أتكون رفاهية حين تخضع التفاصيل للرموز؟
حين توهب القداسة لمنصب، لقول، لقيمة.. لا لإنسان
لأني إنسانة.. لم أترك لأعبث كما يحلو لي..
هناك في البعيد سلف ترك لي مأثوراً.. كل صغيرة وكل كبيرة لها حكم في قلمه الوضعي الخالد…
بحسب ذلك فإن حياتي العاطفية والنفسية والجسدية قد مر بها وبحذافيرها رجل من مئات السنين، امتهن ذات المهنة وتعلم ذات التعليم، وتعامل كذا وكذا مع تطورات وتغيرات وتعقيدات الحياة بالفرح والحزن والنوم والطعام والشراب والحب والشهوة واللوعة والنزاع والصلح..
معروف كبير قدمه سلف ذلل صعاب التفكير..
وليس علي سوى التطبيق..
لكني أكره التقليد، وأكره الاقتداء المطلق بالغير والامتثال الكامل بالتجارب السابقة، أشد ما يجذبني إلى هذه الأرض هو جمال التجارب عليها وإن استعصت وإن أحزنت نهايتها.. من التجارب استمد التجديد ومن التجديد والتغيير أتنفس.
يصرون أن أكون نسخة عن أصل قديم كغيري من النسخ التي تملأ المنطقة… أضافوا لمقدساتي القليلة مئات المقدسات.. رموز دين ومجتمع وحتى رموز سياسة دخلوا مضمار القداسة.. ملوك وأئمة لا نهاية لعددهم، هل أجرؤ على نقد فكرهم، وهم المختلفون حتى النخاع في كل شيء..
نسخة حديثة من قساوسة محاكم التفتيش تضبطنا، تأمرنا بطاعة الأنبياء الجدد..
كل شيء في هذه المنطقة يسير وفق ناموس مريع.. كل شيء مدروس باتقان، كان شخص عبقري ذاك الذي خطط لهذه الحياة..
لم يكن سهلا أن يوصله رشده إلى الطريقة.. ليتحكم بنمط حياة سلالات بشرية طويلة.
لكنه توصل لها في النهاية.
اللعنات كانت الطريقة.. لعنات عددها بلغ الآلاف.
أولها لعنة الأسئلة، ولعنة النقد.. ففيهما الهلاك والاقتراب من الحدود..
لمَ لا أقترب من الحدود؟ ما الذي يليها؟؟ تليها المعرفة.. كلنا علينا أن نعرف.. لكن اللعنات قد ختمت على جبهاتنا، منعتنا من المعرفة. حرمت علينا السؤال.. لساننا لا يسأل.. يردد فقط خمسة أو ستة أجوبة حفظها ويكررها ثم يكررها إلى أن يموت أو تموت صاحبة اللسان… يموتان مطمئنان لنجاحهما في الانتصار على لعنة الدماغ. العضو الأشد نجاسة في جسم الإنسان.. لعنه تصيبه حين يفكر، لأن العقل بدعة..
اللعنة على من تنام قبل أن تنال رضا الزوج.. المنصب المقدس في العائلة..
الأشخاص ذوي المناصب المقدسة كانوا هم الطريقة..
ما يسمى باختلاف وجهات النظر بين الزوجين، يصيب بلعنة تطرد من رحمة الله،، هذه المرة اللعنة آتية من الملائكة رمز السلام والمحبة واللون الأبيض.. لأن الزوج استاء من زوجته، ولأن الزوجة اختلفت مع الرمز المقدس بالعائلة… هكذا ينشأ المواطنون صغارا في بيوت الطاعة، وهذا هو ضمان السلف لسكوت أنثوي طويل. لصمت يمتد دهور ودهور..
كما صمتُ المواطنين إزاء حكامهم..
في الخروج على طاعة الحاكم لعنة.. قداسة منصبه قربت من قداسة الله وأنبيائه، هكذا فسرت الآيات وحملت أكثر من طاقتها.. استخدمت لصنع المقدسات.. لصناعة بشرية اسمها طاعة الكبير المطلقة..
أكان الأمر بعدم الخروج على طاعته لأجل الحفاظ على وحدة داخلية، أم لإبقائه على العرش؟
حين يحاط السياسي بتلك المباركة السماوية، فهل باستطاعة أحد أن يطالبه بتصحيح اعوجاج؟
ولا زلنا نحلم بالديموقراطية.. نحلم بمشاركة قداسته الحكم..
العيب، العار، الحياء…
ملعونون أولئك المتشبهون بالكفار وإن بملبسهم، ملعونة المتشبهة بالرجال ويلعن المتشبه بالنساء، ويلعن التفكير وتلعن المعرفة، وتلعن من تنزع شعر الحاجب وتلعن الأغاني ويلعن السفر لغير حاجة ويلعن العطر وتلعن الزينة ويلعن العشق ويلعن الاختلاط… وتمتد دائرة اللعنات فتحجب الضوء عن الطريق وتملأه حفراً عميقة، الطريق الذي نتوهمه أمامنا مستقيماُ مضيئاً..
أفكر بحرية، فأنطلق.. أتحرر من العار، أتعرى من الممنوع والعيب والحرام المرسوم.. أفكر بتحرر أكبر، أتعرى أكثر من الرموز وكل المعبودات من قيم وأنساق..
فتأتي الأفكار تباعاً.. تتوالى…. ولحظة يغالبني الإبداع.. تأتي أوامر ذاتية عليا بإيقاف الذهن العاصف. فإما أن أتجاهلها وأسير قدماً أو أمتثل لها وأعد الأيام استعدادا للمجهول…
أغبط إنساناً ثار على ما أعيشه قبل مئات الأعوام، بعدها مشى بتحرر وفكّر بعري دون أن يوقظه أحد من سباته المعرفي، حتى ضاقت به الأرض فخرج للفضاء يعيش سباتاً معرفياً جديداً..
اللعنة عند كل صلاة..
اللعنة على دول عظيمة بحضارتها، بانبهارها بالإنسان..
تحرر أفرادها من المقدسات.. بقي الإنسان وحده المقدس.. حقوقه، حرياته، صفاء ذهنه.. ليس لأجله كمواطن فقط بل لتهيئة جو يحفزه على جعل بلده أعظم بلد في العالم وهكذا كان..
كان أن أبدعوا في جميع العلوم والفنون، تمادوا بالتفوق..
وفي مكان آخر حيث القداسة للمناصب والأنساق، بقيت جماعات أدمغتها سجينة نفسها، أدمغتنا عدوتنا.. ليست سجينة الحكام والأهل والناس.. الرقابة عندنا ذاتية بإتقان.. منع الخلايا الدماغية عن آداء مهمتها يأتي بقرار صادر من عقل ذات الجسد..
albdairnadine@hotmail.com
• كاتبة من السعودية
اللعنات كانت هي الطريقة
شكرا على مقالك الجميل