كمال ريشا- دبي- ما الذي يجري بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ومنافسيه من القيادات الشيعية بعد ان اعتقد نوري المالكي انه وللوهلة الاولى اصبح رجل العراق الاول الذي استطاع إعادة الامن والاستقرار من خلال الحد من نفوذ الميليشيات الخارجة على القانون سنية وشيعية.
االمالكي ينتقل في معركته الحالية الى الحد من نفوذ منافسيه الشيعة وفي مقدمهم نائب رئيس الجمهورية العراقية عادل عبد المهدي الذي كاد يكون رئيسا للوزراء يوم استعصى على الائتلاف الحاكم تسمية مرشح ليخلف رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري، فلجأ الائتلاف الى الاقتراع بعد ان استحال الاتفاق وانحصر التنافس بين عادل عبد المهدي وابراهيم الجعفري، وفاز الجعفري على منافسه بفارق صوت واحد مما حدا بالائتلاف الى اختيار نوري المالكي رئيسا للوزراء بمقتضى الضرورة.
ابرز تجليات مسعى المالكي كان قرار حكومي كاد ان يمر بطريقة مبطنة لولا البيان القاسي في لغته ولهجته الذي صدر عن قيادة المجلس الاعلى الاسلامي في العراق الذي لفت الانظار الى فحوى القرار.
فقد قرر رئيس الوزراء العراقي إنشاء قوات إسناد عشائري في محافظتي الناصرية والعمارة. وللعلم، قوات الاسناد العشائري هي المسمى الشيعي للمليشيات الشيعية الموالية للحكومة والتي برزت في احداث البصرة وساندت القوات الحكومية في القضاء على اعمال الشغب التي قادتها قوات موالية لمقتدى الصدر.
وفي خضم المحادثات والمشادات على مستقبل “قوات الصحوة” في العراق، وقبول المالكي المفاجئ بضمهم الى القوات المسلحة كي يتجنب بروز ميليشيا ثانية في المناطق الغربية قد تفقد الحكومة المركزية السيطرة عليها مجددا اذا بقيت على تعنتها اتجاه مطالب قادته ، يبدو ان المالكي حاول الاستفادة من المناخ السياسي لينقض على منافسيه. فاختار الناصرية والعمارة لانشاء قوات إسناد علما ان المنطقتين ليستا في عداد المناطق المتوترة.
وحيث أن النفوذ الضعيف السياسي للتيار الصدري فيهما ضعيف (فالتيار الصدري لم يشارك ترشيحا في انتخابات المجالس السابقة في هاتين المنطقتين) وكذلك نفوذه التيار العسكري الذي يكاد يكون شبه معدوم في الناصرية والعمارة، فالسؤال هو: ما السبب الذي دفع المالكي الى هذا القرار؟
لوضع القرار في سياقه الطبيعي، لا بد من فهم خصوصية هاتين المنطقتين الشيعيتين.
الناصرية هي مسقط رأس نائب رئيس الجمهورية المنافس الوحيد والاقوى على مقعد رئاسة الحكومة. والناصرية امتداد للعشائر العربية الشيعة الكبرى صاحبة التاثير والنفوذ الذي يستمد منه عادل عبد المهدي قوته الشعبية حيث أن احد اجداده كان اميرا لقبيلة بني المنتفج وهي احد اكبر العشائر العربية التي تمتد من الناصرية الى الاهوار حتى داخل الاهواز، كما ان والده كان وزيرا في احدى وزارات ت الملك فيصل الاول. وعبد المهدي صديق طفولة لكل من احمد الجلبي، واياد علاوي رئيس الحكومة العراقية الاسبق.
والناصرية، كما العمارة، تخضع لسيطرة المجلس الاعلى الاسلامي أمنيا وعسكريا واجتماعياً، حيث منعت قوات الشرطة و الجيش من قيام اي قوة موازية تابعة لمقتدى الصدر كما لم يفلح اي من الاحزاب الشيعية الاخرى في مد اي نفوذ سياسي معتبر له في المنطقة وخصوصا الناصرية.
لذلك تعتبر الناصرية عقدة العقد بالنسبة للمالكي، والسبب دورها التاريخي في الحياة السياسية العراقية.
وبالعودة الى الوراء، وبالتزامن مع عودة العلاقات الفرنسية العراقية الى مجاريها من خلال الناصرية، حيث هبط وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في مضاف عادل عبد المهدي في احد ارياف الناصرية، وهي امتداد الاهوار الطبيعي، ليعلن قبل و صوله الى بغداد عن التحول بالموقف الفرنسي و ليزيد الطين بلة ويطالب بإزاحة نوري المالكي وبأن يكون صديق فرنسا واوروبا عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء العراقي، معتبرا ان المالكي فشل بكل ما أوكل اليه من مهام، حسب ما قال كوشنير.
لماذا، اذاً، قرر المالكي إنشاء قوات الإسناد في الناصرية والعمارة، خصوصا ان لهذا القرار تبعات خطيرة حيث انه من الممكن ان ينضم الى الاسناد مجموعة من الفرق الخاصة التي تلقت تدريبات قتالية في ايران وعادت بأجندات واضحة هي القبض على زمام المبادرة وعدم السماح بتكررا انتكاسة البصرة.
فمن خلال هذا القوات العشائرية التي لا داع لها في منطقة كاملة الاستقرار، والتي كأنها كلمة حق يراد بها باطل، تتواصل مشاهد الانفصال السياسي الشيعي العراقي، حيث لا يبدو هذا القرار بعيد عن اجواء عراقية ايرانية جديدة تجهز للانقضاض على اي فرصة يمكن ان يستغلها زعماء شيعة في العراق من اجل اخذ مسافة موضوعية عن السياسية الايرانية وتقديم الهم والشأن العراقي على الاجندات الخارجية وفي مقدمها المصالح والارتباطات الايرانية والنفوذ الايراني داخل العراق.
يبدو، إذاً، أن المالكي قرّر تسديد ضربة استباقية ضد خصمه اللدود عبد المهدي في اللحظة التي بدأ فيها العد التنازلي للانتخابات المحلية التي من شأنها ان تحدد احجام هذه الاحزاب في المنطقة وتكون بطاقة العبور للاحجام التي ستحددها الانتخابات التشريعية المقبلة.
وهذا اضافة الى السعي للتخريب على مناطق تابعة لعبد المهدي و جعلها بحاجة الى الحكومة المركزية من اجل اعادة الاستقرار اليها، وخلط الاوراق في داخل هذه المناطق وتفكيك سيطرة القوى التقليدية عليها من خلال اعادة تشكيل كيانات سياسية بعيدة عن العشائر الرئيسية في المحافظتين وبعيدة عن المجلس الاسلامي الاعلى، على ان يطالب قادة هذه القوة المفتعلة بحصتهم السياسية والعسكرية والامنية وبضم عناصرهم الى التشكيلات المسلحة، على غرار ما حدث مع “قوات الصحوة” في الماطق الغربية.
فهل ينجح مسعى المالكي، ام ان تفاهم المجلس الاعلى وعادل عبد المهدي يستطيع تحييد عشائر العمارة والناصرية العربية الشيعية وتغليب المصالح العراقية على الايرانية، وتشكيل نواة جيوسياسية لاستعادة زمام المبادرة في العراق وانتزاعه تدريجيا من براثن السيطرة الايرانية الى الحضن العربي ولصالح العلاقات الندية والاعتراف المتبادل بين طهران وبغداد؟
الايام المقبلة ربما تحمل الاجابات على هذا التساؤل.
richacamal@hotmail.com
• كاتب لبناني- الإمارات