بدء من عام 1979 كرس هذا المثقف الجاد أربعين كتاباً ونيف من مجموع مؤلفاته السبعين لدراسة فترة صعود وإنحدار الليبرالية المصرية في القرن العشرين, وذلك من خلال آلية محددة يعَّرفها علم الاجتماع بأنها: فن كتابة التاريخ أو استخدامه Historiography.
والحق أن هذا العمل الضخم الذي اضطلع به الجوادي إنما كان استجابة حاشدةً للدعوة التي أطلقها كولن بل، وهوارد نيوباي للحد من الإسراف في الاهتمام بالقضايا الإبستمولوجية المتعلقة بهذا العلم، ذلك الإسراف المؤدي إلى تحجيم البحث الإمبريقي في القضايا ذات الطابع السوسيولوجي (الاجتماعي والاقتصادي والسياسي). ومن هنا جاءت أبحاث الجوادي في شكل استعراض نقديّ لمذكرات النخب الفاعلة من ناحية، ومن أخرى في هيئة قراءة تحليلية للسير الذاتية Memoirs للشخصيات المؤثرة جذرياً داخل الدائرة النخبوية: رؤساء وزارات, وزراء, قادة عسكريين, رجالات أحزاب, رواد فكر وأدب…. إلخ.
ومن الواضح أن الدكتور الجوادي قد وضع لنفسه, ومنذ البداية, استراتيجية نصية هدفها دراسة تلك الفترة المفصلية في تاريخ مصر الحديث (فترة صعود وهبوط الليبرالية) كأحداث تم اكتمالها, ومن ثم صارت عملية كتابة تاريخها متاحة ً في مظهرها البياني, شريطة أن تُرتب مُدخلاتها ومخرجاتها في هيئة تعيد بناء الفترة موضوع الدراسة. وهو ما حققه فعلاً مؤلفنا الجوادي بامتياز, حتى أنه صار مستحقاً للقب مؤرخ السير الذاتية
.Mr., Historiographer of Memoirs
وفي تقديري أن الكتاب الذي نعرض له هنا: يساريون في عصر اليمين ( الذي هو بالمناسبة أخر إصداراته) إنما يكشف بوضوح تام عن رؤية المؤلف لطبيعة الفترة الناصرية باعتبارها تواصلاً تاريخياً للاستبداد الذي أسماه مؤلفنا: اليمين. وهي رؤية تخالف ما روج له البعض من وهم شاع بين قطاعات عريضة من النخب الثقافية، كانت – وربما ما زالت – تنظر إلى تلك الفترة بحسابها تجلياً لليسار غير الشيوعي في عالمنا الثالث. ومن الإنصاف أن يُشار إلى أن هذا الخطأ قد وقع في سياق تحلل الفكر الماركسي اللينيني اعتبارا ً من رحيل ستالين 1953 والتحول عن الماركسية الأرثودكسية الذي بدأه خروشوف السكرتير العام نفسه في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الروسي عام 1956 مما حدا بالكثيرين إلى إعادة ترسيم مصطلح اليسار بالهيئة التي ظهر بها أول مرة إبان الثورة الفرنسية, حين جلس النواب “اللبراليون” نواب الطبقة الشعبية – في ذلك الوقت – إلى يسار الملك لويس السادس عشر في أول اجتماع لممثلي الطبقات الثلاث (النبلاء – رجال الدين – العامة) أوائل عام 1789 وعشية انفجار الثورة.
غير أن اليسارية – في تطورها المصطلحيّ – لم تعد تشير إلى ذلك الوضع حسبُ, بل صارت تعبر عن اتجاهات فكرية وسياسية جد مختلفة في الزمان والمكان. فاليسارية في أوربا القرن العشرين تمثلت في التيارات والأحزاب التي تبنت الاشتراكية والديمقراطية ذات المحتوى الاجتماعي, لكنها كانت “مرض أطفال” بنظر لينين وثورة البلاشفة, وهي الآن “اللبرالية” بمعناها السياسي القويم في أمريكا.
