بعد ورود هذه المراسلة من مراسلنا “أمير مير”، أكّدت لـ”الشفّاف” مصادر موثوقة أن “بيت الله محسود” (الذي اتهمته السلطات بقضية إغتيال بنازير بوتو، في حين نفى هو ذلك) ليس متورّطاً في عملية فندق “ماريوت”. وكان محسود نفسه قد أصدر بياناً نفى فيه صلته بالعملية.
وتحدثت مصادرنا عن “جماعة فدائيي الإسلام” التي زعمت مسؤوليتها عن عملية فندق “ماريوت”، فقالت أنه بعد فشل حكومة جيلاني في إلحاق الهزيمة بجماعة “بيت الله محسود”، فقد تدخّل جهاز الإستخبارات المشترك ISI ليقترح إستخدام الطريقة القَبَلية لمكافحة محسود وجماعته. فـ”بيت الله محسود” هو زعيم قبيلة “محسود”. واقترح الجهاز إستخدام قبيلة “وزير” في صراع قَبَلي مع قبيلة “وزير”.
أضافت مصادرنا أن زعيمي “حركة فدائيي الإسلام” هما “حجّي عمر” و”حجّي وزير”، وهما من قبيلة “وزير” التي تستخدمها الإستخبارات ضد “بيت الله محسود”!!
أي أن الجماعة التي زعمت المسؤولية عن تفجير الفندق ليست بعيدة عن أجهزة الإستخبارات الباكستانية!!
**
لاهور، من مراسل “الشفاف” أمير مير-
ما يزال أمير “حركة الجهاد الإسلامي” المرتبطة بـ”القاعدة”، “قاري سيف الله أختر”، الذي يعتقد أن حركته مسؤولة عن تفجير فندق “ماريوت” في 20 سبتمبر، متوارياً عن الأنظار مع أنه كان لعب، في العام 1995، دوراً رئيسياً في مخطط إنقلابي، للإطاحة بالحكومة الثانية للسيدة بنازير بوتو، التي تقول في كتاب صدر بعد مقتلها أن “قاري سيف الله أختر” كان العقل المدبّر للعملية الإنتحارية التي وقعت يوم عودتها إلى باكستان في في 18 أكتوبر 2007 وأسفرت عن مقتل أكثر من 150 شخصاً.
ومع أن جماعة غير معروفة زعمت أن إسمها “أنجومان فدائيين إسلام” (= منظمة شهداء الإسلام) زعمت المسؤولية عن الهجوم الإنتحاري على فندق “ماريوت” عبر إتصال هاتفي مع قناة “العربية”، فإن الإستخبارات الباكستانية تعتقد أن الهدف من هذا الزعم كان تضليل المحقّقين الذين يبدون واثقين من مسؤولية “حركة الجهاد الإسلامي” عن الهجوم الذي وقع يوم السبت وأسفر عن مقتل عن حوالي 80 شخصاً. وقد زعم المتحدث بإسم الجماعة المجهولة، الذي كان يتحدث الإنكليزية بلكنة جنوب آسيوية، أن إسمه هو “أحمد شاه عبدلي”، ووضع شروطاً لإيقاف الهجمات الإرهابية ضد المصالح الأميركية في باكستان، بينها إنهاء التعاون الباكستاني-الأميركي، ووضع حدّ للعمليات العسكرية في مناطق القبائل الباكستانية، وإطلاق سراح المجاهدين المحتجزين في سجون أميركية. وزعم “عبدلي” أنه تم تنفيذ الهجوم على فندق “ماريوت” أثناء تواجد 250 من جنود المارينز ومن المسؤولين الأميركيين والأطلسيين في الفندق.
ولكن أجهزة إستخبارات باكستان تصرّ على أن المتحدث كان عضواً في “حركة الجهاد الإسلامي” وأن غرضه الوحيد كان إبعاد الشبهات عن المذنب الحقيقي، وهو “قاري سيف الله أختر”، الذي كان في الماضي قد خطّط لاغتيال رئيسة الحكومة بنازير بوتو.
