في الآونة الأخيرة، كتب عدد من المعنيين بشؤون عالمنا المعاصر – وأنا منهم – دراسات ومقالات يبشرون فيها بدنو الموعد المنتظر، موعد سقوط الإمبراطورية الأمريكية. ومحتمل جدا ً أن من قرأوا هذه الكتابات قد شعروا بالارتياح لفكرة سقوط تلك القوة الغاشمة – أمريكا – التي جثمت على أنفاسهم وأنفاس قومهم لأكثر من نصف قرن. ومن المحتمل أيضا ً أن ُكثرا ً من القراء لم يسألوا أنفسهم: وماذا بعد سقوط أمريكا؟ وهؤلاء القراء معذورون، من حيث نشأتهم على تراتبية الكاتب المبادر الناطق، مقابل القارئ المنتظر الصامت.
ومن هنا فلقد كان الكاتب منا حريا ً وقتها بأن يطرح هذا السؤال على بساط البحث. ذلك لأن سقوط إمبراطورية ليس كسقوط قالب من الطوب على رأس أحد المارة (مع أن ارتطام قالب الطوب برأس الرجل يعد خسارة إنسانية طبعا ً) سقوط إمبراطورية شأن عالمي ودولي وإقليمي، لا مشاحة تترتب على حدوثه كوارث سياسية واقتصادية وجيوبولوتيكية غير محدودة، لكن العقل العربي المؤسس على الثقافة الأشعرية [التي تعني الاستسلام للأقدار] لا يقدر على – وربما لا يرغب في – تصورها بله مجابهتها. وتلك الثقافة في رأيي إنما هي كارثة العرب الأعظم!
في عام1979 أثناء التوقيع على محادثات “سولت 2″، صرح أحد المحللين الإنجليز بأن بلاده لم تكن تستطيع الصمود أمام جحافل الجيش الأحمر (السوفييتي وقتها) بأكثر من 20 دقيقة، وعليه ما لم تتدخل أمريكا من قواعدها في أوربا فإن أوربا جميعا ً ستغدو شيوعية في يوم وليلة! ورغم ذلك التصريح المعبر عن الواقع الإستراتيجي وموازين القوى آنئذ.. كنا، ولا زلنا نرى من كتـّاب العرب ومحلليهم من يتندر بذيلية تونى بلير لكلينتون، ثم لبوش! كما لو أن تلك ” الذيلية ” مرجعيتها ضعف شخصية الرجل، وربما قادنا خيالنا الشرقي المريض إلي تصور بلير في موقف الرجل المتخاذل المستكين [= أمينة ] أمام زوجته [= السيد أحمد عبد الجواد] في بيتهما بحي بين القصرين!
ليتنا ندع التندر على الآخرين جانبا ً، فنحن أولى به ثم أولى؛ لأننا حين ننبذ مثل هذه السفاهة العقلية، سندرك أن تبعية طرف سياسيّ لطرف آخر إنما هو نتاج لواقع ” سياسيّ ” ملفوف بمصالح الدول،واقع غير متعلق بشخصانية لا محل لها من الإعراب. وهل من المتصور إن بريطانيا– رغم تبعيتها الظاهرة – لم تكن مدركة لما سوف تئول إليه أحوال الإمبراطورية المريضة؟ إنما الأقرب إلى المنطق أنها كانت، ولا تزال تنتظر إعلان الوفاة لتحصل على نصيبها من الميراث دون جلبة، أو إغضاب للمورث.
