سعد كيوان- “الشفّاف- بيروت
حط الجنرال المتقاعد ميشال عون هذا الصباح على أرض مطار دمشق لشرعنة وتظهير علني لعلاقة لم تنقطع، ولو بطريقة غير مباشرة، مع النظام السوري ذاته، الذي مارس إحتلاله ووصايته على لبنان طيلة ثلاثة عقود، ثم إضطر تحت الضغط الداخلي والدولي الى سحب جيشه من لبنان قبل ثلاث سنوات فقط. ولكنه، سياسيا “أصبح” في سوريا منذ أن عاد الى لبنان، قبل ثلاثة سنوات (7 أيار 2005)، ضمن صفقة مع الحكم السابق على أساس الشروط السورية.
يقول عون أنه ذاهب الى دمشق “مرفوع الرأس”، غير آبه بالانتقادات، ذاهب ل”يتعرفوا عليّ وأتعرف عليهم”، ذاهب ل”يلقى الترحاب والتكريم”، ذاهب لمصالحة نظام “إنسحب جيشه من لبنان وبات داخل حدوده”، ذاهب ل”يفتتح عهد جديد بين لبنان وسوريا”، وليتفقد حال المسيحيين في سوريا و”يسير على الطريق” الذي سار عليه القديس بولس الرسول (!) و و…
هذا ما قاله قبل إقلاع الطائرة الخاصة، التي وضعها تحت تصرفه الرئيس السوري بشار الأسد (بحسب موقع “التيار الوطني الحر”). وهو ذاهب أيضا الى سوريا “مثلما فعل الجنرال ديغول الذي زار المانيا بعد الحرب العالمية الثانية”. وبغض النظر عن التشبيه غير الموفق، فان ديغول لم يزر المانيا الا في عام 1962، أي بعد سقوط النازية بسبعة عشرة سنة. ولا نعلم هنا اذا كان عون يجهل التاريخ، أم أنه حاول تزويره؟
في أية حال، الوقائع تشير الى العكس. فالجنرال المتقاعد يذهب الى سوريا “مطأطىء الرأس”، إذ دفعت به رغبته الجامحة، عشية عبوره الحدود، الى “سلخ جلده” متنازلا عن آخر وأهم معنى لكرامة وعنفوان وشرف العسكر، ومتخليا” عمن سقط من رفاقه، عندما وقف أمس الأول في الرابية، يجتهد في تبرير إقتحام الجيش السوري لموقع دير القلعة، وسقوط عدد من العسكريين والضباط اللبنانيين، و”اختفاء” آخرين منهم… واستطرادا، فان مصير المعتقلين والمفقودين في سوريا، أصبح برأيه من مسؤولية الدولة اللبنانية، التي عليها أن تبحث عن المفقودين في المقابر الجماعية التي حفرت خلال الحرب اللبنانية!
يذهب عون الى سوريا “مطأطىء الرأس” لأنه كان أقسم، من منفاه الذهبي في باريس، أنه لن يستكين قبل أن “يدق آخر مسمار في نعش النظام السوري”، ولكنه يذهب اليوم الى معانقة النظام نفسه الذي قاده حافظ الأسد طيلة ثلاثين سنة، والذي شن عون ضده “حرب التحرير” (من فوق الطاولة)، وهو أيضا النظام نفسه الذي دعمه وزوده بالعتاد والمؤن والذخيرة (من تحت الطاولة) عندما شن حربه الثانية، “حرب الألغاء” ضد “القوات اللبنانية”. وهو أيضا نظام حافظ الأسد نفسه الذي خاطبه عون في احدى رسائله قائلا “اني مستعد أن أكون ضابطا في جيشك”، وهو كذلك النظام نفسه الذي سعى للحصول (من تحت الطاولة) على دعمه كي يصبح رئيسا للجمهورية، على أثر الفراغ الدستوري الذي حصل عند إنتهاء عهد أمين الجميل، في 1988.
