لا شك أن العالم الإسلامى بصفة عامة والعربى على وجه الخصوص يمر بحالة تحول كبيرة منذ قرن من الزمان، فمنذ نهاية الخلافة الإسلامية بهزيمة الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى والعالم العربى يبحث عن هوية، فقد كان الإسلام هو الهوية أيام الدولة العثمانية، ثم كان التحول إلى القومية والوطنية للتخلص من الإحتلال الإنجليزى والفرنسى بعد أن تم التخلص من الإحتلال التركى بمساعدة الغرب، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية ظهرت إلى الوجود قوى جديدة حلت محل القوى الإستعمارية القديمة، فبعد ظهور الإتحاد السوفيتى وأمريكا كقطبى عالم ما بعد الحرب كان لا بد للإستعمار أن يرحل مفسحا المجال للقوى الجديدة لملء الفراغ، ولم تستطع أمريكا أو روسيا أن تحل محل إنجلترا وفرنسا لأن كلتا الدولتين أعلنتا على الملأ أنهما مع تحرر الشعوب من الإستعمار، ولكنهما دخلا من الباب الخلفى عن طريق المساعدات الإقتصادية والعسكرية وحل السفير الروسى أو الأمريكى محل المندوب السامى البريطانى، ورغم هذا فإن روسيا وأمريكا لم تستطيعا تماما ملء الفراغ السياسى الناتج عن جلاء القووى الإستعمارية، لذلك كان من السهل على المؤسسات العسكرية أن تملأ هذا الفراغ ووعدت شعوبها بأقوى قوة ضاربة فى الشرق الأوسط كما وعدته بالتصنيع من الأبرة للصاروخ وعلى الماشى وعدته بـ”تماثيل رخام على الترعة وأوبرا”!! وتحطمت كل تلك الأحلام صباح 5 يونيو 1967 عندما تمكنت “دولة العصابات الصهيونية” الصغيرة من هزيمة الجيوش العربية مجتمعة ومنها أكبر قوة ضاربة فى الشرق الأوسط، ونتج عن هذا فراغ آخر‘ فرغم إستمرار الأنظمة المهزومة فى السلطة إلا أنها فى الواقع إنتهت فى الشارع وأصبح هذا الشارع مباحا لكل من هب ودب، وما أسهل العودة إلى دولة الخلافة الإسلامية لملء هذا الفراغ، وأصبحت كل دول الغرب سيئة السمعة فى البلاد العربية حتى الإتحاد السوفيتى نفسه قبل سقوطه كان سئ السمعة وخاصة عندما عرف الناس أنه لم يستطع أو لم يرد أن ينقذ الأنظمة التى كانت تدور فى فلكه من شر هزيمة، وأمريكا والغرب طبعا أصبحتا قوى الشيطان لمساعدتهم إسرائيل عمال على بطال، طيب ماهو الحل:”الإسلام هو الحل”، وهو شعار لم يأت من فراغ ولكنه أتى لكى يملأ فراغا هاما، وبدأت القوى الدينية تعلو فى كل مكان من أول الدار البيضاء وطنجة والجزائر إلى القاهرة وغزة والخرطوم إلى الرياض والكويت وطهران ، وإلى كراتشى وكشمير وكابول والشيشان، والبوسنة والهرسك وكوسوفو، وفى نفس التوقيت عاد الخمينى من منفاه فى باريس لكى يطرد أقوى حليف غربى بثورة شعبية حقيقية دينية، ليعلن قيام أول جمهورية إسلامية، وبعد الخمينى بدأت المزايدات على من هو حامى الإسلام ومن هو أكثر تطرفا وبدأت مراكز التطرف فى العالم الإسلامى تتبارى فى طول الذقن وقصر الجلباب وكثافة الحجاب، ورأينا التنافس على قيادة العالم الإسلامى يتراوح ما بين الرياض وطهران والقاهرة وكراتشى وأنقرة، بالرغم من أن أكبر أغلبية مسلمة تقع فى أندونيسيا والهند!! وبدأ تكاثر دور العبادة والمدارس الدينية ليس فقط فى العالم الإسلامى ولكن أيضا فى اوروبا وامريكا وتم إستغلال سماحة وسذاجة الغرب أسوأ إستغلال، ثم كانت الضربة الكبرى لتلك القوى الدينية فى جريمة 11 سبتمبر عندما ضربت تلك القوى “رأس الأفعى والشيطان الأكبر” أمريكا فى عقر داها، وإنكشف المستور وبدأت الحرب علانية بين الإسلام السياسى والغرب، وتلت “غزوتى نيويورك وواشنطن” غزوات أصغر فى مدريد وبالى ولندن بالإضافة إلى الغزوات الإعتيادية الصغرى فى مصر والسعودية والجزائر والمغرب ولبنان والعراق والصومال واليمن، والحرب مازالت مستمرة حتى اليوم ومظاهر الصحوة الدينية تتصاعد ولم يسلم جانب من جوانب الحياة اليومية من هجوم قوى الإسلام السياسى والتى بدأت تزحف ببطء إلى المؤسسات الحكومية والتشريعية والنقابية والإعلام وحتى ملاعب كرة القدم، وإذا فشلت فى إقتحام أى مؤسسة تتهمها بالكفر، فالأغانى كافرة والشعراء كفرة وأوليمبياد بكين كافر ومسلسلات التليفزيون كافرة وأصبحت البرلمانات تجتمع لتقرر قيام حفلة غنائية لمطربة من عدمه ووصل الأمر إلى أن أصبحت قوى الدين السياسى تحدد لك كيف تمارس الحب مع زوجتك (وبالمناسبة لا تقبل زوجتك لأن القبلة هو إختراع غربى كافر) ووصل الأمر إلى تحريم بيع الورود الحمراء فى عيد الحب ومنع بيع الخيار للنساء فى العراق (فى إيحاء جنسى رخيص)!!