ما أريد قوله لا يذهب الى نقد مضمون تلك المقالات والدراسات – التي أشير إليها بحسبانها مثالا على كيفية استبصار العقل العربي للأزمات – وإنما هو تحفظ على أسلوب التناول، ذلك أنني من موقعي بمعسكر الديموقراطيين العرب [ وهو موقع محدود كيفا وكما، دعنا نعترف ] أتفق مع الزملاء حول اقتراب سقوط إمبراطورية اليانكي، حتى قبل انفجار الأزمة المالية العالمية الأخيرة، بشواهد الديون الفلـــكية لأمريكا =75 تريلون، و تدهور الدولار (70% من سعر اليورو) جنبا ً الى جنب الإخفاقات السياسية الأمريكية في العراق وباكستان وإيران، فضلا عن اضطرارها للعبث بالقضية الفلسطينية بما آلت إليه، جراء هذه السياسة الأمريكية وتابعتها إسرائيل، وجوهرها : حث الأصوليين الفلسطينيين على البحث عن وطن بديل (= سيناء!) ومع الاعتراض المتوقع من القوي اليسارية واللبرالية ًتجر مصر إلى مواجهة مع “الأشقاء” المسلمين في الخارج والداخل، أو تضطر إلى التسليم لهؤلاء “الأخوة “المسلمين بما يريدون، فينفتح بذلك ملف الصدام التاريخي الديني المؤجل مع “الأخوة” المسيحيين على فضاءات غير مسبوقة، تشي بدمار وخراب المحروسة، وبعدها بالتداعي، المشرق العربي جميعه.. وهو ما تسميه أمريكا برعونتها وغبائها الإستراتيجي ” الفوضى الخلاقة “!! بينما يفضل النظام اللغوي ّ في العامية المصرية أن يسميها ” اللغوصة ” أي سكب الملوخية على البامية على العسل الأسود، مع قطع من سمك التونة.. وتحريك ذلك كله داخل طبق الطعام بالأصابع العشر، إيمانا ً بأن الآكلين سيشعرون حتما ً بالشبع و…التلذذ!
كل هذه الأزمات التي يثيرها ويقع فيها اليانكي، ليست – في رأي الكاتب – إلا تعبيرا ً عن الأزمة الرئيسية والتي لا مندوحة أمام النظام الرأسمالي من التلظي بلهيبها، لكونها أزمة هيكلية محايثة للبنية الرأسمالية مذ أقيمت. ومن نافلة القول الاستشهاد بنظرية ماركس : فيض الإنتاج، فلقد شرحناها في كتابات لنا سابقة، وقلنا إن الحل الوحيد المتاح للرأسمالية للخروج من تلك الأزمة هو الحرب، وذلك ما يفسر رضاء رأسماليي ثلاثينات القرن الماضي البريطانيين والفرنسيين، ومعهم قرناؤهم الألمان : برتا وكروب، بصعود هتلر وحزبه النازي إلى سدة حكم الرايخ، تمهيدا ً لإشعال نار الحرب في العالم كله، ففي هذا إنهاء الكساد العظيم للسلع، وقتل عشرات الملايين من البشر حلا ً لمشكلة البطالة!
بيد أن المشكلة التي يتضمنها ذلك الحل الإجرامي إنما تظهر غالبا ً بعد أن تضع الحرب أوزارها وتخمد جمراتها
حيث تجد الدولة العظمي “المنتصرة” عسكريا ً نفسها شبه مفلسة، غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها السابقة تجاه الآخرين في الخارج والداخل، فيبوخ حماسها، وتبدأ توطن نفسها على قبول الواقع الجديد : لم أعد دولة عظمى.
