كادت تصريحات مشككة بتاريخية النبي محمد أطلقها أستاذ الإسلاميات في جامعة مونستر الألمانية محمد سفن كاليش أن تثير عاصفة قوية في ألمانيا، لكن الأزمة مرت بسلام ولم تعكر صفو الأجواء الرمضانية الحميمية أو تقطع متعة متابعة المسلسلات الدرامية، وبهذا أعفي مشاهدو التلفزة من رؤية مظاهر الإحتجاج الصاخبة والوجوه المكفهرة في لاهور وكراتشي، ومناظر حرق الأعلام والدمى ورفع القبضات في الهواء وإنذار الغرب الكافر بأن الغضب الساطع آت (لامحالة وعلى السيدة فيروز أن تضع رجليها في ماء بارد).
الحمد لله سارت الأمور على ما يرام، والفضل يعود للناطق بإسم الجالية الإسلامية، أيوب اكسلر كولر، وهو ألماني مسلم فوّضته الجالية أن ينطق بإسمها، لأنها لا تستطيع نطق الألمانية بشكل سليم، إضافة لعسر المنطق الألماني عليها. أما الناطق كولر فقد إكتفى بإدانة تصريحات كاليش المشككة ونصح الطلبة بعدم تلقي دروسه. وبهذا تكون الجالية قد تعلمت من عثرات الماضي، فقبل أعوام حرّم أحد الأئمة الأتراك مشاركة الفتيات المسلمات في الرحلات المدرسية المختلطة إذا تجاوزت الرحلة مسافة ما يقطعه البعير في يوم واحد. آنذاك ضجّت الصحافة الألمانية على هذه الفتوى، لأن العقل الألماني الصارم الذي يعيش عصر الأقمار الصناعية وأنظمة GPS لم يستوعب هذه الدقة الفائقة (مسيرة الإبل في يوم واحد). للإطلاع:
Der Autor der Kamel-Fatwa als Ausbilder islamischer Religionslehrer in Deutschland?
لكن من يكون هذا المشكك بتاريخية النبي، وما معنى تصريحاته التي لا تتجاوز سطرين أطلقها قبل أيام لجريدة [سود دويتشه تسايتونغ]، إنه الدكتور “محمد سفن كاليش” أستاذ الإسلاميات في جامعة مونستر، ورئيس مركز البحوث الدينية فيها، حامل دكتوراة عام 1997م على أطروحته المعنونة: (العقلانية والمرونة في مبادئ القانون الإسلامي). وهو ألماني اعتنق الإسلام في سن الخامسة عشرة من عمره، وفق المذهب الزيدي، القريب من الشيعة الإمامية (وبلغة اليمن السعيد يمكن إعتباره من أنصار الحوثي، آملين ألا تفكر الحكومة اليمنية الرشيدة بنقل قواتها من صعدة إلى مونستر!) وهو أيضا من الشخصيات البارزة في الجالية الإسلامية في ألمانيا.
أما تصريحه الحرفي فيقول: “من الناحية العلمية لا توجد إثباتات قاطعة على وجود النبي”. وأضاف مفسرا: لايمكن الطعن بتاريخيته وبنفس الوقت لايمكن إثباتها؟ بكل الأحوال فإنه ( أي النبي)لم يعش كما ورد في القرآن والحديث وكما تم توصيفه في الموروث” (إنتهى)
وبينما كنت أكتب هذا النص قرأت تقريرا في “الجزيرة نت”:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/28F48ED8-1DAD-4C29-951E-22E505839DD6.htm
يزف للأمتين العربية والإسلامية خبر إعفاء كاليش من مركزه كرئيس معهد تأهيل معلمي الدين الإسلامي. لكن التقرير قام بعملية طمس وحجب بعض الحقائق عن القارئ، فقد أسماه “المستشرق سفن كاليش”، وأخفى عمدا إسمه الأول “محمد” ليوحي للقارئ أنه أمام مستشرق كافر ليس أكثر، وهذا الأسلوب من التضليل يستحق الإدانة والشفقة.
