(الصورة: الرئيس زرداري يطالب بلجنة تحقيق دولية على غرار لجنة التحقيق في قضية إغتيال الرئيس الحريري)
*
ينقل مراسل “الشفّاف” في لاهور، الصحفي الباكستاني “أمير مير” في المادة التالية بعضاً من محادثاته الشخصية مع بنازير قبل مقتلها، وكلاماً لبنازير في إجتماعات خاصة، توجّه فيه أصابع الإتهام إلى الرئيس مشرّف بالتخطيط لاغتيالها.
في ما يتعلّق بالشخصيات الثلاث التي وردت أسماؤها في رسالة بنازير إلى مشرّف (بعد محاولة إغتيالها في أكتوبر)، فقد تفرّد “الشفّاف” بنشر الأسماء في حينه بناءً على طلب من أقرب مستشاري بنازير بوتو. ومع أننا نشرنا الأسماء بالكامل، فقد امتنعت وكالات الأنباء الأجنبية (رويتر، الفرنسية..) خوفاً من الملاحقة القضائية!
ويمكن الإطلاع على مقال “الشفّاف” منشوراً للمرة الثانية (بعد مقتل بنازير) على هذا الرابط.
“الشفاف”
**
مراسل “الشفاف” في لاهور – أمير مير:
مع أن حكومة السند كانت، بتاريخ 18 أكتوبر 2007، سجّلت “محضر معلومات أول” حول الهجوم الإنتحاري الذي تعرّض له موكب الترحيب برئيسة الحكومة السابقة، بنازير بوتو، في كراتشي يوم عودتها إلى البلاد، وفيه وردت أسماء 3 أشخاص وجّهت لهم بنازير أصابع الإتهام قبل مقتلها، فإن حكومة باكستان المركزية تظهر تردّداً في توجيه إتهامات جنائية ضد الرئيس السابق الجنرال (المتقاعد) مشرّف. وهذا، مع أن بنازير بوتو نفسها كانت قد سمّت مشرّف كأحد الذين خطّطوا لقتلها في “إيميل” أرسلته إلى مراسل “سي إن إن”، وولف بليتزر” (Wolf Blitze) بتاريخ 26 أكتوبر 2007.
وقد تم وضع “محضر معلومات أول” إضافي من جانب شرطة “بهادورآباد” بعد الهجومين الإنتحاريين الذين تسبّبا بمقتل 150 شخصاً في “كارساز”، عشية الذكرى الأولى للهجومين الإنتحاريين وتصريح الرئيس آصف زرداري بأن المسؤولين عن الهجوم سيلقون العقاب. وتفيد معلومات أن بنازير ذكرت 3 أسماء في رسالة وجّهتها إلى مشرّف قبل عودتها إلى باكستان، وقالت فيها أنه ينبغي محاسبة هؤلاء الثلاثة إذا ما تعرّضت هي لأذى.
مع ذلك، وبعد حوالي 10 أشهر على اغتيال بنازير بوتو، تتّخذ حكومة “حزب الشعب الباكستاني” موقف تردّد يثير الحيرة في توجيه الإتهام للمتّهم الرئيسي. وما يزال زوج بنازير، الرئيس زرداري، يصرّ على أن الأمم المتحدة وحدها هي القادرة على إجراء تحقيق يتمتّع بالمصداقية حول مصرعها، مع أن “حزب الشعب الباكستاني” يمسك زمام السلطة في “إسلام آباد” ومع أن آصف زرداري يمتلك نفوذا هائلاً يسمح لهم بالإشراف على تحقيق محلي يتمتع بمصداقية.