وكانت بنازير بوتو تضع اللمسات الأخيرة على كتابها الذي صدر بالإنكليزية بعد وفاتها، في 12 أكتوبر 2007، وهو بعنوان “المصالحة: الإسلام، والديمقراطية، والغرب”. ومن القبر، كشفت بنازير تبعث على القلق: فهي تقول أن “مسؤولي الإستخبارات في لاهور اتصلوا بـ”قاري” طالبين مساعدته قبل عودتي إلى البلاد في 18 أكتوبر 2007″. ومع أن أحداً ليس متأكداً إذا كانت هنالك صلة بين إطلاق سراح “قاري” واغتيال “بوتو”، فإن أوساط حزب الشعب الباكستاني تتساءل كيف ولماذا قام نظام مشرّف بإطلاق سراح إرهابي مخيف معروف بصلاته بـ”القاعدة” وبـ”طالبان، قبل 3 سنوات، وقبل عودة بنازير بوتو.
إن إطلاق سراح “قاري” سرّاً، قبل أشهر من عودة “بوتو” يثير شبهات بأن مسؤولي أجهزة الإستخبارات عهدوا إليه بتنظيم عملية الإغتيال في 18 أكتوبر. وتقول بنازير بوتو في الكتاب الذي صدر بعد مقتلها: “وصل إلى علمي أن إجتماعاً انعقد في لاهور وتم فيه وضع مخطط التفجيرات. ولكن، كان ثمة حاجة لصانع قنابل. وهنا يأتي دور “قاري سيف الله أختر”، وهو إرهابي جهادي مطلوب كان قد سعى للإطاحة بحكومتي الثانية في التسعينات. وكانت دولة الإمارات قد قامت بتسليمه وكان يقبع في سجن كراتشي المركزي. وتبعاً لمصادري، فقد اتصل مسؤولون بـ”قاري” طالبين منه مساعدتهم. وكانت إتصالاته مع عناصر في الحكومة تتمّ عن طريق أحد المتطرّفين الذي طُلِبَ منع تصنيع القنابل فطلب إصدار فتوى تشرّع له تنفيذ الطلب. وتضيف أنه “حصل على الفتوى” التي طلبها.
وفي 26 فبراير، أي بعد أسبوعين بالضبط من صدور كتاب بوتو والضغوط التي ولّدها في المجتمع الدولي، قامت إدارة مشرّف باعتقال “قاري سيف الله” من أجل استجوابه، مع أن كثيرين في أوساط السلطة اعتبروا أنه تم احتجاز “قاري” بصورة وقائية من جانب سادته في أجهزة الإستخبارات الذي كان سبق لهم أن أطلقوا سراحه مع أنه إرهابي مخيف. إن “قاري”، وهو من مواليد 1958 في جنوب وزيرستان، يُعتَبَر أداة مناسبة لأجهزة الإستخبارات التي تستخدمه ثم تتخلى عنه حسب الحاجة. وقد أطلق سراحه لاحقاً بكفالة من سجن كراتشي بعد 3 أشهر، في يونيو 2008.
مع ذلك، فإن إعتقاله في فبراير 2008 شكّل إثباتاً على أنه، رغم كل التهم الموجهة إليه، فإن “قاري سيف الله” لم يكن موجوداً في السجن وأنه كان تم إطلاق سراحه قبل وقت طويل من عودة بنازير. إن “قاري” هو أحد جريجي “الجمعية البينورية” في كراتشي، وهي مدرسة دينية مشهورة في كل شبه القارة الهندية، يعرف عنها أنها خرّجت قادة “ديوبنديين” مشهورين موالين للطالبان، مثل زعيم “حركة المجاهدين”، مولانا فضل الرحمن خليل، وزعيم “جيش محمد”، مولانا مسعود أزهار. وكان “قاري” قد اعتقل وسلّمته دولة الإمارات في 7 أغسطس 2004، بتهم التخطيط لعمليتين إنتحاريتين لاغتيال الجنرال مشرّف في “روالبندي” في ديسمبر 2003. ولكن، بدلاً من محاكمته وإصدار حكم ضده بعد اعتقاله، فقد اختارت أجهزة الإستخبارات أن تبقيه قيد الإحتجاز لمدة سنتين و9 أشهر، من غير أن ترفع أية دعاوى جنائية ضده أمام أية محكمة.
