كيف يمكن قراءة ما جرى في الكورة في شمال لبنان ولماذا سقط من سقط واين تقع حدود المسؤوليات السياسية والجزائية؟
كان واضحا، منذ خسارة الوزير السابق سليمان فرنجية الانتخابات الماضية بقانون المحافظة، وهو الذي يعتبر نفسه فائزا في قضائه بدليل الاصوات التي نالها، والتي فاقت جميع منافسيه في القضاء، ان الوزير فرنجية اعتبر ان عليه ان لا يستسلم وان يعد العدة للانتخابات المقبلة.
وفي قراءة لمواقف فرنجية السابقة واللاحقة في ضوء تطورات الوضع اللبناني والتحالفات التي ما زال ملتزما بها، يمكن فهم مآل تطور الاوضاع السياسية والامنية في شمال لبنان.
اولا، لا بد من القول ان ما جرى في بصرما ليس وليد ساعته او مجرد خلاف على ملصقات او دعوات او صور. انه تراكم بدأ منذ بداية الحرب الاهلية ولم يجد له طريقا للحل بعد.
وللذكرى فان الخلاف الزغرتاوي الكتائبي، والذي اصبح خلافا بين الزغرتاويين والجبهة اللبنانية، التي ضمت بداية الحرب الرئيس كميل شمعون ورئيس حزب الكتائب بيار الجميل واحزاب متنوع ، اجتمعت على مقاتلة الفلسطينيين و(تطهير) المناطق المسيحية من اي وجود فلسطيني ومن انصار الحركة الوطنية، لم يكن خلافا سياسيا على الخيارات الوطنية. فالجماعة كانوا يقاتلون في خندق واحد، وظهر الخلاف الى العلن على السيطرة على عائدات شركات الاسمنت في شكا. ففي حين كان يصر انصار فرنجية على الاستئثار الخوات في شكا، اعتبر بشير الجميل ان هذه العائدات تشكل جزءا من المجهود الحربي للمسيحيين، وبالتالي هو يستولي عليها ويعيد توزيعها تبعا للاولويات التي تفرضها الوقائع الميدانية للجبهات. وللذكرى ايضا فقد انفجر الخلاف الزغرتاوي الكتائبي، اثر قيام عناصر من تنظيم فرنجية بقتل “جود البايع” في شكا وهو رئيس احد اقسام حزب الكتائب، ولم يتأخر الرد الكتائبي فتم تجريد حملة على زغرتا وتوأمها اهدن، اسفرت عن مقتل النائب طوني فرنجية وزوجته وابنته وعدد من مرافقيه وبقي نجله الوزير السابق سليمان حيا لانه لم يكن يتواجد في منزل والده.
ومنذ ذلك التاريخ في حزيران من العام 1978 انقسمت الجبهة اللبنانية وخرج منها الرئيس الراحل سليمان فرنجية، واقتطع بعضا من محافظة الشمال لحسابه، بغطاء من قوات الردع العربية التي كانت اصبحت القوات السورية فقط، حيث قامت هذه القوات باعادة نشر جيشها في اجزاء من اقضية الكورة والبترون وبشري، وافسحت في المجال لانصار عائلة فرنجية للانتقام لمقتل النائب فرنيجة.
سال نهر من الدماء المسحية منذ ذلك التاريخ ولم يتوقف، ويحكى ان الرئيس الراحل سليمان فرنجية سؤل يوما من قبل احدى الصحافيات الي اين الخلاف المسيحي المسيحي يا فخامة الرئيس؟ وعندما بلغ عدد قتلى الانتقام لمقتل ابنه قرابة سبعمئة قتيل، فاجاب بان من قتل للآن لم يعوض دية كلب نجله طوني، وعلى ذمة الراوي، ولكن سيل الاحداث الذي اعقب هذه الراوية يشير الى ان هذا المسلسل لم يتوقف منذ قتل جود البايع في شكا.
