعبير «الدولة الاسلامية» لأن الإيرانيين كانوا أقرب إلى الليبرالية آنذاك، وإذا استخدم الخميني تعبير «الدولة الاسلامية» فإن أغلبية الناس لم يكونوا ليقبلوا بالمصطلح، لذا استخدم تعبيرا انتقاليا وهو «الجمهورية الاسلامية». كما يقول يزدي إن المحافظين لديهم الآن ما يكفي من القوة لاستخدام التعبير الصحيح، ليس فقط كمصطلح، بل كحقيقة واقعية. وبحسب ما يرى يزدي في الدولة الاسلامية ليس هناك حاجة إلى انتخابات، فالانتخابات مصطلح غربي والمرشد الأعلى معين من الله والرئيس مصطلح غربي، وما نحتاج إليه هو مجلس إستشاري للتشاور حول القضايا الهامة، وليس برلمانا وحكم أغلبية وأقلية. هذه كلها مصطلحات غربية وليست اسلامية، كما يقول يزدي. هذه هى نظرية المحافظين، وأعتقد أنهم يريدون أن يغيروا «الجمهورية الاسلامية» إلى «دولة اسلامية». هم يعتقدون أن هناك تناقضا بين الديمقراطية والاسلام، هذا ما قاله مصباح يزدي وأحمدي نجاد. لكن السيد خامنئي يلجأ إلى تعابير أفضل من هذا، وبالتالي خرج بمصطلح «الديمقراطية الإسلامية»، و«الديمقراطية الاسلامية» تعني ما انجزوه حتى الآن. لكن «الديمقراطية الإسلامية» ليست الديمقراطية الحقيقية، «الديمقراطية الإسلامية» ليست أكثر من البيعة، وتعني أننا نحدد ونعين الشخص الجيد لهذا المنصب، وما على المواطنين سوى أن يقولوا إننا نقبل هذا التعيين. فالانتخابات في إيران الآن تعني البيعة وليس أكثر، وهي لا تعني إختيار المواطنين. في «الديمقراطية الإسلامية» أعضاء مجلس الأوصياء يقررون الشخصيات التي يعتقدون أنها مناسبة لهذه المناصب. ربما يمكن اختيار عدد أكبر كثيرا من العدد المطلوب انتخابه، لكن كلهم متشابهون مع بعضهم البعض، وعلى الناخبين الاختيار من بينهم، لكن الاختيار الأساسي تم بالفعل من قبل المرشد الأعلى، عن طريق تصفية المرشحين غير المرغوب فيهم، وهذه بيعة وليست إنتخابات. وبالتالي عندما نسمع «ديمقراطية اسلامية» فهي تعني البيعة تحت ظل ولاية الفقيه. ومن الواضح جدا أن هذه ليست ديمقراطية، لكنهم يقولون: ديمقراطيتنا أفضل من الديمقراطية الغربية. فهذا النظام في رأيهم أو البيعة يعني أن هناك جولتين من الانتخابات في إيران. الجولة الأولى: مجلس الاوصياء وهم مجموعة من رجال الدين مقربين من المرشد الأعلى يختارون المرشحين المسموح لهم بالترشح. أما الجولة الثانية فهي عندما يذهب الناس ويقبلون بهؤلاء المرشحين. فالتصويت في «الديمقراطية الإسلامية»، في تعبير السيد خامنئي، يعني قبول اختيار مجلس الأوصياء، وهذا قريب جدا من نظام البيعة وهذا هو النموذج الشيعي من الخلافة. المثقفون الاسلاميون في إيران حاولوا خلال الخمسين عاما الماضية أن يظهروا أن هناك تفسيرا جديدا للإسلام السياسي، وأن هناك توافقا بين الديمقراطية والاسلام. وهذا يعني أن الديمقراطية جاءت من الاسلام والقرآن والسنة. أنا لا اقول هذا ولا أعتقد أنه صحيح ولا أعتقد أن الديمقراطية هي الشوري. ما أقوله هو أنه يمكننا أن نحظى بنظام ديمقراطي بإحترام القيم الإسلامية، لكن كل منهما يسير بجانب الآخر، لا أن يشتق من الآخر. فليس هناك تناقض بين القيم الإسلامية وبين الدولة الإسلامية وبين النظام الديمقراطي، هذا ما أعتقده. قبل نحو 30 عاما عندما كان آية الله الخميني في باريس. جاءت صحافية من صحيفة «الفيجارو» الفرنسية سألته ما الذي تعنيه بالجمهورية الاسلامية؟ ما هي طبيعة الجمهورية الإسلامية في إيران، فقد سمعنا عن جمهوريات اسلامية في ليببا وباكستان وموريتانيا لكن أيا منهم ليست جمهورية ديمقراطية؟ فرد عليها آية الله الخميني: الجمهورية الإيرانية تماما مثل أي جمهورية اخري. فسألته الصحافية: أرجوك.. هل يمكن أن توضح أكثر؟ فرد عليها الخميني: دولة جمهورية مثل الجمهورية الفرنسية. وكان هذا الحوار منذ نحو 30 عاما، فقد كان في عام 1979.. وصدقنا ما قاله الخميني. هناك تفسيران لآيدولوجية الثورة الإيرانية. الأول: وهو الآن التفسير الرسمي للدولة وقريب جدا من تفسير المحافظين، هو نموذج «الدولة الإسلامية» وهو بعيد عن حقيقة «الجمهورية الإسلامية» والديمقراطية. أما التفسير الثاني: فهو ما يؤمن به الاصلاحيون، لكن ليس بنفس الدرجة. بعض الاصلاحيين يقول: يمكن أن نحتفظ بولاية الفقيه عبر الوسائل الديمقراطية، أي ولي فقيه منتخب. لكن الآن غالبية الاصلاحيين في إيران بدأت تدرك أن هناك تناقضا بين ولاية الفقيه والديمقراطية، باتت تعتقد أن إيران يمكن ان تظل «جمهورية اسلامية» من دون ولاية الفقيه. لكن الاصلاحيين لم يعملوا «نظريا» بما يكفي لتكريس مفهوم «الجمهورية الاسلامية».
* هل يمكن فعلا تغيير اسم الجمهورية الاسلامية؟ ومن يدفع في هذا الاتجاه؟ ـ أعتقد أنه اجمالا سيتم الحفاظ على اسم «الجمهورية الاسلامية» لكن مع تغيير طبيعة النظام. وسيكون الأمر بسيطا جدا، أي لدينا الاسم من دون أن يكون لدينا واقع الجمهورية. وهذا التغيير تقوده القوى الدينية التقليدية والمحافظون.
* ما الفرق بين القوي الدينية التقليدية والمحافظين في إيران؟ ـ هما قريبان من بعضهما البعض. التقليديون (سنتي) من جهة هو «تعبير ديني». والمحافظون (محافظة كار) من جهة أخري «تعبير سياسي». عندما نقول «القوي التقليدية» في إيران تتجه الأفكار إلى رجال الدين وإلى الاشخاص المتدينين والبازار التقليدي. هؤلاء الأشخاص محافظون بالمعني السياسي ويريدون الحفاظ على الأمر الواقع، وهم قريبون من الأفكار المحافظة في الاقتصاد، ويعارضون أي اصلاحات سواء سياسية أو ثقافية ويخافون من الحريات الثقافية والسياسية. غير المتعلمين في إيران يميلون إلى دعم المحافظين والتقليديين، أما الذين تلقوا تعليما جامعيا فهم أقرب إلى الاصلاحيين. في قم مثلا المحافظون والتقلديون أكثرية. في طهران المحافظون والتقليديون ضعفاء أكثر مما هم ضعفاء في أي مدينة إيرانية أخرى. بين طلبة الجامعات الإيرانية المحافظون ليسوا أكثرية. لكن السلطات تفسد البنية الطبيعية للجامعات وذلك بتسهيل دخول قوات الباسيدج للجامعة بأعداد كبيرة، وكذلك بتغيير أساتذة الجامعات.