ويذكّر أنه كان قد تم تقديم طعن باعتقاله أمام المحكمة الدستورية لباكستان في الأسبوع الأول من يناير 2005. وفي 18 يناير، رفضت المحكمة الطعن باعتقال “قاري” ووجّهت صاحب الطعن بوجوب تقديم إلتماس أمام المحكمة العليا أولاً. وأصدر قاضيان في المحكمة الدستورية، هما “حامد علي ميرزا” وفلاق شير” قراراً الإعتقال في هذه الحالة ليست مسألة تتمتع بأهمية عامة وبالتالي فإنه لا يجوز تقديم إلتماس دستوري مباشرة أمام المحكمة الدستورية بموجب المادة 184(3) من الدستور. ولكن، بعد إغتيال بوتو، تبيّن أنه تم إطلاق سراح “قاري” سراً من جانب أجهزة الإستخبارات بصفته أحد الأشخاص المفقودين الذين كان يحقّق حولهم رئيس المحكمة الدستورية (المعزول حاليا) “إفتخار شودري”.
وقبل ذلك، في 5 مايو 2007، نقلت الحكومة الفيدرالية إلى المحكمة الدستورية أن “قاري سيف الله” لم يكن محتجزاً لدى أي من الهيئات التابعة للحكومة. وجاء في التقرير الموجز الذي قدّمته “الخلية الوطنية لإدارة الأزمات” إلى المحكمة الدستورية أن “قاري” كان “متورّطاً في حينه في نشاطات جهادية في مكانٍ ما من البنجاب”، مما يعني أنه لم يكن محتجزاً في سجن حكومي. وبعد أسبوعين من هذين التقرير، وصل “قاري” بصورة مفاجئة إلى مسقط رأسه، وهو مدينة “ماندي بهاء الدين”. ولاحقاً، قام وزير الداخلية بإبلاغ المحكمة بقرار الإفراج عن “قاري سيف الله أختر” في 26 مايو 2007. وأكّّد محامي “قاري”، وهو “حشمت حبيب”، خبر الإفراج عن موكّله وأفاد المحكمة بأن أجهزة الإستخبارات أبلغت “قاري” أنها لو لم تعتقله لكان هنالك إحتمال كبير في إختطافه من جانب جهاز “إف بي أي” الأميركي للتحقيق معه في صلاته مع “القاعدة” و”طالبان”.
جاءت إفادة المحامي “حشمت” لتعزّز مزاعم بنازير بوتو بأن “سيف الله قاري” كان متورّطاً مع مسؤولين في الحكم كانوا يخطّطون لاغتيالها لدى عودتها إلى البلاد. وبمعزل عن شهادة المحامي، ففي لحظة إعتقاله وترحيله من دولة الإمارات، كانت سلطات باكستان قد وصفت ذلك التطوّر بأنه ضربة رئيسية للشبكة الإرهابية التابعة لـ”القاعدة” وحلفائها داخل باكستان. بل إن وزير الإعلام في حينه، “شيخ رشيد أحمد” وصفه بأنه أحد المساعدين المقرّبين لأسامة بن لادن والملا عمر، وأن الأخير هو مسؤول عمليات “القاعدة” في باكستان.
ومع أنه لم يتم، لسبب أو لآخر، التحقيق في دور “سيف الله” في عملية كراتشي الإنتحارية في 18 أكتوبر 2007، بل تم إطلاق سراحه بكفالة، فإن تورّطه السابق في المحاولة الإنقلابية في العام 1995 كان إثباتاً على أنه واحد من أخطر الجهاديين وأنه، من زاوية أجهزة الإستخبارات الرسمية، بات عنصراً “غير منضبط”. وكان بين مجموعة الإنقلابيين الذين كشفتهم “الإستخبارات العسكرية” في ذلك الحين أربعة ضباط بينهم ضابط برتبة “ميجور جنرال” وقد اتهموا بالتخطيط للإستيلاء على مقرّ هيئة أركان الجيش الباكستاني في روالبندي أثناء إجتماع قادة الجيوش على أن يعقب ذلك الإطاحة بحكومة بنازير بوتو ثم إعلان تطبيق تصوّر خاص بهم لحكم الشريعة في باكستان. وكان “قاري” بين الأعضاء الخمسة الأهم في المجموعة التي كان يرأسها الميجور جنرال “ظهير الإسلام عبّاسي”، مع البريغادير “منتصر بالله” الذي وصفته المصادر بأنه “إيديولوجي” الإنقلابيين الدينيين.
