لا تمثّل عمليات القمع التي قامت بها حكومة باكستان ضد “جماعة الدعوة” وقيادتها، والتي ضخّمتها وسائل الإعلام كثيراً (بما فيها وسائل الإعلام العربية)، أكثر من عملية ذر رماد في العيون. يكفي أن يلاحظ المرء المعاملة الودّية التي حُظِيَ بها “حافظ محمد سعيد”، وأعضاء أسرته، ومساعدوه في “جماعة الدعوة”، الذين أخضعوا للإقامة الجبرية.
ورغم المزاعم المضخّمة للسلطات الباكستانية بأنها تحرّكت بكل ثقلها ضد قيادة “جماعة الدعوة” وضد مرافقها في جميع أنحاء باكستان، فإنه يبدو أن سلطات إسلام آباد تقوم بمحاولات متردّدة ومتعثّرة للإستجابة لدواعي القلق التي عبّرت عنها الهند والولايات المتحدة.
ومن الناحية العملية، لم تقم السلطات حتى اليوم، السبت، بأي إجراء لوضع الأختام على مقرّ قيادة “جماعة الدعوة- عسكر طيبة” في “مورديكي” الذي تبلغ مساحته 200 آكر. وما يزال هذا المقرّ يخضع لحراسة العشرات من ناشطي الجماعة المسلّحين، الذين يمنعون أياً كان من الإقتراب منه. ويعني ذلك أن نشاطات “المركز” ما تزال مستمرة على حالها. وينطبق الأمر نفسه على “حافظ سعيد” الذي بات خاضعاً للإقامة الجبرية في منزله، في لاهور، لمدة شهر واحد فقط.
ولكن، رغم فرض الإقامة الجبرية عليه، فالواقع هو أن أمير جماعة الدعوة، “حافظ سعيد”، تمكّن يوم أمس الجمعة من مغادرة منزله في “مدينة جوهر” وتوجّه إلى مسجد مجاور حيث أمّ صلاة الجمعة. وعلاوة على مفرزة صغيرة من شرطة البنجاب، فإن منزله يتمتع بحراسة قوية من جانب العشرات من ناشطي حركته المدجّجين بالسلاح. ثم أن “حافظ سعيد” و11 من مساعديه المقرّبين الذين فُرِضَت عليهم الإقامة الجبرية، بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي، ما يزالون يستخدمون هواتفهم النقّالة ويلتقون بأقاربهم. وبناءً عليه، ورغم الحظر الحكومي على تصريحات قادة الجماعة ونشاطاتهم، فإن العديد منهم ما يزالون يستخدمون وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية لبث سمومهم ضد الولايات المتحدة ونيودلهي اللذين يسمّونهما أعداء الإسلام وباكستان.
ويمكن للمرء أن يستشف المعاملة الودية التي يتمتع بها أفراد عائلة محمد سعيد من جانب السلطات الباكستانية من واقعة السماح لإبنه “طلعت سعيد” بترؤس صلاة الجمعة في “جامع القدسية” في “شوبرجي” بلاهور، حيث وجّه نقداً عنيفاً للولايات المحدة ونيودلهي لأنهما أقنعتا الأمم المتحدة باتخاذ قرار ضد “جماعة الدعوة” وضد “حافظ سعيد”. وقال أن قرار الأمم المتحدة غير شرعي وأن والده سيرفع دعوى ضده أمام محكمة العدل الدولية.
يُضاف إلى ما سبق أن سلطات باكستان لم تقم بأي إجراء بعد لمصادرة الأسلحة التي يملكها ناشطو “جماعة الدعوة” والعاملون في مكاتبها رغم أن القرار الدولي رقم 1267، الذي سمّاها “جماعة إرهابية”، أوجب على سلطات باكستان أن تصادر كل أسلحتها المرخّصة وغير المرخّصة. والواقع أن سلطات باكستان باتت ملزمة بأن تطلع مجلس الأمن، على أٍساس دوري، على التقدّم الذي أحرزته لتطبيق القرار الدولي.
وفي خطوة ذات صلة، ومع رفضه قرار مجلس الأمن الذي اعتبر “جماعة الدعوة” جماعةً إرهابية، فقد وجّه “حافظ محمد سعيد” خطاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطالب فيه مجلس الأمن بعرض الأدلة التي استند إليها لاتخاذ قرار حظر جماعته. وجاء في خطابه: “لقد تسرّعت الأمم المتحدة بفرض حظر على جماعة الدعوة، من غير أن توفّر أي دليل على تورّطها في هجمات مومباي. ولم يكلّف مجلس الأمن الدولي نفسه عناء التحقيق في النشاطات الحقيقية التي تقوم بها جماعة الدعوة. إن جماعة الدعوة هي منظمة خيرية تقوم بأعمال الرعاية والمعونة الإجتماعية. وهي غير متورّطة في أية نشاطات إرهابية، وليس لها صلة بأية منظمة إرهابية. إن جماعة الدعوة ليس منظمة سرّية وهي مفتوحة لجميع الناس”.
وجاء في خطابه، كذلك، أن مساعي الهند لربط جماعته بإلإرهاب هي محاولة مكشوفة من جانب نيودلهي للتشهير بجماعة الدعوة: “حسب علمي، فإن ما اعتُبِرَ أدلة ضد جماعة الدعوة قد استند إلى تقارير وسائل الإعلام الغربية. هل تشكل التقارير المنشورة في وسائل الإعلام الغربية أدلة قانونية؟ وخصوصاً حينما تكون هذه التقارير متحيّزة ومليئة بالكراهية ضد المسلمين وضد الإسلام؟ هل كلّفت أية هيئة تحقيق مستقلة نفسها التحقيق في نوع النشاطات التي تقوم بها جماعة الدعوة في الواقع؟” وفي النهاية، طلب حافظ سعيد من الأمين العام للأمم المتحدة التراجع عن القرار الدولي الذي يحظر الحركة أو إبراز الأدلة التي برّرت إعتبارها جماعة إرهابية.
amir.mir1969@gmail.com