* كيف غيرت سنوات حكم أحمدي نجاد إيران؟ ـ أهم تغيير هو نزع تسيس الشارع الإيراني، فمقدار اهتمام الناس بالسياسة قل كثيرا. لكن هذا ليس في صالح المحافظين، فإيران دولة صغيرة السن، مشاركة الناس وانخراطهم السياسي كان جيدا، لكن الآن وتدريجيا صار الإيرانيون يبتعدون عن السياسة لأنهم إذا قالوا ما يعتقدون فإنهم يمكن أن يدخلوا السجن مثلا. هذا ليس وقتا جيدا لطلبة الجامعات في إيران. هذا وقت جيد للمساجد. (يضحك). حتى هذا ليس وقت جيد للمساجد، فخلال أوقات الصلاة تجد الكثير من المساجد الإيرانية خالية وليست ممتلئة. إنهم يستغلون المساجد للأغراض السياسية وليس للأغراض الدينية. يمكنك أن تذهب إلى أي مسجد خلال صلاة الظهر، ستجد نحو 20 أو 30 شخصا يصلون، والكثير من المساجد الإيرانية الآن لا تقيم صلاة الفجر، وخلال صلاة الظهر، ربما نصف المساجد فقط تقيم الصلاة، فيما عدا ذلك يذهب الناس للصلاة بشكل فردي وليس صلاة الجماعة. المحافظون عززوا من استغلال المساجد في الأغراض السياسية. فخلال عاشوراء أو غير ذلك من الاحتفالات الدينية يستغلون المساجد من أجل أهدافهم السياسية. الأمر ليس جيدا.
* هل تعتقد أن فكرة تصدير الثورة ما زالت قائمة في إيران الآن؟ ـ بعض الأشخاص ربما يحبون هذا. من الطبيعي أن هؤلاء الاشخاص يقيمون علاقات مع أشخاص مثلهم في بلاد أخرى. عندما يقوم الأميركيون بمد نفوذهم في العراق أو افغانستان، فإن من الطبيعي أن يقوم المحافظون الايرانيون بالشئ ذاته. في السياسة أي شخص يمكن أن يقوم بهذا النوع من الأفعال. بوش كان يقوم بتصدير الديمقراطية باسمه. * هل تعتقد أن إيران أقوى الآن مما كانت عليه قبل 5 سنوات؟ فأحمدي نجاد دائما ما يشدد على الانتصارات التي تحققها إيران اقليميا وفيما يتعلق بالبرنامج النووي؟ ـ الطاقة النووية ليست شيئا جديدا في إيران. فمشروعات الطاقة النووية بدأت في السنوات الأولى بعد الثورة. خلال سنوات أحمدي نجاد سمعنا كثيرا عن الطاقة النووية، لكن هذا لا يعني أن المشروع النووي وليد هذه الأيام. في زمن هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي كان لدينا برنامج نووي. بدأنا هذا قبل 20 عاما، وهذا ليس شيئا جديدا. بل إن البرنامج النووي بدأ خلال زمن الشاه. هذا ليس انجاز أحمدي نجاد، هذه انجازات 3 رؤساء سابقين، وجني الثمار جاء في زمن رئاسته. أعتقد مثل الكثير من الإيرانيين أن إيران يمكن أن تكون لديها طاقة نووية سلمية. حساسية الغرب ضد إيران حساسية سياسية. يشعرون أن إيران إذا حصلت على هذه القوة فإنها ستكون قادرة على تهديد إسرائيل وليس أكثر. رأي المجتمع الدولي والرأي العام العالمي حول إيران كان أفضل قبل السنوات الخمس الأخيرة. أحمدي نجاد أظهر للعالم صورة شرسة عن إيران، صورة غير عقلانية، فيما خاتمي أظهر صورة عقلانية متسامحة ناعمة. أعتقد أن حقيقة إيران أقرب إلى صورة خاتمي وليس إلى صورة أحمدي نجاد. الآن عندما يقال إيران تتقمص صورة أحمدي نجاد أو يعتقد البعض ان أحمدي نجاد هو إيران، هذا ليس صحيحا.
