رد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله على التحية بمثلها، حين دعا إلى اعتبار عودة الأسرى اللبنانيين وتشييع جثامين الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين والعرب الذين سقطوا في المواجهات مع إسرائيل، انطلاقاً من الأرض اللبنانية، عرساً وطنياً ومناسبة لترميم الوحدة.
وكان الوسط السياسي اللبناني يترقب رد فعل نصرالله على التصريحات الإيجابية من جانب خصومه في الأكثرية والتي بدأها زعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري بالدعوة الى اعتبار عودة الأسرى مناسبة للوحدة الوطنية. وتبعتها تصريحات مماثلة من الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط والرئيس السابق أمين الجميل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، كل على طريقته.
وإذا كانت أكثرية اللبنانيين تتوق إلى شيء من التطبيع في العلاقات اللبنانية الداخلية، فإن الأطراف المتخاصمين في حاجة إلى مثل هذا الانفتاح المتبادل، لأن الجميع ضرب فيه التعب. ولأن لا أفق لاستمرار تصاعد الصراع سوى الحرب الأهلية، مهما توهم البعض إمكان تغطيتها بشعارات كبرى، للتعمية على طابعها المذهبي.
الأكثرية تعبة من حملة مركزة تتعرض لها منذ 3 سنوات، بدأت بالاغتيالات ومرت بجهود قوية نجحت في منعها من ممارسة أرجحيتها الناجمة عن انتخابات العام 2005 داخل الحكم، واستطاعت تعطيل جزء من آلة الدولة، وسط قصور في بعض المراحل في أداء فرقائها وتنسيق مواقفها في مواجهة سورية وحلفائها، فضلاً عن استحالة قدرتها على إقامة حد أدنى من التوازن العسكري مع قوى المعارضة و «حزب الله»، وسط تقدم القوى الإقليمية المناهضة لها في مواجهة السياسة الأميركية في المنطقة التي لا تقود في دعمها قوى 14 آذار الى أي إضافة لقوتها، فضلاً عن انها تضرّ بها.
اما المعارضة، فإن التعب أضناها هي الأخرى، على رغم ان سلوك القوة الرئيسة فيها، أي «حزب الله»، يشمل إتقان إخفاء هذا التعب، نتيجة التعبئة الإيديولوجية والدينية والإمكانات العالية التي يتمتع بها. إلا أن جمهور الحزب وحركة «أمل» خاض معارك تفوق ما تحتمله الخصومات اللبنانية المحلية، بالنيابة عن الحليفين الإقليميين، إيران وسورية. أما القوة الثانية في المعارضة، العماد ميشال عون، الذي تخلى عنه جزء، يضمر أو يتوسع بحسب الظروف، من الجمهور المسيحي، فإنه لا يشعر بالتعب طالماً انه يعتبر انه قادر على توظيف قوة الحزب في وجه خصومه. أما حلفاء الحزب في الطوائف الأخرى، فلم يستطع السنّة منهم تغطية تحركه في بيروت ولم يتمكن الدروز منهم من التحرك في الجبل. وبعض هؤلاء الحلفاء اخذ يتنصل من الصدامات المتنقلة التي وقعت في المناطق ويرمي التهمة بالتسبب بها على الحزب في بعض الحالات ليبرئ نفسه، فضلاً عن أن بعض أنصار هؤلاء الحلفاء حمل السلاح في وجه الفريق المحسوب على المعارضة، لأسباب مذهبية…
والواقع ان السيد نصرالله أقر ضمناً بأن الحزب أخطأ في بيروت، حين رد على سؤال وجّه إليه حول الاعتذار من أهلها بأن اعتذار الآخرين من جمهور المقاومة والإساءات إليه، سيقوده إلى اعتذار مقابل، وهذا دليل على أضرار المرحلة السابقة على الحزب.
ومع ان الوجهة الإيجابية، التي ظهرت في المواقف الكلامية للفرقاء اللبنانيين، كان يُفترض ان تظهر وتتعزز بعد اتفاق الدوحة في 21 أيار الماضي، فإن تأخرها الى حين إتمام صفقة تبادل الأسرى لم يكن عن عبث. فالصفقة تمت في مناخ إقليمي يستدعي التبصّر. وبعض عناصر المشهد الإقليمي اكتملت بعد الدوحة.
وإذا كانت المنطقة تتأرجح بين احتمالات الحرب واحتمالات التسويات، فإن أمام القادة اللبنانيين وفي طليعتهم السيد نصرالله تحدي التأقلم مع أي من الحالتين. فعملية تبادل الأسرى تجيء في وقت عقدت الجولة الثالثة من المفاوضات الإسرائيلية – السورية، وبعد التوصل الى اتفاق التهدئة الموقتة بين حركة «حماس» وإسرائيل، وفي ظل تقديم مفوض السياسة الخارجية الأوروبية خافيير سولانا عرضاً جديداً لطهران حول ملفها النووي يتضمن حوافز إضافية مقابل التزامها ما يطلبه المجتمع الدولي في برنامجها النووي. ووزير الخارجية منوشهر متكي يرى إمكاناً لحل متعدد الجوانب مع الغرب ويتحدث بإيجابية عن إعادة العلاقة مع واشنطن وسط معلومات عن حوار تحت الطاولة بين الإيرانيين والأميركيين، في ظل دعوة رئيس الأركان الأميركي الى حوار حكومي مع طهران.
إن مسار التسوية إذا نجح يستدعي من قادة الأكثرية ومن «حزب الله» في شكل خاص التفكير بالحد من أضراره على لبنان والحزب. وفي المقابل فإن وجهة الحرب التي أوكلت واشنطن الى إسرائيل قرع طبولها ضد إيران تتطلب من الحزب، السعي الى حماية ظهره بحد أدنى من التوافق اللبناني الداخلي، إذا كان لا بد له من ان يشارك فيها. كما ان قادة الأكثرية امام تحدي التخفيف من خسائرها على لبنان، إذا كانوا لا يستطيعون الحؤول دون مشاركة الحزب فيها…
الحياة
http://www.daralhayat.com/opinion
/07-2008/Article-20080703-ea08c452
-c0a8-10ed-0007-ae6dc717af09/story.html