لاهور- من مراسل الشفاف “أمير مير”:
تشير طريقة تنفيذ العملية الإنتحارية التي دمّرت فندق “ماريوت” في إسلام آباد يوم السبت الماضي إلى إحتمال أن تكون الجهة المنفّذة هي “حركة الجهاد الإسلامي”، التي يقودها “قاري سيف الله أختر” وليس “تحريك طالبان باكستان” التي يقودها “بيت الله محسود”.
وتبعاً لمصادر إستخبارات في إسلام آباد تتولّى التحقيق في التفجير الأخير، فإن طريقة التفجير ونوع المتفجّرات التي تم استخدامها تشبه 4 عمليات هجمات بسيارات مفخّخة قام بها إنتحاريون في لاهور وإسلام آباد وروالبندي: الهجوم ضد الكلية الحربية لسلاح البحر في 4 مارس 2008؛ ومجموعة هجمات استهدفت مقرّات “وكالة التحقيقات الفيدرالية” (FIA) في لاهور في 11 مارس 2008؛ وهجوم وقع خارج سفارة الدانمارك في إسلام آباد في 3 يونيو 2008؛ والهجومين اللذين تعرّض لهما موكب الرئيس برفيز مشرّف في روالبندي في يوم 25 ديسمبر 2003.
وقد استخدم الإرهابيون أنواعاً مختلفة من السيارات المحمّلة بمتفجرات شديدة القوة لضرب أهدافهم. ويقول المحقّقون أن الهجوم على فندق “ماريوت” تم باستخدام حوالي 600 كلغ من المتفجرات، الأمر الذي أسفر عن حفرة بلغ عمقها 25 قدماً ومحيطها 50 قدماً.
وخلص المحقّقون إلى أن المتفجّرات التي تم استخدامها هي مزيج من الـ”إ ردي إكس” والـ”تي إن تي”. إن الـ”إ ردي إكس” يستخدم كعنصر أساسي في المتفجرات البلاستيكية لزيادة حدّتها، في حين تُستخدم مادة “تي إن تي” عادةً لتحطيم الهياكل الإسمنتية أو التلال الصغيرة. وقال المحقّقون أن مزيج “إ ردي إكس” و”تي إن تي” كان قد استُخدم في الهجمات الأربع السابقة في روالبندي وإٍسلام آباد ولاهور، التي قام بها عناصر تابعة لـ”حركة الجهاد الإسلامي”.
وكان أول هذه الهجمات قد وقع في 4 مارس 2008، حينما اقتحم إنتحاري بسيارته المدخل الرئيسي للكلية الحربية البحرية في لاهور قبل أن يفجّر نفسه، متسبّباً بمقتل 8 من موظفي سلاح البحر على الفور.
وأعقبه الإنفجار الثاني بعد 6 أيام في 11 مارس 2008، حينما قاد إنتحاري شاحنة “شاهزوز” مليئة بالمتفجرات لاقتحام البوابة الرئيسية لمقرّ “وكالة التحقيقات الفيدرالية” في لاهور، متسبّباً بمقتل 33 شخصاً. وبعد دقائق فحسب، اقتحم إنتحاري آخر بسيارته مكتب وكالة إعلانات في “موديل تاون” بمدينة لاهور، لاعتقاده بأن ذلك المكتب كان مكتباً سرّياً لـ”هيئة التحقيقات الخاصة” (SIA= Special Investigation Authority)، مما تسبّب بمقتل طفلين ووالدهما.
وفي حينه، خلصت الوكالات المكلّفة بالتحقيقات إلى أن القائمين بالعمليتين كانوا ينتمون إلى جماعة جهادية مرتبطة بـ”القاعدة” هي “حركة الجهاد الإسلامي” بعد إعتقال أميرها “سيف الله قاري أختر” في منطقة “فيروزوالا” قرب لاهور في فبراير 2008.
والواقع أن المشبوهين الستّة من “حركة الجهاد الإسلامي” الذين اعتقلوا في 4 مارس 2008 بعد الهجوم على الكلية الحربية البحرية كانوا محتجزين في مقرّ “وكالة التحقيقات الفيدرالية” في لاهور، وكانوا يخضعون لعملية إستجواب مشتركة تولاها فريق ينتمي أفراده إلى عدة أجهزة إستخبارات.
وكانت قناعة المحقّقين هي أن الهدف الحقيقي للهجمات كان الضغط على الحكومة في ما يتعلّق باعتقال “قاري سيف الله” بالصلة مع الهجوم الإنتحاري الذي تعرّض له موكب زعيمة “حزب الشعب”، السيدة بنازير بوتو، في كراتشي في 26 فبراير 2008، وأسفر عن مقتل 140 شخصاً.