يقولون إن الثورة تأكل أبناءها.. هذا حدث لي
* يعمل محسن كديور، الذي يعد من أبرز الوجوه الإصلاحية في إيران، في التدريس الجامعي، كما أنه المدير المسؤول عن لجنة حماية الصحافيين في إيران، وهى لجنة غير حكومية أسست لحماية حريات الصحافة، إلا أن المفارقة أنه يتعرض بدوره للتضييقات. ويقول كديور لـ«الشرق الأوسط»: «أردت أن أقدم العام الماضي ورقة بحثية في قم حول حقوق الإنسان والإسلام. لكن قالت لي بعض الشخصيات من قم إنه من الأفضل لي عدم الذهاب إلى هناك. بعد ذلك سمعت أن جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم (وهى جماعة محافظة) ذهبت إلى آية الله اردبيلي، أحد آيات الله النافذين في الحوزة، وقالت له: هذه الورقة يجب ألا تقدم أو تنشر في قم. بعد ذلك خرجت 3 أو 4 مقالات ضد ملخص ورقتي وتضمنت أنني كتبت ضد الإسلام، مما سبب لى أجواء غير مريحة، ثم منعت من العمل في الجامعات. والآن أعمل في المعهد الإيراني للفلسفة وهو ليس جامعة. لقد دفعوا الكثير من الأساتذة الإيرانيين للتقاعد من عملهم مثل محمد شبستري وعبد الكريم سروش واشيليه وهو عالم إيراني شهير في العلوم السياسية. نحو 50 أستاذا جامعيا أجبروا على التقاعد. لكن أنا سني صغير على التقاعد، كما أنهم لا يملكون ما يكفي من الأدلة ضدي لإجباري على التقاعد، فقاموا بتجميع ملف قضائي ضدي. أنا الآن في برزخ (يضحك). لقد درست 16 عاما في الجامعة، و14 عاما في قم. والآن عملي مقيد. المعهد الفلسفي الذي أعمل فيه الآن كان من قبل المعهد الملكي للفلسفة في عهد الشاه. أى أنه تم نقلي من (جامعة ثورية) وهى كلية التربية التي كانت أول كلية يتم إنشاؤها بعد الثورة الإيرانية، إلى المعهد الملكي للفلسفة. هذا تطور سيئ بالنسبة للثورة. هذا يعنى، كما يقولون، أن الثورة تأكل أبنائها.. هذا حدث لى. الصحف التي كانت تنشر مقالاتي مثل «افتاب» و«المدرسة»، وهى دورية بحثية و«كيان» كلها أغلقت. كل ما أملكه الآن هو موقعي الإلكتروني، ولو نشطته قليلا، فسوف يتم التضييق عليه. وبالتالي لا أنشط فيه كثيرا، هو أشبه بمكتبة أضع فيها كتاباتي ودراساتي ليطلع عليها تلاميذي». وسط انشغاله الأكاديمي والصحافي، ألف كديور كتاب «نظريات الحكم في الفقه الشيعي»، تناول فيه أهم النظريات الفقهية لدى الشيعة حول ولاية الفقيه. وفي كتابه «نظريات الحكم في الفقه الشيعي» حدد كديور أهم النظريات التي وردت في كتب آيات الله الكبار على مر العصور، حول نظريات الحكم. ووفقا لقراءة كديور، فإن هذه النظريات يمكن تلخصيها في 9 نظريات، كلها تدور حول سؤال أساسي: هل ولاية الفقيه جزء من الدين؟ هل ولاية الفقيه مقيدة أم مطلقة؟ من يقيدها، المراجع الدينية أم الشعب؟ وملخص النظريات التسع هو: 1ـ نظام السلطنة المشروطة. وهو يعني وجود مجلس من المراجع الدينية العليا يفتي في شؤون الشريعة، في إطار نظام سلطاني يتمتع فيه الولي بسلطات واسعة، ومن آيات الله الذين يؤيدون تلك النظرية آية الله محمد باقر مجلسي، وآية الله ميرزاي قمي، والشيخ فضل الله نوري، وآية الله عبد الكريم حائري يزدي (مؤسس الحوزة العلمية في النجف في عشرينات القرن العشرين). 2 ـ الولي معين من الشعب، والشعب هو ميزان الحكم. ومن المؤيدين لهذه النظرية الملا أحمد نراقي، والسيد محمد حسن نجفي (صاحب كتاب الجواهر، أشهر كتاب في الفقه الشيعي)، وآية الله بروجردي، وآية الله الخميني (قبل الثورة الإيرانية).
