منذ بضعة ايام صرّح العماد ميشال عون ان زيارته لدمشق ولقاءه مع الرئيس بشار الاسد هي كالزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الفرنسي شارل ديغول لالمانيا والتي تمّت عام 1962 واجتمع اثناءها مع المستشار الالماني في حينه كونراد أديناور. مع الأسف كنت اتنمى ان يقوم احد غيري ويشرح لرئيس التيار الوطني الحر ان هذه المقارنة غير صحيحة على الاطلاق، فالقواسم المشتركة بين الزيارتين قليلة ومحدودة. أول قاسم مشترك هو ان المانيا وفرنسا مثل سوريا ولبنان لهما حدود مشتركة وان سوريا احتلت لبنان عسكرياً. والنقطة المشتركة الثانية تتعلق بالاشخاص، ذلك ان كلاً من ديغول وعون كانا جنرالين في حياتهما المهنية وعرفا طريق المنفى، لكن المقارنة تنتهي هنا.
في المقابل، في تاريخ العلاقات الفرنسية – الالمانية لقاء آخر يشبه بشكل غريب الزيارة التي سيقوم بها العماد عون لدمشق، انه لقاء بيار لافال وأدولف هتلر يوم 22 تشرين الاول 1940، وهنا البرهان على ذلك.
عندما قابل ديغول المستشار أديناور كان رئيساً للجمهورية الفرنسية وكان يتكلم باسم فرنسا والفرنسيين. أما عندما التقى بيار لافال هتلر فلم يكن سوى نائب فرنسي وفي مصادفة غريبة، نائب لرئيس الحكومة. كذلك فان العماد هو اليوم نائب ورئيس لكتلة نيابية يصرخ ويتوعد أكثر بكثير مما يتكلم.
كذلك الامر، عندما زار ديغول المانيا عام 1962 فهو زارها بعد سقوط النظام النازي وانهزامه بزمن طويل وبعدما انخرط الشعب الالماني مجدداً في المسار الديموقراطي وقد التقى ديغول آنذاك كونراد اديناور احد أكبر رموز الديموقراطية والبناء الاوروبية ولم تعد المانيا تشكل في ذلك الوقت اي تهديد لفرنسا ولم تكن تتدخل في شؤونها الداخلية. أما لافال فقد التقى هتلر عندما كانت فرنسا تحت رحمة المانيا، العماد عون يزور سوريا اليوم ليجتمع بالنظام البعثي ذاته الذي تدخل في كل مراحل الحرب الاهلية وفي الفساد الذي شاهدناه بعد الحرب، وهو لا يزال يواصل تدخله في الشؤون الداخلية لهذا الوطن.
عام 1962 كانت المانيا وفرنسا تتمتّعان بنظاميين سياسيّين متقاربين وفعالين يؤمنان تفويضاً شعبياً حقيقياً لقادة البلدين المنتخبين ديموقراطياً وهذه ليست حال لبنان من سوريا عام 2008 اذ لا تزال السياسة تتربع على رأس السلطة منذ ما يقارب الاربعة عقود، بفعل العنف والانقلابات العسكرية. كما ان المانيا التي زارها ديغول لن تكن تحتجز بطريقة تعسفية معتقلين سياسيين فرنسيين ولا حتى ألماناً، وهي لم تعد تستعمل التعذيب ولا وسائل عنف أخرى من أجل انتزاع الاعترافات، كما انها لم تكن تتدخل في الشؤون الداخلية لفرنسا ولم تكن تحلم بالعودة اليها، ان هذه ليست حال سوريا البعث اليوم والتي لم تخرج من لبنان الا بفضل ثورة الارز والضغوط الدولية، وهي ما تزال تزرع الفوضى الداخلية وتضرب الاستقرار بجميع الوسائل. ان لقاء ديغول – اديناور كان من الند للند وكان هدفه بناء مستقبل افضل لبلديهما ولاوروبا، اما لافال، فقابل هتلر من اجل توطيد التعاون والتعامل الفرنسي – الهتلري المستقبلي، لكن العماد عون سوف يبحث مع الرئيس الاسد في مستقبل تعامله مع سوريا والاستراتيجية والوسائل الواجب اعتمادها من اجل الانتصار في الانتخابات المقبلة على القوى السيادية اللبنانية التي تعارض سياسة سوريا في لبنان. ان ديغول كان قوة موحدة في فرنسا، بينما لافال كان رمزا للانقسام وللعمالة للنظام النازي، فهو دافع علانية عن سياسة هتلر وسلم الالمان مواطنين فرنسيين تم ترحيلهم او اعدامهم. منذ ان تحول الى احد منفذي السياسة السورية في لبنان اصبح العماد عون احد اكبر المدافعين علنا عنها، متنكرا لكل ما قاله طوال خمسة عشر عاما، زارعا بتصريحاته الحقد والكراهية بين اللبنانيين وبين المسيحيين. اما ما يخص المعتقلين اللبنانيين في سوريا والذين كانوا جزءا لا يتجزأ من خطابه في ما مضى، فقد اصبحوا مصدر احراج له اليوم او على الاكثر ورقة تستعمل في اطار معاركه الانتخابية. لم يحد الجنرال ديغول مطلقا عن سياسته المدافعة عن مصالح فرنسا ولا عن مواقفه السابقة، اما بيار لافال فقد كان انتهازيا وغيّر مرات عدة سياسته من اجل ارضاء طموحه، فهو بدأ اشتراكيا عام 1905 ثم تحول الى انصار السلم خلال الحرب العالمية الاولى، بعد ذلك جنح نحو اليمين من اجل ان يصل الى الحكم، وهذا لم يمنعه من ان يقابل ستالين وان يوقع معه معاهدة تعاون فرنسية – سوفياتية، وانتهى بعد ذلك يمينيا متطرفا متعاملا مع الاحتلال. ان ميشال عون يقول الشيء وعكسه، فهو يغير مواقفه من غير ان يأخذ في الاعتبار انعكاساتها على الوطن وعلى المواطنين او على الذين ناضلوا الى جانبه. ان الشيء الوحيد الذي يهمه هو ان يصل الى اهدافه الشخصية بأية وسيلة كانت.
وباختصار، عندما توجه ديغول، صاحب القرار والرؤيا والهالة الوطنية، الى العاصمة الالمانية بون من اجل لقاء اديناور رمز المانيا الديموقراطية والمعاد بناؤها بعد هزيمة النظام التوتاليتاري والفاشي، بنيّة الشركة بين الدولتين، فإن عون يسلك اليوم من اجل مصلحته الشخصية طريق دمشق كوكيل منفذ من اجل ان يقابل كمرؤوس رئيس بلاد لا تزال ترزح تحت نير الديكتاتورية.
واخيرا ان الغاية من هذا البيان ليست في اي حال من الاحوال انتقاد اي كان، بل الدفاع عن ذكرى رجلي دولة من اهم رجالات اوروبا في القرن العشرين امام الجيل اللبناني الجديد، ومن اجل قطع الطريق على المقارنات الملتبسة والتي بالتأكيد لا تشكل اطراء للرجلين ولا لشعبيتهما.
* عميد حزب الكتلة الوطنية
(النهار)