الاقتصاد سيكون محور العالم النامي على الأخص. فالأزمة الاقتصادية العالمية اكبر من أن يتم احتواءها بسرعة، إذ ستكون الأخبار الصعبة في الولايات المتحدة واليابان والصين والهند ودول أوروبا ودول العالم هي الخبر الأول طوال عام ٢٠٠٩. و سيكون الرئيس الأمريكي اوباما الذي سيستلم مهامه في يناير ٢٠٠٩ رئيسا اقتصاديا. وسيشهد عام ٢٠٠٩ بروز اكبر للاقتصاديات الغير امريكيه وخاصة البرازيل، الصين، روسيا والهند رغم المصاعب التي تعاني منها. فهذه الدول ستشهد ارتقاءا في دورها العالمي. في المقابل سيكون الناس في المجتمعات كافه في حالة إعادة تأقلم مع طرق معيشة اقل تكلفه وسلوكيات شرائية هي الأكثر تحفظا منذ عقود عده. من جهة أخرى أن الانتخابات الامريكيه التي أنتجت اوباما رئيسا وهيلاري مرشحه رئيسيه للرئاسة والآن وزيرة خارجية ستجعل أفراد وأقليات ونساء كثر في العالم يقبلون على التعبير عن حقوقهم بإصرار متجدد.
ولكن الشرق الأوسط في المقابل سيكون مختلفا في تعبيراته عن الصورة العالمية، إذ فيه أكثر من حرب أخرها تلك التي تفجرت في غزه، كما انه قد يكون مسرحا لحروب جديدة. فالشرق متأثر بالأزمة الاقتصادية العالمية، إذ ستصارع دبي من اجل إبقاء نفسها في الحلبة والسير في الخطى التي سارت عليها في السابق، أما دولة الإمارات ودولة قطر فسيبقى مقياس سياساتهما مرتبط بمدى استمرار نموهما الاقتصادي وفق خطتهما التحديثية الطموحة. ولكن هذا ليس واقع بقية الدول العربية التي لا زال تعيش المسائل السياسية وكأنها في الحرب الباردة. فبينما يركز العالم على الاقتصاد سيركز معظم الشرق الأوسط على محاولة انجاز المصالحة بين فرقاء لينان، والتعامل مع حرب غزه، وصراع حماس وفتح، وصراع السنة والشيعة في العراق، وأزمات مجلس الأمة في الكويت، وإشكالات تطبيق الشريعة أو تطبيق الحدود في هذه الدولة أو تلك. سيبقى الوضع العربي يعيش هم العنف والإرهاب الإسلامي وهم الصراع في السودان والقرصنة في الصومال والمحكمة في لبنان ومأزق العلاقة بين إيران والعالم وبين كل دوله عربيه والحريات.
لهذا ستستمر الأزمة الدولية والإقليمية مع إيران، حيث سيكون لآفاق وصول نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل في فبراير ٢٠٠٩ عامل يزيد على التفاعلات ويهدد بانفجار مسألة الملف النووي. وإيران بطبيعة الحال لن تكون قادرة بسهوله على إقرار مرشح إصلاحي قوي بسبب معارضة مرشد الثورة وأجهزة النظام لمنافسة شريفه شبيهة بتلك التي وقعت عندما تم انتخاب خاتمي في السابق. ولكن أن وقعت انتخابات أدت لفوز خاتمي سيكون هذا إيذانا بتغير كبير في إيران وبعلاقاتها الدولية، ولكن أن لم يتم هذا وعاد احمدي نجاد إلى الرئاسة ستكون إيران أكثر عرضة للصراع الداخلي وأكثر عرضة للصراع مع الخارج مما سيؤدي لتوترات إقليمية.
أن عام ٢٠٠٩ قد يشهد مبادرة امريكيه من اجل السلام بين فلسطين وإسرائيل وبين سوريا وإسرائيل. وبنفس الوقت من الواضح أن العام الجديد سوف يشهد صراعا مستمرا حول غزه. فالحرب التي بدأت منذ أيام خلقت كارثة إنسانية في غزه ولكنها بنفس الوقت تخلخل أوضاع حماس في ظل ميزان القوى المختل بشكل شامل بين إسرائيل وحماس. فحماس لم تستطيع السيطرة على غزه، لهذا أصبح الاجتياح الإسرائيلي لغزه ولمناطق كاملة فيها حتميا في ظل عدم مقدره العالم العربي تقديم موقف ودعم حقيقي للشعب الفلسطيني. سيثير هذا الحدث العالم العربي، وعلى الأخص إسلاميو العالم العربي. وستدفع إسرائيل خسائر، ولكن خسائر غزه ستكون كبيره وسيكون هناك بالتالي استمرار لسفك للأرواح الفلسطينية البريئة، ثم سيقع التساؤل ماذا تفعل إسرائيل بغزه بعد إعادة احتلال أجزاء منها أو معظمها؟ قد تقبل السلطة الفلسطينية باستلام غزه وقد لا تقبل مما قد يضع إسرائيل بورطة احتلال جديد لأمد غير منظور وبانتظار مبادرة من الرئيس الأمريكي لتنشيط المسار السلمي.
أما في الكويت فستستمر حالة التجاذب السائدة بين مجلس الأمة والحكومة بينما تتجه البلاد نحو حل دستوري وربما حل غير دستوري وصراع سياسي أكثر حده. فالأزمة الاقتصادية هي الأخرى ضربت الكويت بقوه، ولكن الأزمة السياسية تمنع الكويت من صنع أية قرارات ذات تأثير في الوضع الاقتصادي والسياسي. أن استمرار مراوحه الأزمة الكويتية في مكانها سوف يمهد لانفجارها في عام ٢٠٠٩ مما سيساهم في اهتزاز المكتسبات الديمقراطية التي كانت ولازالت مجال اعتزاز قطاع كبير من الكويتيين والعرب. لهذا سيكون عام ٢٠٠٩ عام مفصلي بالنسبة للتجربة الكويتية وكيفية متابعتها لطريقها وسط التناقضات.