كما أنه أيضا النظام نفسه الذي إستمر تواصل عون معه عبر رسائل وموفدين، من بينهم فايز قزي، الوسيط الأساسي الذي كان يتحرك على خط باريس-دمشق طيلة فترة إقامة عون في العاصمة الفرنسية. وقد روى قزي مؤخرا تفاصيل الصفقة مع سوريا التي سمحت للجنرال المتقاعد من العودة الى لبنان، وكيفية التحضير للانتخابات التي مكنت عون من حصد أكثرية المقاعد المسيحية في مجلس النواب اللبناني، وكيف أن دمشق فرضت على عون عدم التحالف أو حتى التعاون مع سعدد الحريري ووليد جنبلاط خلال تلك الانتخابات. وروى قزي كيف أصيب بعدها بخيبة أمل وإبتعد عن عون بعد أن عقد هذا الأخير تحالفا” (سمي “ورقة التفاهم”) مع “حزب الله”…
أيضا وأيضا، انه النظام نفسه الذي حوله الوريث بشار أكثر قمعية، وأكثر تدخلا وممارسة للوصاية في لبنان؛ وعملية 7 آب 2001 القمعية المخابراتية، التي تعرض لها ناشطي “التيار العوني” مع نشطاء إستقلاليين آخرين، ألم تكن من صنع الأجهزة السورية واللبنانية، بتغطية وتواطؤ من قبل الرئيس السابق اميل لحود، الذي كان يصفه عون ب”دمية في يد النظام السوري”؟
وهو النظام المتهم بالتورط باغتيال رئيس الحكومة السابق الشهيد رفيق الحريري، وكل الاغتيالات الأخرى التي شهدها لبنان. وهو الذي يعبر اليوم عن خوفه من قرب انطلاق المحكمة الخاصة بلبنان، بالتصعيد الأمني هنا وهناك، في أماكن مختلفة من لبنان، وبال”كشف” عن الشبكات التخريبية وعرض “فيلم إعترافات” الارهابيين على التلفزيون السوري. ثم الاعلان قبل أيام انه “غير معني بالمحكمة”، كما جاء على لسان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، رغم إعترافه أن المحققين الدوليين إستمروا بزيارة سوريا، طيلة هذه الفترة، والتحقيق مع المشتبه بهم!
فيما كان الجنرال المتقاعد يقوم بتقديم الفاتورة تلو الأخرى، فبعد تحالفه مع حلفاء ورموز النظام السوري في الانتخابات، راح عون يبرر الاغتيالات الواحدة تلو الأخرى، مرة بحجة عدم ضرورة إستباق التحقيق وإلقاء الاتهامات من دون أدلة (“كل شيء تتهموا به سوريا؟)، ومرة أخرى باعتبار الاغتيال حادث من فعل “زعران” (إغتيال سمير قصير)، أو ل”أسباب خاصة” و”خلافات شخصية” (إغتيال جورج حاوي). هل نسي عون (أو تناسى؟) إنه كان السباق الى إتهام النظام السوري من باريس بجريمة إغتيال الحريري، بعد ساعات فقط على إرتكاب الجريمة. فهل إنكشف المجرمون والمسؤولون عن هذه الجرائم وباتوا أمام قفص العدالة؟ ألم يكن بوسع عون على الأقل تأجيل الزيارة الى ما بعد الاعلان عن المتهمين والبدء بالمحاكمة؟
ومع ذلك، هل صححت العلاقات وإستقامت بين لبنان وسوريا؟ أي علاقات ندية بين دولتين مستقلتين وذات سيادة، وبحدود مرسمة ومعترفة بها من قبل النظام السوري؟ حتى أن العلاقات الديلوماسية التي وافق عليها مؤخرا النظام السوري، وبفعل الضغوط، لم تترجم بعد عبر إقامة سفارات في كلا البلدين وتبادل السفراء. وهل وافقت دمشق، من حيث المبدأ على الأقل، على ترسيم الحدود مع لبنان؟
إن الجنرال المتقاعد يذهب لمصافحة بشار الأسد مسلما بالتالي بأسس العلاقات التي فرضتها سوريا، والتي قامت على “معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق” والاتفاقيات الأخرى المجحفة بحق لبنان، وعلى ما سمي “المجلس الأعلى اللبناني-السوري”، الذي كان يجتمع عندما تريد سوريا فقط من أجل الصورة، وهو الذي كان يدار فعليا من دمشق، عبر أمينه العام نصري خوري (المنتمي الى الحزب القومي السوري)، اللبناني الجنسية والسوري الهوى والارادة!
