حاوره “سعد كيوان” في بيروت-
كيف تقرأ الهجوم العسكري الاميركي المفاجىء على سوريا، في وقت كانت كثير من المؤشرات توحي بما يشبه وجود هدنة عشية الانتخابات الأميركية؟
كثر الكلام منذ أشهر عن امكانية اعادة ترتيب وضع سوريا مع المجتمع الدولي، وتحديدا منذ اغتيال القائد العسكري لـ”حزب الله” عماد مغنية في 12 شباط الماضي، تحت عنوان فك ارتباط سوريا بايران بما يؤمن بقاء هذا النظام. وتتالت المؤشرات بعد اغتيال مغنية، خصوصا في ما يخص الوضع اللبناني الداخلي. اذ بعد “اتفاق الدوحة” سهلت سوريا انتخاب رئيس للجمهورية وأتاحت تشكيل “حكومة وحدة وطنية”.
ثم وافقت على اقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء بين البلدين، وتبع ذلك حشود عسكرية سورية على الحدود الشمالية تحت عنوان التزام تطبيق القرار 1701 و… وبين هذه وتلك، اغتيال اللواء السوري محمد سليمان المستشار الأمني لبشار الأسد الذي كان يومها يقوم بزيارة الى طهران. كل ذلك تنفيذا لشروط ومحفزات تتولاها فرنسا من أجل ترميم العلاقة بين سوريا والعرب من جهة، والعالم من جهة أخرى. وبالتزامن، حصلت اجتماعات أمنية في بغداد ضمت أميركا وتركيا وسوريا والعراق بهدف خلق تفاهم أمني اميركي مع سوريا والعراق وايران من أجل ضبط الوضع العراقي الداخلي، وبالتالي ضبط الحدود.
ولكن تصريح مسؤول أمني اميركي بعد ضربة البوكمال كان واضحا لجهة القول ان الاسترخاء السوري في ضبط الحدود أدى الى التدخل العسكري. بمعنى آخر، ان اميركا كانت تنتظر من السوريين وفقا لالتزامات مسبقة مهمة ضبط الحدود، ولأن سوريا لم تفعل اضطرت الولايات المتحدة للتدخل.
انطلاقا من هذه القراءة، فان ضربة البوكمال نسفت مقولة ان سوريا قادرة على الالتفاف على الواقع السياسي والعسكري المفروض على المنطقة من قبل الوجود العسكري الاميركي. كما ان الضربة أسقطت مقولة ان سوريا قادرة على تأبيد سلوكها ونظامها، مقابل ديموقراطيات العالم الحر التي تتغير. وهي تراهن على عامل الوقت لتتكيف مع الادارة الأميركية الجديدة التي ستحمل برأي سوريا تبدلا في السياسة الأميركية. وأنا أرجح هنا أن تتكرر حادثة البوكمال “غب الطلب” على شكل ضربات “تذكيرية”…
وماذا تعني الضربة في السياسة على الصعيد الأقليمي؟
تعني ان سوريا سعت دوما وراء دور اقليمي محوري، وعلى العرب والعالم الاعتراف لها بهذا الدور في فلسطين والعراق ولبنان تحديدا، وان استقرار هذه الدول رهن بالتسليم لها بهذا الدور. وهي تعيش أيضا حالة انتفاخ اقليمي بغض النظر عن الظروف والمتغيرات. ولكن ما يحصل هو العكس تماما، على سوريا ان تعود الى لعب دور طبيعي كسائر الدول، وأن تفهم أيضا ان ليس هناك من سيلزّمها اعادة عملية التهدئة في لبنان وفلسطين والعراق.
وأين اصبح الكلام عن دور فرنسي لاعادة “تسويق” النظام السوري على الصعيد الأقليمي والدولي برضى أو تواطؤ اميركي؟
أنه ليس بالأمر الوارد، ولم يكن واردا في الأصل.
لكن المرحلة الأخيرة شهدت تطورات مهمة على الصعيد الأمني، تدرجت من عمليات تفجير في لبنان اعتبرت سوريا أنها باتت تشكل خطرا عليها، وحذرت من دور “الأصوليات السلفية” في شمال لبنان، ثم “انتقال” هذه العمليات الى داخل سوريا وبشكل كثيف ومتسارع، مكّنت السلطات السورية من تصوير نفسها وكأنها ضحية للارهاب؟
ان ما يقلق سوريا تحديدا هو هاجس التفلت من الجرائم التي ارتكبتها في لبنان، فهي تحاول ان تفرض على المجتمع الدولي معتدلة الأمن مقابل العدالة. أي انها تريد القول انه اذا أراد المجتمع الدولي الاستمرار في المحكمة، فبامكان سوريا زعزعة الاستقرار. وقد رأى النظام السوري ما حصل في السودان مع عمر البشير فرصة مشجعة لهذه المعادلة. ولكن بامكاني ان أؤكد أن المحكمة غير قابلة للمساومة.
