يقول علي بن أبي طالب (رضي الله عنه): ” يُعرف الرجال بالحق، ولا يُعرف الحق بالرجال”. تذكرت هذه المقولة العظيمة وأنا أقرأ المقالة الرائعة للأخ الكريم أحمد الصراف في “القبس” قبل أيام في زاويته “كلام الناس”، والتي كانت بعنوان “عندما رفضت الجامعة زيارة البابا”. مفادها أن عالم الفيزياء كارلو برناديني قام بحشد مجموعة من علماء الفيزياء في جامعة “لا سبينزا” الشهيرة في إيطاليا، لمنع البابا من إلقاء كلمة في الجامعة بمناسبة بدء السنة الدراسية، ما أدى إلى إلغاء زيارة البابا للجامعة، وكلنا يعلم المكانة المقدسة للبابا عند المسيحيين الكاثوليك. ويعزو البروفسور برناديني سبب هذا الرفض وهذه المعارضة للزيارة البابوية إلى “موقف الكنيسة من قضايا التخصيب وطرق العلاج المؤلمة التي يضطر الطب الحديث للجوء إليها للتعامل مع المصابين بالأمراض المستعصية، وإن الجامعة تقوم بتدريس طلبتها كيفية النظر للأمور بشكل استقرائي والتشكيك في ما تعلموه من خلال تجاربهم الشخصية ورفض الانحياز لرأي معين، وهذا عكس ما هو شائع في الكنيسة الكاثوليكية”. ويضيف برناديني إلى ذلك القول أنه لا يعتقد أن بالإمكان الوصول إلى حل وسط بين طريقة التفكير العقدية (من العقيدة) الجازمة للكنيسة والدراسة الفلسفية لتطور العقل التي بنيت عليها الأبحاث العلمية. وأن ما ذكره البابا في كلمته التي ألقيت نيابة عنه، في أن العلم لا يمكن أن يتطور من دون إيمان، خير دليل على صحة موقفهم من الكنيسة. (انتهى النقل من المقال).
هل من الممكن أن نجد في عالمنا العربي المسلم عالما بهذه الرجولة الحقة في مواجهة رجل الدين؟ واقع الحال ينفي الإجابة. العلماء في جامعاتنا ينتفضون خوفا من أي كلمة يلقيها رجل الدين ضدهم. أنهم يمشون في ” ظل الحائط” إيثارا للسلامة من سخطه، لأن مواجهته يعني التكفير وتشويه الصورة لدى جموع المصلين الذين لا يفكرون فيما يقوله الخطيب أو الإمام. ولا شك أن هناك من سيقول أن العالم العربي لا يرحم من يقف ضد رجل الدين على المستوى الاجتماعي، وأن من يواجه رجل الدين سيلحقه ضرر كبير لما لرجل الدين من سطوة سياسية واجتماعية ونفوذ لا حدود له ضد الفكر. وهذا صحيح أيضا، ولكن ما معنى الرجولة الحقة إذا لم يمتلك العالم شجاعة المواجهة والثبات على الموقف؟ لو أن علماء ومفكري العرب صمدوا في مواجهتهم لرجل الدين لما حدث كل هذا التراجع الفكري في حياتنا البائسة. لو أن عميد الأدب العربي طه حسين وعلي عبد الرازق مؤلف كتاب “الإسلام وأصول الحكم” وخالد محمد خالد وغيرهم، وقفوا ضد طغيان الأزهر ورجاله لما وصلنا فكريا إلى هذه الحالة البائسة التي نعيشها اليوم. لو أن الروائي والمثقف وأستاذ الجامعة والكاتب استمسك بالشجاعة وتحمل شيئا من الأذى في مواجهة الجماعات الدينية والتدخل السمج لرجل الدين في حياتنا، لما امتلك رجل الدين القوة لمنع الكتب الفكرية، وجعل من نفسه (لا بارك الله فيه) وصيا على أفكارنا وما نؤمن به.