وفي تطوّر ذي مغزى في الأسبوع الماضي، أعلن وزير داخلية السند، “دو الفقار ميرزا”، الذي كان مسؤولاً عن أمن بنازير بوتو عند اغتيالها، أن الجنرال مشرّف شخصياً كان متورّطاً في إغتيال بنازير. مع ذلك، وبعد يوم واحد على هذا التصريح، قرّرت حكومة السند تسجيل “محضر معلومات أول” جديد حول هجمات “كارساز” بدلاً من اتخاذ إجراءات قضائية ضد مشرّف. إن المشبوهين الذين وردت أسماؤهم في المحضر الجديد هم الرئيس الأسبق لجهاز الإستخبارات المشترك (أي أس أي)، اللفتنانت جنرال (المتقاعد) حميد غول، ومسؤول منطقة البنجاب السابق في جهاز “أي أس أي”، البريغادير (المتقاعد) “إعجاز حسين شاه”، ورئيس حكومة البنجاب السابق “تشودري بيرفيز إلاهي”. وقد تم تسجيل هذا المحضر الجديد الذي يحمل رقم 213/08 بموجب المواد 302، و324، و427، وغيرها، التي تشمل حالات القتل، ومحاولة القتل، والهجمات بالقنابل، والهجمات الإرهابية، وعمليات التفجير.
ولكن هذا التطوّر لم يفلح سوى في تعزيز الإنطباع السائد بأن قيادة “حزب الشعب الباكستاني” قد منحت مشرّف حصانة من الملاحقة القضائية بموجب الصفقة السرّية التي أدّت لاستقالته ومن ثم لتعيين زرداري في منصب رئيس البلاد. والواقع أن الإغتيال المأساوي لبنازير بوتو في 27 ديسمبر 2007 في مدينة “روالبندي” العسكرية وعلى مسافة أميال قليلة من مقر قيادة الجيش الباكستاني ومن المقرّ الرئيسي لجهاز الإستخبارات المشترك (أي إس أي) يثير تساؤلين: من وضع خطة إغتيال بنازير، وماذا كانت الدوافع وراء الإغتيال؟ والواقع أن بنازير بوتو نفسها كانت هي من حاول الإجابة عن هذين السؤالين الحاسمين في الإيميل الذي أرسلته إلى الصحفي “وولف بليتزر” قبل قليل من مقتلها.
وكان آصف زرداري، في أول مؤتمر صحفي بعد اغتيال زوجته، هو من كشف عن “الإيميل” الذي أرسلته بنازير في يوم 26 أكتوبر إلى “وولف بليتزر”، والذي أشارت فيه إلى أن مشرّف يخطّط لاغتيالها. وقال زرداري بلهجة عاطفية مؤثرة: “ينبغي أن يُعامَل هذا الإيميل كتصريح أدلت به بنازير بوتو على عتبة الموت. إنها تتحدث عن قتلتها من القبر وعلى العالم أن يصغي إلى أصداء كلامها”.
وجاء في الإيميل الذي أرسلته بنازير: “إذا كانت تلك مشيئة الله، فلن أتعرّض لأذى. ولكن، إذا ما حدث لي شيء، فإنني سأعتبر بيرفيز مشرّف مسؤولاً”. وقد تلقّى بليتزر “الإيميل” من “مارك سيغيل” الذي كان صديقاً لبوتو وناطقاً بلسانها في واشنطن طوال سنوات. ووصلت الرسالة بعد 8 أيام من نجاتها بمعجزة من محاولة إغتيال جرت في 18 أكتوبر 2007، حينما هاجم إنتحاريون موكب الترحيب بها في “كراتشي”. وأضافت بنازير: “أنني أشعر بعدم الأمان بسبب الدمى التي يحرّكها مشرّف”.
وكشفت بوتو، في نفس الإيميل، أنها لم تحصل على التحسينات المطلوبة لأمنها وأن السلطات منعتها من إستخدام سيارات خاصة أو سيارات مظللة الزجاج. كما كشفت أنه لم يتم تزويدها بأجهزة تشويش للحؤول دون تفجير القنابل عن بُعد، ولم يؤمّن لها رجال شرطة على دراجات نارية لتغطية سيارتها من كل الجوانب. وزعم مارك سيغيل مباشرة بعد الإغتيال أن بنازير بوتو طلبت من السلطات السماح لها باستقدام عناصر أمنية مدرّبة من خارج باكستان.