هل من علاقة لهذه التطورات بما يجري في داخل سوريا، من ضباط يٌصفّون او “يختفون” وآخرون يٌرفعون و”يٌكافأون”؟
النظام السوري يريد الايحاء انه قادر على التفلت من مسؤولياته، وهو مضطر في الوقت نفسه لاشاعة مناخ من الثقة لهؤلاء الضباط الذين هم على لائحة المشتبه بهم في جرائم الاغتيال في لبنان، من أجل القول أنه اذا تم التوصل الى تسوية فلن يكون ذلك على حساب هؤلاء الضباط، أمثال رستم غزالي وجامع جامع وآصف شوكت وغيرهم. أي ان النظام يسعى الى طمأنتهم كي لا يواجه وضعا صعبا عندما يضطر لاتخاذ القرار الصعب، لذلك فهو يرقّيهم اليوم… كما أنه، منذ أربعة أشهر، وبعد صمت طويل، قال الأسد انه عند اغتيال رفيق الحريري كان الأمن في لبنان في عهدة الأجهزة الأمنية اللبنانية، أي أنه عمليا يدين الضباط اللبنانيين الأربعة الموقوفين منذ بداية التحقيق الدولي، منذ أكثر من ثلاث سنوات. بعدها لم نعد نسمع دفاعا عنهم من أحد واقتصر الأمر على بيانات يصدرها اللواء جميل السيد من السجن.
ضمن هذه الصورة، التي ترسم هل من تمايزات تظهر في الأفق بين الموقف السوري والايراني، وما هي مؤشراتها؟
كثيرون راهنوا على هذا الأمر، ولكني شخصيا لا أعتقد ذلك. ربما كانت هناك اشارات، وسرعان ما تبعها إشارات متناقضة تصب في الاتجاه المعاكس. وقد طرح هذا الموضوع أساساً في مؤتمر أنابوليس، في كانون الأول 2007، وتطور ليتحول الى محاولة جدية من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. الا أنه لم يشهد أي إنعكاس له على الوضع الداخلي في لبنان، لم نشهد مثلا بروز جناح سوري في 8 آذار يقابله جناح ايراني في 8 آذار. أعتقد انها مجرد أوهام.
كيف تفسر تهافت “حزب الله” نحو “المصالحات الداخلية”؟
اذا وضعت نفسك في موقع “حزب الله” ونظرت الى المشهد الاسرائيلي واحتمال توجيه ضربة عسكرية أو أمنية له كفيلة بحلحلة المشاكل السياسية الداخلية في اسرائيل، واذا نظرت الى سوريا وهي تفاوض اسرائيل، واذا نظرت الى التشنج الاسرائيلي الأميركي حيال ايران واحتمال توجيه ضربة عسكرية، عشية تبدل الادارة الأميركية، يصبح بالامكان تفهم سعي “حزب الله” الى الالتصاق بالداخل اللبناني. فهو من جهة يحمي نفسه ليصبح جزءا من النسيج الداخلي اللبناني بعد أن أصبح يشكل عبئأ على اللبنانيين، عندما قام في 7 أيار بغزو بيروت وحاول اجتياح الجبل، ومن جهة أخرى يقوم بانتظار التطورات الأقليمية محاولا تبريد الأجواء لسحب موضوع سلاحه من التداول، وارغام قوى 14 آذار على الغائه من أدبياتها السياسية.
هل أن اللقاء الذي عقد الأحد الماضي بين سعد الحريري وحسن نصرالله بعد طول مخاض هو مجرد “مصالحة” أم أنه يؤسس لمرحلة جديدة بعد تأكيد “حزب الله”على “اتفاق الطائف”؟
أهمية اللقاء أنه أفضى الى فض اشتباك بين الطرفين، وأكد على الاختلاف السياسي بين 14 آذار و8 آذار، ونقله الى الانتخابات المقررة في الربيع المقبل، بدليل ان نعيم قاسم، نائب نصرالله، أكد بعد أربع وعشرين ساعة على اللقاء على الاختلاف السياسي بين الطرفين، وناشد الجميع عدم توظيف الخارج في معركة الداخل. أما التأكيد على “الطائف” فهو يسجل لصالح الحريري، الا أن ما يريده “حزب الله” لا يمت لـ”الطائف” أو لـ”اتفاق الدوحة” بصلة. انه يريد فقط الاحتماء بالداخل تحسبا لتعقيدات قد تحصل في المنطقة.