العالم العربي اليوم بحاجة إلى رجال مثل هذا الأستاذ الإيطالي الشجاع كارلو برناديني الذي حفر رفضه لزيارة البابا للجامعة، مكانة محترمة له لدى المثقفين وفي تاريخ العلم. رجل واحد يستطيع أن يحدث فرقا، ولكن عليه أن يدفع الثمن، ولا أحد يرغب في ذلك.
من جهة أخرى سيقول البعض، تبريرا لعجزهم عن المواجهة، أن المجتمع العربي لا يرحم المعارضين، خاصة لرجل الدين، وهذا صحيح، وهنا يكمن الفرق بين العالم والجاهل. فالجاهل لا يستطيع العيش من دون رجل الدين، والعالم لا يستطيع العيش بوجود رجل الدين، لأن رجل الدين ليس فقط ضد العلم، بل هو ضد الحياة بشكل عام، والدليل عالمنا العربي الذي نعيش فيه اليوم، كيف كان يوم غاب عنه رجل الدين في الأربعينات إلى الستينات (العصر الذهبي للعالم العربي)، وكيف أصبح يوم ساد فيه رجل الدين حياتنا العامة. لقد تخلف العرب تخلفا مريعا على مستوى الفكر والثقافة منذ أن هيمن الفكر الديني على المجتمع العربي، ووجدت فيه الأنظمة العربية الاستبدادية الفرصة لشرعنة هذا الاستبداد باسم الدين.
العالم العربي اليوم في ظل هيمنة الفكر الديني يعيش وضعا مترديا ومريعا في جميع المجالات الفكرية والثقافية، وكذلك في التعليم، وبرغم المليارات التي يملكها هذا العالم إلا أنه يضم في جنباته أكثر الشعوب فقرا وأميّة وجهلا.
الحل الوحيد للعالم العربي للخروج من دياجير التخلف يكمن في العمل على إبعاد رجل الدين عن الشأن العام.
** كل الشكر للأخ د. حمود الحطاب على مقاله الفاضح الجريء “هزيمة الفكر التربوي في وزارة التربية”، والذي نشرته “السياسة” الأسبوع الماضي، حيث بيّن جناية لجنة استكمال تطبيق الشريعة على التعليم في الكويت.
awtaad@yahoo.com
* الكويت
يُعرَف الرجال بالحقّ”مقال رائع. ان الله وهب الانسان العقل واعتبره خليفة الله في الارض ومنه بنى حضارة ووصل الى الديمقراطية واحترام الانسان بعد حروب وعناء فقضى بشكل عام على ظلم الانسان لاخيه الانسان اي استطاع ان ينهي مبدا الاكراه والعنف ومنه انهى عصر الظلام والظلم من نظم شمولية علمانية او دينية او قبلية او عرقية وهو يحاول ان يقضي على استمرار الديكتاتوريات والظلم ويامل ان تساعد الامم المتحدة وليس مجلس الامن(لانه ليس ديمقراطي) في ذلك بينما الكائنات الاخرى تعيد نفس سلوكها. نعم ان الانسان قفزة بشكل خارق بعد الحرب العالمية وذلك نتيجة تطبيق الديمقراطية واحترام الانسان فهل العرب مازالوا عنهم… قراءة المزيد ..
يُعرَف الرجال بالحقّ”المعروف والمنكر-د. خالص جلبي سألني الأخ “الرشودي” عن طبيعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جاء به الإسلام، فقلت إن القرآن تحدث عن أمرين؛ أمر يجب القيام به وهو ما تعارف الناس على أنه جيد ونافع، وأمر ينكره الناس ويجب الامتناع عنه. ووصف القرآن أمته بأنها خير أمة أخرجت للناس لاطلاعها بالأمرين معاً، أي كونها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. مع هذا قد تنقلب الآية فيصبح الأمر بالمعروف منكراً والنهي عن المنكر معروفاً، حين توضع الأشياء في غير موضعها. فلوط أخرجه قومه بتهمة أنه وأصحابه يتطهرون! وحين يتورط المجتمع كله في الموبقات؛ فقد يتعرض للمحق، كما… قراءة المزيد ..