وبعد اعتقالهم، وجّهت محكمة عرفية تهماً لهؤلاء الضباط بالتآمر لاغتيال قادة الجيش، وجاء في الإتهام أن “قاري سيف الله” كان سيؤمّن لهم البدلات العسكرية والأسلحة والذخائ الضرورية للعملية. ولكن، حينما انعقدت المحكمة العرفية للنظر بالقضية، اختفى إسم “قاري” من قائمة الإتهام وتقرّر الإكتفاء بمحاكمة العسكريين. وفي إحدى المراحل، اعترف المسؤولون عن المحاكمة العرفية بأنه، بدون الإستماع إلى شهادة “قاري”، فإن إصدار حكم بإدانة الضباط كان صعباً جداً. مع ذلك، بعد سقوط حكومة بنازير بوتو الثانية في نوفمبر 1996، تم إطلاق سراح “قاري”، فذهب إلى أفغانستان وبات يعمل في ديون “الملا محمد عمر” بصفة مستشاره للشؤون السياسية.
في أفغانستان، كان مجاهدو “حركة الجهاد الإسلامي” يُسمّون “طالبان البنجاب”، وأمّن لهم الملا عمر وظائف، مع أنه لم يقبل بتأمين وظائف لأفراد أية جماعة جهادية أخرى. ويلفت الإنتباه أن “حركة الجهاد الإسلامي” كانت تجنّد أنصاراً بين “طالبان” أفغانستان أنفسهم بديل أن 3 من أعضاء حكومة “الطالبان” و22 من القضاة كانوا أعضاء فيها. وقد وقف أعضاء الحركة إلى جانب الملا عمر في اللحظات الصعبة بقيادة “قاري سيف الله”. وفي إحدى المراحل، قُتِلَ 300 من مجاهدي الحركة أثناء مشاركتهم في قتال قوات “التحالف الشمالي”، الأمر الذي دفع الملا عمر للسماح للحركة بإقامة 6 معسكرات تدريب إضافية في “قندهار” و”كابول” و”خوست”، وكان جيش الطالبان نفسه يتلقى تدريبات في هذه المعسكرات. ومن قواعدها في أفغانستان، شنت الحركة حملات عسكرية في أوزبكستان، وطاجيكستان، والشيشان. مع ذلك، لم يؤدّ بعد “قاري سيف الله أختر” عن قاعدة الحركة في باكستان إلى حدوث أية إنشقاقات ضمنها. والواقع أن “حركة الجهاد الإسلامي” خرجت من هزيمة “الطالبان” وقواها سليمة. وقبل عملية 11/9 في الولايات المتحدة، وغزو أفغانستان، كانت “حركة الجهاد الإسلامي” تملك 40 مكتباً فرعياً في كل أنحاء باكستان.
جدير بالذكر أن “قاري سيف الله” كان أحد الجهاديين القلائل الذين فرّوا مع الملا عرم بعد الغزو الأميركي في أكتوبر 2001. وقد التجأ في البداية إلى منطقة جنوب وزيرستان، ثم انتقل إلى بيشاور، وفرّ أخيراً إلى السعودية قبل أن ينتقل إلى دولة الإمارات. وبعد 3 سنوات، في 6 أغسطس 2004، اعتقلته سلطات الإمارات وسلّمته للأجهزة الباكستانية، وتم ترحيله. وتم اعتقاله بعد أن انكشف، في سياق التحقيقات في محاولة مزدوجة لاغتيال برفيز مشرف في ديسمبر 2003، أن “قاري” كان قد نفّذ عمليات إرهابية داخل باكستان بمساعدة يده اليمنى، “أمجد حسين فاروقي”.
إن مكان وجود “قاري” غير معروف حاليا،ً ويعتقد أنه اختفى في أعقاب تفجير فندق “ماريوت” في 20 سبتمبر الجاري.
amir.mir1969@gmail.com
لاهور