ولفهم الصورة بشكل اوضح، تم القاء اللوم على سمير جعجع في مسألة قتل النائب فرنجية لاسباب مناطقية وعشائرية، وآل فرنجية ، يعرفون تماما ان جعجع، وان كان مشاركا في العملية العسكرية، اصيب قبل ان يقتل النائب فرنجية، ونقل الى مستشفى اوتيل ديو قاب قوسين او ادنى من مفارقة الحياة. ولكن العزف على وتر الخلاف التاريخي بين بشري وزغرتا كان مفيدا لسلطة الوصاية حينها، ما عزز الخلاف ومده بالدماء التي ابقته مشتعلا الى اليوم، ولكن لا يبدو ان آل فرنجية فاتهم كيفية انتقال ألآف المسلحين من حزب الكتائب اللبنانية وكيف تجمعوا وانطلقوا الى اهدن ليقتلو طوني فرنجية مجتازين العديد من الحواجز السورية فهم لم يسألو انفسهم هذا السؤال يوما او انهم يعرفون الاجابة؟
وفي جميع الاحوال، استلم روبير فرنجية قيادة مسلحي العائلة، ومن انضم اليهم لاحقا من بقايا حزب حراس الارز، الذين اردى منهم حزب الكتائب اكثر من عشرة اشخاص تحت ذريعة توحيد البندقية، كما انضم اليهم عدد من المتضررين من سياسة السيطرة المطبقةالتي اعتمدها حزب الكتائب من خلال تصفية اخصامه او ابعدهم عن المناطق الكتائبية على القرار المسيحي. واستتب الامر لمسلحي فرنجية فاحكموا سيطرتهم على قرى الزاوية التي يطلقون عليها تسمية “مزارع” تهكما، وبعض الكورة والبترون، وان كانوا تقاسموا الكورة مع الحزب السوري القومي. إلا ان الوجود السوري كان ضامنا لترجيح كفتهم دائما على حساب جميع الآخرين من حلفاء واتباع.
وإزاء السيطرة المطلقة، تم تهميش قيادات تلك المناطق وما زال ماثلا للعيان تدمير منزل النائب فؤاد غصن في الكورة لانه اقترع لانتخاب الرئيس اللبناني الراحل بشير الجميل في حين ان التوازن الزغرتاوي حال دون تدمير منزل النائب الاب سمعان الدويهي في زغرتا للاسباب نفسها.
ومع تنامي السيطرة الزغرتاوية تم تهجير الاف الكتائبيين من البترون والكورة وقرى الزاوية ولم يسمح لهؤلاء بالعودة الى قراهم ومنازلهم الا بعد العام الف وتسعمئة وتسعين بعد حل الميليشيات، وفي موازاة ذلك كان نجم الوزير الحالي سليمان فرنجية بدأ بالصعود، بعد ان انقلب على عمه واخرجه من قيادة مسلحي العائلة او المردة، وارغم جده على تطويبه قائدا لقوات المردة وتم تعيينه ليحل مكان والده نائبا في التعيينات التي سبقت انتخابات العام الف وتسعمئة واثنين وتسعين. ويحكى انه اضطر الى تغيير هويته لكي يكون مؤهلا قانونا لتولي منصب نائب بدلا من والده، ومنذ ذلك التاريخ وفرنجيه يعرف باسم وزير الخط اي خط الوفاء لسوريا وبيت الاسد الذي يفاخر بعلاقته الشخصية بهم وهي علاقة ورثها وعمل على تعزيزها من جده الراحل الرئيس سليمان فرنجية.
ومنذ توليه زمام الامور في العائلة كان لفرنجية الحفيد السلطة المطلقة على الشمال المسيحي الخاضع لسيطرة القوات السورية. ففي العام الف وتسعمئة واثنين وتسعين دخل المجلس النيابي رئيساً للائحة نيابية عمل على تشكيلها بمساعدة السوريين من البترون والكورة وزغرتا وامّن مقاعد لحلفائه في بشري النائبان السابقان جبران طوق وقبلان عيسى الخوري، كما عمل على ايصال ابن عمته كريم الراسي نائبا في عكار ثم تم تعيينه وزيرا واصبح من ثوابت الحكومات. وعند تغيير اي حكومة كانت التشكيلة الجديدة تبدأ بفرنجية اولا ورئيسها ثانيا وميشال المر ثالثا، حتى درجت تسمية الوزراء الثوابت.
لقد تم تكريس فرنجية زعيما، ومقابل وفائه للخط تم تسخير جميع مقدرات الدولة لحسابه نائبا ووزيرا، وكان اتباعه فوق المساءلة القانونية، يصولون ويجولون من دون حسيب او رقيب او قانون، حتى ان قضاة العدلية في طرابلس، كانت تصلهم الاحكام من “بنشعي” مقر فرنجية في القضايا التي تخص اتباعه او من بنتسب اليهم.