فمظاهر الصحوة حقيقة لا ينفيها إلا أعمى أو مغرض، فتعالوا نبحث هل تلك صحوة حقيقية أم مجرد منظر حجاب وجلباب وزبيبة فى الوجه:
أنتشرت الزبية على الجباه ورغم هذا قلت النظافة (بالرغم من أن النظافة من الإيمان) ما عليك إلا أن تركب مترو الأنفاق بالقاهرة وأن تدرك ماأعنيه إذا إستطعت إحتمال رائحة بعض الناس الذين لم يستحموا من العيد الكبير.
إنتشرت السبح فى أيدى الناس، وتجد السبحة فى اليد اليمنى أما اليد اليسرى فتمتد لأخذ رشوة إبتداء من جنيه إلى عشرة مليون جنيه (لأنه لا يصح إستلام الرشوة باليد اليمنى)!
أنتشرالحجاب والنقاب طلبا للعفة ومنعا للإثارة ومع هذا إنتشرت حالات الإغتصاب والتحرش الجنسى بشكل وبائى، كما أنتشرت أنواع جديدة من الزواج جاءت وكأنها بديل واقعى عن الزنا، فسمعنا عن الزواج العرفى والمسيار وزواج المتعة وغيرها من أنواع الزواج والتى صاحبت الصحوة.
المساجد والحمد لله منتشرة ومملوؤة بالمصلين والشركات والمصالح الحكومية والمصانع أصبح بها دور عبادة صغيرة، وتعطلت مصالح الناس كثيرا بحجة أن الإستاذ حسنين إما يتوضأ أو يصلى الظهر والعصر والسنن والأنفال، وقل الإنتاج وأصبحنا نعتمد على غذائنا وملبسنا وسلاحنا ومواصلاتنا على الغرب الكافر.
إنتشرت الذقون على وجوه الرجال واصبح هناك تنافس أوليمبى على طول الذقن، ومع هذا إنتشر الفساد وخراب الذمة أكثر من أى وقت مضى، ولا يعبأ بعض هؤلاء الفاسدون عندما تقول لهم:”ياشيخ عيب على دقنك”
إنتشر النصب والشعوذة بأسم الطب البديل ، وأسيى إستخدام أسم النبى فيما أطلقوا عليه ظلما “الطب النبوى” والرسول الكريم لم يدع أبدا أنه طبيبا، وأنتشر المشعوذون بشكل لم يسبق له مثيل كل هذا بأسم الصحوة وزادت بعض الأمراض أنتشارا وبائيا.
زاد العداء للغرب بدرجة شديدة ورغم هذا أصبحا أسرى وعبيدا لمنتجاته.
أنتشرت المدارس الدينية بشكل لم يسبق له مثيل ومع هذا تدهور التعليم بشكل مزرى وفشلت أى جامعة عربية أو إسلامية أن تكون ضمن أفضل 500 جامعة فى العالم.
وصاحب تلك الصحوة وجود طابور لا ينتهى من الشباب العاطل الذين كرهوا أنفسهم وكرهوا الحياة وأصبح الأمل الوحيد لديهم هو الإنتحار بتفجير أنفسهم فى الآخرين (أيا كانوا) على أمل الذهاب إلى الجنة والتخلص من حياتهم بعد أن حولها قادتهم وأمراؤهم إلى حياة بشعة وكريهة وبثوا فيهم ثقافة الكراهية، وإذا ذكرتهم بأن الرسول أمرنا بأن نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا ونعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا، قالوا لك :”وما الدنيا إلا متاع الغرور”. واللعب باللغة أصبح حرفة ولوى النصوص أصبح رزقا.
وبدلا من تبنى صحوة علمية حقيقية تضيف شيئا للإنسانية ظهرت طائفة من الكتاب إدعوا أنهم علماء العصر، وبدلا من إبتكار أو إختراع أى شئ، تبنوا فكرة أن القرآن قد حوى كل شئ وأنه كتاب علم وكتاب تاريخ وكتاب إقتصاد وكتاب طب وكتاب فيزياء وكتاب كيمياء حيوية وكتاب علم أجنة، وفى هذا ظلم شديد وإفتراء على الله ورسوله، ويفتح المجال أمام أعداء الإسلام الذين يتربصون به بأن يفندوا أقوال ادعياء العلم ويبدأون فى الطعن فى كل النصوص .
كنت أتمنى أن تكون الصحوة فى الجوهر قبل المظهر، كنت أتمنى أن تكون صحوة فى العمل والإجتهاد، كنت أتمنى أن تكون صحوة فى التعليم، كنت أتمنى أن تكون صحوة فى العلم والفن والإبتكار، كنت أتمنى أن تكون صحوة فى الأمانة والأخلاق، كنت أتمنى أن تكون صحوة فى الحب والتسامح، ولكن ما كل يتمناه المرء يدركه.
samybehiri@aol.com
* كاتب مصري
المصدر ايلاف