وقال مارك سيغيل بعد الإغتيال مباشرةً: “الواقع أنه، بعد محاولة الإغتيال في كراتشي، سعت بنازير مراراً للحصول على سمات دخول لعناصر الحماية هذه ولكن حكومة باكستان رفضت طلباتها مراراً وتكراراً. ولم تسمح السلطات لشركة “بلاكووتر” الأميركية ولشركة “أرمور غروب” البريطانية (التي تؤمن الحماية للديبلوماسيين البريطانيين في الشرق الأوسط) بتوفير الحماية لبوتو. وبناءً عليه، فقد طالبت الجنرال مشرّف بتحسين أمنها بعد محاولة الإغتيال بواسطة إنتحاريين في كراتشي، وهذا عدا مطالبة الديبلوماسيين الأميركيين والبريطانيين بالضغط على مشرّف لتوفير ترتيبات أمنية مناسبة لها. ولكن مشرّف لم يُصغِ إلى كل هذه المناشدات”.
وقد صدر في أغسطس 2008 كتاب للصحفي الأميركي “رون ساسكند” Ron Suskind بعنوان “The Way of the World: A Story of Truth and Hope in An Age of Extremism” . وتضمّن الكتاب معلومات لم تُنشّر من قبل حول محادثات مشرف مع بنازير وبينها كلام حرفي لمشرّف جاء فيه: “هنالك شيء ينبغي أن تفهميه، وهو أن أمنك الشخصي يتوقّف على العلاقة بيننا”.
وكشف المؤلّف أن الإستخبارات الأميركية كانت تتنصّت على محادثات بوتو مع مشرّف الهاتفية قبل وصولها إلى باكستان، وذلك بهدف تحسين قدراتها على التدخّل. ويبدو أن مشرّف لم يكن يتوقّع حدوث هذا التنصّت، ولذلك فإنه يتحدث بصلف وبأسلوب ديكتاتور يتحدث مع سياسي يكنّ له الكره. وحول مسؤولي التنصّت على بنازير بوتو، يقول الصفحي الأميركي: “ما يتجاهله هؤلاء هو الإطار الذي جرت المحادثات صمنه، وكذلك طريقتها في الكلام في المحادثات العديدة التي تنصّتوا عليها: فهم يتجاهلون أن بنازير كانت مذعورة وكانت تعدّ نفسها لإمكانية موتها الوشيك”.
لقد كان لبنازير بوتو أعداء أقوياء كثيرون في المؤسسة العسكرية وفي مؤسسة المخابرات، وكذلك ضمن المنظمات الجهادية التي كانت سعت للحؤول دون عودتها إلى البلاد ثم سعت للتخلّص منها بالإغتيال. وحسب تقدير بنازير بوتو نفسها، فإن عدة جماعات جهادية تدعمها عناصر معينة قويّة في مؤسسات الإستخبارات كانت مصمّمة على تصفيتها بعد ساعات من وصولها إلى البلاد. ولكن بنازير كانت مقتنعة بأن المحاولة الأكثر جدّية لاغتيالها، التي جرت أثناء إحتفال الترحيب بها في كراتشي، في 18 أكتوبر 2007، ما كانت لتحصل بدون موافقة الرئيس مشرّف.
وفي 13 نوفمبر 2007، قبل أسابيع قليلة من مقتلها، قالت لي بنازير في حديث شخصي في لاهور أن الهجوم الذي تعرّضت له في “كراتشي” لم يكن ممكناً بدون مباركة مشرّف. وفي محادثة خاصة في مقرّ السناتور “لطيف خوسا” في “لاهور” قبل ساعات من إخضاعها للإقامة الجبرية من جانب نظام مشرّف الذي كان يريد منعها من قيادة مسيرة طويلة نحو “إسلام آباد”، قالت بوتو أنها كانت متيقّنة، حتى قبل عودتها إلى باكستان، من أنها ستتعرّض لمحاولات إغتيال. وكشفت بوتو أنه: “بعد هجوم 18 أكتوبر وصل إلى علمي، بواسطة مصادري الخاصة، أن مخطّطي الهجوم كانوا مسؤولين على مستويات رفيعة في المؤسسات الأمنية والإستخبارية الباكستانية. وكان أعدائي في المؤسسة قد جنّدوا، في البداية، زعيماً جهادياً مرتبطا بـ”القاعدة” قام بدوره بتجنيد “عبد الرحمن أوتو”” الملقب “عبد الرحمن السندي” لتنفيذ الهجوم الإنتحاري في كراتشي”.
