مروان طاهر – خاص بـ”الشفاف”
في بداية عهده، تحدّث مستشارو الرئيس الفرنسي مراراً عن “حيرتهم” إزاء “الضغوط المتعارضة” التي كانت فرنسا تتعرّض لها من جانب محور ليبيا-قطر من جهة، والسعودية من جهة أخرى. اختارت فرنسا المحور الأول بعد مبادرة قطر لـ”تسليف” فرنسا مبلغ 300 مليون دولار قبضه معمّر القذافي ثمناً لـ”الرهائن” البلغار والطبيب الفلسطيني الذين اعترف سيف الإسلام القذافي ببراءتهم من تهم التسبّب بإصابة الأطفال الليبيين بمرض “الأيدز”. وفي نفس السياق، اختار ساركوزي أن يقوم بما يشبه الإنقلاب على السياسة الفرنسية إزاء سوريا، رغم الإستياء اللبناني والتحفّظ السعودي. في هذا الإطار جاءت زيارة الرئيس ساركوزي إلى السعودية قبل أيام، التي لا تتردّد المصادر السعودية المطّلعة في وصفها بـ”الفاشلة”.
*
كانت زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى المملكة العربية السعودية مقتضبة ومختصرة واقتصرت نتائجها على الكلام العام الذي لا يخرج عن سياق اي زيارة بروتوكولية لأي رئيس دولة الى دولة خرى.
وكان الامر ليكون كذلك، وان تمر الزيارة من دون ان تثير تساؤلات لولا انها تمت في ظروف دولية واقليمية أخرى ومكان وزمان مختلفين.
ففي البيان الرسمي ان الملك عبدالله بن عبد العزيز بحث مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في جدة منها تطورات الأزمة المالية والجهود المبذولة للحد من تأثيرها السلبي على الاقتصاد العالمي. كما تطرقت المحادثات إلى أهمية تعزيز الجهود الدولية المشتركة للحفاظ على أمن وسلامة الملاحة في خليج عدن.
وناقش الملك عبدالله والرئيس الفرنسي تطورات القضية الفلسطينية والأوضاع في لبنان والعراق، إضافة إلى مجمل الأحداث على الساحة الدولية وموقف البلدين الصديقين منها.
وتطرق الملك عبدالله وساركوزي إلى آفاق التعاون بين البلدين وسبل دعمها وتعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالحهما المشتركة.
وطبقا لما ذكرت مصادر سعودية مطلعة على سير المحادثات لـ”لشفاف”، فان الزيارة كانت فاشلة، وفوجئ ساركوزي، الذي سمع كلاما سعوديا جديدا، خرج عن المألوف، ويأتي في السياق الجديد للديلوماسية السعودية، بعد ان بدأ رئيس مجلس الامن القومي السعودي الامير بندر بن سلطان بفرض إيقاعه على السياسة الخارجية السعودية وخصوصا الملف السوري اللبناني، بالتنسيق مع وزير الخارجية الامير سعود الفيصل ومباركة الملك عبدالله بن عبد العزيز.
وخرج الكلام الدسيلوماسي السعودي بشأن الموقف الفرنسي من سوريا والانفتاح المجاني على نظام دمشق الى العلن، في هذه المحادثات، وتم تحميل الرئيس ساركوزي مباشرة مسؤولية استمرار الاوضاع في لبنان على ما هي عليه، وإفشال المحادثات بين حركتي فتح وحماس، بسبب التعنت السوري، وإصرار دمشق على الاستفادة من الانفتاح الفرنسي عليها وإغداق الوعود الكلامية على فرنسا والمجتمع الدولي من ورائها، وتقديم خطوات، تسارع السلطات السورية الى إفراغها من مضمونها، على غرار التمثيل الديبلوماسي بين لبنان وسوريا، والاصرار على الابقاء على المجلس الاعلى اللبناني السوري كرديف مواز لعمل السفارات بين البلدين وغير ذلك …. وعرقلة تفاهمات القاهرة بين حماس وفتح، واستضافة مؤتمرات التشدد الفلسطيني ، وقطع الطريق على المبادرة العربية للسلام، وإخضاعها للأجندة السورية الايرانية وصولا الى تجميع المزيد من الاوراق الاقليمية ومقايضتها للإفلات من قضبان المحكمة الدولية الخاصة لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري.