واذا كان الجنرال المتقاعد، الذي يحب كثيرا التشبه بالجنرالات الكبار (لماذا يا ترى؟)، متشوقا الى مصافحة بشار الأسد، فكان بامكانه أن يتشبه بما فعله الجنرال والرئيس اللبناني الأسبق فؤاد شهاب، حين التقى الزعيم العربي يومها جمال عبد الناصر (في 1958)، على الحدود اللبنانية-السورية، عندما كان الأخير رئيسا للجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)، تحت خيمة نصبت على الحدود، وجلس شهاب في داخل الحدود اللبنانية فيما جلس عبد الناصر داخل الحدود السورية. ويكون عون بذلك “حقق” رغبته، ووجه في الوقت نفسه رسالة قوية الى النظام السوري مؤكدا حرصه وتمسكه بالسيادة اللبنانية، طالما ان العلاقات لم تصحح بعد. وهي مهمة (أي التصحيح) من واجبات النظام في سوريا، الذي كان يحتل لبنان، وليس العكس. ولكن عون لا يمكنه ان يقوم بهذه الخطوة لأنه, للأسف، ليس رئيسا للجمهورية، وهذه مشكلته.
ان ذهاب عون المتهافت الى دمشق يهدف أساسا الى ترتيب أوضاعه الانتخابية، والحصول على دعم القيادة السورية – الذي يقول هو أن جيشها خرج من لبنان – في تركيب اللوائح تحضيرا للانتخابات المفترضة، في الربيع المقبل، ومن أجل تدخلها لاقناع بعض حلفائها، الذين تمون عليهم (وهم كثر)، بدعمه من دون أن يخوضوا المعركة مباشرة، اذ إن ترشحهم على لوائحه سسيشكل إحراجا كبيرا له على الصعيد المسيحي، بخاصة القوميين والبعثيين منهم، وأيضا الأفراد-الأبواق في بعض دوائر جبل لبنان، مثل بعبدا والمتن وغيرها.
كما ان الجنرال السابق – وهذا الأهم والأعقد في المهمة – يريد تدخل بشار لاقناع نبيه بري بالتخلي له عن بعض المقاعد المسيحية في الجنوب، أي في دائرتي جزين والزهراني، وربما أيضا” في مرجعيون.
فكيف ستستجيب دمشق لطلباته ورغباته، وهل من ثمن يدفعه عون بعد مقابل “خدماتها” له؟
s.kiwan@hotmail.com
عون يتهافت الى دمشق “منحني الرأس” ليستجدي مقاعد نيابية من نظام مستبد وباق على أطماعه في لبنان!نعم الكثيرون ذهبوا الى دمشق في ظروف الاحتلال. منهم من ذهب راغباً امثال زبانية الحزب القومي السوري وبتوع البعث والقناديل المنطفئة والوئامات الوهابية الذين اصبحوا جميعاً من خيرة حلفاء الجنرال الساقط. ومنهم من ذهب زاحفاً لاجل قطعة من الحلوى ومنهم من ذهب مرغماً حفاظاً على راسه وراس ذويه. ومنهم من لم يذهب بتاتاً وقد دفع الثمن غالياً. اما الجنرال حينها فكان يخوض حرباً شعواء على بني الاسد و”السوريين” ويتوعدهم بشعب لبنان العظيم ولهذا فاقل ما يمكن قوله بذهابه الى احضان الديكتاتورية انه مطأطئ الرأس.… قراءة المزيد ..
عون يتهافت الى دمشق “منحني الرأس” ليستجدي مقاعد نيابية من نظام مستبد وباق على أطماعه في لبنان!السؤال الذي يطرح نفسه دائما و ابدا اين تعليقات الكاتب حينما كان الكل ما عدا الجنرال يتهافت الى دمشق ” منحي الرأس ” ليستجدي كل شيء بدءأ بالمقاعد النيابية و انتهاء ب…. دائما هناك درس يعلمه لنا التاريخ ان من يتعامل مع المحتل يعتبر خائنا .. فاذا اعتبرنا ان سوريا كانت في لبنان محتلة فان الاولى أن يحاسب اللبنانيين الان كل من تعامل مع المحتل و هذا ما يفعله جميع الشعوب فمقابل زيارة واحدة لعون هناك مئات الزيارات التي قام بها كل المسؤولين اللبنانيين… قراءة المزيد ..