3 ـ نظرية «مجلس فقهي» من 3 أو 4 من كبار آيات الله تحكم بدلا من شخص واحد. وتقوم المراجع الدينية باختيار مجلس الحكم هذا. ومن آيات الله الذين يدعمون هذه النظرية آية الله جواد آملي، وآية الله بهشتي، وآية الله طاهر خرام آبادى. 4 ـ نظرية الولاية المطلقة للفقيه، أو الولاية غير المقيدة بأية شروط، على أساس أن الولي ممثل الله في الأرض، وسلطاته تماثل سلطات النبي. ومن المؤيدين لهذه النظرية آية الله الخميني (بعد الثورة الإيرانية). 5 ـ نظرية الدولة الدستورية، وهي تعني أن الولاية للناس، لكن تحت إشراف رسمي من المراجع الدينية. (مثل إشراف مؤسسات كمجلس صيانة الدستور في إيران على «إسلامية» القوانين التي يقرها البرلمان الإيراني). ومن المؤيدين لهذه النظرية آية الله نائيني وآية الله منتظري، وآية الله طاهراني، وآية الله خورساني وآية الله طباطبائي والشيخ إسماعيل محلاتي. 6 ـ نظرية الحكومة المنتخبة مع إشراف المراجع الدينية من دون أن يكون لهم دور رسمي. ومن آيات الله المؤيدين لهذه النظرية آية الله محمد باقر الصدر.
7 ـ نظرية الولاية المشروطة للفقيه، وهي تعني أن يكون الولي الفقيه محاسبا من قبل الشعب، وسلطاته مقيدة. ومن مؤيديها آية الله منتظري، وآيه الله مطهراني. 8 ـ نظرية الحكومة المنتخبة، من دون أن يكون هناك أي دور للفقيه أو للمراجع الدينية. ولكنها تعد دولة اسلامية لأن الناس مسلمون. ومن مؤيديها آية الله محمد باقر الصدر. 9 ـ نظرية الولاية لكل الناس وللجميع حق في الحكم. وهنا ليس هناك أي دور للولي الفقيه. ومن مؤيديها آية الله محمد حائري يزدي. ما خرج به كديور من وسط كل هذه النظريات هو أنها تطورت في سياقات زمنية مختلفة، وأن الزمن هو معيار الحكم وليس النظريات الثابتة. وكان كديور، الذي ولد في شيراز في 7 يونيو (حزيران) 1959، ودخل الجامعة لدراسة الهندسة الكهربائية في جامعة شيراز 1977 وخلال دراسته أصبح ناشطا سياسيا، أول مثقف إيراني يعتقل خلال حملة الاعتقالات التي طالت المثقفين والطلبة والصحافيين 1999 على خلفية المظاهرات التي عمت إيران بسبب التضييق على الإصلاحيين، وحكم ساعتها على كديور، 47 عاما، بالسجن 18 شهرا في سجن ايفين، ثم أفرج عنه في 17 يوليو (تموز) 2000.