وقالت أن المعلومات التي وصلتها تفيد أنه تم تجنيد بعض المجاهدين المحليين من جانب مسؤولي مؤسسات الإستخبارات لتنفيذ عملية كراتشي. وقالت: “وصل إلى علمي أنه تم تجنيد ثلاثة جهاديين محليين لتنفيذ الهجوم، وأنه تم تكليف “مولوي عبد الرحمن أوتو” الملقّب “عبد الرحمن سندي” (وهو جهادي من مقاطعة “دادو” في السند وينتمي إلى جماعة “لشكر جهانغفي” المرتبطة بـ”القاعدة”) بتنفيذ العملية كلها”.
وقالت بنازير أن تجنيد “عبد الرحمن” تم فعلياً من جانب بعض كبار المسؤولين للقيام بعملية 18 اكتوبر الإنتحارية التي كانت تعتقد أنه يستحيل حدوثها بعد التطمينات الرفيعة المستوى التي أعطيت حول الحماية الأمنية التي سيتم توفيرها لها. وأعطت بنازير بوتو تفاصيل إضافية مفادها أن “عبد الرحمن السندي” (الذي كان قد أفيد أن أجهزة الأمن اعتقلته في يونيو 2004 في “”خودا كي باستي”، بمنطقة “كوتري” قرب مقاطعة “حيدر آباد” بالسند، بتهم ذات صلة بالإرهاب) قد أطلق سراحه بصورة غير مفهومة قبل عودتها، وذلك بحجّة عدم كفاية الأدلة التي تسمح بمحاكمته وبإبقائه قيد الإعتقال لمدة أطول.
وقالت بوتو أنها، بعد أن أدركت خطأها إثر محاولة إغتيالها في كراتشي، فقد أرسلت كتاباً إلى شخصية مهمة أوردت فيها أسماء من حاولوا قتلها. وحينما سئلت إذا كانت قد سمّت “بيرفيز مشرّف” في كتابها ولمن وجّهت الكتاب، ابتسمت بنازير وقالت: “انتبهوا لشيء واحد، وهو أن كل عناصر المؤسسة الذين يمكن أن يخسروا سلطتهم ونفوذهم في الوضع الذي سيلي الإنتخابات مصمّمون على قتلي، بما فيهم الجنرال. لا أستطيع أن أعطيكم تفاصيل أكثر في هذه المرحلة، ولكن يمكنكم تسمية مشرّف باعتباره قاتلي إذا ما قُتِلت”.
وقالت بوتو أنها كانت في لندن حينما علمت لأول مرة أن هنالك مؤامرة لاغتيالها فور عودتها إلى البلاد. وقالت: “حينما علمت بالمخطّط، قمت على الفور بإرسال خطاب لمشرف، وسمّيت 3 أشخاص من المؤسسة يحتمل أنهم يتآمرون لاغتيالي، وطلبت اتخاذ الإجراءات المناسبة ضدهم. ولكن لم يكن ليخطر ببالي في حينه أنني بذلك ارتكبت خطأ فادحاً وأنني وقّعت بيدي على أمر قتلي حينما امتنعت عن تسمية عدوّي الأول بين القتَلة المحتملين. وقد خطر لي، في وقت لاحق، أن مشرّف كان قادراً على استغلال رسالتي لصالحه وتخطيط عملية إغتيالي بنفسه“.
إن أغرب ما في الموضوع هو أن أقرب مساعدي بوتو، بما فيهم زوجها الرئيس آصف زرداري، وبمجرّد وصولهم إلى السلطة بإسمها، قد توقّفوا عن متابعة قضية موتها التي يبدو أن التحقيقات فيها لم تودّ إلى نتيجة. ولكن دوائر رسمية في “إٍسلام آباد” تدحض هذا الإنطباع وتقول أن حكومة “حزب الشعب الباكستاني” مصمّمة على إجراء تحقيق برعاية الأمم المتحدة في قضية إغتيالها وأنها تأمل في تشكيل لجنة التحقيق قريباً جداً.
amir.mir1969@gmail.com)
* لاهور