فإلى أي معنى قصد مؤلفنا حين صنف الناصرية في خانة اليمين؟ واضح أنه يتبنى المفهوم الأمريكي ذا المحتوى اللبراليّ، بالنظر إلى المعضلة الفكرية والسياسية التي تعيشها مصر منذ العصر الفرعوني وحتى الآن، أعني معضلة استبداد الحكومات المندرجة ضمن نموذج دولة الطغيان الشرقيٍstate of Oriental Despotism . فالدولة – حسب تعبير ماكس فيبر – وهي “ذلك الجهاز الذي يحتكر القوة المشروعة داخل حدود إقليم معين” ولما كانت مصر الدولة قد ظهرت في التاريخ القديم تعبيراً عن إقليم جغرافيّ متماسك Concrete ذي وحدة هيدروليكية لا غش فيها، فلقد صار منطقياً أن يتمتع جهاز الدولة بميزات الهيمنة ، ليس فحسب على مؤسساته الضرورية مثل الجيش والشرطة، بل وأيضاً على النشاط الاقتصادي, والحياة الثقافية (الدين, التعليم, النقابات….الخ) غير مفسح ولو لمساحة ضئيلة لما يعرف اليوم بالمجتمع المدني. وبالطبع جرى ذلك في ظل ما يسمى بالنمط الآسيوي للإنتاج
Production Asiatic mode ofالذي يرتكز على معطيات ديموجرافية تحتم وجود حكومة مركزية قوية لدواعي الأمن والإنتاج المستقر.
غير أن هذا النمط الآسيوي ما يلبث حتى يسم المجتمع بطابعه. فيغدو المجتمع جامداً Inorganic مفتقراً للحيوية، مذعناً للمتسلط بوصفه قدراً مقدراً. ويظل هذا هو الحال إلى أن تتغير أنماط الإنتاج، بأن ينتقل المجتمع من الاعتماد على الزراعة وحدها إلى مرحلة الإنتاج الصناعي. عندئذ يجد الناس فرصتهم لتغيير الثقافة السائدة، بإحلال ثقافة جديدة محلها، ويطلق على ذلك الانتقال المجتمعي مصطلح الثورة، وهو ما جرى بالضبط في الأعوام من 1919 إلى 1923 حيث تمخضت تلك الفترة عن ميلاد اللبرالية المصرية تعبيراً عن نضج المجتمع البورجوازي (المدني) واستعداده للحاق بركب التحول إلى النمط الرأسمالي في الإنتاج.. ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. وآية ذلك أن تقسيم العمل الدولي – بعد الأزمة الاقتصادية العالمية 1929 – استدعى أولاً قيام حرب عالمية جديدة, واستدعى ثانياً إعادة هيكلة السوق الرأسمالي العالمي بما يغلق الباب أمام الأطراف Peripheries حتى تظل بمنأى عن منافسة المركز الغربي في أمريكا وأوربا. فماذا كان على مصر أن تفعله إلا بأن تقوم “الدولة” باستعادة هيمنتها التقليدية تكديساً لمصادر القوة, وبحثاً عن أسواق موازية؟! ذلك ما يفسر إجراءات التمصير والتأميم ورفع شعارات الاشتراكية التي تغرطش على حقيقة نظام رأسمالية الدولة البيروقراطية.
ربما كان هذا هو سبب إعراض مؤلفنا عن تحليل مواقف ومذكرات قادة اليسار الشيوعي امثال محمود أمين العالم، ود. رفعت السعيد، ود. فتحي عبد الفتاح ود. مأمون البسيوني ممن كتبوا عن معاناتهم داخل المعتقلات وخارجها, ولو في هيئة أعمال أدبية. فمؤلفنا د. الجوادي أراد بكتابه هذا – أن يعرض لليسار غير الشيوعي بالمفهوم اللبرالي الذي أشرنا إليه آنفا ً. ولهذا اختار لكتابه أربعة من الأعلام ذوي التوجه اليساري (يسار السلطة من داخلها وليس من خارجها) ليدرس أدوارهم في صناعة القرار أو في تعديله أو حتى في إلغائه. فكان أن وقع اختياره على الدكتور محمد مراد غالب الذي شغل مناصب وزارية في العهدين الناصري والساداتي دون أن يفهم حتى معنى الطبقة! ثم الدكتور رشدي سعيد عالم الجيولوجيا الذي تولى رئاسة مؤسسة التعدين لعشرة أعوام أهدر فيها الملايين على مشروع فوسفات أبي طرطور. ثم د.حامد عمار أستاذ التربية الشهير ذي الأخلاق البيورتيانية والمرتعب إلى حد الوسوسة من ذكر أجهزة الأمن! وربما لهذا داعبه د. الجوداي بأن :اشتغل” عليه كضابط أمن “لغوي” يضبطه متلبساً بالخطأ تلو الخطأ، مذكراً إياه بالصواب المفترض الأخذ به.