واضاف المصدر للشفاف ان الجانب السعودي ابلغ الرئيس الفرنسي والوفد المرافق توقيف صفقات الاسلحة التي كانت المملكة تعتزم شراءها من فرنسا، ومن بينها طائرات “رافال” المتطورة. وأُبلغ ساركوزي أن روسيا تشكل مصدرا للسلاح المتطور والحديث، وان الرياض قادرة من خلال مكانتها وقدراتها الاقتصادية وفائض السيولة الذي تراكم لديها جراء ارتفاع اسعار النفط في الآونة الاخيرة، على تنويع مصادر تسليحها من دون الحاجة الى فرنسا. مع الاشارة الى انه لا عوائق حاليا تحول دون الانفتاح السعودي على روسيا التي غادرت الشيوعية الى النظام الاقتصادي الحر، وان موسكو تتطلع فعلا لا قولا الى تعاون مع الرياض في المجالات الاقتصادية والنفط والقضايا السياسية الاقليمية والدولية.
ويضيف المصدر لـ”الشفاف” ان الجانب السعودي حرص على القاء اللوم صراحة على الرئيس الفرنسي، جراء الانفتاح على سوريا، واعاده بالذاكرة الى التحذيرات العدة التي ساقها اليه من مساوئ هذا الانفتاح. وقالت المملكة لساركوزي أنها اعطت النظام السوري الفرصة تلو الفرصة من دون طائل، وانها حالت دون ممارسة مزيد من الضغوط الدولية عليه. وكان الرد السوري يأتي دائما، وعودا جوفاء، وإمعانا في الانجراف نحو الاجندة الايرانية على حساب التضامن العربي..
وفي هذا السياق كان لافتا ما ذكره مصدر فرنسي مطلع من ان ساركوزي أكد خلال المحادثات ان بلاده مواصلة الجهود للحصول من سورية على الخطوات المطلوبة بالنسبة الى احترام سيادة لبنان واستقراره وأمنه، على أن تتحسن الأمور وتستقر نحو الأفضل في هذا البلد.
وان ساركوزي طلب من العاهل السعودي ان يثق بهذه الجهود، وانه سينتظر مزيدا من الخطوات السورية في الشأن اللبناني، وفي حال لم يحصل عليها، فإنه سيبني على النتائج مقتضيات جديدة للسياسة الفرنسية مع سوريا.
الرئيس الفرنسي عاد بخفي حنين من الرياض التي قصدها بحثا عن مزيد من المخارج لازمة الاقتصاد الفرنسي، ففتحت له المملكة دفاتر حساباتها السياسية وطالبته بالالتزام بالوعود التي قطعها على نفسه في الشأن اللبناني السوري متجاهلا نصائح الرياض وضاربا عرض الحائط بمصالح المملكة والمصالح العربية لحساب إعادة تعويم النظام في دمشق.
فهل سنشهد في قادم الايام بروز سياسة خارجية سعودية، اخذت معالمها تتبلور بعد ان اعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز صراحة في قمة العشرين انه غير مستعد لتوظيف فائض السيولة النقدية لدى المملكة، الذي يأتى من عائدات النفط، في صناديق دولية لتعويم اقتصادات دول تنهار، وبعد إعادة ساركوزي ووفده العسكري الاقتصادي خال الوفاض، وتاليا الاصرار على توظيف العلاقات الاقتصادية والديبلوماسية السعودية مع العالم بما يخدم مصالح الجانبين؟
Mtaher08@gmail.com