في الانتخابات الاخيرة كانت خسارة فرنجية الانتخابية لصالح ابن عم والده النائب الحالي سمير فرنجية صدمة لم يستطع التكيف معها، لا هو ولا اتباعه. فالنسبة لهم سليمان فرنجية هو نائب باصوات القضاء، وعمل انصاره على الاعتداء على ابن عم والده يوم انتخابه، من دون ان تتدخل قوات الجيش لحماية نائب منتخب من تعديات غاضبين.
وبعد الخسارة الانتخابية، كان على فرنجية الالتصاق اكثر بالخط ، كيف ولا وسوريا ما زالت تملك الكثير من الاوراق اللبنانية، وفرنجية احد ابرز الاوفياء. فتريث باعلان تحالفه مع العماد عون، الى ان قرر الاخير كشف المستور والتزم تفاهمات عودته الى لبنان مع السوريين واتباعهم واعلن نواياه بالسيطرة على المقاعد المسيحية في البرلمان. ومن بعده توطد التحالف الذي كان قائما اصلا بين فرنجية وحزب الله بفعل سلطة الوصاية. الا ان فرنجية اكثر حذرا من العماد عون، فهو لم يتباهى بانتصار حزب الله المزعوم، الا انه يعرف تماما كيف يمكنه الاستفادة منه، مستندا الى تراكم سيطرته وازلامه على المناطق المسيحية، والرعب الذي احدثوه منذ عام الف وتسعمئة وثمانية وسبعين، ومستفيدين ايضا من حالة الاستكبار على القانون والافلات من عواقب افعالهم،وهم خبروا هذا الامر طويلا. إضافة الى الغطاء الذي يمنحه حزب الله مباشرة ، او من خلال ممارسته التي كرسها بعد السابع من ايار حين اجتاح بيروت وافلت المسلحين من عقالهم في سائر انحاء البلاد.
ولان لبنان على ابواب مرحلة انتخابية، وان كانت الاغلبيةالنيابية لم تعط الفرصة لتكريس وجودها من خلال الدولة وعبر مؤسساتها التي عطلها رئيس المجلس النيابي واستقالة نواب الشيعة من الحكومة وما رافق ذلك من تعطيل عمل المؤسسات والتشكيك في شرعية الحكومة يضاف اليها الاعتصام الذي استمر لسنة ونصف السنة، ولان التحضير للانتخابات، قد بدأ وفرنجية كان من بين الاوائل الذين اعلنوا عن لوائحهم، ولان فرنجية يعتقد جازما انه انهى انتخابات قضاء زغرتا، وهو فائز مع لائحته بالكامل استنادا الى نتائج الانتخابات السابقة، فكان لا بد له من مد يد العون الى حلفائه وتقاسم المقاعد معهم في البترون والكورة، حيث لا زال جماعته ينتشرون. وهو تاليا سوف يؤكد تحالفه مع العماد عون للتنافس معا في وجه فرقاء الرابع عشر من آذار على خمسة مقاعد نيابية مسيحية في البترون والكورة، نوابهما الحاليون من قوى الرابع عشر من آذار. وحيث ان انصار العماد عون في البترون والكورة ليسوا ممن يجابهون، فتركوا الامر لانصار فرنجية لينفرد في مواجهةالخصم المشترك وهو القوات اللبنانية.