وفي لبنان سيكون عام ٢٠٠٩ مجال لتحركات عديدة على صعيد ملفات الشرق الأوسط. فأن ارتفعت الوتيرة بين إيران وإسرائيل كان لهذا الارتفاع انعكاسه في لبنان، وان نجحت الاداره الامريكيه في تطويق هذه التوترات وفتح مجال المفاوضات مع سوريا سيكون لبنان أكثر هدوءا. سيبقى السؤال في لبنان: ما هو مصير سلاح حزب الله، وسلاح المخيمات، ومن الذي سيفوز في الانتخابات النيابية المقررة في مايو القادم في لبنان؟ أن آفاق تحسن وضع ٨ آذار والمعارضة وفوزها بمزيد من المقاعد قد يساهم في إعادة فرز التوازنات السياسية في لبنان لصالح الجنرال عون وحزب الله والمعارضة. أن آفاق تعرض بعض الشخصيات اللبنانية المرتبطة بفريق ١٤ آذار للاغتيال هي الأخرى قائمه وممكنه قبل الانتخابات وذلك للتأثير على نتائج الانتخابات لصالح فريق المعارضة. ولكن استمرار الاغتيالات هو الآخر سوف يساهم في تعجيل وتيرة عمل المحكمة الدولية وتوتير لبنان.
وفي العراق سوف يستمر البحث عن مخرج، فالقوات الأمريكية وفق الاتفاق المبرم مع الولايات المتحدة سوف تنسحب من المدن والقرى في حزيران يونيو ٢٠٠٩، بينما من المتوقع أن تقع الانتخابات العراقية للبرلمان العراقي في أواخر عام ٢٠٠٩. بنفس الوقت ستكون أفغانستان بكل تأكيد موقعا ساخنا، إذ سيتم تعزيز القوات الأمريكية في أفغانستان وستتطور الحرب هناك بهدف إعادة فرض التراجع على الطالبان. وسوف يتزامن هذا مع مزيد من التوتر في العلاقات الباكستانية الهندية وصولا لاحتمالات الحرب التي قد تندلع بين الدولتين في أوائل عام ٢٠٠٩، فقد أتمت الهند الاستعدادات لعمل عسكري كبير على الحدود مع الباكستان، وهي تهدد الباكستان الآن بالعمل العسكري في حالة لم تقم باكستان بملاحقة واعتقال الجماعات الإرهابية التي ساهمت بهجمات مومباي في نوفمبر القادم. وقد انتهى الإنذار الذي وجهته الهند للباكستان في ٢٦ديسمبر.
وفي مصر سيستمر الجهد للتعامل مع الوضع الشائك الذي تعيشه. فهناك سنجد استمرار انهيار مبنى هنا وآخر هناك، و استمرار هجرة الشباب المصري الشرعية والغير شرعيه إلى دول العالم، واستمرار الضغط السياسي حول مستقبل مصر. وبطبيعة الحال ستزداد الأمور صعوبة في ظل الأزمة المالية التي تعصف بالعالم فتؤثر على مصر التي لازالت تصارع من اجل حماية دورها الإقليمي والعربي والعالمي. أما في السودان فتقع البلاد بين مطرقة الاتهامات الدولية بحق الرئيس البشير وأعوانه من جهة وبين أزمة دارفور وما قد ينتج عنها، من جهة أخرى تستمر السودان في التحضير لانتخابات شامله ديمقراطيه في أب ٢٠٠٩، قد تكون تلك الانتخابات مدخل ومخرج جديد للسودان الذي يحكم بالديكتاتورية منذ انقلاب البشير منذ ٢٠ عاما.
وعلى الصعيد الاجتماعي الثقافي سوف ترتفع الأصوات العربية والخليجية المنادية بمزيد من الحريات الثقافية والسياسية والاجتماعية، فالعالم العربي يزداد تأخرا بسبب مناخ المنع الذي تفرضه الحكومات والتيارات الدينية ضد محاولات فتح باب الاجتهاد الديني وضد حرية التعبير والنشر والقول والكتابة. يستمر هذا الصراع معبرا عن نفسه في المسلسلات التي يتم إيقافها والكتب التي تمنع، والمدونات التي تلاحق ووسائل الإعلام التي تبحث عن الاستقلالية. و كم من مسلسل تلفزيوني منع في رمضان الماضي بعد بداية عرضه بسبب ضغوط قبليه أو دينيه أو سياسيه؟ الإنسان العربي سيزداد ضجرا من محاولات احتكار رأيه والسيطرة على ما يشاهد وما لا يشاهد، والمرأة ستزداد تحديا لمحاولات منعها من لعب دورها الأوسع في المجتمع رغم اكتسابها للثقافة والقدرات والإمكانيات العلمية والمهنية للعب هذا الدور. عام ٢٠٠٩ لن يكونوا أحسن حالا من ٢٠٠٨، وهذا سيكون حافزا للمواطن العربي للبحث عن مساحة اكبر من الحرية وعن دوره في تحمل المسؤولية.
shafgha@hotmail.com
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت.
قلبي مع اهل غزه
يؤسفني ما حصل مع اهل غزه واقولو لهم نحن وراكم لا تنداسو