يدرك كل من قرأ كتاب ” القوى العظمى.. التغيرات الاقتصادية والعسكرية للمؤرخ البريطاني المعاصر بول كنيدى أن معظم الشواهد التي أحاطت بظروف سقوط واضمحلال القوى الكبرى عبر التاريخ ، وعلى رأسها تدهور القوة الاقتصادية،هي نفسها الشواهد الدالة علي اقتراب موعد سقوط واضمحلال القوة العظمى الأخيرة في التاريخ، تلك التي اصطلح على تسميتها بالقطب” الأوحد ” لعصرنا الحالي.. وتلك كما أسلفنا القول كارثة لا يستهان بها، سواء للولايات المتحدة الأمريكية- حيث شبح الانفصال بين الولايات المتحدة نفسها يطل برأسه – أو لحلفاء أمريكا، الذين ربطوا عملتهم بعملتها،واقتصادا تهم باقتصادها، وسياساتهم بسياستها…الخ
بالنسبة لنا نحن رجال ونساء العالم الثالث تتبدى الكارثة المنتظرة في أن البدائل الإستراتيجية غائبة، فشبح الفاشية ماثل أمامنا باسمه الحركي : الأصوليات، وليس ثمة من يبنى في هذه الصحراء الموحشة سفينة َ (أو حتى قاربَ) نوح، وكفى بواقعنا المتردي على كافة الأصعدة شاهدا ً ودليلا ً.
. ليس قولي هذا تأسيسا ً لتشاؤم ما بعد حداثىّ، بقدر ما هو دعوة للمثقفين المصريين والعرب أن يضعوا على رأس أجنداتهم دراسة السيناريوهات المحتملة لعالم سوف يخلو من نظام القطب الأوحد، تمهيدا لوضع السياسات الواقعية الملائمة، في استجابة منهم لمطالب علم المستقبليات Futurology هذا العلم القادر على إزالة تجاعيد أفكار الشيخوخة، والذي بدون توطينه بأرضنا، فلا أمل في إفلاتنا من نهايتنا المحتومة.
tahadyat_thakafya@yahoo.com
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟!تعليق الأستاذ محمد ثابت يتبنى وجهة نظر اللبراليين الجدد ، لكن المشكلة كما فصلها الكاتب الأستاذ مهدي تتجه نحو البعد الطبقي داخل أمريكا وخارجها ، يعني تمركز الثروة في أيد محدودة ، مقابل إفقار الملايين في كل مكان في العالم فالطغمة المالية تحول السلع والخدمات إلي أوراق مالية ما تلبث حتى تصبح هي نفسها وكأنها سلع ذات قيمة نفعية وهي مجرد قيم تبادلية . الرمز هنا أصبح رمزا بدوره ، وتكاثره بات شبيها بذهب الملك ميداس سوف يخنقه في النهاية . ولهذا ليس غريبا أن نجد الرئيس الجمهوري بوش ذاته يلجأ إلى أساليب علاجية يعتبرها… قراءة المزيد ..
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟!
لمقال جيد في مضمونه، وطريقة عرضه مبتكرة بغير شك ، وأما التعليقات فرائعة كلها بما فيعا المعارضون لفكرة الكاتب ، باستثناء الفنان التشكيلي علي صالح بن اسحق حيث جاهدت لأفهم حدبثه دون جدوى . لماذا لا يكتب بالإنجليزية ما دامت اللغة العربية أداة غير متاحة أمام قدراته الروسية ؟!
وشكرا لموقع شفاف على نشره لمثل هذه المقالات الهامة بالتعليقات الجادة حولها.
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟! إلى متى يانكي ؟ وأخيرا استسلموا المثقفين المستعربين والعرب – رجال ونساء العالم الثالث – إلى علم المستقبل بدلا من الفلسفة. ليضعوا في مقدمة اهتماماتهم دراسة السيناريوهات المحتملة لعالم سوف يخلو من نظام القطب الواحد بدون أدنى شك , اليوم توجد عدة علوم- متوازية مع الفلسفة- يمكن استخدامها من اجل الحصول على ايجا بات وافية , بفضل تقدم العلوم من ناحية أولى, مع بداية عصر النهضة الأوروبية , ومن ناحية ثانية تفرع وتشعبت العلوم العصرية إلى مئات من الفروع و الأقسام والتخصصات , هي أصبحت تخصصات ضيقة حدا ولكن ذات مردود عالي جدا .… قراءة المزيد ..
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟!