وفي 15 مارس 2008، بعد أربعة أيام من الهجوم الإنتحاري على مقر “وكالة التحقيقات الفيدرالية”، استهدف إرهابيون مطعماً في إسلام آباد يتردّد عليه كثير من الأجانب، ففجّروا المكان بشحنة متفجرة قوية، مما أدى إلى قتل إمرأة تركية وجرح ما يزيد على 10 أميركيين، بينهم 3 من ضباط جهاز “إف بي أي” الأميركي كانوا قد حضروا إلى باكستان خصيصاً للتحقيق في الهجوم الذي تعرّض له مقر “وكالة التحقيقات الفيدرالية” (FIA).
كشفت التحقيقات اللاحقة تورّط عناصر “حركة الجهاد الإسلامي”، الأمر الذي زاد الضغوط على السلطات الباكستانية. وبعد 10 أيام، في 26 مارس 2008، تم الإفراج عن “قاري سيف الله” بكفالة بعد أن أعلن الضابط المسؤول عن التحقيق في القضية، أمام المحكمة، أنه لم تتوفّر أدلة على صلة الزعيم الجهادي المعتقل بأي نشاط إرهابي. وجاء في التقرير الذي قدّمه ضابط التحقيق “نوّاز رنجحه” (Nawaz Ranjha) أنه، أثناء التحقيقات الأولية، لم يجد أدلة كافية لكي يرفع قضية ضد “قاري”.
وقد أعلن القاضي موافقته على التقرير وأمر بإطلاق سراح “سيف الله” بكفالة، ولكن تم اعتقاله مجدّداً بموجب قانون “صيانة الأمن العام” ثم نقله إلى “منزل آمن” في كراتشي. وفي 2 يونيو 2008، فجّر إنتحاري سيارته المليئة بالمتفجرات على بعد 30 قدماً من البوابة الرئيسية لقسم “الفيزا” في سفارة الدانمارك في إسلام آباد، مما أدى لسقوط 8 قتلى و20 جريحاً. وبعد ذلك بخمسة أيام، في 8 يونيو 2008، تمّ إطلاق سراح “قاري سيف الله” بقرار من وزارة داخلية إقليم السند جاء فيه أن مدة إحتجازه قد انتهت. وأعلن محاميه “حشمت حبيب” أنه “رجل حر وليست هنالك دعوى قضائية ضده في أية منطقة من باكستان”.
ولكن كثيرين في أوساط رسمية يعتقدون أن وكالات الإستخبارات هي التي سهّلت إطلاق سراحه في محاولة مكشوفة لوضع حدّ لموجة العمليات الإنتحارية التي أطلقها أتباع “قاري سيف الله”.
يُذكر أن “قاري سيف الله” كان بين القادة الجهاديين الباكستانيين القلائل الذين فرّوا مع أمير الطالبان “الملا عمر” بعد الغزو الأميركي لأفغانستان في أكتوبر 2001. وقد لجأ في البداية إلى “وزيرستان”، ثم انتقل إلى “بيشاور”، وفرّ لاحقاً إلى المملكة العربية السعودية، قبل أن يقرّر الإنتقال إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.
وبعد 3 سنوات، في 6 أغسطس 2004، اعتقلته سلطات دولة الإمارات وسلّمته لحكومة باكستان لكي يتمّ ترحيله. وتمّ إعتقاله إثر ما كشفته التحقيقات في الهجوم المزدوج الذي وقع على موكب الرئيس الجنرال مشرف في 25 ديسمبر 2003، حينما حاول إنتحاريان في سيارتين محمّلتين بالمتفجرات إقتحام موكبه. وكشفت التحقيقات أن واحداً من الإنتحاريين، وكان يدعى “خليق أحمد”، ولقبه “حظير سلطان” كان عضوا في “حركة الجهاد الإسلامي”، وأنه تلقّى أمر إغتيال مشرّف من اليد اليمنى لـ”قاري سيف الله”، وهو “أمجد حسين فاروقي”.
وردّاً على سؤال حول سبب إستهداف فندق “ماريوت”، أكّد المحققون أنه يُنظّر إلى الفندق المفضّل للغربيين في العاصمة الفيدرالية كواحد من رموز الولايات المتحدة، وأنه يحتمل أن يكون الهجوم قد وقع كردّ على الهجمات الأميركية الأخيرة في مناطق الحدود الباكستانية.
وأشار محققون إلى أن “ماريوت إنترناشينال” تملك حوالي 3000 عقار فندقي في الولايات المتحدة و67 دولة أخرى.
وأضافوا أن ما يزيد على 12 عنصراً من عناصر “المارينز” الأميركيين كانوا يقيمون في الفندق حينما وقع الهجوم الإنتحاري الذي وصفه البعض بأنه “11 سبتمبر الباكستاني”.
amir.mir1969@gmail.com
• لاهور