منير الماوري- شفاف الشرق الأوسط
من يشاهد شريط الفيديو الذي بثه تنظيم القاعدة اليمني السعودي الموحد الشهر الماضي عبر موقع يوتيوب الأميركي، سيجد وجه شبه كبير في الشكل والأسلوب مع أول شريط بثته قناة الجزيرة في اكتوبر 2001 يجمع بين أسامة بن لادن ونائبه أيمن الظواهري والقائد العسكري محمد عاطف المكنى بأبي حفص المصري، ومعهم الناطق باسم التنظيم سليمان أبو الغيث. هؤلاء الأربعة حددوا في كلماتهم المذاعة استراتيجية القاعدة في تلك الفترة. وعلى نفس المنوال جلس أربعة قادة جدد بنفس طريقة جلوس الأربعة القدامى وكأن التاريخ يعيد نفسه. وتقمص القائد الجديد لقاعدة الجهاد في جزيرة العرب، ناصر الوحيشي المكنى بأبي بصير شخصية أسامة بن لادن في هدوئه وانخفاض صوته، وحاول تقليده حتى في حركات يديه. كما حرص أن يكون إلى جانبه نائبه السعودي سعيد الشهري، وإلى يساره السعودي الآخر أبو الحارث محمد العوفي القائد الميداني، وفي الطرف الأبعد من اليمين قاسم الريمي المعروف أيضا باسم أبو هريرة الصنعاني، وهو القائد العسكري الفعلي للتنظيم الجديد، ويتفوق على أقرانه في قدرته الخطابية والعضلية.
وباستثناء قاسم الريمي فمن الواضح جدا أن بقية القادة بمن فيهم الوحيشي يفتقدون لكاريزما القيادة، ولن يكون بمقدورهم جذب الكثير من الأتباع رغم الشرعية التنظيمية التي أصبحوا يتمتعون بها عقب تلقي زعيمهم الوحيشي دعما علنيا من أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة المركزي، بعد مقتل المنافس الجنوبي حمزة القعيطي. ومن الواضح أيضا أن الوحيشي ومجموعته سيكونون أسوأ أنصار لأسوأ مهاجرين، رغم محاولة الوحيشي تشبيه أنصار القاعدة في اليمن بقبيلتي الأوس والخزرج اليمنيتين في المدينة المنورة، في مناصرتهما للمهاجرين القادمين من مكة المكرمة من أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم. والواقع أن لا وجه للمقارنة لا في الأسلوب ولا في الهدف، ولكن المقارنة الوحيدة القابلة للاستيعاب هي أن الدمج بين القيسية واليمانية الجدد يشبه إلى حد كبير الدمج أو الوحدة التي تمت بين جماعة الجهاد المصرية تحت امرة الظواهري وتنظيم القاعدة تحت امارة أسامة بن لادن في افغانستان. وخرج الدمج الجديد بتسمية مماثلة لتنظيم الظواهري وبن لادن، وهي تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، على نمط تنظيم قاعدة الجهاد لمقاتلة الصليبيين واليهود. ولكن المشكلة التي ستعصف بالتنظيم دون أن تظهر إلى السطح هي تولي اليمانية أو من يسمون أيضا بالأشاعرة إمارة التنظيم بدلا عن القيسية أو أهل قريش الأحق بالخلافة لدى أهل السنة وأهل الشيعة معا، وهذه القضية رغم سذاجتها إلا أنها أتعبت اليمني خالد الحاج عند إمارته لقيادة تنظيم القاعدة السعودي، أما أسامة بن لادن فلم يعاني من هذه المعضلة لأنه سعودي الجنسية والمولد، ويجمع في جذوره بين القيسية واليمانية. وربما أن الوحيشي هو أول يمني منذ 14 قرنا يتولى الإمارة ويكون وزراؤوه من قريش، ولهذا حرص في الشريط على ما يبدو أن يكون البادئ في الكلام نائبه الشهري، وليس هو.
وبما أن الوحيشي كان سكرتيرا شخصيا لأسامة بن لادن، وعاش معه طويلا قبل وبعد 11 سبتمبر، فقد حاول من شدة الهوس بزعيمه صاحب الشعبية الكبيرة في التنظيم أن يقلده حتى في فعلته مع الصحفي تيسير علوني حيث أرسل بن لادن إلى علوني مجموعة من الرجال الأقوياء اختطفوه في العاصمة كابل، وأغمضوا عينيه ثم أحضروه مكبلا لإجراء مقابلة صحفية مع أسامة بن لادن قبل أن يعيدوه سالما إلى العاصمة. وهذا ما فعله أيضا الوحيشي مع الصحفي عبدالإله شايع حيدر حيث أرسل إليه من يكبله ويغطي عينيه قبل اقتياده إلى مكان ما في مارب أو في الجوف أو في شبوة، وربما في سنحان، وهذا هو المرجح حصوله دون أن يفصح شائع بذلك، فمن الصعب على الزميل شائع أن يعرف المكان وهو مغمض العينين، وإلا لكان كشفه للسلطات على الأقل.