نتفق أو نختلف مع رؤية الكاتب الكبير مهدى بندق شئ متوقع ، ولكن ما يشد البصر حقيقة هو ذلك الأسلوب الرشيق الشاعري الذي كتب به المقال .. هكذا كان يكتب ماركس وبرنارد شو . كم ضحكت وأنا أتأمل ترجمة مصطلح الفوضى الخلاقة إلي العامية المصرية بمصطلح اللغوصة . وتصورت زبائن أمريكا في مطاعم ماكدونالدز
والسفرجية يلغوصون بأصابعهم في الأطباق ليصنعوا عجينة من العسل الأسود والبامية والملوخية والسردين واللبن الحليب ، وقدموها للزبائن بالهنا والشفا .
برافو مهدي.هكذا تكون الكتابة الشارحة الناقدة اللذيذة
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟!
يختلف الغرب عن الشرق بكامله بما في ذلك الشرق الشيوعي بأنه نظام قابل على
تجديد نفسه. فالنظام الديمقراطي نظام حرية وانفتاح وقادر على مناقشة الأزمة وايجاد حلول لها.
لقد مرّ الغرب بأزمات مماثلة. وتوقع فلاسفته ومؤرخيه بقرب سقوطه. لكنه لم يسقط بل جدّد نفسه.
أوهام الاسلاميين والشوفينيين والحاقدين لا تجدي. وانتظار سقوط امريكا حلم من أحلام وأوهام المسلمين التي تشبه بأنتظار ظهور المهدي.
الذي سقط فعلا ويتدهور في سقوطه بأستمرار هو ليس أمريكا، بل عالمنا العربي الأسلامي. وسقوطنا ليس فقط سقوط وجود، بل سقوطنا أخلاقي وانساني.
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟!
موضوع جداً شيق … في ظني بعد سقوط الينكي … سوف تتصومل الدول العربيه إلى من رحم ربي .
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟!
كل من يعرف مبادئ الرياضيات لابد يتفق مع الأستاذ مهدي ، لأن الإقتصاد النيوليبرالي قام على تلاعب بأسس تلك الرياضيات والضرورات.. فعندما يُصبح قيمة التبادل الماالي في سوق البورصة يوميا ثلاثة أضعاف قيمة التبادل السلعيبين القارات فإننا أمام إقتصاد إفتراضي شبحي ، لهذا قامت النيوليبرلية بإكتشاف الميديا وماكينة الدعاية التي أصبحت بدورها الإقتصاد الوهمي الأول الذي يسبق إقتصاد البترول ويفوقه رأسمالا …ما حدث في الآونة الأخيرة هو فضح لهذه الكذبة، الرد يجب أن يكون بالخروج من الإقتصاد الشبحي والمالي ومحاولة بناء الجماعة البشرية ( الكومونة) القادرة على التتبادل السلعي والإكتفاء الذاتي وشكرا
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟!
I can not agree with such ideas .So, I deny what the writer forcast about the fallen of America .Should I say that the American people are bound to correct their walking ?that is because they have a agreat System called : Democracy
وماذا بعد أن تسقط إمبراطورية اليانكي؟!أنا لست خبيرا فى الإقتصاد، ولكنى سأشرح لك الموقف من وجهة نظرى: إذا ذهبت أنا إلى لأس فيجاس وخسرت كل ما أملك على موائد القمار، فهل هذا يعني ان خسارتى هى خسارة للاقتصاد الامريكى؟ بالطبع لا. كل مافى الامر هو أن ثروتى قدانتقلت من جيبى إلى جيب آخر. ولكن إذا كنت أنا صاحب بنك فإن خسارتى سوف تفقد عملائ القدره على الاقتراض، وهكذا فإن عملائ فى هذه الحاله سيضطرون إلى توقيف أعمالهم وتسريح موظفيهم لحين أن يجدوا بنك آخر ليقترضوا منه. أما إذا أنا ذهبت إلى موائد القمار ومعي مجموعه كبيره من أصحاب البنوك الامريكيين… قراءة المزيد ..