في هذا السياق يمكن فهم ما جرى في الكورة. يضاف اليه تبادل الادوار بين حزب الله وحلفائه، من ضرورة تحمل بعض الاعباء في مواجهة قوى الرابع عشر من آذا، في حين يصمت العماد عون، يقع حاث بصرما، وترتفع لهجة فرنجية بالتهديد والوعيد. او ليس انصاره من قتلو القواتي بيار ابي خطار في البترون يوم حرق الدواليب؟ او ليس جوزيف وجيه فرنجية من قتل إثنين من القواتيين في الكورة وفر الى سوريا وعاد منها ميتا بعد تعرضه لازمة صحية؟ وفي هذا السياق، يبدو ان فرنجية استسهل قتل القواتيين وها هو اليوم يتحمل قسطه من العبء، فيقتل انصاره من القوات. وهو يهدد نائبا ويقول انه رفع عنه الحصانة، وتاليا تم نقل الفتنة المتنقلة في البلاد من بيروت لان حزب الله لم يعد يتحمل ما اثير عنه من سعي لفتنة شيعية سنية ولان النائب سعد الحريري انجز مصالحة الشمال ويعمل على انجاز مصالحة البقاع،ولان جنبلاط يسعى على خط المصالحة مع حزب الله، ولم يقطع صلة مع رئيس حركة امل الشيعية نبيه بري، ونجح حتى الآن مع طلال ارسلان في تحييد الجبل. فانبرى كل من العماد عون وفرنجية على ممارسة دورهما في نقل الفتنة الى الشارع المسيحي. فعون اعتبر ونوابه اعتبروا الاستيلاء على كنيسة في عمق الجبل اللبناني حادثا يعمل البعض على استغلاله انتخابيا وعملوا على تغطية إطباق حزب الله على الكنيسة واخذوا مفتاحها ليقيم فيها عون قداسا بما لا يشكل استغلال انتخابيا، ويا للعجب!! وفرنجية انبرى يهدد نائبا، واصبح تابعه يوسف الشب فرنجية الذي قتل في بصرما الكورة( شهيدا) لان وجود زغرتاوي في مكتب حزبي في قضاء الكورة امر طبيعي، اما وجود قواتي من ابناء المنطقة في القرية يعمل على الصاق صور حزبية امر غير مشروع تبعا لمنطق فرنجية. فيصح عنده ان جوزيف الشب فرنجية تعرض لمؤامرة اغتيال، اما القواتي القتيل لا ضير فقد تقلص عددهم عنصرا.
انه منطق الاستقواء والسيطرة بالقوة الذي عمّمه حزب الله بعد ان افلت المسلحين من عقالهم في السابع من ايار. ويبقى الامل في قدرة الرئيس ميشال سليمان، ليس على اجتراح المعجزات، بل على الحفاظ على الحد الادنى من السلم الاهلي، الى حين انفراج الازمة الاقليمية الابرز في ايران، وإثبات سوريا حسن نواياها اللبنانية تجاه المجتمع الدولي. وفي الانتظار سوف تبقى الفتن متنقلة من منطقة الى اخرى وابطالها معروفون: قوى الثامن آذار و”شكرا سوريا” و”الوفاء للخط”.
kricha@radiosawa.ae
• كاتب لبناني – دبي
تداعيات السابع من ايار: أحداث “بصرما” في سياقها التاريخي
الكل يعلم ان النظام الشمولي السوري لا يمكن ان يسمح بنظام ديمقراطي الى جواره ولهذا فهو سيرضي الغرب بحيلة القضاء على الارهاب والاصوليين وسيستغل الطائفية الموجودة في لبنان ويسحق ديمقراطيتها. ان المنطقة خاضت حروب بين ابنائها ودمرت ذاتها مثال احتلال العراق للكويت والمليشيات الارهابية الطائفية عند احتلال امريكا له وايضا تدمير المدن السورية وشعبها بوسطة المخابرات المافياوية السورية وايضا ايلول الاسود الذي دعمته سوريا والعراق ضد الاردن وتل الزعتر للقضاء على كل الاحزاب ما عدا مليشيا امل وذلك عند دخول النظام السوري لبنان باذن من امريكا واسرائيل.
تداعيات السابع من ايار: أحداث “بصرما” في سياقها التاريخيلماذا لم تنفجر الحرب الأهلية في لبنان حتى الآن؟ بقلم خالص جلبي في لبنان جرب الجميع قتل الجميع، وحولهم من خبراء القتل، من يزودهم بكل سلاح واستخبارات. ثم لايقصرون. وإن كان هناك من سيمنع القتل فهو أمران: خوف بلطة أمريكا، والقتل، أي شرب الدم من جديد، فالذاكرة عابقة بفشل هذا الحل الجنوني، ولكن كما يقول (فيرنر هايزنبرغ) الفيلسوف والفيزيائي الألماني متى كانت الحرب عقلانية؟ تعليقا على خوض هتلر الحرب مع قناعته الكاملة أن لا طاقة له بالحلفاء؟ مع ذلك خاضها بكل ضراوة ودمر فيها بكل ضراوة.. وكما أقول دوما أن القتل والحرب… قراءة المزيد ..