وفي كل الأحوال فإن الظهور الجديد للوحيشي بهذه الصورة خدم قوى عديدة وألحق الضرر بآخرين. ولعل أكبر المتضررين من فعلة الوحيشي هذه ، هو الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما الذي وقع في اليوم الأول لتوليه منصبه، أمرا رئاسيا بإغلاق معسكر غوانتانامو خلال عام، فتسبب الوحيشي بإحراجه عن طريق استضافته لسعوديين من المفرج عنهم من المعسكر. وقدم الوحيشي بذلك خدمة لا تقدر بثمن لبعض القوى الجمهورية ا لمتشددة في الأجهزة الأميركية التي تعارض اعادة المعتقلين إلى بلدانهم. كما أضر الوحيشي من حيث لا يدري بشخص آخر هو الشيخ محمد المؤيد عن طريق ترديد اسمه خلال المقابلة المشؤومة مع عبدالإله شائع، حيث أسدى خدمة ثمينة للسلطة الحاكمة في صنعاء لأنه جعلها تطمئن إلى بقاء المؤيد في السجن لأن الإدعاء العام سوف يستغل حديث الوحيشي المشؤوم كدليل إدانة للشيخ البريء بأنه على علاقة مع أمثال الوحيشي في حين أن المؤيد ربما لا يعرف الوحيشي ولم يسمع به.
وبقاء المؤيد في السجن يخدم سلطة صنعاء لأنه يوفر لها عذرا منطقيا، أمام الأميركيين في رفضها لتسليم جابر البنا الأميركي أو أي مواطن آخر يطالب بعودته مكتب المباحث الفدرالية. لكن السلطة القائمة في صنعاء قد لا يهمها هذا الأمر كثيرا بقدر ما يهمها المكاسب المادية الكبيرة التي ستجنيها بفضل الوحيشي. وستأتي هذه المكاسب على هيئة مساعدات أميركية وأوروبية لمكافحة الخطر الجديد، وأيضا سيندفع الأخوة السعوديون بسخاء لإكرام سلطة صنعاء من أجل ملاحقة مجموعة من الضالين، تعرف صنعاء مكانهم جيدا.
وإذا انخدعت واشنطن بأكاذيب صنعاء فربما نجد لها العذر لأن عناصر الإدارة الجديدة لم يتعودوا بعد على أكاذيب جنوب الجزيرة، ولكن العتب كل العتب سيكون على شمال الجزيرة التي تعرف جيدا كل الألاعيب والأكاذيب المستخدمة مرارا وتكرارا. و وزارة الأمير نائف بن عبدالعزيز بالذات تعرف تمام المعرفة أن الخطر الحقيقي لا يتمثل في سعيد الشهري الذي شن جام غضبه على الوزارة، ولكن الخطر يأتي من أولئك الذين يقفون وراء الإرهابيين والقراصنة وتجار الأسلحة والمخدرات، وعصابات الفساد الحكومية التي لا ترتوي ولا ترتدع. هذه العصابات الحاكمة وجدت كرتا جديدا تضغط به على السعودية بأبناء السعودية خصوصا أولئك الذي يفضلون الانتساب لأرض الحرمين ويرفضون حتى الإنتماء لتسمية “السعودية”.
لعبة قذرة
يبدو أن السلطة الحاكمة في صنعاء جادة هذه المرة في محاربة الإرهاب، والدليل على ذلك إرسال طائرات الهيليوكابتر لمطاردة منافس تجاري ومهرب مخدرات في الجوف ونسيان الوحيشي قائد القاعدة الجديد. ومن المرجح أن السلطة لا تريد محاربة الإرهاب فقط وإنما ما هو ابعد من الإرهاب، عن طريق استهداف أفراد في الأسرة الحاكمة وقوى سياسية أخرى يشكلون خطرا سياسيا على النظام، ويرغب النظام بإعبادهم عن طريق كرت الإرهاب لتأليب القوى الدولية والإقليمية عليهم. وإذا كان المواطن اليمني يؤيد السلطة في التخلص من مراكز القوى، فإن الوسيلة المثلى هي إصدار قرارات جمهورية تتضمن عزلهم من مناصبهم العسكرية الخطيرة، وليس عن طريق لعبة قذرة قد تدفع القاضي والنجار والقبيلي والسيد واليهودي، والمهتدي، إلى الوقوف صفا واحدا ضد هذه اللعبة المكشوفة. وقد تدفع هذه الأساليب بالقوى المستهدفة إلى استخدام نفس السلاح، أو الإنقلاب على النظام بصورة ستؤدي إلى إدخال البلاد في دوامة من العنف ليست في صالح أحد.
الجمل وعاشورا والغدير
الزميل الصحفي عبدالرزاق الجمل يعاني من مطاردة وتهديد بسبب تغطيته لفعالية تتعلق بإحياء يوم الغدير في آنس، ولا ادري هل التهديد صادر من جهات شيعية متطرفة أم من عناصر سلفية رافضة للرافضة. الذي أعرفه هو أن الجمل صحفي من حقه أن يحلل القضايا بالطريقة التي يراها صحيحة. ولهذا أدعوا كل الزملاء الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان من مختلف التيارات السياسية أن يتضامنوا معه. كما أتمنى من أتباع الحوثي الذين يركزون على مناسبات دينية معينة مثل الغدير وعاشوراء وغيرها، أن يدركوا أن هذه المناسبات ليست للاستعراض السياسي، وأن نظام علي عبدالله صالح لم يقتل حسين بن الإمام علي كرم الله وجهه، ولكنه قتل حسين بن بدر الدين الحوثي. ولهذا فإن العمل السياسي يتطلب إحياء ذكرى مقتل شقيقهم سياسيا، أما ذكرى مقتل حسين بن علي، فهي مناسبة دينية وتاريخية لا يجب إقحامها في أحداث السياسة اليمنية الجارية، ومن حقهم إحيائها دينيا. ومن يريد أن يحول المناسبة الدينية إلى سياسية فننصحه بالتوجه إلى دمشق للتظاهر ضد يزيد بن معاوية في ساحة المرجة، وليس ضد علي عبدالله صالح في صعدة.
almaweri@hotmail.com
قاعده الجهاد في جزيره العرب بقياده ابو بصير 1-2 – Click here for another funny movie.