وهل من “مصالحة مسيحية”؟
المسيحيون مدعوون للخروج من القرن الماضي والدخول في العصر. لقد أصيبوا بهزيمة بعد اغتيال مشروع بشير الجميل، ومنذ ذلك الوقت خرجوا من المسرح السياسي، على صعيد المنطقة والعالم وتراجع حضورهم في موازاة المسلمين. انقطعت علاقتهم بالمحيط، ولم يعد لهم علاقة جدية مع الغرب بعد ان فقد الأخير ثقته بهم. واليوم، بدل أن يسعوا للعودة الى العالم يرجعون الى القرن الماضي، ويتمحور خلافهم حول “مين قتل بيي ومين قتل بيّك”، فيما العالم العربي والغرب مهتم بالمسلمين. فهذا حسن نصرالله في ايران، وهذا الحريري في السعودية وفي قصر الاليزيه والبيت الأبيض، أما المسيحيون فهم محنطون في سلوك وخطاب قديمين. اذا أحسنوا القراءة وسارعوا الى تحويل أنفسهم الى رأس حربة مشروع 14 آذار لبناء الدولة ربما يعودون كلاعبين على المسرح السياسي. أما اذا ظلوا محكومين برواسب الحرب الأهلية ويتحكم بهم مرض تحديد الأحجام داخل الطائفة من دون سواها، فمن الطبيعي أن تنسف المصالحة وأن يقول لهم اللبنانيون تعبنا منكم.
ألا تعتقد أن هناك عاملاً خارجياً له تأثير في منع “المصالحة”؟
نعم، هناك دور لسوريا في الموضوع، ولكن المرض الأساسي هو مسيحي وليس دائما “الغريب هو من يسرق الجرّة”، كما يقول المثل العامي. فما معنى أن يسامح سليمان فرنجيه من قتل والده ولا يسامح عسكري نفذ القرار وشارك في عملية الاغتيال؟ وكيف يقبل عمر كرامي أن يجلس مع سمير جعجع وزيرا في الحكومة التي شكلها هو في 1992، ويعود ويتهمه اليوم بأنه مجرم؟
هناك عقم مسيحي في الأساس، علما ان كل الطوائف تمر بنشوة ثم تصطدم بالواقع وتعود فتتكيف مع الحاضر. الكل مسيحيا غارق اليوم في النكايات “الضيعجيّة”، من اهدن الى المدفون والصفرا وكفرشيما و… لا سياسة جدية وذات وزن في الساحة المسيحية الا في داخل 14 آذار فقط. المسيحيون يحتاجون الى اعادة ربط دورهم في دائرة الاهتمام العربي، كما فعل جعجع مثلا في زيارته الى مصر.
هل يعني أن هذا “المزاج” المسيحي يشكل الأرض الخصبة لخطاب ميشال عون؟ وهل يخيفكم هذا عشية الانتخابات النيابية المقبلة؟
اذا استمرت الحال على هذا المنوال طبعا ستخسر 14 آذار الانتخابات. مطلوب صياغة شعارات وطنية، وعلى 14 آذار التي تحضر لعقد مؤتمر قبل نهاية السنة ان تطرح برنامجاً سياسياً شاملاً وأن تعمل على وضع لوائح موحدة، والا ستفشل…
أين تصب فكرة “الكتلة الوطنية” المستقلة التي طرحها رئيس الجمهورية ميشال سليمان؟
انها خطوة ايجابية باتجاه تعزيز الدولة، علينا تشجيع منطق بناء الدولة الذي يجسده اليوم ويعمل من أجله سليمان. لذلك، لا أرى أي مانع من قيام مثل هذه الكتلة. ان عون هو من شن حملة على فكرة الرئيس، لأنه يعتبر على الأرجح انها ستكون على حسابه في جبل لبنان الشمالي. أما 14 آذار فعليها ان تعتمد سلوكا مغايرا وان تلتقط الاشارات من قبل سليمان وتحاوره مجتمعة وليس بالمفرق.
ضربة “البوكمال” كشفت محاولات سوريا لاعادة تسويق نفسها دوليا
لقد رد النظام السوري المخابرتي بقوة وبقمع وبتعسف على الغارة الامريكية التي قتلت ارهابيين كما تدعي امريكا وذلك بتهم الشرفاء الذين يدعون للحرية والديمقراطية واحترام الانسان وذلك بوصفهم انهم نالوا من هيبة الدولة…في اكتر من هيك مستوى متدني.؟ وخرج النظام المخابراتي بقوانين الذل: الحكم بالسجن على 12 معارضا من “إعلان دمشق” سنتين ونصفاً