أما رابع الفرسان اليساريين فكان الدكتور عبد العظيم أنيس, وهو الوحيد بخلاف زملائه الثلاثة السابق ذكرهم الذي عاين تجربة الأعتقال قبل 1952، وعاينها ثانية في عام 1959 حيث ظل حبيساً ضمن الشيوعيين المنظمين- ربما نتيجة خطأ إداري من أجهزة عبد الناصر – فجاءت مذكراته حية مليئة بالمشاهد الإنسانية الأليمة, مثل مشهد مقتل شهدي عطية في أوردى أبو زعبل, ومشهد الإفراج عنه ( عبد العظيم وليس شهدى طبعا ً) بعد سنوات تغيرت فيها معالم المدينة إلى الدرجة التي كاد فيها يضل طريق العودة إلى بيته….الخ. ومع ذلك تبقى هذه المذكرات خالية من إعمال الفكر الثاقب تحليلاً لطبيعة السلطة، ورسماً لمناهج العمل الثوري المطلوب لتحرر الطبقة العاملة من نير الرأسماليين. ومن ثم لا يمكن بحال مقارنة كتاب عبد العظيم “رسائل الحزن والسجن والثورة” رغم صدقه وشجنه الجميل، بكتاب أنطونيو جرامشي Gramsci “كراسات السجن”، ذلك الكتاب التنظيري الهام والذي أمتد تأثيره إلى ما هو أبعد من محنة مؤلفه الشخصية بآلاف الأميال. ولعل هذا هو ما دفع بالدكتور الجوادي للأزورار عن متابعة استفاضة عبد العظيم أنيس في شرح فظائع المعتقل معبراً عن ذلك بقوله: وهذا ما لا نحب أن نكثر الكلام فيه! وعلامة التعجب من عندنا ، فكتابة التاريخ أمر يعلو على رغائبنا الشخصية التي تحرضنا على تسجيل ما نحب ، ومحو ما لا نحب.
tahadyat_thakafya@yahoo.com
• الإسكندرية
الدكتور محمد الجوادي مؤرخا ً ليبراليا ً
محمد فريد السندروسى
الدكتور محمد الجوادي مؤرخا ً ليبراليا ً
الحياة اختيارات علينا احترام اختيارات الاخرين حتى لو اختلفنا معهم الناصرية السادتيه المباركيه عهود لرؤساء مصر الاشتراكيه الرأسمالية نظم حكم ونسينا دين الله شرع الله حكم الله لاتقدم لنا دينا دنيا روحا علما الا بالاسلام
الدكتور محمد الجوادي مؤرخا ً ليبراليا ً
دمحمدالجوادى اعرفه شخصيا من ايام مدرسة المتفوقين الثانوية شخص غاية فى الذكاء للاسف قضى عمره يجرى وراء سراااااب منافق بامتياز يجالس اساتذة الجامعات ليكون مهرج الجلسة ومضحكهم وناقل الاخبار بينهميسعد بالفتن والمؤامرات ماذا حصدبعد70كتابا؟ ليته انتبه للطب كان ممكن جدا يكون طبيب عظىم الله يلعن الشيطان
الدكتور محمد الجوادي مؤرخا ً ليبراليا ً
بالطبع الناصرية فاشية بأمارة أن أصحابها
( أصحاب الفيل ) تلذذوا برمي الشعب المصري بحجارة المعتقلات والتعذيب الذي هو من سجيل . والقول بأن الناصرية يمين بنسى أن الأحزاب اليمينية في أوربا وأمريكا لا يمكن أن تأتي بمعشار ما أتت به الفترة الناصرية من فظائع كللتها بالهزيمة المروعة
والتي لا يزال المصريون يدفعون ثمنها حتى اليوم وغدا وبعد غد
الدكتور محمد الجوادي مؤرخا ً ليبراليا ً
إذا كان اليسار هو التعبير السياسي عن مصالح الطبقات الشعبية ، فالناصرية لهذا المعنى تمثل أقصى اليمبن ، ولا يخدعنكم انحيازها لفقراء الفلاحين والعمال في الميدان الاقتصادي ، فالشعب ليس أغنام تريد العلف والبرسبم ، ويكفي أن عبد الناصر شطب حق هؤلاء في إقامة تنظيماتهم المستقلة من أحزاب ونقابات ، ووضع كل معارض لسياساته في المعتقلات والسجون ، والنتيجة الهزيمة العسكرية أمام إسرائيل ، وانبطاح خلفائه أمام أمريكا، ولأن الأمور بخواتيمها كما يقول شكسبير فلابد أن تصنف الناصرية يمينا كما رآها الدكتور الجوادي
الدكتور محمد الجوادي مؤرخا ً ليبراليا ً
الدكتور محمد الجوادي ينتمي للمدرسة الأمريكية في التأريخ ، ولهذا لا يعترف باليسار الشيوعي. ولهذا أيضا استدعى نماذج هزيلة من اليسار المصري ليطبق عليها نظريته التي رأت أن الناصرية شريحة سياسية من قوى اليمين السلطوي ، نعم هو لم يقل ذلك صراحة وإنما استنتجه الكاتب ” الماكر ” مهدي بندق .. حبث جاءت الفكرة على هواه . ومع ذلك يبقى السؤال مطروحا : هل كانت الناصرية يمينا متنكرا في زي اليسار ؟!