وربما يكون هذا التقرير سببا في إبتعادي عن الجدية في تناول هذا الموضوع الحساس لكن بنفس الوقت أتمنى أن لا تستفحل القضية أكثر، ويُصار إلى مقاطعة الصناعة الألمانية، وبالتالي حرمان الجماهير في [بيشاور وصنعاء] من متعة قيادة الطراز الجديد من مرسيدس، وبي م دبليو. فأطروحات المقاطعة غير مجدية على المدى الطويل. غدا سيخرج باحث ياباني وأخر كوري وصيني ويكتشفون أن قميص يوسف، لم يتمزق من دبر بل من الجانب الأيسر، أو أنه بالمرة شخصية أسطورية وليس بحاجة لقميص! ماذا سيفعل العالم الإسلامي إزاء ذلك؟ أليس الإيمان برسله وكتبه من ركائز العقيدة، فهل سيهبون يوميا لنصرة الأنبياء. وبمرور الزمن عليهم أن يقاطعوا أيضا التويوتا وكيا وهيونداي، وسيمنز ونوكيا ويكتفوا بمسابح الصلاة (مع الأسف فهي مستوردة أيضا من الصين).
بعد أن تقيأت هذه اللغة المريرة أعود إلى بعض الجدية، وأذكّر بأن اكتشاف اللغة المسمارية والهيروغليفية في القرن 19 قد رفع النقاب عن جذور عقائد التوحيد وقصصها الديني الذي يعود إلى أساطير بابل وسومر ومصر القديمة، وان عصور الآباء إبتداء من إبراهيم ويوسف إلى موسى وداوود وسليمان ( على الأقل) هي عصور “ميتاريخية”. فمعظم الدراسات النقدية العقلية الجادة باتت مقتنعة بأن هؤلاء الأباء الأجلاء، ليسوا أكثر من شخصيات قصصية نسجتها مخيّلة الناس عبر العصور، ولا توجد أية إثباتات حسية ( أركيولوجية) على وجودهم خارج التواليف والمدونات المؤسطرة أو في سير نُسجت بعد زمنهم بقرون طويلة. ومن البديهي أيضا أن تشمل هذه الدراسات النقدية كلا المسيحية والإسلام لإنتمائهما لنفس التراث الديني. لهذا فإن أطروحات كاليش ليست غريبة عن السياق البحثي في الجامعات الغربية، إذ لا علاقة للبحث العقلي، بعقيدة الفرد. فالسيد كاليش، دعا إلى حرية البحث العلمي، وصرح بما لا يقبل اللبس بأنه يعتقد أن القرآن وحيّ موحى، رغم قناعته بإختلاف نسخه القديمة عن المعاصرة.
وبعموم الكلام أعتقد أن الضجة المثارة، هي تمهيد لكتابه المنتظر. وبرأيي أن هذه الأطروحات حول تاريخية النبي ليست جديدة. فهناك حلقة علمية في جامعة سارلاند الألمانية يقودها الباحث كارل هانس اوليغ، الذي أصدر عام 2005م كتابا نقديا إسمه : البدايات المظلمة Die dunkle Anfänge يشكك فيه برواية فجر الإسلام، كتبه بالإشتراك مع نخبة من الباحثين أهمهم المستشرق المعروف غيرت بوين، [المشرف السابق على مشروع ترميم ودراسة الكشف الأثري في جامع صنعاء الكبير مطلع السبعينيات، والتي تضم أجزاء وكسورا لحوالي 900مصحف من قرون هجرية مختلفة]. أما الكتاب الثاني لأوليغ فقد صدر في برلين ـ دار شيلر عام 2007م بعنوان: الإسلام المبكر Der früh Islam (666صفحة، 68 يورو) وهنا أتمنى أن يكون عدد الصفحات 666 قد جاء إعتباطيا بمحض الصدفة فالمعروف أنها هذه الأرقام هي رموز الوحش، التي وردت في رؤيا يوحنا. أما إذا كانت متعمدة ومقصودة فستكون إشارة لعدم نزاهة الكاتب العلمية، وتعصبه الدوغمائي المسبق.
