وكلمة التعديل مشتقة من العدل، أي تحقيق العدل، وهي هنا كما هي في مصطلح الحديث (الجرح والتعديل). ولكي نفهم سر هذا العنوان الغريب، الجريء، علينا أن نلحظ أننا نتكلم عن الشريعة وليس عن العقيدة، والإسلام يضم أصلين:
أولهما: العقيدة وهي الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذه لا تدخل في مجال موضوعنا، لأن العقيدة تقوم بالدرجة الأولى على الوحي، والقلب، وإن لم تخالف العقل والفكر.
والثاني: الشريعة وهي موضوع المقال فإنها «الدنيويات» – باختصار – أي هي علاقة الحاكم بالمحكوم، الرجل بالمرأة، الغني بالفقير، وهي القوانين والحدود والميراث ونظم الزواج والطلاق…إلخ.
هذه الدنيويات لها طبيعة خاصة لم تدق على الأئمة الأعلام، وفرقوا بينها وبين العقيدة، فقال ابن تيمية: «إن تصرفات العباد من الأقوال والأفعال نوعان: عبادات يصلح بها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم..».
فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها لا يثبت الأمر بها إلا الشرع، وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه، والأصل فيها عدم الحظر، فلا يحظر منها إلا ما حظره الله سبحانه وتعالي، وذلك لأن الأمر والنهي هما شرع الله، و«العبادة لابد أن تكون مأمورًا بها، فما لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور؟
ولهذا كان أحمد وغيره من فقهاء أهل الحديث يقولون إن الأصل في العبادات التوقيف، فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالي: (لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشوري: ٢١)، والعادات الأصل فيها العفو، فلا يحظر منها إلا ما حرمه الله، وإلا دخلنا في معنى قوله تعالي: (قُلْ أَرَأَيتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً) (يونس: ٥٩).
وتحدث العز بن عبد السلام في الكتاب الذي اشتهر باسم «الفوائد في اختصار المقاصد»: «فإن الله أرسل الرسل وأنزل الكتاب لإقامة مصالح الدنيا والآخرة ودفع مفاسدها والمصلحة لذة أو سببها، وفرحة أو سببها، والمفسدة ألم أو سببه أو غم أو سببه».
وقال فيما قاله عن مصالح الدارين ومفاسدهما: «ولا تعرف مصالح الآخرة ومفاسدها إلا بالشرع، وتعرف مصالح الدنيا ومفاسدها بالتجارب والعادات».
أما الإمام بن القيم الجوزية فإنه في كتابه «أعلام الموقعين» يقرر أن الشريعة هي العدل وأكد ذلك في مناسبتين، وفي المناسبة الأولى قال : «إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق وقامت أدلة العقل وأسفر صبحه بأي طريق كانت فثم شرع الدين ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم يحصر طرق العدل وأدلته وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه، وأدل وأظهر بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة الحق والعدل وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكم بموجبها وبمقتضاها.
والطرق أسباب ووسائل لا تراد لذاتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبه بما شرعه من الطرق علي أسبابها وأمثالها، ولن تجد طريقًا من الطرق المثبتة للحق إلا وهي شرعة وسبيل للدلالة عليها.
وفي المناسبة الثانية قال تحت عنوان: «بناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد»: «فإن الشريعة بناها وأساسها علي الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل».
إن ابن القيم بعد أن يقيم الشريعة على العدل فإنه يخرج منها ما دخل فيها بطريقة التأويل إذا كان مخالفاً للعدل، كما يدخل فيها ما لم تذكره الشريعة على وجه التحديد إذا كان يؤدي إلى العدل، لأن «الطرق» لا تراد لذاتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ومقصد المقاصد هو العدل.
وقد عاصر ابن القيم فقيه حنبلي بارز هو نجم الدين الطوفي الذي أدى به تفسيره للحديث النبوي (لا ضرر ولا ضرار) إلى أن يرى المقصد الأسمى للشارع هو المصلحة، فإذا وجد نص يخالف المصلحة أخذنا بالمصلحة وأولنا النص، فهذا الفقيه الحنبلي يماثل بنثام مشرع النفعية في القانون البريطاني.
وقبل هؤلاء فإن الرسول – صلى اللّه عليه وسلم – نفسه في قضية تلقيح التمر عندما لم ير الرسول فائدة منه، فتركوه، فجاء شيصًا فقالوا له ذلك فقال (أنتم أعلم بشؤون دنياكم).
أعتقد أننا تفهمنا جيدًا مضمون الشريعة، وأنه في جوهره العدل أو المصلحة.
يمكن بعد هذا الاستنتاج أن نسير خطوة، فنقول: إن كل نص عن الشريعة سواء في القرآن الكريم أو السُـنة النبوية إنما أريد به تحقيق هدف الشريعة وهو كما قلنا «العدل»، وكان النص يحقق ذلك عندما نزل.
ولكن يحدث أن يجعل التطور النص لا يحقق هذا الهدف لعدد كبير من العوامل، فعندئذ ماذا نفعل؟
ونواصل الأسبوع المقبل.
gamal_albanna@infinity.com.eg
القاهرة *
كل ما جاء بالشريعة قابل للتعديل «١-٢» بين الأحكام والموضوعات هناك الأحكام الابتدائية التي يستنطبتها الفقيه وهذه الأحكام تنقسم الى لأحكام الواقعية تنقسم الى أحكام واقعية أولية وأحكام واقعية ثانوية الثانوية حسب الاضطرار والضرورة وتنقسم الى أحكام تكليفية وأحكام وضعية الوضعية اي تتعلق بالبطلان او الفساد هذا معنى الأحكام الوضعية وتنقسم الى أحكام واقعية وأحكام ظاهرية وأحكام مولوية وأحكام إرشادية اما القسم الثاني فهي الأحكام التي تنشأ أحكام جديدة من خلال تشخيصه للمصالح والمفاسد ويتم تحديد المصالح والمفاسد من قبل الرسول او الامام او الفقيه وهذه الأحكام تنقسم الى قسمين التي تتعلق بالأحكام وهي الأحكام التي بإمكان النبي او الامام… قراءة المزيد ..
كل ما جاء بالشريعة قابل للتعديل «١-٢»هناك نوعين من الاحكام الاحكام التي يتم تحديدها من قبل الله تعالى سواء الامور التي تتعلق بالعبادات والمعاملات وهذه تنقسم الى اقسام احكام واقعية اولية واحكام واقعية ثانوية الثانوية مثل الاضطرار والحرج والضرورة واحكام تكلفية واحكام وضعية وتنقسم الى احكام واقعية واحكام ظاهرية واحكام مولوية واحكام ارشادية اما القسم الثاني يتم تحديد المصالح والمفاسد من قبل الرسول او الامام او الفقيه وهذه الاحكام تنقسم الى قسمين التي تتعلق بالاحكام وهي الاحكام التي بامكان النبي او الامام او الفقيه في دائرة المباحات ان يصدر تحريما لفترة زمنية اذ اقتضت الضرورة كما في تحريم الحمر الاهليه… قراءة المزيد ..