ملاحظة: عدم شرائي لهذا الكتاب والإطلاع على فحواه، لا علاقة له بالرقم 666بل بالرقم 68€
naderkraitt@yahoo.de
• كاتب سوري
مدوّنة نادر قريط:
http://www.nkraitt.blogspot.com/
يمكن للقارئ الراغب في الإطلاع حول المزيد عن موضوع التشكيك بتاريخية النبي قر اءة النص الموجود في صفحة الشفّاف الإنكليزية نقلاً عن “در شبيغل”:
حول كاليش وتاريخية النبي
ان كاليش هذا مجرد باحث يسعى الشهرهلقد كنت اتردد على موقع الذاكرة وسمعت الكثير من قبيل ما اثاره كاليش مثلا ان “القس اريوس” هو محمد وان اللات والعزى ماهي الا مريم العذراء وان الاسلام ظهر في العراق نظرا لتشابه بسيط مع الصابئة المندائية و هناك من ذهب بعيدا وقال ان الخلفاءالراشدين هم فقط <<اكاسرة فارس>> وان العباسين اخترعوا سيرة النبي لكي يمنحوا لانفسهم الشرعية من اجل الحفاظ على الملك والسلطة و انا اقول ر ايي بان هذه اجندة معروفة هدفها تدمير الاسلام فقط.
حول كاليش وتاريخية النبيللشخصيات الأسطورية بذور تاريخية لا مشاحة ، وإنما الأسطرة جاءت من محاولة الشعوب إضفاء سمات العظمة الكلية على تلك الشخصيات ، جنبا إلي جنب حجب كل ما هو سلبي فيها لتكتمل صورة الكمال المفتقد في الحياة الإنسانية الراهنة، وهو ما حدا بهيجل للحديث عن الوعي الشقي، وهو أيضا ما دعا فرويد لكتابة ” موسى والتوحيد ” ً عن الحقائق التاريخية المطمورة تحت رمال الأسطرة . فيما يتعلق بنبي الإسلام فالوجود التاريخي محقق لا شية فيه ، إنما المشكلة تكمن في كتـّاب السيرة الذين انتهجوا منهج التاريخانية [ = تلوين الكتابة بأيديولوجية المؤرخ لدواع محض سياسية] وربما كان… قراءة المزيد ..
حول كاليش وتاريخية النبيالأستاذ حسن: متى قلت أني أشكك بتاريخية النبي، قلت أن بعض الباحثين يشككون بذلك وهناك دراسات جدية أشرت إليها، لهذا أطالب مايسمى (( العلماء)) ببحثها والرد عليها وهذا أفضل من فتاوي ميكي ماوس؟؟ أما بصدد آباء التورااة من إبراهيم حتى سليمان فبات من شبه المؤكد أنهم شخصيات قصصية؟؟ وكذلك شخصية المسيح، فالمؤرخون الرومان الأربعة الذين عاصروه لم يذكروا شيئا عنه بإستثاء جوزيفيوس اليهودي( القرن الأول) .لكن البحث النقدي حوله أثبت قطعيا أن هذا المؤرخ هو أحد مزّورات القرون الوسطي.. ملاحظة : الشائع أن لورانس العرب كان يتكلم العربية ولهجاتها بطلاقة!! هذه أسطورة !! لورنس لم يعرف إلا… قراءة المزيد ..
منطق الاستاذ نادر لو طبقت قواعد التفكير التي سردتها يا استاذ نادر حول علمية الادلة المتعلقة بتاريخية النبي صلى الله عليه وسلم لوجب التشكيك بالجامع الاموي وجامع خالد ابن الوليد بحمص والقبر الذي بداخله وقبر صلاح الدين بدمشق ومن قبله قبر عمر ابن عبد العزيز في معرة النعمان وقبر ابراهيم الخليل .. وربما بلغ بك التشكيك بقبر حافظ الاسد الكائن بالقرداحة … وقد سردت لك هذه القبور لسبب بسيط وهو ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( موضوع التشكيك بتاريخيته – العلمية – ) له قبر مشهور جدا جدا في المدينة المنورة … لا اعرف عن اي علمية تتكلم… قراءة المزيد ..